الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الحرب الروسية الأوكرانية

عذري مازغ

2022 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


"أنت"، "أنتم" ضمائر للمخاطب، هكذا تعريفها في القواعد النحوية، في الحقيقة تصبح في الجدالات العامة في المنتديات الإفتراضية ضميري توريط واحتواء وتحويل موضوع الجدل إلى موضوع شخصي، هذا التوظيف تتسم به نقاشات الشعوب المتخلفة، فالفرد فيها ينتقل من مضمون فكرة ليجد لها عشا في مخك ومن ثم تصبح ذاتية ليسهل على الآخر نهشك، صحيح أن الموقف من قضية معينة هو موقف ذاتي هو خلاصاتك واستنتاجاتك، لكن مع ذلك تبقى الفكرة، هذه الخلاصة وهذا الإستنتاج مستقل عنك باعتباره فكر مستقل قد يتبناه أي مقتنع به، لكن لماذا "أنت" و"انتم" ملهمة في الحوار؟
ببساطة لأن المرء يعتقد بأنه بذلك يسهل عليه احتواؤك، فهو على الأقل يعرف عنك مواقفك الإيديولوجية السابقة ويعتقد أنها ثابتة لا تتغير ولا تتطور وتنتقل من فهم خاص إلى فهم مغاير، النموذج هو الموقف من روسيا: كون روسيا سابقا ضمن الإتحاد السوفياتي "الشيوعي"، وكونك يساريا، كان الإتحاد السوفياتي ملهما لليسار حين وجوده، فالمسألة إذن هي نوع من التحنط أ ان مواقفنا الآن من غزو أوكرانيا، هي بالإرث، نفسها مواقفنا من الإتحاد السوفياتي، ف"أنت" و"وأنتم" تلعب عند المخاطب النقيض لك، نقلة هذا الإرث القديم وعليه يسهل الهش بعصاه على رأسك: ""بوتين ليس لينين" وانت لازلت تعتقد ان روسيا هي وريثة الإتحاد السوفياتي، "إنهض من غفلتك" بوتين راسمالي ديكتاتوري". انتهت المحاصرة، لقد كان خصمك في الفكر رأسماليا، وحتى بشكل محايد سيتجنب كونه رأسماليا ويقول كنت ليبيراليا ديموقراطيا ولا زال بينما "أنت" لم تعي في دواخلك ذلك التحول: روسيا لم تعد شيوعية وعليه يجب أن تتحول إلى "ليبرالي" مثله وإن لا فأنت ماركسي أصولي تجاوزه العصر..
إنه إسقاط ميكانيكي يعتقد به الآخر، المناقض لك، أنه بسقوط الإتحاد السوفياتي سقطت أيضا كل قناعاتك اليسارية، إنه يبتهج لأنه انتصر بانتصار الرأسمالية وبالتالي يجب أن يحتويك: "لقد سقط ما كنت متعلقا به فأنت مهزوم إلى الأبد"، وينسى قولة الرائع مهدي عامل: "لست مهزوما مادمت تقاوم".
سقوط الإتحاد السوفياتي لا يعني أننا مرهونين لافتراس الليبيراليين الجدد، سقوط الإتحاد السوفياتي لا يسقط أن الراسمالية بشعة ومفترسة ومستغلة تسرق موارد الشعوب تحت خرافة الأمن القومي، سقوط نظام خاص بدولة معينة لا يعني سقوط الفكر الماركسي بل يعني سقوط نظام سياسي معين لأسباب هيكلية فيه لكن الإيمان بإمكان وجود عدالة اجتماعية، الإيمان بوجود استغلال فاحش للرأسمالية، الإيمان بكون الراسماليين يمتصون دمنا، هذا لم يسقط من قناعتنا، فجميع الأسر الفقيرة والصغيرة والمتوسطة تحمل في ذاتها حتى وإن لم تكن إيديولوجيا ماركسية، تحمل هذا الإيمان: إن الراسمالي عدو طبقي لكل هذه الفئات الإجتماعية، لم نستسلم وإن سقط الإتحاد السوفياتي، ولن نستسلم حتى وإن بدا أن الصين لم تعد شيوعية، إن الصين حادت عن سلوك الإتحاد السوفياتي في شيء واحد على الأقل: لقد فهمت ان قوة مجابهة الراسمالية هي ان لا تضعف اقتصاديا وان تعتمد شكلا من الإمبريالية الإقتصادية يقويها (ما يفسر حاليا كونها قوة ناعمة) عكس لينين الذي أحرق كل إرث روسيا القيصرية الخاصة باستغلال الشعوب المغلوبة (اتفاقية سايكس بوكو وغيرها)..
أريد القول بان هذه القناعات لا تسقط بسقوط الإتحاد السوفياتي ولا بسقوط الصين حتى وعليه فالموقف من الرأسمالية لا يتغير بانتصاراتها على اعدائها الإديولوجيين. بل على العكس من ذلك تقوي الشعور بمناهضتها وتنبت رؤوسا أكثر كوحش هيدرا (الذي هو تجسيد للشجرة: تقطع الشجرة فتنبت محلها جذوع متعددة).
الموقف من الحرب، فطريا ليس هناك كائن يعشق الحرب بل كل الناس تناهضها لكن إذا فرضت فالناس تناقش اسباب فرضها قصد إنهائها وليس تدرسها قصد إشعالها، الموقف من الحرب يعني ان لا نعطي للمتسبب فيها ذرائع قيامها كما أن المزايدة بموقف الضد لها لا ينهيها، ما ينهيها هو منع ذرائعها المعلنة والخفية وهذا ما لا نلاحظه في حرب أوكرانيا او غزو اوكرانيا من طرف الروس:
إن هناك تبلور قوي لمفهوم الأمن القومي عند كل الاطراف، بعض هذه الأطراف يراه على بعد آلاف الكيلومترات من حدودها (الولايات المتحدة) والبعض يراها على حدوده (روسيا في هذه الحالة) وهذا أمر يتطلب وعيا ملما بكل الحيثيات فبل استنطاق الذرائع (ذرائع نشوب الحرب او الغزو التي عليها يتوزع الموقف من الحرب بشكل تفاوتي ) إن الذرائع ليست في الحقيقة إلا سبب اشتعال الحرب اما الحقيقة فهي خلفها، هي في حالة أوكرانيا، صراع بين روسيا والناتو بدرجة معينة لكنها في الدرجة القصوى بين الولايات المتحدة والصين وهي الاطراف التي تبدو بعيدة عن الحرب.
في رده على وزير المالية الفرنسي برونو لومير الذي قال: "أوروبا تخوض حاليا حربا إقتصادية ضد روسيا”. قال دميتري مدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي: " انتبهوا لكلامكم أيها السادة! ولا تنسوا أن الحروب الاقتصادية كثيرا ما تحولت إلى حرب حقيقية في التاريخ البشري". لقد بدأت الحرب منذ زمن بعيد، لقد اشتعلت اقتصاديا بين الولايات المتحدة والصين قبل أن تتفجر الحرب الحقيقية في أوكرانيا، لكن الحرب في أوكرانيا لا تمثل سوى تلك الفجوة التي تجدها اللافا في القشرة الارضية لتنفجر في بركان. إن روسيا ليست القوة الإقتصادية المرعبة للولايات المتحدة بل الصين وهذا كرره كل صقور الولايات المتحدة، لكن روسيا مع ذلك هي قوة مرعبة للولايات المتحدة عسكريا ويجب استنزافها اقتصاديا، كيف ؟ بإيجاد صدام حسين آخر في أوكرانيا، شخص ينتشي بقليل من الأسلحة المتطورة ويدفعه حماسه البهلواني إلى خوض معارك بالوكالة ولن يتقن هذا الدور إلا ممثل يمتثل بشكل جيد لمخرجه، إن مقارنة صدام بزيلينسكي هي مقارنة فقط في مسألة بسيطة: هما شخصيتان لايقدران العواقب السياسية.
يقول أحد الخبراء وهو صحفي جيولبوليتيكي إسباني في قناة السادسة التي لها مصداقية شعبية بإسبانيا: "هذه الحرب بدأت منذ 30 سنة أيام غورباتشوف وليس الآن، حين التزم الغرب بان يبقي كل بلدان الإتحاد السوفياتي السابق خارج التسليح النووي وخارج بناء قواعد الناتو، هذا الأمر لم تلتزم به اوربا وامريكا، وفي سنة 2007 طرح بوتين المشكل من جديد وبشكل صارخ في لقاء بميونيخ ولم يلق آذان صاغية، وهناك اتفاقيات بين غورباتشوف والغرب عقدت بباريس وبودامبست ولم تلق إلتزام بها تنص على ان بناء أمن قومي دولة أوربية لا يجب ان يبنى على عاتق أمن دولة اخرى.. روسيا على حق في احتجاجها" (رفائيل بوتش دي فيليو، صحفي مراسل لجريدة فانغوارديا بروسيا حين استجوبته أمس قناة السادسة).
أمس صدم تصريح هذا الصحفي كل طاقم "لا سيكستا" التي كانت تنتظر ان يدلي بشيء يرضي قناعتها السياسية في مسألة أوكرانيا، لكن اختار أن يتكلم بشكل موضوعي بعيدا عن بروباغاندا تشحين العواطف التي تمنح السلاح الذي يوزعه بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية على من هب ولب، قال الصحفي هذا بان المعركة ليست معركة إسبانيا ولا هي معركة اوربا، وقال بأن المعركة أيضا ليست معركة أوكرانيا التي زج بها فيها بل هي معركة الولايات المتحدة والصين وان الولايات المتحدة عمدت إلى توريط اوكرانيا لاجل شحد اوربا في صفها تجاه الصين ولأجل إنهاك روسيا التي يحتمل أنها مساندة للصين.
الموقف إذن ليس هل انا مع روسيا أم مع أوكرانيا بل هوموقف يتعمق أكثر في الوعي بشكل لا علاقة للأمر بالإتحاد السوفياتي الذي تعتبر روسيا بحركة وهم وريثة له إيديولوجيا له (نعم روسيا هي وريثة الترسانة النووية للإتحاد السوفياتي لكن ليست وريثة لتراثها الشيوعي حتى وإن بدا ان بوتين ينوي تأميم الشركات الراسمالية المستثمرة في روسيا بسبب الحرب الإقتصادية ).
الموقف من الحرب ليس مسرح مزايدة، كلنا نكره الحرب وكلنا ضد اندلاعها، لكن الموقف الحقيقي هو التفكير في وقفها ووقفها ليس بتزويدها بالدواعش والنازيين ودفع المعطلين عند دول بطالتها تفوح إلى ان يكونوا حطبا لها بل إن الموقف الحقيقي هو نزع السلاح ونزع ذرائع الحرب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص