الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الصين والولايات المتحدة .. إدارة التنافس والصراع (4)
ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية
(Yasser Qtaishat)
2022 / 3 / 7
السياسة والعلاقات الدولية
مسيرة العلاقات الاقْتصاديَّة بين الصين والولايات المتحدة
رغم أن تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الطرفيّن لا يرجع إلى عقود طويلة، لكن يُعتبر البلدان اليوم أكبر شريكين تجاريين فيما بينهما، ولم تحول التباينات والتجاذبات السياسية والاقتصادية بين الطرفين من الحفاظ على التعاون والتّشابك في المصالح التجارية والاقتصادية منذ منتصف الثمانينات وحتى الآن.
بعد توحيد الصين وتولي الزعيم "ماوتسى تونغ" قيادة الجمهورية عام 1949م، كان الاقتصاد الصيني في حالة انهيار، وعلاقاته التجارية مع المحيط الخارجي شبه محطّمة، فاتّبعت الصين نظاماً "اشتراكياً معقّد" لضبط مختلف مناحي الاقتصاد، ودخلت البلاد في غضون عقدين فى تجربة اقتصاديّة جديدة فريدة من نوعها "لا تلغي التجربة الاشتراكية القديمة إنما تبني عليها إصلاحات هيكليّة ومؤسسيّة لمواكبة الاقتصاديّات العالميّة"( ).
ثم بدأت تجربة الإصلاح الاقتصاديّ فى مناطق الريف والزراعة، حيث يعيش (80%) من سكّان الصين، وقدّمت حكومات الصين العديد من الامتيازات والتسهيلات للشركات الصينيّة العاملة في الخارج وللمستثمرين الأجانب لجذب مشاريعهم إلى البلاد، وفتحت المناطق التجارية والتنمويّة الحرة ، وقدّمت امتيازات تجاريّة وقوانين استثماريّة متنوعة وخفّضت الرسوم والضرائب والجمارك، ما ساهم في رفع معدّلات النموِّ وجذب الاستثمار بشكل ملفت، حتى أصبحت مقاطعة "جوانج دونج " –مثلاً- خلال الفترة (1979-1990) بمثابة طفرة اقتصادية كبيرة؛ وصفها البعض بـ"النمّر الأسيوى"( ).
وفي عام 1972م، واثر عودة العلاقات السياسية بين البلدين، أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" رفع الحظر عن التبادل التجاريّ مع الصين بشكل رسمي، الأمر الذي دفع الشركات الأمريكيّة لتصدير المنتجات والسلع إلى الصين.
وإثر اقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الطرفين في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" عام 1979م وتبنّي شعار سياسة "الصين الواحدة"، لغت الولايات المتحدة مرسوم فرض ضرائب عاليّة على المنتجات المستوّردة من الصين، ومع اجتماع الرغبة الأمريكيّة بالانفتاح على الصين، بالتوازي مع الإصلاحات الاقتصاديّة والثقافيّة التحرريّة في الصين، اكتسبت العلاقات التجاريّة والاقتصاديّة بين البلدين وتيرة سريعةً جداً( ).
حيثُ زادت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة عام 1984م، وأصبحت الولايات المتحدة واحدةً من بين أكبر ثلاثة شركاء تجارييّن للصين، في حين كانت الصين –آنذاك- ضمن أول عشرة شركاء تجارييّن بالنسبة للولايات المتحدة.
لقد أدرك الطرفان الفوائد الجمّة للتقارب والتعاون بينهما، فسجّلت الاحصاءات الرسمية قفّزة هائلة في حجم الاستثمارات المشتركة بينهما عام 1994م، فبلغت قيمة الواردات الصينية من الولايات المتحدة (114.6) مليار دولار، بعد أن كانت بحدود (52.5) مليار دولار عام 1990م، فيما احتلت الصين المرتبة السادسة كأكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وبلغت قيمة الصادرات المتبادلة (6.5) مليار دولار، احتلّت منها الصين حصة الأسد بنسبة (81%)، ومع تزايد وتيرة التطوّر والتّحديث في هياكل وبنى الاقتصاد الصيني، ارتفع الطلب على السلع والخدمات الأمريكية بشكل لافت خلال التسعينات( ).
ونمت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة خلال الفترة 1993-2003 بنسبة (300%) في الوقت الذي تضاعف فيه عجز الميزان التجاري الأمريكي لصالح الصين بنسبة (325%)، وفي عام 2003م وصل العجز التجاري الأمريكي إلى (124) مليار دولار وهو أضخم عجز تجاري يسجّل بين بلدين آنذاك( ).
وكان حجم التجارة السنويّ بين البلدين خلال الثمانينات أقل من (20.5) مليار دولار، وفي عام 2008م أصبح حجم التجارة السنوي حوالي (307.8) مليار دولار، وتملك الصين مجموعة كبيرة من المصالح التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فالأسواق الأمريكية تعتبر مصدر رئيسي لنمو الاقتصاد الصيني، وتمثلُّ المصدر الأول –تقريبا- للعائدات المالية الصينية، كما وفّرت الأسواق الأمريكية فرصَ عمل مذهلة للأيدي العاملة الصينية( ).
وبالمقابل تنظر الولايات المتحدة إلى الصين كأهم وأبرز سوق اقتصادي نامي في آسيا، وهي أرضٌ خصبةٌ للشركات الأمريكية التي وجدت في السوق الصيني فرصةً واسعةً للتصدير والاستثمار، ويصب نمو الاقتصاد الصيني في مصلحة الولايات المتحدة لتوسيع رقعة الشركات والمصانع الأمريكية في السوق الصيني، في ظل سوق محلي خصب وكثافة سكانية هائلة تُفضلُّ السلع والمنتجات الأمريكية على غيرها .
ولا خلاف أن العلاقات الاقتصادية الثنائية بين أي دولتين في حقيقتها هي منفعة متبادلة، لكن بالنسبة للصين والولايات المتحدة هي منفعة دوليّة تخدم كيانات ومؤسسات إقليمية عالمية وتسهم في زيادة النمو الاقتصادي العالمي، لأجل ذلك ولحل كافة القضايا المتعلقة بالعلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية، أجرت كلاً من بكين وواشنطن منذ عام 2006م منتدى الحوار الاقتصادي الاستراتيجي، والذي أصبح فيما بعد منصة سنوية مشتركة بين الطرفين تحت عنوان "الحوار الاستراتيجي والاقتصادي" والذي يناقش خلاله الطرفان القضايا الاستراتيجية والخطط طويلة الأمد المتعلقّة بالتنمية والاستثمار والتجارة.
وعلى خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008م، تركّزت جولات الحوار الإستراتيجي الاقتصادي بين البلدين خلال عامي 2009/2010 على توطيد التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين من ناحية، وتحفيز النمو على المستوى الدولي من جهة أخرى، كما وافقت الصين على المطالبِ الأمريكيّة التاليّة( ):
1. ضبطُ آليّة تعويم سعر صرف العملة الصينية
2. تقديمُ ضمانات لحقوق الملكيّة الفكرية
3. فتحُ الأسواق الصينية للصادرات الأمريكية
4. تخفيضُ دعم الحكومة الصينية للشركات الصينية الرسميّة .
فيما وعدت الولايات المتحدة الصين بـ( ):
1. تسهيل نقل التكنولوجيا المتقدّمة في المجالات المدنيّة
2. تخفيض القيود على صادرات الصين
3. دعم دور صندوق النقد الدولي فى تنسيق السياسات الاقتصاديّة بين الدول المختلفة
لقد استطاعتَ الصين من خلال الفوائض التجاريّة تملُّكَ الكثير من الأصولِ في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، ولذلك فقد أصبحت الصين –فعلياً- بمثابة المنافس الاقتصادي الإستراتيجي الرئيس للولايات المتحدة، الأمر الذي دفع الخبراء والسياسييّن الأمريكييّن للتحذير من الصعود القويّ للصين، في ظل عجر الحكومات الأمريكية المتتالية عن وقف نزيف العجز فى الميزان التجاري مع الصين .
وقد أشارت إحصاءات البنك الدولي إلى ارتفاع احتياطيّ الصين من العملات الأجنبية عام 2008م إلى (2) تريليون دولار بزيادة تريليون دولار عن مثيلاتها فى عام 2006م، وفي نفس العام تخطّت الصين اليابان لتحمل لقب الشريك التجاريّ الأوّل مع الولايات المتحدة( ).
يتغيّر هيكل العلاقات الاقتصادية بين البلدين كل فترة تبعاً لحجم التبادلات والمصالح والظروف الإقليمية والدولية، فقبل عام 2006م زادت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين بنسبة (11%) ، بينما زادت صادرات الصين الى الولايات المتحدة بنسبة (6.6%)، وبلغت التجارة الثنائية في قطاع الخدمات حوالي (100) مليار دولار، وحققت الولايات المتحدة فائضاُ مع الصين في هذا القطاع( ).
وفقا لتقرير نشره مجلس الأعمال الأمريكى - الصينى في واشنطن عام 2016م، فقد بلغ حجم التبادل الثنائي في عام 2016م حوالي (170) مليار دولار، فيما أفادت نشرة عام 2017م عن استثمار الشركات الامريكية حوالي (80) مليار دولار امريكي في آلاف المشاريع التجارية والصناعية والتقنية في الصين، وأصبحت حوالي (90%) من الشركات الأجنبية في الصين شركات ربحية( ).
وتجاوزت الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، الاستثمارات الأمريكية في الصين في عام 2015 حسب ما ذكرته مجموعة "روديوم" في نيويورك، واستثمرت الصين في عام 2016م (45.6) مليار دولار ، وهذا يمثل ثلاثة أضعاف ما استثمرته الولايات المتحدة في الصين، ومع انخافض الفجوة في تكاليف الانتاج بين البلدين، فان الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة قد تصل الى حوالي (200) مليار دولار امريكي في عام 2020م، وفقاً لتقديرات شركة "روديوم" الأمريكية( ).
والولايات المتحدة الأمريكية اليوم هي أكبر اقتصاد في العالم، فيما تتّربعُ الصين في المركز الثاني مباشرةً، وأصبحت الصين منذ عام 2015م أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة الأمريكية وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من (519.6) مليار دولار أمريكي حتى منتصف عام 2018م( ).
في الغالب تتّخذ العلاقة الاقتصادية بين البلدين مسارٍ خاص بهما بعيداً عن المسارات الأمنية والسياسية، مع أفضلية كبيرة للصين؛ حيث تُوجّهُ الصين جزءاً كبيراً من استثمارها في الولايات المتحدة إلى شراء سندات الخزينة الأمريكية حتى تجاوزت اليابان كأكبر مالك أجنبيُّ لديونِ الولايات المتحدة الأمريكيّة .
المطلب الثاني : العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة
يحكم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة قانون المعاملة التجارية التفضيليّة (الدولة الأولى بالرعاية) الذى منحته الولايات المتحدة للصين عام 1980م، بهدف تقوية أواصر العلاقات التجارية بينهما، وتحفيز التبادل التجاري الذي لم يتجاوز سقف (8) مليار دولار عام 1985م( ).
الجدول التالي يوضح حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة خلال الفترة 1985-1995( )
الواردات
بالمليون دولار الصادرات
بالمليون دولار العام
3,861.7 3,855.7 1985
4,771 3,106.3 1986
6,293.6 3,497.3 1987
8,510.9 5,021.6 1988
11,989.7 5,755.4 1989
15,237.4 4,806.4 1990
18,969.2 6,278.2 1991
25,727.5 7,418.5 1992
31,539.9 8,762.9 1993
38,786.8 9,281.7 1994
45,453.2 11,753.7 1995
وفي عام 1990م ارتفعت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة إلى أكثر من (15) مليار دولار، وارتفع أيضاً الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة إلى أكثر من (10) مليار دولار، وفي عام 2000م وصل حجم الصادرات الصينية للولايات المتحدة إلى (100) مليار دولار، وقفز معها الفائض التجاري الصيني الثنائي إلى أكثر من (83) مليار دولار( ).
وما لبث أن ارتفع حجم الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بشكلٍ هائل بعد ذلك، حتى وصل عام 2010م إلى (365) مليار دولار، وحققّ فائضٌ تجاريٌ مع واشنطن يتجاوز مبلغ (270) مليار دولار، وعلى وقع الأزمة المالية العالميّة تباطئ معدّل نمو الصادرات الصينية لسنوات قليله، رغم أن قيمهُ الهائلة استمرت في الارتفاع حتى تجاوزت عام 2017م حاجز الـ(500) مليار دولار، فيما بلغ الفائضُ التجاري في نفس العام نحو (375) مليار دولار ( ).
وتحتلُّ الصين صدارة الشركاء التجارييّن مع الولايات المتحدة، حيث تستورد الأخيرة ما نسبته (22%) من اجمالي سلعها ومنتجاتها من السوق الصيني، وتأتي الصين اليوم في المركز الثالث من حيث الصادرات الأمريكية، بعد كندا والمكسيك، حيث تستورد الصين من واشنطن ما نسبته (8.5%) من اجمالي وارداتها .
الجدول التالي يوضح حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة خلال الفترة 1996-2005( )
الواردات
بالمليون دولار الصادرات
بالمليون دولار العام
51,512.8 11,992.6 1996
62,557.7 12,862.2 1997
71,168.6 14,241.2 1998
81,788.2 13,111.1 1999
100,018.2 16,185.2 2000
102,278.4 19,182.3 2001
125,192.6 22,127.7 2002
152,436.1 28,367.9 2003
196,682 34,427.8 2004
243,470.1 41,192 2005
تمتلكُ الصين بعض المزايا التفضيليّة في التبادل التجاري مع الولايات المتحدة ، منها( ):
- انخفاض أجور الأيدي العاملة مقارنة بالأجور في الولايات المتحدة.
- سوق استهلاكي ضخم يتجاوز أربعة أضعاف سكان الولايات المتحدة.
- سياسات وقوانين تجارية صينية تشجّع على التصدير، ودور الحكومة الواضح في تشجيع الصناعة.
- سياسات التحكم في العملة الصينية للحد من نمو قيمة العملة الصينية، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعار السلع الصينية المصدّرة للخارج وجعلها أكثر تنافسية.
- القيود البيئية الصينية الأقل صرامة مقارنة بالقيود البيئية الأمريكية، وكذلك القوانين العمالية المتراخية نوعاً ما في الصين، مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكيّة.
- سياسة التمويل في الصين تتحكم فيها السلطات المركزية وتُسهم في خفض تكلفة التمويل الداخلي.
وعلى صعيد الولايات المتحدة؛ فانها تتمتّع بفائضٍ في تجارة الخدمات مع الصين يتجاوز (40) مليار دولار سنويا، وتستفيد الولايات المتحدة من الاقتصاد الصيني من خلال عوائد الاستثمارات الهائلة التي تجنيها الشركات الأمريكية العاملة في الصين، مثل شركة "جنرال موتورز" التي تفوق مبيعاتها داخل الصين ضعف مبيعاتها في الولايات المتحدة، وكذلك الحال لشركة "أبل" التقنية، وعشرات الشركات الأمريكية الأخرى( ).
تُركّز الحكومات الأمريكيّة المتعاقبة على الخدمات والتكنولوجيا أكثر من الصناعة، بسبب انخفاض الدعم الحكومي للشركات والمصانع الأمريكية أو الأجنبية، بعكس الصين التي تُركّز كثيراً على الصناعات بمختلف أنواعها وأحجامها، وهذا يُفسّر حقيقةً سبب عجز الميزان التجاري بينهما، فخفض الدعم الأمريكي للصناعة المحلية يُخفّض من قدرة المنتجات الأمريكية على المنافسة مع الدول الصناعية الكبرى، خاصة الصين التي تستحوذ على حصة الأسد في صادرات المنتجات الصناعية، منخفضة الكلف .
الجدول التالي يوضح حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة خلال الفترة 2006-2017( )
الواردات
بالمليون دولار الصادرات
بالمليون دولار العام
287,774.4 53,673 2006
321,442.9 62,936.9 2007
337,772.6 69,732.8 2008
296,373.9 69,496.7 2009
364,952.6 91,911.1 2010
399,371.2 104,121.5 2011
425,619.1 110,516.6 2012
440,430 121,746.2 2013
468,474.9 123,657.2 2014
483,201.7 115,873.4 2015
462,542.0 115,545.5 2016
505,470.0 129,893.6 2017
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مصادر تؤكد تدخل إيران سرا في مفاوضات لبنان بهدف عرقلتها.. ما
.. الجيش الأوكراني يواصل عملياته المكثفة قرب باخموت ودونيتسك
.. إيهاب جبارين: هدف إسرائيل هو الانتصار على حزب الله وليس فصل
.. استشهاد الطفل ميسرة أبو العوف ووالده في قصف إسرائيلي على جبا
.. اندلاع نيران بعربة قطار في لاس فيجاس