الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائزة صموئيل حبيب … سمفونية العطاء

فاطمة ناعوت

2022 / 3 / 6
حقوق الانسان


العطاءُ هو العطرُ الأول الذي يفوحُ من شجرة الحب. وقدْرُ الإنسانِ أمام الله وفي ميزان الإنسانية يكون بحجم ما يمنحُ البشرَ من عطاءٍ وحب، وقدرُ المواطن في وطنه بقدر ما يمنحُ مجتمعَه من جهد وعلم ووقت ومال لكي يرتقي أبناؤه. ولهذا تقول أدبياتُنا المصرية القديمة: “كنتُ عينًا للأعمى، وساقًا للكسيح، ويدًا للمشلول، وأبًا لليتيم". فالمجتمعاتُ لا تنهضُ إلا بانتظام أضلع مثلث التنمية: الحكومات، مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص. لهذا تعتزُّ مصرُ بأحد أبنائها النجباء، القسّ الراحل المفكر "د. صموئيل حبيب"، الذي منح عمرَه للخدمة المجتمعية والعمل التطوعي الرفيع. وهو شخصية مصرية عالمية حاصل على العديد من درجات الدكتوراه الفخرية من كبريات جامعات العالم والجوائز الدولية المرموقة، وأصدر عددًا ضخمًا من الكتب والأبحاث الجادة في مجال الخدمة المجتمعية، وله جهودٌ مشهودة في مجالات التنمية المستدامة ومحو الأمية وتنظيم النسل. رحل عن عالمنا في تسعينيات القرن الماضي، لكن جهوده مازالت فاعلة من خلال المؤسسة الخدمية التي أنشأها عام 1950 ومنحها اسم "الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية"، تترأس مجلس إدارتها الصيدلانية الجميلة والأم المثالية للأقصر لعام 2017 "د. ميرفت أخنوخ"، ويترأسها الدكتور الأكاديمي "أندريا زكي" رئيس الطائفة الإنجيلية. وعلى مدار اثنين وسبعين عامًا، تمنح الهيئةُ جائزتين سنويًّا، إحداهما تُقدَّم لجمعية أهلية مصرية تقوم بدور بارز في مجال خدمة المجتمع، والثانية تُقدّم لشخصية دينية مسيحية أسهمت في العمل التطوعي لخدمة المجتمع، وذلك لتكريس فكرة أن رجل الدين لابد أن يقدم خدمات عملية للارتقاء بمجتمعه. وكان لجوائز هذا العام طعمٌ خاص، بعدما أعلن الرئيس "عبد الفتاح السيسي" 2022 عامًا "للعمل المدني" الذي هو أحدُ بوابات الارتقاء بالوطن.
كان حفل توزيع الجوائز ثريًّا بحضور وزيرة التضامن الجميلة "د. نيفين القباج" التي أشادت بجهود الهيئة الإنجيلية وتعاونها الدائم مع وزارة التضامن الاجتماعي في أكثر من مشروع قومي مثل "حياة كريمة"، وغيره من المشروعات التي تعمل على الارتقاء بذوي الهمم ومحو الأمية. وقدّم د. “هشام توفيق" وزير قطاع الأعمال التحيةَ للهيئة الإنجيلية لجهودها الملموسة في مجال التنمية المجتمعية. وفي كلمته الجميلة لافتتاح الحفل، قال د. “أندريا زكي" إن الدولة القوية لا تقومُ إلا على أعمدة مجتمع مدني قوي تتضافر جهودُه مع مؤسسات الدولة للنهوض بالمجتمع، لهذا يحرص الرئيس السيسي في "الجمهورية الجديدة" على دعم العمل المدني لبناء مصر الحديثة.
أما جوائز هذا العام فكانت بنكهة أنثوية جميلة. فقد مُنحت لسيدتين مصريتين عظيمتين منحتا حياتيهما لـ"الآخر". الأولى الكاتبة الصحفية الأستاذة "نوال مصطفى" مؤسس ورئيس جمعية "رعاية أطفال السجينات"، التي صدمها مرأى أطفال يقبعون دون جريرة خلف القضبان مع أمهاتهم السجينات، فصرخت: “ماذا يفعل أطفالٌ دون الثانية في حوش السجن"، وأنشأت قبل ثلاثين عامًا تلك الجمعية الإنسانية الراقية، إلى جوار جمعية "حياة جديدة" لمساندة "سجينات الفقر" أو الغارمات. وأما الجائزة الثانية فذهبت لسيدة جميلة أخرى كرّست عمرها لرعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة الكاملة في محافظة المنيا. فهي أمٌّ لعشرات الأطفال من ذوي الهمم، رغم أنها عذراء بتول. أتحدث عن الراهبة "دولاجي"، التي أنفقت عمرها في تعليم وتدريب أطفال المنيا المعاقين وتحمّل مسؤوليتهم حتى وصلوا إلى سن الشباب. وشاهدنا بعض أولئك الأبناء والبنات في الحفل، فسُرَّت قلوبُنا. والمبهجُ هذا العام ليس فقط أن سيدتين جميلتين قد فازتا بالجوائز، بل كذلك لأنها المرة الأولى التي تفوز فيها سيدةٌ بجائزة "رجل دين"، على مدى عمر الجائزة الذي تخطى السبعين عامًا. والأجملُ أن الراهبة الجميلة تبّرعت بقيمة الجائزة المادية لصالح مستشفى سرطان الأطفال 57357، لتقدم لنا درسًا بالغ الحضارة والسمو. وهنا درسٌ مضافٌ في نبذ الطائفية. فالجهة المانحة للجائزة هي الطائفة الإنجيلية، منحت الجائزة لسيدة مسلمة، وسيدة مسيحية من الطائفة الأرثوذكسية، وتبرّعت الأخيرة بالجائزة لمؤسسة وطنية تعالج بالمجان أطفالَ مصر المصابين بغول السرطان. سيمفونية متناغمة من الجمال والعطاء الرفيع. عطاءٌ عظيمٌ مانحٌ وممنوح، تصبُّ جداولُه في قلب مصر الأخضر.
حضر الحفلَ الحاشد الذي أقيم في مقر الهيئة الاثنين الماضي نخبةٌ جميلة من القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية، والقيادات السياسية والشعبية وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ وعددٌ من الشخصيات العامة من رموز الفكر والإعلام وقيادات المجتمع المدني. وشَدَت الفنانة الجميلة "داليا فريد" بالأغنيات الوطنية الساحرة التي أدفأت قلوب الحاضرين. تحيا مصر الطيبة التي تعلّم أبناءها العطاء والحب. وشكرًا لكل من يُعطي. “الدينُ لله والوطنُ لمن يحبُّ أبناء الوطن"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقرير كوري جنوبي ينشر تفاصيل إعدام كوريا الشمالية لشاب عشرين


.. بعثة طهران في الأمم المتحدة تحذر تل أبيب من -حرب إبادة- في ح




.. اتهامات لترمب بالعنصرية والكراهية ضد العرب بسبب كلمة -فلسطين


.. اللاجئون السوريون في إقليم كردستان يتمسكون بحلم العودة إلى م




.. Ctجولة مفاوضات جديدة تنطلق في مسقط بين الحكومة اليمنية والح