الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرة حول الموقف المناهض للإمبريالية بصورة جذرية إزاء الحرب الدائرة في أوكرانيا

جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)

2022 / 3 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



يشكل الغزو الروسي لأوكرانيا المحطة الحاسمة الثانية في الحرب الباردة الجديدة التي غرق فيها العالم منذ مطلع القرن بسبب القرار الأميركي بتوسيع حلف الناتو. وكان الغزو الأميركي للعراق في عام ٢٠٠٣ قد شكّل المحطة الأولى، وقد انتهت بفشل كامل في تحقيق غايات الإمبريالية الأميركية. كان الثمن الذي دفعه العراق – ومازال يدفعه ومعه البلدان المجاورة – ثمناً باهظا، لكنّ ميل الامبريالية الأميركية إلى غزو بلدان أخرى قد تقلّصت بشكل ملحوظ، كما أكّده الانسحاب الأخير لقواتها من أفغانستان.
إن مصير الغزو الروسي لأوكرانيا سوف يحدد ميل جميع البلدان الأخرى إلى العدوان. فإن فشل هذا الغزو بدوره، سيشكّل رادعاً قوياً لكافة القوى العالمية والإقليمية. أما إذا نجح، أي إذا تمكنت روسيا من السيطرة على أوكرانيا بدهسها بالجزمات، فإن الأثر سيكون انزلاقاً كبيراً في الوضع الدولي نحو قانون الغاب بدون تقييد، بما يشجّع الامبريالية الاميركية نفسها وحلفاءها على مواصلة سلوكهم العدواني.

حتى الآن، أثارت مقاومة الشعب الأوكراني البطولية البلبلة في صفوف طيف الرجعيين المعجبين بفلاديمير بوتين، من اليمين المتشدّد وأقصى اليمين العالميين الى مُدعيّ اليسار المؤيدين للإمبريالية الروسية. ولو كان لبوتين أن ينتصر في أوكرانيا، سيعزّز فوزه الى حد كبير هذا الطيف من السياسيات الرجعية.

بيد أن صفوف المناهضين حقّاً للإمبريالية عرفت هي أيضاً بعض الارتباك في ما يتعلّق بتحديد الموقف الواجب اتخاذه إزاء المسائل المتعلقة بالحرب الدائرة. ومن المهم توضيح هذه المسائل.

١- لا تكفي مطالبة روسيا بإيقاف هجماتها والدعوة إلى «وقف إطلاق نار فوري وعودة الى طاولة المفاوضات». فإننا لم نستخدم مثل هذه اللغة الخاصة بالأمم المتحدة عندما غزت الولايات المتحدة الاميركية العراق، بل طالبنا بانسحاب المعتدين الفوري وغير المشروط، مثلما فعلنا في كل حالة من حالات غزو بلد لبلد أخر. وكذلك، ينبغي ألّا نطالب فقط بوقف العدوان، بل أيضاً بالانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات الروسية من أوكرانيا.

٢- تنطبق المطالبة بانسحاب روسيا على كل شبر من الأراضي الأوكرانية – بما فيها الأراضي التي اجتاحتها روسيا في عام ٢٠١٤. عندما يكون هناك خلاف حول تبعية أراض ما أينما كانت في العالم – مثل شبه جزيرة القُرم أو الأقاليم الشرقية من أوكرانيا في هذه الحالة – فإننا لا نقبل أبداً أن يُحلّ باستخدام القوة السافرة وقانون الأقوى، بل دائماً وحصراً عبر ممارسة الشعوب المعنية بصورة حرّة لحقّها الديمقراطي في تقرير مصيرها.

٣- نعارض كافة النداءات المطالِبة بتدخّل عسكري مباشر لقوة إمبريالية ضد أخرى، سواءً كان ذلك عبر قوات برّية أو عبر فرض منطقة حظر جوي عن بُعد. وإنه لمبدأ عام لدينا أننا ضد تدخّل عسكري مباشر لأي قوة إمبريالية أينما كان الأمر. أما مطالبة إحدى هذه القوى بمواجهة قوة أخرى فهي تساوي الرغبة في نشوب حرب عالمية بين قوى نووية. علاوة على ذلك، فلا يمكن أن يحصل مثل هذا التدخّل في إطار القانون الدولي لأن معظم القوى العظمى الامبريالية تمتلك حق النقض في مجلس الامن الدولي. ومع أننا نستطيع فهم ما يدفع ضحايا العدوان الأوكرانيين إلى إطلاق نداءات من هذا القبيل بنتيجة اليأس، فإنها تبقى رغم ذلك طلبات غير مسؤولة.

٤- نؤيد تسليم أسلحة دفاعية بدون اي شروط لضحايا العدوان – في هذه الحالة الدولة الأوكرانية التي تقاتل ضد الغزو الروسي لأراضيها. إن أحداً من مناهضي الإمبريالية العقلانيين لم يطالب الاتحاد السوفياتي أو الصين بالتدخّل في حرب فيتنام ضد الغزو الأميركي، لكنّ كافة المناهضين الجذريين للإمبريالية وقفوا الى جانب زيادة شحنات الاسلحة المقدمة من موسكو وبكين الى المقاومة الفيتنامية. فإن تزويد من يخوضون حرباً عادلة بوسائل الكفاح ضد معتدٍ أقوى منهم بكثير إنما هو واجب أممي بديهي. أما الاعتراض بالمطلق على مثل هذه الامدادات، فهو يتناقض مع أبسط متطلبات التضامن مع الضحايا.

٥- ليس لنا موقف مبدئي عام تجاه العقوبات. أيّدنا العقوبات التي استهدفت دولة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا ونؤيد فرض عقوبات على الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. لكنّنا وقفنا ضد العقوبات المفروضة على الدولة العراقية بعد تدميرها في حرب عام ١٩٩١، لأنها كانت عقوبات مجرمة لا تخدم أي قضية عادلة، بل تهدف فقط إلى إخضاع العراق للإمبريالية الاميركية عن طريق ارتكاب ما يشبه الإبادة إزاء سكانه. لقد قرّرت القوى الغربية فرض سلسلة كاملة من العقوبات الجديدة على الدولة الروسية بسبب غزوها لأوكرانيا. بعض هذه العقوبات قد يحدّ بالفعل من قدرة نظام بوتين الأوتوقراطي على تمويل ماكنته الحربية، وبعضها الآخر قد يُلحق ضرراً بسكان روسيا دون أن تأثير كبير على النظام أو طغمة محاسيبه. إن معارضتنا للعدوان الروسي، مصحوبة بانعدام ثقتنا بالحكومات الامبريالية الغربية، تعني أنه ينبغي علينا ألّا نؤيد العقوبات التي فرضتها هذه الأخيرة ولا أن نطالب برفعها.

٦- أخيرا، فإن المطلب الأكثر بديهية من منطلق تقدّمي بين كافة المطالب إنما هو مطلب فتح كافة الحدود أمام اللاجئين من أوكرانيا، مثلما ينبغي أن تُفتح أمام كافة اللاجئين الهاربين من الحرب ومن الاضطهاد من أينما أتوا. إن واجب استقبال وإيواء اللاجئين وكلفة ذلك أمور لا بد أن تتقاسمها بصورة عادلة جميع البلدان الغنية. ولا بدّ أيضا من تقديم مساعدة انسانية عاجلة للمهجّرين داخل الحدود الأوكرانية.

تضامناً مع الشعب الأوكراني!
٢٧ شباط ٢٠٢٢

* صدر هذا النص باللغة الإنكليزية أولاً وعلى مواقع عديدة، ثم تُرجم إلى لغات عديدة.
A memorandum on the radical anti-imperialist position regarding the war in Ukraine

Original
https://newpol.org/a-memorandum-on-the-radical-anti.../
https://internationalviewpoint.org/spip.php?article7540
https://anticapitalistresistance.org/a-memorandum-on-the.../
https://ukrainesolidaritycampaign.org/.../a-memorandum.../
and other websites








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام


.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا




.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال