الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث و مناخ الأسئلة في المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب

حسام الدين مسعد
كاتب وقاص ومخرج وممثل مسرحي ويري نفسه أحد صوفية المسرح

(Hossam Mossaad)

2022 / 3 / 6
الادب والفن


تتجه أنظار المسرحيين في مصر الي بلاد "طيبة" ، المعروفة لدى المصريين القدماء باسم" واست" (مدينة الصولجان)، كانت مدينة مصرية قديمة تقع على طول نهر النيل على بعد 800 كيلومتر (500 ميل) جنوب البحر الأبيض المتوسط. تقع أطلالها داخل مدينة "الأقصر". كانت طيبة المدينة الرئيسية لرابع مقاطعات مصر العليا وعاصمة مصر لفترات طويلة خلال عصور المملكة المصرية الوسطى والمملكة المصرية الحديثة. كانت قريبة من النوبة والصحراء الشرقية، بمواردها المعدنية القيمة وطرق التجارة. كانت مركز عبادة والمدينة الأكثر تبجيلًا خلال فترات عديدة من التاريخ المصري القديم. يشمل موقع طيبة مناطق على الضفة الشرقية لنهر النيل، حيث يوجد معبد الكرنك ومعبد الأقصر؛ والضفة الغربية، حيث توجد مدينة طيبة الجنائزية من المقابر الكبيرة الخاصة والملكية والمجمعات الجنائزية.
-وفي الخامس عشر من شهر مارس الجاري تنطلق فاعليات الدورة السادسة من المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب والتي تحمل اسم المسرحي الكبير و"صانع النجوم " المخرج /خالد جلال . في محاولة من إدارته ومؤسسه الناقد /هيثم الهواري التأكيد علي رسالة التظاهرة المسرحيه التي تتخذ من العروض التراثيه وعروض الموروث الشعبي مسار للتسابق بين الفرق الدوليه والمحلية في محور عروض المسرحيات الكبري لتنفي عنا رداء ثقافة المنقطع مع تراثه وترسي ثقافة المتصل ما بعد حداثويا من خلال إستلهام التراث والموروث الشعبي في محاولة لقراءة الواقع المتغير باستمرار وتقديم صرخة في وجه المؤسسات المالكة للخطاب والقوة والمعرفه في العالم .
-لكن يظل السؤال الجدلي يفرض نفسه علي واقع الثقافة العربيه هل نعيش حالة المجتمع الحديث؟ أم حالة المجتمع القديم ؟

إن كوننا شكلا في العالم الحديث وكوننا جوهرا في خارجه يضطرنا إلي معاناة قضايا مجتمع قديم في عالم حديث والعكس .ففي التعبير عن معاناتنا تلك نعرض انفسنا لإنتاج مسرح يجده المتلقي مستوردا غريبا .
وفي بعض الحالات يقف المرء مندهشا من موقف الناقد الحداثي العربي وحيرته في غيبة مذهب نقدي عربي يمكن أن يستخدم ادواته في تعامله مع النصوص الإبداعيه والعروض المسرحية العربيه .في ظل حالة الفراغ التي خلقته القطيعة المعرفية الكاملة مع التراث التي أعتبرت شرط لتحقق الحداثة المتجهه عمدا إلي تدمير النظام القديم .
وإذا كان الدكتور "جابر عصفور " في دراسته المتميزه "قراءة التراث النقدي "يؤكد علي أن الهدف من قراءة التراث في النمط الجديد إستعادة الماضي بكل مايقترن به من قيم ادبيه وجماليه ومن ثم فإننا نضع التراث في مناخ الأسئلة التي تبرز الثابت لتنفيه وتؤكد الأبداع لتنطلق منه محطمة في ذلك سطوة الحداثة من حيث هي قرينة الشك والتجريب وحرية البحث والمغامرة في إكتشاف المجهول وقبوله .
فإن تحطيم القوالب المتحجره الثابتة لمنظومات القيم الباليه لن يتأتي لنا إلا إذا تخلصنا من المبني القديم الإتباعي وبواسطة آلة من داخل التراث نفسه وفي هذا الهدم يجب التوكيد علي ما قاله "أدونيس"من أن الحقيقة ليست في الذهن بل في التجربة .
ولا شك في المسعي المحمود الذي ينتهجه "الهواري"كرئيس لتظاهرة مسرحيه دوليه تستقطب العروض التراثيه وعروض الموروث الشعبي من اجل إستعادة الماضي لوضع التراث في مناخ الأسئلة لإبراز الثابت ونفيه وتأكيد الإبداع .منطلقة منه لتقدم لنا تجارب تتيح لنا حرية البحث والمغامرة في إكتشاف المجهول .وفي محاولة لرد الإعتبار للعقل العربي وعكس الحجم الطبيعي لإنجازاته من خلال العروض التراثية المشاركة في فاعليات تظاهرة الجنوب التي تسعي لكشف المستور من موروث المجتمعات القديمه .
ولكن هل تستطيع مجتمعاتنا الحالية المستهلكه التي تتجذر بعقليتها قيم التملك والربح والمنافسة والإنبهار بالعقل الغربي ومنجزه ان تلحق بركب التقدم والتطور التكنولجي لكي تنصهر في بوتقة المجتمع الحديث و دون أن تدفع ثمن التحديث من التشرذم وتحلل الروابط الإجتماعيه وإنفراط العقد بين الإنسان والطبيعة والله ؟
إذا كانت الحداثة تفسر كل حدث إجتماعي او ثقافي بمكانه علي محور التراث فإن ما بعد الحداثة تفصل ما ارتبط .ومعني ذلك انه لم يعد للمجتمع أي وحدة وبالتالي ليس هناك شخصية أو لافتة إجتماعيه أو خطاب يحتكر المعني .وهذا يفسر حالة الفصام المرضية والمتسارعة والتي يشهدها العالم من إزدياد نسبة الفقراء وبعدهم تدريجيا عن الفئات التي تشارك في النظام الأقتصادي العالمي . وحالة الشك وفقدان اليقين التي اوصلت الإنسان في شكه في العقل وسيادته ورفضه ليقينية العلم التجريبي لا الي الشك في الأمور الميتافيزيقية فقط .بل إلي الشك حتي في الحقائق العلمية القائمة علي التجريب والإختبار .
-وتظل تجربة "الهواري" في المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب موضع تحليل وبحث في ما احدثته من تفاعل إجتماعي إيجابي مع مجتمع الجنوب (صعيد مصر ) ذو الأرث التاريخي والحضاري القديم والتردي الإقتصادي و المعيشي الحديث .فهل حصدت التظاهرة تفاعل إجتماعي إيجابي مع سكان صعيد مصر علي مدار خمسة دورات سابقه ؟
لا شك أن الخروج بتظاهرة مسرحية خارج وبعيدا عن أسوار العاصمة وأضوائها البراقة مغامرة جديرة بالإحترام تسلط الضوء ذاتيا علي أقليم من أقاليم مصر المهمشة ثقافيا ومسرحيا بفعل مركزية العاصمة التي أستحوذت قديما علي كافة الفاعليات الفنيه والثقافية .ولقد كان إختيار مدينة أسيوط إختيار بالغ التوفيق لاسيما أن المدينة عانت في العقدين الأخيرين من سطوة الجماعات المتأسلمة ذو الفكر المتطرف وإختيارها كمدينة تنطلق منها تظاهره مسرحيه تحمل اسم "شباب الجنوب "هو توكيد علي دور القوي الناعمه في مواجهة الظواهر الغريبة التي تطرأ علي مجتمعنا المصري والذي تجلي في إتاحة مجموعة من الورش الفنية المتخصصه تستهدف شباب الجنوب المصري ويتولي إداراتها مجموعة من المدربين الأكفاء ليس علي مستوي مصر فحسب بل علي مستوي الوطن العربي .وكان نتيجة حتمية للأستمرار والتآذر السلوكي الذي دام طيلة خمسة أعوام ما لمسته من تعليقات ومناشدات عبر مواقع التواصل الإجتماعي لمؤسس التظاهره تحثه علي قبول مشاركة اصحابها في فاعليات الدورة السادسة والتي ستنطلق في مدينة الأقصر .رغم المعاناة الشديدة التي تواجهها إدارة التظاهرة في توفير دور الإقامة للفرق المشاركة وضيوف المهرجان .مما يؤكد لنا الأثر الإيجابي لهذه التظاهرة الشبابيه التي لا تحظي بالدعم الإعلامي اللائق في الترويج وإلقاء الضوء عليها .
ولأن البحث عن الصيغة المسرحية العربية يعني الارتباط بالظواهر وبالجذور. ولأن بلاد طيبه هي جذور حضارتنا الفرعونيه المصرية القديمه فكان إختيار مدينة الأقصر لتنطلق التظاهرة منها في دورتها السادسة بمسابقة في التأليف المسرحي المستوحي من التراث والفلكلور الشعبي التراثي .وفي محاولة نقديه تضع التراث في مناخ الأسئلة التي تبرز الثابت لتنفيه وتؤكد الأبداع لتنطلق منه في حرية البحث والمغامرة في إكتشاف المجهول وقبوله .بعيدا عن «تجديد التقليد »ومن خلال نموذج ثقافي تنموي .
يحق التساؤل هنا، ما هو النموذج التنموي الذي ينبغي أَن ندافع عنه، ونعمل من أجله؟إنه ينطلق حتما من مشروعنا المجتمعي، الذي يهدف إلى بناء دولة عادلة ومؤسسات قوية ومجمتع حداثي ومتضامن، لكننا نعلم أن مشروع الحداثة، يواجه عوائق بنيوية، من أهمها وجود مشروع مجتمعي آخر، يسعى إلى «تجديد التقليد » على مستويين.
المستوى الأول، يتعلق بإعادة انتاج العلاقات الزبونية في الحياة السياسية، عبر الشبكات النفعية والإحسانية، مما يؤدي إلى تكريس مفهوم سلبي ومتواكل للمواطنة والوعي السياسي.
المستوى الثاني، يهم القيم الثقافية والفكرية التي تتصارع في المجتمع، من بينها المشروع الرجعي، الذي يحاول الهيمنة، عبر ترويج إيديولوجية قديمة/جديدة، قديمة لأنها تستعمل المرجعية التراثية، في صيغها الخرافية والظلامية، وجديدة لأنها تعمل في التعبير عنها بأدوات عصرية.
وهنا لابد أن نقدم بدائل لهذا النموذج الثقافي، ليس عن طريق ترويج منتوج ثقافي وفني ترقيعي يطغى عليه الطابع التجاري والإسفاف والضحالة، بل بعمل متأصل في الثرات والإبداع، المنفتح على أرقى ما يُنتج في العالم، من خلال تشجيع الطاقات والكفاءات الخلاقة التي يعُجّ بها الواقع المسرحي .
نحن مطالبون بالدفاع عن مشروع التحديث الشامل للتعليم والثقافة، ودعم الاعلام والصحافة الأخلاقية، كخدمة عمومية، والنضال من أجل احترام قيم المواطنة الفاعلة والمشاركة والنزاهة والاختيار الحر من الاكراهات الإقتصادية والانتفاعية في اختيار المنتخبين، واقتراح بدائل للهياكل والبنيات القائمة، في إطار تصورنا للنموذج التنموي الذي نسعى إليه، دون أي شكل من أشكال التردد، لأن بلادنا في حاجة إلى أن تجعل من مواردها البشرية الدعامة الأولى للتقدم والتطور، ولا يمكن أن يتم هذا في ظل النماذج الحالية.
فهل نستطع أن نشرع في ذلك؟ بوضع اللبنة الأولي بإلقاء الضوء علي مثل هذه التجارب والتظاهرات الشبابية التي تسعي لتبصيرنا وتثقيفنا من خلال عرسها المسرحي الدولي الجنوبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب