الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


پوتين: من بطل «تايكوندو» إلى «ملاكم انتحاري»

عادل جندي

2022 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


عادل جندي ـ
صعوبة التعليق على حرب روسيا في أوكرانيا، الجارية حاليا، تكمن في:
1ـ لا يمكن النظر إلى ما يحدث الآن بدون أخذ الماضي في الاعتبار، ومنه يتضح أن الجميع عندهم بعض الحق والجميع على خطأ.
2ـ الحرب هي أسوأ البدائل، ومن يبدأها لا يملك بالضرورة القدرة على إنهائها أو على تحمل تبعاتها.
***
لا داعي للاستفاضة في تكرار أنه برغم وعود الغرب (بوش الأب لجورباتشوڤ، وإلى حدٍ ما، بوش الابن لپوتين)، فإن حلف الناتو استمر في التوسع شرقا بصورة تبدو غير ضرورية، بل خانقة لروسيا. وإن كان لا بد من إضافة أن هذا التوسع كان برغبة وإلحاح دول وسط وشرق أوروبا (ألبانيا ـ إستونيا ـ المجر ـ بلغاريا ـ پولندا ـ لاتڤيا ـ ليتوانيا ـ رومانيا ـ التشيك ـ سلوڤاكيا) التي لديها مخاوف تاريخية لا تنسى منذ فترة خضوعها للاتحاد السوفييتي.
إذن، فمن ناحية، يمكن تفهم شعور روسيا ـ پوتين بالحصار. ولكن، من يمكنه الحجر على حرية هذه الدول في اختيار وسائل الدفاع عن أمنها؟
لكن لم يبق لاكتمال حلقة التماس ـ أو الحصار ـ غربا إلا فنلندا وأوكرانيا.
الأولى أعلنت منذ زمن طويل حيادها، لكن الأخرى لم تفعل. بل بعد سنوات من التفاهم «الضمني» بأن أوكرانيا لن تُضم للناتو، بدأت حكومتها بالمطالبة علنا بذلك في السنوات الأخيرة. وإن كانت هناك اعتراضات أوربية (خاصة من ألمانيا وفرنسا) على هذه الخطوة، إضافة إلى رفضها من أمريكا ـ ترامپ، إلا أن إدارة بايدن رفضت تماما إعطاء وعد قاطع لروسيا.. ومن هنا تفاقمت الأزمة في الشهور الأخيرة وتصاعدت إلى أن وصلت للوضع المأساوي الحاضر.
يتحجج پوتين بأن أوكرانيا ليست دولة مثل غيرها، نظرا للعلاقة التاريخية بالغة العمق بين البلدين. بل إن روسيا، التي ولدت في القرن التاسع كانت عاصمتها الأولى كييڤ، قبل أن تنتقل (1243) إلى ڤلاديمير ثم إلى موسكو (1389) ثم إلى بطرسبرج (1712) وعودة إلى موسكو في 1918.
لكن أوكرانيا أصبحت دولة مستقلة عاصمتها كييڤ منذ 1918، وظلت ضمن جمهوريات الاتحاد السوڤييتي حتى انهياره (1991) واستقلالها مرة أخرى. إذن أصبحت دولة مثل غيرها. صحيح أن بعض الأقاليم الشرقية من أوكرانيا (دونباس) يسكنها ناطقون بالروسية، لكن هذا لا يكفي لتبرير انفصالهم ـ وإلا وجب إعادة تشكيل وترسيم حدود غالبية دول العالم، بناء على تقسيمات لغوية أو إثنية.
في 2014 احتلت روسيا شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا. وبرغم رفض هذا الأسلوب، إلا أن العالم تقبل على مضض ـ واقعيا وليس رسميا ـ ضم القرم، لأن هذه المنطقة كانت جزءا من روسيا، ولم تُضم لأوكرانيا إلا بناء على قرار إداري في 1954.
وفي نفس الوقت بدأت حرب انفصالية في دونباس بتشجيع ودعم روسي، راح ضحيتها أكثر من 15 ألفا حتى الآن. وبالطبع يستحيل أن نعرف بدقة أي طرف يستحق إدانة أكثر من غيره.
***
قبل العودة إلى الحرب الحالية، يجب التوقف قليلا عند پوتين شخصيا.
هذا الزعيم، الذي سيبلغ السبعين من عمره في مايو، هو بلا شك وطني ـ قومي، شديد الذكاء سريع التحرك، أثبت أمام العالم قدرات استراتيجية وتكتيكية بارعة على مدى سنوات حكمه الاثنين والعشرين. ونجح في إعادة لروسيا بعض من مكانتها وقدراتها المفقودة منذ انهيار الاتحاد السوڤييتي، وخاصة في المجال العسكري والدولي، وإن كان على حساب النمو الاقتصادي (الدخل القومي لروسيا ما زال أقل من اسبانيا).
ومن ناحية أخرى فهو أوتوقراطي لا غش فيه، وينتمي إلى نوعية الشخصيات التي لديها استعداد لأن تعتقد أنها على حق دائما، ولا يأتيها الباطل من بين يدين أو خلف. (هذه العينة موجودة عند حكام آخرين، مثلا في كوريا الشمالية، أو ـ مع فارق مستوى الذكاء ـ عند حكام آخرين أقرب إلينا..). مع مرور السنوات، ومع استمرار التفرد بالحكم وتضيق الدائرة المحيطة (المنافقة، غالبا)، ومع النجاح في تكميم الأفواه وتجريم الانتقاد، وتعديل الدستور للاستمرار في الحكم حتى 2036 (!)، يبدو أنه دخل المنطقة النفسية والذهنية التي تحوّل صاحبها من براجماتي يعرف أين ومتى يقف، إلى مقامر مغامر، لا يتصور إمكانية الخسارة أو الهزيمة.
***
كيف وصل پوتين إلى نقطة أقنع فيها نفسه بأنه على حق وأنه يستطيع التحرك في أوكرانيا بالطريقة التي نراها؟
لقد كان التوقع أنه بعد الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين (في الدونباس) سيكون قد أرسل إشارة تحذيرية قوية للعالم أن هناك خط أحمر لتوسع الناتو، وبعدها سيقوم الغرب بفرض عقوبات اقتصادية رمزية، ثم بالجلوس إلى مائدة التفاوض..
لكن المفاجأة كانت قرار اجتياح أوكرانيا بأكملها. حرب على نطاق واسع مثل هذا شيء لم يحدث في أوروبا منذ ثلاثة أرباع قرن.
وهنا نرى بوضوح كيف تحول بطل التايكوندو البارع إلى «ملاكم». ليست هنا المشكلة، بل المشكلة أنه لا توجد مباراة في حلبة ملاكمة بها حَكم، معه صفارة.. بل قد اختار أن يُلاكم ـ على قارعة الطريق ـ جاره (الأوكراني) الأضعف. المشكلة الأكبر: لم يعمل حساب أن ما أقدم عليه سيعطي الفرصة لعشرات الملاكمين الذين لا يقلون قوة ومهارة عنه في التكالب عليه ومنازلته.
الصورة الآن بعد أسبوع من الحرب: آلاف القتلى والجرحى المدنيين الأوكرانيين. حوالي مليون لاجئ. خمسمائة جندي روسي قتلوا (الرقم الرسمي). خراب ودمار في المدن الكبرى. مقاومة شعبية تفوق كل توقع. عقوبات اقتصادية ضد روسيا، ومحاصرة بلا مثيل، وتهاوي الروبل، وصعوبات حياتية تواجه المواطنين. فجأة تحولت روسيا إلى «دولة مارقة». وحتى لو انتصر پوتين عسكريا وأخضع أوكرانيا، فالرفض الشعبي سيؤدي ـ بتعضيد خارجي ـ إلى حرب استنزاف باهظة التكلفة.
إذن ماذا سيحقق الرئيس پوتين من حربه؟ كل الدلائل توحي بفشل ذريع.
السؤال هو: هل تؤدي حالة الحصار وبوادر الهزيمة والشعور بالمهانة إلى القيام بدفع العالم إلى (حافة) الهاوية، بعقلية «عليّ وعلى أعدائي»؟ هل تكرار التهديد بالسلاح النووي بصورة لم تحدث حتى في عنفوان الحرب الباردة دليل على شيء ما؟
قلنا أعلاه أنه تحول إلى «ملاكم»، لكن الصفة الأخطر التي يجب الانتباه إليها هي: «انتحاري».
وهذا مكمن الخطر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بوتن من شيوعي الى قومي فاشي
منير كريم ( 2022 / 3 / 4 - 15:58 )
تحية للاستاذ المحترم
اذا لم يكن الانسان ديمقراطيا حقيقيا فيسهل عليه التلون والتحول بين الاتجاهات المعادية للديمقراطية والامثلة عديدة
بوتن تحول من شيوعي الى قومي شوفيني فاشي يريد اعادة تاسيس الامبراطورية الروسية بالقوة والقوة النووية اذا استطاع
الانظمة الدكتاتورية هذه خطرة جدا على الامن والسلم الدولي
هو صراع بين العالم الحر والاستبداد
والنصر للعالم الحر
شكرا لك

اخر الافلام

.. داعش يتغلغل في أوروبا.. والإرهاب يضرب بعد حرب غزة | #ملف_الي


.. القرم... هل تتجرأ أوكرانيا على استعادتها بصواريخ أتاكمز وتست




.. مسن تسعيني يجوب شوارع #أيرلندا للتضامن مع تظاهرات لدعم غزة


.. مسؤول إسرائيلي: تل أبيب تمهل حماس حتى مساء الغد للرد على مقت




.. انفجار أسطوانات غاز بأحد المطاعم في #بيروت #سوشال_سكاي