الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الجدل الدائر حول الازمة الاوكرانية

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2022 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


في البداية لا يمكن لانسان، مازال انساناً، ان يوافق او يؤيد قتل البشر سواء بالرصاص او بالاقتصاد، وبالطبع هذا ينطبق على العدوان العسكري الروسي على الشعب الاوكراني، كما ينطبق على كافة الاعتداءات التي قادتها الولايات المتحدة ضد الملايين من شعوب الارض في دول لا حصر لها، او بالقتل بالاقتصاد، وهو بالاضعاف، الذي تقوده الولايات المتحدة ايضاً، بسلاحها المالي الثلاثي، صندوق النقد والبنك الدوليان، ووزارة الخزانة الامريكية، او بسلاحها العسكري "الحرب العالمية على الارهاب" الحرب العالمية الثالثة الغير معلنة. ولكن ان اعلان اي انسان لادانة العدوان العسكري الروسي على الشعب الاوكراني ثم يصمت، هو قول نصف الحقيقة، هو قول يفقد هذا الانسان شرفه.


في مسألة الخلاف الدائر حالياً حول وجهات النظر بين مؤيد ومعارض للعملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، يمكننا تقسيمها الى وجهتي نظر رئيسيتين: الاولى، تدين هذا التدخل باعتباره غزو عسكري من نظام ديكتاتوري لدولة ديمقراطية مسالمة. ووجهة النظر الاخرى، تؤيد هذا التدخل بأعتبار ان المجتمع الغربي "الديمقراطي" يحاصر الدولة الروسية، ويريد خنقها وان ما فعله بوتين هو دفاع شرعي عن النفس.
وفي كل الاحوال فانني لا اعتقد ان الموضع يتعلق بالمقارنة بين النظم "الديمقراطية" والنظم الديكتاتورية، ببساطة، لان الاخيرة لا يمكن ان يدافع عنها سوى مجنون او افراد العصابة المستفيدين منها، بمعنى اخر، ليس هناك تشوش في الرؤيا بالنسبة للنظام الديكتاتوري بعكس النظام "الديمقراطي"، وهو النظام الحاكم لعالم اليوم، هؤلاء الذين يملكون الغالبية العظمى من الاقتصاد العالمي، سواء بشكل مباشر او غير مباشر عن طريق وكلاء اقتصاديين وسياسيين، وتمكنهم ملكيتهم للغالبية العظمى من الاقتصاد العالمي من تخصيص وانفاق المليارات، والاستحواذ والهيمنة على الغالبية العظمى من مؤسسات الصحافة والاعلام ومراكز الابحاث والجامعات ومنظمات حقوق الانسان والمؤسسات الثقافية والفنية وحتى الرياضية .. الخ، والنتيجة الحقيقة لذلك، انك لن تجد اي نقد حقيقي للسياسات الاقتصادية للنظم "الديمقراطية"، هذه السياسات الاقتصادية التي تقتل من البشر اكثر ممن يقتل بالرصاص، وان وجدت اي "اشارة" نقدية لهذه السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، فهى نادرة جداً جداً، وستكون في الاغلب عبارة عن جملة واحدة تقل عدد كلماتها عن عشر كلمات، في بحث مكون من الاف الكلمات .. ومن البديهي انه لا يمكن ان يكون فضح هذه السياسات المجرمة يعني تأييد للديكتاتورية، فكما قلنا سابقاً، ان الموضوع لا يتعلق بالمقارنة بين الديمقراطية والديكتاتورية، انما يتعلق بفضح ما هو مخفي بفعل قاتل، وليس تركه وترجيحه في مواجهة قاتل مفضوح، فمثلاً، في الازمة الاوكرانية الحالية يمكننا، بل ويجب علينا، ان ندين النظام القمعي الديكتاتوري الروسي الفاسد للرئيس بوتين - وهو كذلك عن حق، وايضاً نفس الحال ينطبق على النظام الصيني، ولكن هذا لا يعني بالتأكيد، غض الطرف عن فضح السياسات القاتلة للانظمة التي تسمى بالديمقراطية، والا نكون موضوعياً نساهم في الترويج والتضليل الجاري ليل ونهار - محلياً واقليمياً ودولياً - من قبل كل هؤلاء الاف من الصحفيين والاعلاميين والاكادميين والمثقفين وناشطي حقوق الانسان الذين تمولهم هذه الانظمة "الديمقراطية"، هذه "الديمقراطية" التي وظيفتها الاساسية تتلخص في كونها تمثل "الغطاء الثقافي" المضلل، لتمرير جرائم هذه الانظمة "الديمقراطية"، وهي بالمناسبة ليست لها علاقة بالديمقراطية الحقيقية التي نحلم بها، وهو في نفس الوقت، شئ مختلف جذرياً عن النقد "المباح" عن ازدواجية المعايير والتضحية بهذه المعايير مع الانظمة الديكتاتورية من اجل المصالح، بل انه نقد جذري لهذه السياسات اللاانسانية التي يموت بسببها يومياً الاف الفقراء من اجل تمركز الثروة في خزائن حفنة من الآسر الثرية، انه نقد يختص بأسس النظام، وليس يختص بنقد ثغرات في تطبيقه،. ولحسم الامر يمكننا ان نصيغ المسألة على شكل السؤال التالي: كم مليون، نعم مليون، طفل او انسان برئ قد قتلته الانظمة "الديمقراطية" منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، اكرر حتى اليوم؟!.


مجدداً، عن الجدل الدائر حول الازمة الاوكرانية
هناك مسألة جوهرية وشديدة الاهمية، ان النقد للنظام المسمى ديمقراطي، هو نقد لاسس النظام، وليس لثغرات او عيوب في التطبيق، لان كل مآسي افقار وبؤس شعوب الارض هي ناجمة عن اسس هذا النظام وفلسفته التي يلخصها شعاره "الديمقراطية والسوق الحرة"، التي تدعي ان ترك السوق الحرة حراً تماماً ستجعله "عادلاً" بفعل قانون "العرض والطلب"، متجاهلة ومزيفة لحقيقة ان ترك السوق حراً، هو بالضبط ترك السوق حراً للفئات القادرة اقتصادياً، على حساب الفئات الغير قادرة اقتصادياً، وهو الحادث في مصر كما في كل دول العالم، وان قانون "العرض والطلب" سيكون القانون الحاكم للتنافس والصراع بين الفئات القادرة اقتصادياً ذاتها فقط، هذا على المستوى الاقتصادي، اما على المستوى السياسي، فقد حصلت "النيوليبرالية" الاقتصادية خبرتها بذاتها عن "نوعية" النظم السياسية المناسبة عند تطبيق هذه السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، "العلاج بالصدمة" الاقتصادية، لتحقيق الجزء الثاني من شعارها "الديمقراطية والسوق الحرة"، فوجدت ان النظم الديمقراطية يصعب فيها تطبيق هذه السياسات لقدرة الناس على المقاومة، لذا فقد حسمت امرها بأن النظم التي تمتلك قبضه حديدية "ديكتاتورية" على البلد هى القادرة على تنفيذ "العلاج بالصدمة" الاقتصادية، وهو ما يفسر الاساس الاقتصادي لدعم الولايات المتحدة لكل الانقلابات العسكرية منذ منتصف القرن الماضي، فهو يحقق هدفان، الاول، طرد الاستعمار القديم لصالح الاستعمار الجديد، والثاني، انه من خلال القبضة الحديدية "الديكتاتورية" يستطيع ان ينفذ السياسات النيوليبرالية الاقتصادية (وهذا هو السبب الاساسي لهزيمة 67 عندما اراد عبد الناصر تنفيذ سياسات تنمية مستقلة)، لقد تحصلت هذه الخبره منذ اوائل النصف الثاني من القرن الماضي عندما حاولت تاتشر في انجلترا وريجان في امريكا تطبيق هذه السياسات النيوليبرالية، "العلاج بالصدمة الاقتصادية"، ففشلا فأضطرا ان ينفذاها بالتدريج، فانتقلت لتطبيقها في تشيلي فنجحت عندما ذبح ديكتاتور تشيلى 30 الف من الناشطين السياسيين (معظمهم من اليساريين) وترك جثثهم في الشوارع حتى يراهم السكان في الصباح، وبالفعل خاف الملايين وصمتوا .. ومن بعدها بدأ في نشر هذه السياسات القاتلة (من يقتل من الشعوب بالاقتصاد، اضعاف من يقتل منهم بالرصاص)، ومنها بدأ نشرها في جميع انحاء العالم بما فيها روسيا والصين احدث واكبر مستعمرتان اقتصادياً مترافقاً في البلدان "روسيا والصين" مع نظامان قمعيان فاسدان .. وعندما جاءت حرب الفوكلاند اعطت لتاتشر الزخم اللازم لتنفيذها، مثلما جاءت احداث 11 سبتمبر لتنفيذها في الولايات المتحدة، وهي نفس الخبره التي تحصلت للسادات عام 77 عندما حاول تنفيذها معتمداً على شعبيته بعد 73، ولكنه فشل فاضطر للتراجع وتنفيذها بشكل متدرج اي بدون صدمة، وبالنسبة للسيسي اعتمد على شعبيته في اعقاب التفويض واسقاط حكم الاخوان، وبدأ في التنفيذ الاوفى لهذه السياسات .. تلخيصاً لتوضيح النقطة الاساسية بان نقد نظام "الديمقراطية والسوق الحر" هو نقد لأسس هذا النظام الذي يقتل الالاف من الشعوب كل يوم، ان لم يكن يقتل بالرصاص الحامي للاقتصاد (لايمكن ظلم الناس اقتصادياً واجتماعياً، دون زيادة عدد السجون والمعتقلين والقتلى بالرصاص او بالتعذيب)، او يقتل بالاقتصاد نفسه، وهو بالاضعاف. انه نقد لاسس نظام قاتل، وليس نقد لعيوب في تطبيقه.

هام جداً
الاصدقاء الاعزاء
نود ان نبلغ جميع الاصدقاء، ان التفاعل على الفيسبوك، انتقل من صفحة سعيد علام،واصبح حصراً عبر جروب "حوار بدون رقابة"، الرجاء الانتقال الى الجروب، تفاعلكم يهمنا جداً، برجاء التكرم بالتفاعل عبر جروب "حوار بدون رقابه"، حيث ان الحوار على صفحة سعيد علام قد توقف وانتقل الى الجروب، تحياتى.
لينك جروب "حوار بدون رقابه"
https://www.facebook.com/groups/1253804171445824








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ