الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة نقدية - قصة (نشرة الأخبار) يوسف الشاروني

ساندي عيد مصطفى

2022 / 3 / 6
الادب والفن


تتناول قصة نشرة الأخبار علاقة التزامن بين ما يذاع في العالم الواسع والعالم الضيق ،وما يحويه من أسر بسيطة ؛تمثل كل منهم مجتمع مستقل بذاته. فلكل مجتمع منهم حياته،وهمه الشاغل.
ومن ثم يمكن البدء في دراسة القصة للكاتب البارع يوسف الشاروني،فكانت قصته نموذج للحارة المصرية ،ويظهر أثر المكان في الشخصيات التي تعيش فيها مستخدما دقائق الساعة التفصيلية في عرض كل حدث بالدقيقة.
ففي بداية القصة يعرض الحدث الأول مستخدما الراوي بضمير المتكلم الشاهد لكل الأحداث ،ويقول: " كانت حارتنا الصغيرة تضج بخليط الأصوات المتنافسة ،فقد كان فيها – حتى الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة والثلاثين ،من مساء ذلك اليوم – منزل من طبقتين بكل طبقة شقتان،وكان فتحي عبد الحميد ... أقام حفل عرسه على سطح المنزل ". جاءالحدث الأول بالتزامن مع حدث آخر وهو " في الطبقة السفلى أقامت جمعية الأسرار اللآلهية حفل تأبين لرئيسها السابق المرحوم محمد مفتاح طبلية ،وقد جلس المقرئ أمام مكبر آخر يقرأ ما تيسر من الذكر".
فجاء المقطعان السابقان يحملان ألفاظا تدل على الثنائية مثل (خليط الأصوات المتنافسة – شقتان – طبقتين – حفل عرس – حفل تأتبين ) هذه الألفاظ ساعدت على تكوين استعداد للقاريء لمعرفة الفروق التي تحدث عند كل طبقة وما العنصر المشترك بين الطبقتين ؟.
فجمع الكاتب بين حدثين بنفس البيت كل منهما عكس الآخرحيث الفرح وبناء حياة جديدة واجتماع الأحباب والأهل والأصحاب لمباركة الزيجة،والحدث الآخر حفل تأبين في الطابق السفلي لرئيس جمعية سابق، وقد اجتمع فيه أيضا محبي الرئيس المرحوم .
ويتجلى هنا التناقض الذي يبرز حال الناس مجتمعين في مكان وزمان واحد ومتفرقيين في مكانيين مختلفين ؛لكل منهما حاله الذي يجري وراءه .
ليأتي بعد ذلك دور مذياع (أم سيد) صاحبة المقلة والذي يذيع الأخبار " فكانت أم سيد قد فتحت مذياعها ليذيع نشة الأخبار بأعلى صوت كأنما هي وجميع سكان الحارة قد أوشكوا أن يصابوا بالصمم ".
ثم تتحول الأحداث بعد ذلك لتصعد الجارة (أم خليل) لأم العريس وتخبرها أنه سقف شقتها بدأ يتساقط منه الغبار والأتربة ،لتقابل أم العريس هذا الخبر بالاستخفاف والسخرية ، ثم تذهب أم خليل لصديقتها أم سيد لتستشيرها فما تفعل ولكن المذياع جاء بدوره مواقفا ومؤيدا لموقف أم خليل ،ويقول الراوي: " وعندما اقتربت من المقلى كان الراديو يذيع أن شابا أمريكيا احتج على الحكومة السوفيتية لإعتدائه على حقوقه المشروعة في الفضاء الجوي الذي يملكه". وحين تعقد المقارنة بين موقف أم خليل في إضطهاد حقها للحفاظ على حياتها فهو يتناسب تماما مع موقف الشاب الأمريكي .

ويكمل الراوي " وأصبح لحارتنا في دقائق - وفي الساعة الثامنة والدقيقة السادسة والثلاثين على وجه التحديد – أهمية كبيرة ،فقد انقلب مائتا مهنئ – على الأقل – على خمسين مؤبنا – وربما تجاوزت جثتا الراقصة والشيخ المقرئ وهذا – في حد ذاته – خبر عظيم لصحف الصباح ،ومن شأنه أن يجعل لحارتنا شهرة ما كانت تحلم بها "
ويبدو أن الشاروني قد جمع بين ثلاث مواقف متشابهة ليتمهم موقف أم خليل فكأنها قامت بدور المذياع الذي يذيع خبر سقوط البيت ولا أحد يعيرها آية اهتمام ثم يأتي الحدث الأهم في ذلك ويقول فيه السارد " وفي الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة والثلاثين شوهدت أفاريز النوافذ في المنزل الممتلئ بالضوء والضجيج وهي تتحرك وتتزحزح ،والجدران وهي تتمايل وتتشقق ... وانطلقت فجأة صرخات علت وطغت على إذاعات حارتنا،وترنحت الأنوار الملونة ،ثم ما لبثت ان تلاشت". وقد عبر الراوي عن حركة انهيار البيت كأنها تصور تصويرا سينمائيا مع كل حركة مما جعل القارئ يشعر أنه في قلب الحدث.
ثم يستعرض الراوي حال الناس سكان البيت فكل منهم له قصته من أمثال الست "بخاطرهم التي اقترضت عقدا تتحلى به امام المدعوات ،وعلى الرغم من أنها نجت فإن العقد ضاع منها وسط الضجة والزحمة ،وكانت هناك من جاءت بقميص نومها تبكي وتتوسل بإلحاح لأحد رجال المطافئ ان يبحث عن قريب لها قبل أن يلفظ أنفاسه... وكانت هناك حسناء – من غير حارتنا – تبكي ؛ لأنها أتت مع أخيها الصغير بغير استئذان والدها ،وقد فقدت أخاها الآن ولا تعرف كيف تعود؟ "
ثم تنتهي القصة بغلق أم سيد للمذياع على ذلك الخبر "ثم جاء في ختام النشرة أن عشرين شخصا من سكان غينيا الجديدة توفوا اليوم بسبب إصابتهم بمرض الضحك ،وقد بلغ عدد المصابين في المستشفى هناك سبعين مريضا حتى الآن ،وهم يضحكون ليلا ونهارا ـ حتى يلاقوا مصيرهم ".
لعلنا نرى مواكبة الكاتب للأحداث الجارية وسردها وفق أحداث قصته حيث جعل الراوي يروي ما يحدث من أحداث يسردها للقارئ، ويذكر أيضا ما يذيعه المذياع ،وهذا يدل على قدرته في نسج الخيوط وجعلها تتشابك وقدراته على إبراز السرد الواقعي بذكر أحداث صحيحة تبث خلال كتابته لقصته ،أو في وقت حدوثها ونقلها بصدق وأمانة،وتكثيف الحدث وانغماسه مع الزمن في مدة زمنية مليئة بالمشاعر والانفعالات النفسية ولا يمكن إغفال المكان ؛فكل جدار كان يحوي حدثا مخالفا للجدار الآخر.
وذلك من خلال عرض لبعض المقاطع القصصية التي تُظهر بوضوح براعة يوسف الشاروني في الإتيان بالصورة متسلسلة كاملة ؛موضحا لأغلب الفئات الموجودة ،ولا يمكن إغفال براعته في انسيابية الحدث وسلاسته،وتعدد الشخصيات والثقافات والفئات العمرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو