الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدب الروسي والقفص الأوكراني

نوفل شاكر

2022 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


مصير العالم الآن يتوقف على إرادة رجلٍ واحد، رجلٌ اسمه " ڤلاديمير بوتين"، رجلٌ يحاول إعادة رسم الخرائط القديمة بأزرار نووية!

فوجيء العالم بالدخول الروسي إلى الأرض الأوكرانية الحرام، لم يتوقع أحدٌ ما بأن يزج سيد الكرملين بجيوشه إلى هناك، ويدفع الغرب إلى " حافة الهاوية" ملوحاً ب " الردع النووي"!

روسيا؛ هذه الدولة العصية على تقلبات السياسة، ودورات التاريخ، الدولة التي واجهت منذ أكثر قرنين، وفي كل مطلع قرنٍ منها تحدياً وجودياً كاد يعصف بها… رغم ذلك خرجت من كل هذه الأخطار منتصرة!

في عام 1812 تجمدت على مقتربات موسكو فيالق الإمبراطور الفرنسي الطامح بزعامة أوربا بأسرها، نابوليون بونابرت، فعاد منكسراً… بعدها بقرن من الزمان، انكسرت جيوش الامبراطور البروسي ڤيلهليم في عام 1914 في محاولته لاجتياحها، وتكرر الأمر مع ألماني آخر، أصيب بجنون العظمة، فقرر اجتياح روسيا، أدولف هتلر، فتحطمت فرق الفيرماخت على أسوار موسكو وزمهرير شتائها، وانقلبت الرياح على أشرعة الفوهرر، فإذا بكتائب " الجيش الأحمر" تحاصر مبنى " الرايخ الثالث" وتطيح بأحلامه، ففضل الانتحار على ذلك!

روسيا التي تجاهلها عرافو السياسة، وضاربو تخوت رملها بعد انهيار الاتحاد السوڤييتي، ها هي اليوم قد عادت بعنفوانٍ إلى الواجهة، عودةً لم تكن ذات يوم، تدور بحسبان الغرب، ولا في تكتيكات حلفه الأطلسي.

يقول الكاتب اللبناني غسان شربل: " في بداية التسعينات، وفي عهد يلتسين، سألت عن اسم الرجل القوي في البلاد، وهالني جوابٌ يقول: " إنه السفير الأميركي"!! وحين شاهدت بزات ضباط " الجيش الأحمر" تباع بما عليها من شاراتٍ ونياشين بحفنةٍ من الدولارات في شارع إربات للمشاة في موسكو، سألت نفسي عن موعد الثأر الروسي".

بعد ثلاثة أعوام من انهيار الاتحاد السوڤييتي، ظهر كتاب فرنسيس فوكوياما الشهير، وشاعت مقولة " نهاية التاريخ" وسادت نظرية " القرن الأميركي" وتبادل قادة حلف الناتو أنخاب النصر، وأخرجت هوليود أفلام السخرية بالجيش الأحمر، ودبّج كتاب الفورين بوليسي مقالات الشماتة بانهيار " امبراطورية الشر"، وأصبحت الأرضُ بدولها ملكاً للامبراطورية الأميركية؛ لتفرض على " المجتمع الدولي" سلطانها وأنماط حياتها وثقافاتها، وسيستمر هذا المجتمع بالعيش تحت الشعار المعدل لشركة جنرال موتورز " كل ما هو جيد لأميركا، هو جيد للعالم".

في تلك الحقبة قدّم الغرب للقادة السوڤييت والروس وعوداً لحفظ ماء وجه الامبراطورية الآفلة، وتعهدوا بأنه لن يكون هناك كسرٌ جيوسياسي، وأن الناتوا لن يستغل الوضع الجديد ولن يندفع ببنيته التحتية شرقاً. ما حصل هو العكس تماماً، إذ قام المنتصر بخمس موجات توسعية متتالية، ليجد الروس أنفسهم أمام منصات صواريخ الحلف وقواعده العسكرية تحيط بهم من بحر البلطيق شمالاً حتى جورجيا جنوباً!

وهكذا استيقظ الدب الروسي من سباته، فهاجم جورجيا وقسمها في عام 2008 واستعاد القرم في 2014 وبعدها بسنة دخلت قواته إلى شرق المتوسط في سوريا، لتدخل بعدها بسنتين إلى غربه في ليبيا واليوم يجتاح أوكرانيا وسط ذهول العالم وارتعاد الغرب هلعاً! بعدما أرغم الناتو على التنازل عن حلم التوسع في بداية لإرغامه على الانكفاء عن المواقع التي غنمها حينما كان الكرملين يئن تحت انقاض الاتحاد السوڤييتي.

في عام 2014 دبرت وكالة الاستخبارات الاميركية " ثورة برتقالية" أطاحت فيها بالنظام الموالي لموسكو في كييڤ. في العام 2019 تمّ تعديل دستور أوكرانيا، وتكريس القواعد الخاصة بالمسار الاستراتيجي لعضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوربي والناتو. في قمة بروكسل في يونيو 2021 كرر قادة الناتو الحديث عن القرار المتخذ في قمة بوخارست عام 2008 بأنّ أوكرانيا ستصبح عضواً في الحلف. في 30 نوڤمبر 2021 صرّح الرئيس الروسي بأن توسيع وجود الناتو في أوكرانيا ولا سيما نشر صواريخ طويلة المدى ستكون قضية خط أحمر بالنسبة لروسيا، وطلب من الرئيس الأميركي تقديم ضمانات، لم يرد البيت الأبيض بل رد الأمين العام للناتو " إن أوكرانيا مستعدة للانضمام إلى الناتو وليس لروسيا حق النقض".

في ال24 من شباط 2022 أطلق الرئيس الروسي " عملية خاصة في أوكرانيا" فاجتاحت جيوشه حدود أوكرانيا الشرقية والجنوبية وأصبحت على مدى 25 كم من العاصمة كييڤ، بعدها بيومين أعلن حالة " التأهب النووي" وظهر وعلى يساره الزر النووي، فارتعدت فرائص الغرب لذلك! وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة بالقول" لدينا قشعريرة جراء إعلان بوتين التأهب النووي"!

في اختطاف الرهائن، يتم وضع دولٍ كبرى في أقفاصٍ صغيرة؛ بسبب خوفها على رهائنها. الغرب اليوم مرتهن داخل القفص الأوكراني… الغرب خائف ولا يمتلك إرادة الحرب، سيد البيت الأبيض يقول بأن بلاده لن ترسل قوات إلى أوكرانيا، توسلات الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي بفرض حظر جوي على أوكرانيا، لا تجدي نفعاً، بايدن يقول بأن الناتو لن يفرض حظراً على أوكرانيا؛ لأن ذلك يعني حرباً عالمية ثالثة!!!

موسوعة السياسة الخارجية الروسية، وزير الخارجية سيرجي لاڤروف يسخر من الرئيس الأميركي عندما سأله محاور قناة الجزيرة " هل نحن على أبواب حرب عالمية ثالثة؟!" فيجيبه قائلاً: " يجب أن توجه هذا السؤال للرئيس بايدن… بايدن سياسي مخضرم"!

حين يغرو الخوف بلاداً ما، لا يحتاج الأمر أن ترسل الجيوش إليها، فالخوف كفيل باحتلالها، هذا الخوف يعبر اليوم عن نفسه بعقوبات مالية، و شخصية، ورياضية، وثقافية، ولكنه لن يجرؤ على فرض عقوبات شاملة، أو عقوبات تطال حتى قطاع الطاقة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح