الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الأوكرانية: المركزية الغربية ضد الفاشية البوتينية/السلافية. كيف نتموقع استراتيجيا ؟

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2022 / 3 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ما يهمني، كباحث، يتجاوز الانتصار لطرف من بين طرفي الصراع في الحرب الدائرة، الآن، على الأراضي الأوكرانية. أعي جيدا التوجه الغربي الكولونيالي الخشن الذي تطور إلى نزوع نيوكولونيالي ناعم لكنه حافظ على انسجامه و لم يتغير. و في نفس الآن أعي جيدا النزوع الفاشي للبوتينية الروسية الذي يجمع، بشكل مؤدلج، بين الانتماء القومي السلافي و الطموح الاستراتيجي السوفييتي.
هذا الوعي الاستراتيجي المُطعَّم بنزعة وطنية مغربية، عربية-إسلامية الروح، يمنعني من التخندق الإيديولوجي، لكنه في نفس الآن يفتح لي المجال للتفكير بشكل حر يستلهم المنطق المعرفي.
اعتمادا على هذا الوعي الاستراتيجي و النزوع المعرفي، أجدني أقرب إلى منطق "التحليل الملموس للواقع الملموس" بشكل يجنبني السقوط في شراك البروباغندا المتصارعة على الساحة الدولية.
و اعتمادا على هذا المنطق، فإنني أفضل قراءة و تحليل المرجعيات الفكرية المؤسسة للإيديولوجيات السياسية، و هذا يساعد على فهم الممارسة انطلاقا من استيعاب التصور النظري الذي يتحكم فيها و يوجهها.
و هنا، يجب أن نقرر أن طرفي الصراع على الساحة الأوكرانية ينطلقان من تصورين فكريين متناقضين على مستوى بنية الأطروحة، لكنهما متطابقين على مستوى شروط تكوين الأطروحة.
** من جهة، ينطلق الغرب الأور-أمريكي من أطروحة هجتنجتون حول صراع الحضارات، ساعيا إلى ترسيخ نزوع غرب-مركزي كنموذج يمثل نهاية التاريخ، بتعبير فوكوياما، بحيث لا يُسمح لأي نموذج حضاري مغاير منافسته على هذه الريادة/المركزية.
** من جهة أخرى، تنطلق روسيا البوتينية من أطروحة "ألكسندر دوجين" الذي صاغ مذهب "الأوراسية الجديدة" الذي يقوم على أساس محاولة إحياء النزوع الفاشي من منظور سلافي مطعم بطموح استراتيجي سوفييتي.
يقسم "ألكسندر دوجين" المذاهب السياسية الكبري، منذ بداية القرن العشرين، إلى ثلاثة مذاهب: الليبرالية التي تركز على الفردانية، الاشتراكية التي تركز على الطبقية، الفاشية التي تركز على الأمة. و من أجل نقل روسيا إلى موقع استراتيجي متقدم و منافس للغرب الأور-أمريكي، يقلب " دوغين" أطروحة "هجتنجتون" لتمشي على رأسها مؤسسا، بذلك، لشكل جديد من صراع الحضارات، مركزه روسيا السلافية التي يجب أن تدخل في صراع مفتوح مع الغرب الأور-أمريكي من أجل إنهاء التاريخ على طريقتها القومية السلافية، كما حاول الفاشيون، من قبل، هتلر و موسوليني، على الطريقتين الجرمانية و الرومانية.
نحن، إذن، أمام صراع استراتيجي مفتوح لا مجال فيه لثنائية الضحية-الجلاد، صراع بين أطروحتين فكريتين متصارعتين على مستوى بنيتهما، لكنهما متطابقتين على مستوى تكوينهما.
لا أدعو إلى التخندق ضمن أطروحة فكرية/إيديولوجية ضد الأخرى، لكن يجب استحضار المعطيات الاستراتيجية و التسلح بمبحث تاريخ الأفكار من أجل التموقع الجيد ضمن رقعة هذا الصراع الاستراتيجي الممتد.
و من أجل فهم أفضل لما تمثله الإيديولوجية البوتينية، كفاشية سلافية جديدة، لابد من استحضار المآسي التي خلفتها الفاشية القديمة، في لباسها الجرماني و الروماني، لكن قد تسألون: و هل كان البديل الليبرالي النيوكولونيالي الغربي أفضل؟! لقد دمر الكثير من الدول و أعاد صناعة الخرائط باسم نشر الديمقراطية، كما فعل سلفه الذي استعمر العالم باسم نشر الحداثة ؟! أجيب: هما وجهان لعملة واحدة، هذا أكيد ! فقد كان العالم العربي الإسلامي الذي أنتمي إليه، وطنيا، ضحية النموذج الليبرالي الغربي بوجهيه الكولونيالي/الحداثي و النيوكولونيالي/الديمقراطي ! أكثر مما كان ضحية للفاشية الهترية و الموسولينية، و هذا قد يشجع بعضنا على دعم الفاشية السلافية نكاية في الغرب الأور-أمريكي، أو ظنا بأن محاولة التحالف مع الفاشية السلافية بإمكانه أن يحد من وطأة النيوكولونيالية الغربية على امتدادنا الجغرافي/الحضاري العربي الإسلامي !
هذا النزوع البرجماتي، لا يرقى إلى مستوى التفكير الاستراتيجي، بل هو نوع من رد الفعل ليس إلا ! يجب أن نقر، أولا، أن الغرب يمثل حلقة أساسية ضمن التطور الحضاري الإنساني، و أي تفكير في التقدم/التطور يجب أن يستحضر هذا المعطى الأساسي، و لسنا استثناء في ذلك. فقد انطلقت ثورة الميجي في اليابان من هذا المعطى، و كذلك فعلت ثورة ماو تسي تونغ في الصين، فكلاهما انطلق من قناعة استلهام النموذج الحداثي الغربي كمنطلق للتطور/التقدم، و سر نجاجهما أنهما استوعبا دروس التاربخ و لم يتوهما تحقيق النجاح، من منظور قومي فاشي، و قد كانت لهما معا تجارب مريرة مع هذا النزوع القومي الضيق الذي انتهى بهلاكهما، لولا سرعة الاستدراك و النجاح في الاندماج ضمن التاريخ الإنساني العام، من منظور معرفي يستحضر الخصوصية الحضارية كمدخل للاندماج و ليس كذريعة للانزواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المدرجات تُمطر كؤوس بيرة في يورو ألمانيا.. مدرب النمسا يُحرج


.. لبنان يعيش واقعين.. الحرب في الجنوب وحياة طبيعية لا تخلو من




.. السهم الأحمر.. سلاح حماس الجديد لمواجهة دبابات إسرائيل #الق


.. تصريح روسي مقلق.. خطر وقوع صدام نووي أصبح مرتفعا! | #منصات




.. حلف شمال الأطلسي.. أمين عام جديد للناتو في مرحلة حرجة | #الت