الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأردن والولايات المتحدة .. الدور السياسي وأولويات الأمن والاقتصاد

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2022 / 3 / 7
السياسة والعلاقات الدولية


مدخل
لقد شكّل الأردن نموذجاً متميزاً على مستوى دول المنطقة، فيما يتعلق بتوازناته الإقليمية والدولية، حيث ظل قادراً على تقديم التصورات والمقاربات بعقلانية وهدوء واتزان، بعيداً عن العاطفة والمصالح الضيقة، فاستمرت السياسة الأردنية، رغم الأزمات المتصاعدة في منطقة ملتهبة منذ ما يزيد على نصف قرن، بتقديم الأفكار ومشاريع الحلول والرؤى المستقبلية لدول المنطقة والقوى العالمية، خاصة الولايات المتحدة ، التي تقدّر دور الأردن وتحترم حياديته وسياسته، وفتحت أمام قيادته السياسية مراكز التأثير في القرار الأمريكي.

تعود العلاقات الأردنية الأمريكية الى سبعة عقود مضت، حيث تعتبر واشنطن الأردن من الدول المعتدلة والموثوق بها سياسياً وأمنياً، لذلك دعمت سياسة التجارة الحرة مع المملكة مبكراً وجعلت من الأردن "الشريك" من غير عضوية في الحلف الأطلسي، وسعت لتعزيز قدراته الاقتصادية والعسكرية والأمنية والصحيّة من خلال تقديم مليارات المساعدات والمنح والقروض، وفي عام 2018م تم توقيع اتفاقية مساعدات ضخمة لخمس سنوات قادمة بقيمة (6.4) مليار دولار أمريكي، وفي عام 2020م تم الاعلان عن توقيع الاتفاقية الدفاعية والأمنية بين البلدين.
لقد أصبحت الأردن تمثل أهمية حقيقية للولايات المتحدة بصفتها البلد الآمن والمعتدل الذي يمكن أن يقف الى جانب المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة والغرب، لأجل ذلك كان الأردن مؤهلاً منذ أكثر من ثلاثة عقود للعب الأردن دور الوساطة في مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وكانت عمّان تمارس الكثير من الضغوط الدولية لصالح الشعب الفلسطيني.
ومرت العلاقات الأردنية – الامريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" فى اسوأ حالاتها منذ حرب الخليج الثانية عام 1991م، الأمر الذي اثّر على التحالف الاستراتيجي بين البلدين، حيث جرت محاولات لإبعاد الاردن عن دوره التقليدي تجاه قضايا المنطقة، خاصة فلسطين والقدس، فيما سعت أطراف اقليمية لتهميش مصالح الأردن الاقتصادية والامنية، بسبب معارضة الاردن، شعباً وملكاً، لمشروع "صفقة القرن"، وتمسّك الأردن بموقفهِ العلني المرتبط بقرارات الشرعية الدولية: وهو حل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية الجديدة والوصاية الهاشمية في القدس .

العلاقات الباردة في عهد ادارة "ترامب"
لم يولِ الرئيس "ترامب" اهتماما بالمصالح الأردنية في فلسطين والمنطقة على الإطلاق، بل ولم تكن هناك مشاورات تحالفيه بين الطرفين، أسوة بما كان يجري بالعادة، ما انعكس على مستوى متدن من العلاقات بين البلدين، كما تراجع مستوى وتأثير السياسة الخارجية الأردنية في بعض الملفات الإقليمية، ورغم سعي الملك عبد الله الثاني ابن الحسين بجهود كبيرة لبناء جسور تعاون وتفاهم مشترك مع إدارة الرئيس "ترامب"، إلا أن النوايا الأمريكية بالتنسيق مع بعض الأطراف العربية، دفعت المنطقة نحو التأزيم والتراجع .
وفضّل الرئيس "ترامب" الاعتماد على أطراف عربية وإقليمية أخرى فيما يخص القضية الفلسطينية، فكان أشبه ما يكون بتهميش متعمّد للدور التاريخي للأردن في قضيته الأولى، فلسطين، خاصة ملف القدس والرعاية الهاشمية لها.
لقد رفض الملك عبد الله الثاني صراحةً كافة الضغوط الأمريكية والإقليمية بخصوص القضية الفلسطينية والقدس، "لاءات" الملك الثلاث المشهورة (لا للتوطين، لا الوطن البديل ولا للتنازل عن القدس)، ما انعكس سلباً على عصب الاقتصاد الأردني خلال الأعوام القليلة الماضية، بعد ممارسة ضغوط اقتصادية ومالية على الأردن من جانب بعض الأطراف العربية.
لقد وجدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" في السياسات الأردنية مشكلة وعائقاً أمام تنفيذ مشروع "تصفية القضية الفلسطينية" برمتها، فمن جهة رفض الأردن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولم يستجب لضغوط شديدة لاعتماد "صفقة القرن"، ولم يرحّب بعمليات التطبيع العربية مع إسرائيل، والتي جاءت تحت عنوان عريض هو "السلام الإقليمي"، باعتبار أن هذه الوصفة العاجلة جزء من الصفقة الأمريكية - الإسرائيلية التي تستهدف إنهاء الملف الفلسطيني للأبد، وتصفية كافة بنود الحل النهائي، خاصة (القدس، اللاجئين، الحدود، الدولة الفلسطينية) .
يقول مبعوث الأمريكي السابق للسلام في الشرق الأوسط، السفير مارتن إنديك، إن "الملك عبدالله الثاني قد "نجا من الضغط الذي مارسه عليه "ترامب" بمساعدة دول الخليج وإسرائيل".

القمة الأردنية الأمريكية .. العودة للمكانة الطبيعية
تشهدُ العلاقات الأردنية الأمريكية منذ العام 2021، عودةٌ طبيعية إلى محور التحالف التقليدي بين البلدين، باعتبار الأردن الحليف الأوّل للولايات المتحدة في المنطقة منذ عقود خلت، وبالتالي عاد الى دوره المركزي المؤثّر في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.
يعتبر العاهل الأردني أول زعيم عربي يلتقي الرئيس الأمريكي "بايدن" بالبيت الأبيض بتاريخ 19 يوليو 2021 منذ تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أشّر على أهمية الزيارة التي اخذت بعداً عربياً وإقليمياً ودولياً، رغم ضرورتها المحلية، من حيث دلالاتها وتوقيتها، في ظل الأزمة الاقتصادية وتداعيات جائحة كورونا، والأزمات الإقليمية التي أصابت الأردن ودول المنطقة سواء لجهة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والأزمات في سوريا والعراق ولبنان واليمن، فضلاً عن الملفات المحلية الشائكة، السياسية والأمنية والمائية والاقتصادية والصحية، وأخطرها ما يسمى بقضية "الفتنة" .

يمكن القول أن الزيارة فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، ما دفع الأردن لإعادة الحيوية والأولوية للعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف استعادة زمام الأمور الإقليمية والعربية، خاصة وأن ادارة الرئيس "بايدن" تتقاطع مع موقف الأردني بخصوص حل الدولتين، وتعتبر الأردن شريكاً في الأمن والسلام والتوازن الإقليمي، وتتحفّظ على سياسة الاستيطان الإسرائيلية.
لذلك كانت الزيارة الملكية للبيت الأبيض، بمثابة اعادة ضبط توازن القوى الإقليمية الفاعلة والمؤثرة في المنطقة، لاسيما وأن الرئيس الأمريكي "بايدن" يحاول أن يركّز في سياسته الاقليمية الجديدة بالاعتماد على محور الأردن بشكل رئيس بعد فشل المحاور الإقليمية الأخرى في حل مشاكل المنطقة، خاصة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولا شك أن الأردن يأمل اليوم في تعزيز دوره على الساحة الإقليمية، وذلك بالاستناد الى العلاقة الطيبة والصداقة القديمة التي تربط الملك عبد الله بالرئيس بالأمريكي "بايدن"، حيث يرغب الأردن في تمتين جبهته الداخلية من الناحيتين الأمنية والاقتصادية وانعاش السوق المحلي بعد سنوات عجاف مالياً واقتصادياً، كما يتمنى الأردن اليوم أن ينجح، في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، في حل ما يمكن حلّه في القضية الفلسطينية والحصول على أكبر قدر ممكن من حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة لجهة مشروع الدولة الفلسطينية ومسألة القدس.
كما يحاول الأردن تمديد حزمة المساعدات الحالية لسنوات خمس أخرى، حيث تنتهي حزمة المساعدات الحالية والمقدّرة بـ (6.4) مليار دولار العام الحابي.
إن مرحلة محاولة "تهميش" دور الأردن، انتهت، ولم تعد قائمة، وأنّ الدور الإقليمي للأردن ستكون مساحته واسعة، في المرحلة المقبلة، شريطة اعادة النظر بالمتغيرات الإقليمية التي حدثت خلال الأعوام القليلة الماضية.
لقد دعمت الولايات المتحدة علاقات التعاون بين الأردن ومصر والعراق لمصلحة تحسين المكانة الاقتصادية للأردن ومصر وتعزيز موقف تلك القوى لخلق توازن اقليمي جديد يعيد العراق لدوره الفاعل في الساحة العربية، وضبط الدور الإيراني في المنطقة.
ومن المتوقع أن يكون للأردن أهمية كبرى في مشروع اعادة اعمار سوريا، بعد أن منحت الولايات المتحدة الأردن الضوء الأخضر لفتح الحدود والتعاون بين الأردن وسوريا واستثناء عمَان "ضمنياً" من قانون عقوبات "قيصر " المفروض على دمشق منذ سنوات، بعد أن فتح البلدان صفحة تعاون جديدة تخدم دول المنطقة وتدمج الاقتصاد بالسياسة اقليمياً، عبر محور الشام الجديد.
لا شك أن البيت الأبيض يهتم بجدية استمرار الدور الأردني في المنطقة، وهو ما ينعكس ايجاباً على الاستقرار الداخلي، السياسي والاقتصادي، ويدفع نحو تقديم المزيد من المساعدات المالية الجديدة والدعم لوجستي، سواء بشكل مباشر من خلال الولايات المتحدة أو من بعض دول الجوار العربي التي ربطت –مؤخراً- المساعدات المالية بالمواقف السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله