الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام بين الحقيقة والتضليل

محمد بلمزيان

2022 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أينما وليت وجهك بحثا عن قناة إعلامية تلفحك السنة الكذب ، تستعير لهيبا صادرة عن إعلام هجين، مفبرك ومخطط له قصد استحمار الناس، واستغبائهم والتلاعب بعقولهم كيفما شاءت إلا من رحم ربك، خاصة في هذه الأيام التي تشهد انقساما حادا حول الحرب الجارية الآن بين روسيا واوكرانيا، فكلما أطللت على قناة في محاولة البحث عن الخبر، كلما علمت بأنك ستكون ضحية نصب في الخبر، ومحاولة غسيل مخك ووتشويش في معطياتك المسبقة على الملف، فكم من صحافي يقدم نفسه محللا في شأن القضايا السياسية الشائكة وقضايا العلاقات الدولية، أو خبير لا يشق له غبار في القضايا العسكرية والإستراتيجية، فتراه يحلل ويقدم أجوبة وكأنها حقائق دامغة، والحال أنه يعكس وجهة نظر ضيقة للقناة التي ينتمي اليها، وباتلاي فهي مجرد في بحر تتلاطم أمواجه في محيط لا حد له، فهو قد يكتسي جانبا من الحقيقة أو يخالف ما يجري على أرض الواقع جملة وتفصيلا، وبالتالي قلب المعادلة ليصبح الخبر ضحية ، فيصير المشاهد أكبر الضحايا في النصب على المعلومة الحقيقية. صحيح أن الحقيقة تضيع في معمعان الحروب وتصير عملة نادرة، وتكون مناسبة لحجب الحقائق وفق ما يخدم الوسيلة الإعلامية وانسجامها مع خطها التحريري وانخراطها في صف الصراع احد الأطراف المتحاربة، الأمر التي تتحول معه وسائل الإعلام المختلفة الى مشاتل لإنتاج وفبركة الخبر على المقاس وحسب ما يرضي الممول والمؤسسة الإعلامية. وكم يصاب المرء بالإمتعاض حينما تتابع مشاهد من حوارات للنقاش أو حلقات للتحليل أو جوانب من لقطات التعليق أن بعض القنوات تتعمد الى انتقاء ضيوف بعينهم يحملون وجهة نظر واحدة حول القضية ، في حين يتم التغاضي على الجانب الأخر الملف دون أن تكلف نفسها عناء دعوة الطرف النقيض، الشيء الذي تتحول معه الحلقة الى حلبة للإنتقاد واستعراض المساويء للطرف الغائب/ المغيب عن الحلقة، وهذا الأمر لا يؤدي فقط الى إضاعة الفرصة على المشاهد للإطلاع المتوازن على القضية ومعرفة الآراء حولها، بل يضع مصداقية هذا النوع من الوسائل الإعلامية على المحك، ويجعلها وسائل للدعاية لطرف واحد، وبشكل يخفي عنوة الجانب الآخر من المعادلة، في الوقت الذي كان من المفروض أن يتم احترام جميع الأطراف المتصارعة، خدمة للشعار الخبر مقدس والتعليم حر، وكم تتهافت خلال هذه الأيام العديد من القنوات المعروفة في تقديم برامج حوارية ونقاشات لقضايا دولية، حيث تتعمد الى اختيار محاوريها حسب وقوفها من صراع لعبة الشطرنج، سيما وأن بعض المحاورين لا يخجلون الى تكرار معطيات تتناقلها وسائل الإعلام وتتخذ هذه الأخيرة كمرجع للخبر، وهنا تكمن المشكلة، فإذا كان الصحافي المراسل الميداني (محايدا ) وهي حالات نادرة جدا، هو الصحافي الذي ينقل الخبر من من معمعان الحرب فهي أخبار حقيقية، والحال أن هذه المهمة ينهض بها غالبا المراسل العسكري الذي يكون لصيقا بأحد طرفي الصراع وهو مؤهل بأن يواكب كل صغيرة وكبيرة خلال مجريات وسيرورة الحرب على الأرض، لكن السؤال المطروح هو حدود حرية هذا الصحافي في الكشف عن كل ما شاهده ورآه بأم عينه وسمعه بأرنبة أذنه؟ وإذاعته والبوح به الى الإعلام، فهو يشكل هنا ( مصدرا ) للخبر من حيث هو شخص عايش الحدث بجوارحه وبتفاصيله، وهو بذلك مؤهل بأن يكون المؤرخ الحقيقي للتاريخ لما يجري أمام عينيه ومصدرا واقعيا وحيا لما يدور، والحال أن المقارنة بينه وبين ( المرجع) فهي مقارنة فاشلة الى حد كبير، فلا مقارنة مع وجود الفارق كما يقول المثل المأثور، فالفارق هنا قد يطول أو يقصر لكن يشكل أحد مظاهر الإختلاف الجوهرية بين صناعة الخبر في مخيال الناس ومحاولة التشويق على الحقائق، وتناقلها وانتشارها كالنار في الهشيم، وبين خبر صادر من عين المكان سهر عليه صحافي غالبا ما يكون مخاطرا بحياته من أجل هذه الغاية النبيلة، وهي الكشف عن الحقيقة، ولخدمة إعلام حقيقي وليس مضلل، وهي حالات نادرة جدا في زمننا الحالي .
فليس بخاف أن الماكينة الإعلامية قد لعبت أدوارا خطيرة بل وحاسمة في إدارة الحروب، وأدت وظائف تفوق بكثير ما قد تنجزه القوة العسكرية، لقدرتها على تجييش العواطف ونشر الحماس، فهي قادرة على استنهاض الهمم كما أنها قدرة على تحطيمها أيضا، فالتحكم في الإعلام أثناء الحرب يشكل خطوات متقدمة لحسم المعارك في اتجاه الحسم للحرب، من خلال القدرات المتاحة على إلحاق هزائم افتراضية بالخصم واللعب على نفسية العدو بالشكل الذي يجعله يتصور نفسه منخور القوى، عبر التعمد على التشويش والتضليل وإخفاء الحقائق، ومحاولة تركيب مشاهد بالصوت والصورة على أنها عين الحقيقة ملؤها إرباك الخصم و تحجيم أية إرادة في اتجاه النصر، وموضعته في مربع المنهزم الذي لا يحتاج سوى الى الإستسلام والقبول بالأمر الواقع، والحال أن ما يجري على الأرض قد يكون هو الصحيح ويعاكس تماما ما تعكسه الوسائل الإعلامية المخدومة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا