الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التناقض بين العمل والرأسمال يعمق الصراع الطبقي في كافة الميادين الرئيسية
خليل اندراوس
2022 / 3 / 4ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الزلزال الاقتصادي الذي يعاني منه العالم الرأسمالي في الفترة الأخيرة، والذي لم يكن متوقعًا من قبل جهابذة رجال الاقتصاد مؤيدي السوق الحرة - حرية رأس المال المالي البنكي والعسكري. أي حرية الاستغلال والربح الفاحش على حساب الطبقات الشعبية الواسعة وخاصة الطبقة العاملة في الدول الرأسمالية، ودول العالم الثالث لهي أكبر دليل على أن اقتصاد السوق الحرة والذي جرى تأليهه في السنوات الأخيرة وخاصةً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في المجتمعات البرجوازية، والمبني على سيطرة الاحتكارات والجماعات المالية الكبرى، والمُلكية الخاصة لوسائل الانتاج الضخمة، وصل إلى طريقٍ مسدود يفرضُ على بعض الدول العودة إلى ضرورة التحكم من قبل الدولة، خاصةً بالنسبة للبنوك، والاحتكارات المالية حيث أصبح النظام البنكي العالمي، وبالتحديد في أمريكا على حافة التفكك.
هناك في الغرب من يريد تجاهل طبيعة الأزمة، مع أنّه معروف الآن لدى العديد من رجال الاقتصاد في العالم بوجود تصورات اقتصادية فاسدة قديمة، وخاصةً لدى الادارات الرسمية أو العليا للاحتكارات والجماعات المالية الكبرى رافعي شعارات الليبرالية الاقتصادية او النيوليبرالية، أصحاب الايديولوجيات المهترئة والمتأخرة، في تعاملها مع التطور الاقتصادي والتاريخي للمجتمع الطبقي الرأسمالي في أعلى مراحله- الامبريالية، والتي يرغبون بزخرفتها بشتى الأسماء والصور الجميلة، البعيدة عن أرض الواقع، حيث تعاني المجتمعات الغربية الرأسمالية من مستوى بطالة مرتفع، وفقط مع بداية هذه السنة الجديدة، تم في امريكا فصل أكثر من نصف مليون عامل من العمل، بالإضافة إلى الفقر المدقع الذي تعاني منه شرائح اجتماعية واسعة في دول رأس المال، عدا عما تعاني منه مجتمعات الدول الفقيرة من جوع وفقر وأمراض وحتى نقص مياه الشرب، فمصدر ربح الرأسماليين والاحتكارات هو استثمار الجماهير الكادحة، من خلال انتاج القيمة الزائدة وامتلاكها. وقد شبه ماركس الرأسمال بـ "غول لا يعيش وينتعش إلّا حين يمتص الدم والعرق من جماجم عبيده المأجورين"، (راجع ماركس انجلز. المؤلفات). فالقيمة الزائدة هي القيمة التي يخلقها عمل العمال ويستأثر بها الرأسمالي بلا مقابل. ولقد بين التطور التاريخي أنّ الرأسمالية وخاصة في أعلى مراحلها الامبريالية، لا تستطيع أن تتطور بدون الأزمات المتكررة دوريًا، والمدة الواقعة بين أزمة اقتصادية وأخرى تسمى "الحلقة الاقتصادية" وهذه الحلقة تتألف في شكلها الكلاسيكي من أربعة أطوار: الأزمة، الركود، الانتعاش، النهوض.
في مطلع الستينيات بدأت الثورة العلمية التكنيكية، في جميع المجالات، الحوسبة، الاعلام، الاتصال وأجهزة التحكم، واستخدام أنواع الطاقة، على نطاق واسع، وإيجاد تكنولوجيات جديدة مثل تكنولوجيا الليزر وغيرها وغيرها. كل هذه الاكتشافات والامكانيات الجديدة وسعت كثيرًا امكانيات العمل، واعدة بتوفير هائل في المجهودات الذهنية والنفسية والبدنية.
لقد أدت الثورة العلمية التكنيكية إلى تطوير قدرات العمل وزيادة دوره في تطوير الانسان بوصفة القوة المنتجة الأساسية، وفي تحسين الأشكال الاجتماعية لتنظيم العمل وتقوية تخصصه وزيادة انتاجية العمل الاجتماعي. وأدت الثورة العلمية التكنيكية والمعلوماتية إلى تغيرات عميقة في طابع العمل، بالإضافة إلى انعطاف نوعي في التقسيم الاجتماعي للعمل، إذ أدت هذه الثورة العلمية إلى ازدياد دور التخصص التكنولوجي والتفصيلي. مثلًا في صناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث توجد الشركات الأم الكبيرة، شبكة واسعة من المصانع المشتركة المختصة بصنع قطع معينة. وهذه العلاقات المتبادلة بين الاحتكارات الكبرى والمصانع المشتركة أدت إلى هيمنة الأولى على الثانية هيمنة شاملة عن طريق فرض أسعار المنتج بالإكراه وتحديد أحجام الانتاج وسائر جوانب نشاطها الانتاجي. وهذا التخصص في الانتاج يجري ليس فقط بين الاحتكارات والمؤسسات بل أيضًا بين بعض البلدان الرأسمالية. وهكذا في هذه المرحلة يجرى تقسيم دولي للعمل الذي هو درجة عليا في تطوير التقسيم الاجتماعي الاقليمي للعمل.
وهذا يؤدي الى استغلال البلدان النامية من قبل الدول الرأسمالية المتطورة والشركات المتعددة الجنسيات. ولذلك يتوقف اقتصاد البلدان النامية على استيراد أحدث المنجزات التكنيكية والتكنولوجية والمعارف العلمية والمعلوماتية، التي يتوسع استخدامها أكثر فأكثر في هذه البلدان، إلا أن إعدادها وإنتاجها يجريان في البلدان الصناعية المتطورة.
إن الدول النامية عندما تستخدم مستحدثات الغرب التكنيكية تنخرط في التقسيم الرأسمالي العالمي للعمل ليس كشركاء متكافئين، بل على الأكثر كتوابع اقتصادية تكنيكية.
إن الثورة العلمية التكنيكية إذ توسع إمكانيات النمو الاقتصادي، في البلدان النامية تعمق في الوقت ذاته الهوة بينها وبين الدول المتطورة.
ويتأثر تقسيم العمل بين البلدان المتطورة والنامية في حالات الركود والانتعاش في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. بالإضافة الى ذلك تواجه الرأسمالية تناقضًا بين العمل كوسيلة للمعيشة وبين العمل كوسيلة لتلبية الحاجات الاجتماعية. ويتجلى هذا التناقض في أن القدرات الهائلة للتكنيك والتكنولوجيا تستخدم مباشرة ليس لصالح الانسان بل من أجل استعباده. ويعترض طريق حل هذا التناقض جدار قاهر هو الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والرأسمال الاحتكاري وابتزاز الأرباح الاحتكارية الفاحشة .
الاحتكارات العالمية تسعى إلى جذب العمال ذوي التأهيل الرفيع، وهم في البلدان الرأسمالية المتطورة صناعيا ينتجون حصة الأسد من القيمة الزائدة (ما بين أربعة أخماس وخمسة أسداس)، ولذلك أيضًا تسعى الاحتكارات إلى جذب وإغراء العمال في ميدان العمل الذهني والعلم والنشاط الهندسي الفني والحوسبة، ذوي التأهيل الرفيع في البلدان النامية إلى النزوح والانتقال إلى الدول الصناعية المتطورة وهذا يؤدي أيضًا الى تعميق الهوة بين الدول المتطورة والدول النامية، ونتيجة "لتسرب العقول" من البلدان النامية، تفقد هذه الدول تقريبًا ما يساوي المساعدات التي تتسلمها هذه الدول بشكل مساعدات.
وفي نفس الوقت وجود الأيدي العاملة الأجنبية يهيئ لأرباب العمل إمكانية الضغط على العمال المحليين، كما يدّعي ساسة وإيديولوجيو الطبقات الحاكمة إمكانية تسعير النزعات ... لدى بعض أوساط السكان. وهذا ما يجري في أوروبا الغربية، وأمريكا.
وهنا لا بدّ من التأكيد بأنّ ما يميز الرأسمالية المعاصرة سيطرة الاحتكارات، وحدث هذا على أساس تركيز الانتاج المرتبط بتطور القوى المنتجة، وتركز الانتاج أكثر فأكثر في قلة من المصانع الضخمة التي احتكرت الانتاج وبهذه حلت سيطرة الاحتكارات محل المزاحمة الحرة.
إن الإعلام الغربي الرأسمالي الذي يخدم بأمانة مطلقة برجوازية البلدان الرأسمالية المتطوّرة يؤجج الحزازات القومية، والنزاعات العنصرية ويؤلب العمال المحليين على الأجانب وتتهم هؤلاء الآخرين بأنهم يستأثرون بأماكن العمل وبسببهم تتقلّص أجور الشغيلة المحليين. وهكذا تحاول الاحتكارات الرأسمالية، بكل الوسائل بما في ذلك الاعلام الرسمي وغير الرسمي، أن تتستر على الأسباب الحقيقية للبطالة وللتدهور الشديد في مستوى حياة الشغيلة وهي الأسباب الكامنة في تناقضات الرأسمالية المتعمقة دومًا بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والأسلوب الرأسمالي الخاص للتملك وبين العمل ورأس المال.
من هنا، في ظروف الثورة العلمية التكنيكية المعاصرة، يصل الرأسمال الاحتكاري بتعميم العمل والانتاج الى أحجام هائلة، وتستند سيطرة مجموعة غير كبيرة من الاوليچارخية المالية على الثروات الاجتماعية والعمل. بالإضافة إلى ذلك يجري عسكرة الاقتصاد بشكل متطور وأمر ملازم لعصر الأزمة العامة للرأسمالية، وأكبر مثل على ذلك عسكرة الاقتصاد الأمريكي، ويحدث هذا نتيجة لسيطرة الاحتكارات على جهاز الدولة، من أجل إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الاحتكارات وعلى حساب الخدمات الاجتماعية والتعليمية والطبية التي تقدم للطبقات الفقيرة في الدول الرأسمالية (ومثل على ذلك فشل الادارة الأمريكية في منع الكارثة الطبيعية التي حلت على منطقة نيوأورليانز. فدولة رأسمال "مكسيماليت" في خدمة الطبقة البرجوازية في الداخل والخارج، و"مينيماليت" في خدمة الفقراء في الداخل والخارج). وفي هذه الظروف يستند ويتعمق التناقض بين العمل والرأسمال وهذا التناقص يعمق الصراع الطبقي الذي يشمل جميع الميادين الرئيسية في المجتمع – الميدان الاقتصادي والسياسي والايديولوجي، وكل وسائل النضال هذه، التي نشاهد بوادرها في مظاهرات الطبقة العاملة في أرجاء العالم فهي أكبر دليل على هذا التناقض الجدلي الموضوعي الذي سيؤدي في النهاية إلى تحولات سياسية جذرية كبرى على مستوى عالمي.
المراجع:
1- مبادئ المعارف الاجتماعية السياسية ما هو العمل -سافقشكو.
2- تفاقم الأزمة العامة للرأسمالية -تريبيلكوف.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم
.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة
.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.
.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة
.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال