الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الأوكرانية والعنصرية الأوروبية

كاظم ناصر
(Kazem Naser)

2022 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تسبب الهجوم الروسي في إرغام ما لا يقل عن مليون أوكراني بينهم آلاف الأجانب الذين يدرسون أو يقيمون في أوكرانيا على النزوح نحو بولندا وغيرها من الدول الأوروبية الأخرى التي فتحت حدودها لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، وأعفتهم من الإجراءات البيروقراطية، وسمحت لهم بالإقامة والعمل لمدة ثلاث سنوات؛ هذه سياسة إنسانية أخلاقية تشكر عليها، ولا يعكر اهميتها وبعدها الإنساني سوى التناقض الواضح بين هذا الترحيب والاهتمام بلاجئي أوكرانيا، وبين سياسات إغلاق الحدود والطرد والتفرقة العنصرية التي اعتمدتها الغالبية الساحقة من تلك الدول لمنع اللاجئين غير الأوكرانيين من دخولها.
فقد أفادت التقارير أن عددا من الإفريقيين " السود " والعرب والهنود الذين يدرسون أو يقيمون ويعملون في أوكرانيا وجدوا أنفسهم عالقين وسط الهجوم الروسي انضموا إلى أفواج اللاجئين باتجاه الحدود مع بولندا، لكن الجنود الأوكرانيين أمروهم بالنزول من الحافلات قائلين " لا سود " يسمح لهم بالركوب، فقط البيض الأوكرانيين. وتجلت هذه العنصرية الأوروبية في تصريحات مسؤولين حكوميين وصحفيين عبروا فيها عن الألم والتعاطف مع اللاجئين الأوكرانيين لأنهم" متحضرون بيض، ذوو عيون زرقاء وشعر أشقر وليسوا من دول غير متقدمة وغير متحضرة مثل العراق وأفغانستان."
وقال رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف في تصريح متلفز " اللاجئون الأوكرانيون ليسوا من اللاجئين الذين اعتدنا عليهم، هؤلاء أوروبيون أذكياء ومتعلمون، ولا يملكون ماضيا غامضا، كأن يكونوا إرهابيين." وقال مراسل شبكة " سي بي إس " الأمريكية شارلي داجاتا إنه لا يمكن مقارنة غزو أوكرانيا بالحرب في العراق أو أفغانستان لأن أوكرانيا " أكثر تحضرا وشعبها شعب أوروبي." وتضمنت برامج لقناة " بي أف أم " الفرنسية اليمينية أوصافا عنصرية مثل " نحن لا نتحدث عن سوريون يهربون من قصف نظامهم المدعوم من بوتين، بل نتحدث عن أوروبيين يقودون سيارات كسياراتنا."
لا شك أن أواصر القربي والتاريخ والثقافة والجوار التي تجمع الشعب الأوكراني مع الدول الأوروبية هي أكثر بكثير من التي تجمعه مع الأفغانيين والعرب والأفريقيين والهنود، لكن العذاب الإنساني الذي تنتجه الحروب لا لون له، ولا يفرق بين أصحاب البشرة البيضاء والسمراء. ولهذا كان من المأمول ان تساعد الدول الأوروبية جميع اللاجئين وتساوي بينهم في محنتهم، ولا تكون انتقائية وعنصرية بهذه الطريقة البشعة التي ترفضها الأخلاق والقوانين والأعراف الإنسانية.
هذه التناقضات في التعامل مع الآخرين تشير بوضوح إلى أن الدول الأوروبية " المتحضرة " متحيزة عنصرية غارقة في وحل كذبة تفوق العرق " الآري " الأبيض، ولا يهمها سوى شعوبها ومصالحها، وإن شعارات الدفاع عن الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية والأخلاق التي تتغنى بها ليست سوى شعارات للدعاية وخداع العالم! والدليل الآخر على تحيزها العنصري ونفاقها وكذبها هو أنها هبت لدعم أوكرانيا بالسلاح والمال، ورحبت بالمقاومة الأوكرانية واعتبرتها شرعية، وأعلنت عن استعدادها لدعم مشاركة مواطنين أوروبيين في التطوع للقتال ضد روسيا، واتخذت إجراءات اقتصادية قاسية ضدها؛ لكنها في المقابل تصف كل فلسطيني وعربي يقاوم الاحتلال والعنصرية وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، أو يعارض دول التسلط والاستبداد العربية العميلة المرتمية بأحضان الغرب بأنه إرهابي ومعاد للسامية والقيم الإنسانية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والتلويح بالسلاح النووي التكتيكي


.. الاتحاد الأوروبي: أعضاء الجنائية الدولية ملزمون بتنفيذ قرارا




.. إيران تودّع رئيسي ومرافقيه وسط خطى متسارعة لملء الفراغ السيا


.. خريجة من جامعة هارفارد تواجه نانسي بيلوسي بحفل في سان فرانسي




.. لماذا حمّل مسؤولون إيرانيون مسؤولية حادث المروحية للولايات ا