الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب أوكرانيا وروسيا: الإنسان هو الخاسِر الوحيد فيها.

ازهر عبدالله طوالبه

2022 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


بدايةً، لا بُدّ مِن التأكيد على أنَّني ‏لا أُنكِر حقّ الدِّفاع لأيِّ دولةٍ كانَت، وأنّ هُناك ضروارت تُحتِّم عليها -أي الدّولة- أن تُدافع عن نفسها بأيّ ثمنٍ كان، كما أنّني لا يُمكِن أن أكون ناصِرًا أو مُناصِرًا لدولةٍ ظالِمة، أيًّا كانَت هذه الدَّولة. لكن، هذا لا يعني أنّني أقبَل بأن يكونَ هناكَ حَرب دمويّة بينَ الدَولتين.

وحقيقةً، فإنّ عدَم قُبوليَ بهذه الحَرب، ليس الحِفاظ على النّظام السياسيّ في كُلّ مِن الدولَتين، أو للحِفاظ على الدولَتين مِن الناحية السياسيّة والجُغرافيّة، وإنّما لأنَّني أُدرِك بأنّ أكثَر ضحايا الحَرب لَن يكونوا إلّا مِن المدنيّين الذينَ يقعونَ بينَ البَينين.

إنّ الحَرب الروسيّة-الأوكرانيّة هي حربٌ تختَلف، مِن حيث التّأثيرِ، عَن كُلّ تلكَ الحُروب التي سبقتها، حيثُ أنَّ تأثيراتها لا تقتَصر على شعوب أطرافها فقط، وإنما تمتَد لتطول كُلّ شُعوبِ العالَم ؛ وذلكَ ليسَ لأنَّها قَد أظهرَت الوجه الحقيقيّ للكثير مِن الأنظِمة السياسيّة الغَربيّة - ذات الوجود المؤثّر على وفي الساحة الدوليّة-، التي كانَت وما زالَت تحتَمي ب"الديمقراطيّة وحقوق الإنسان" تارة، و " مبدأ الإستعلاء والفوقيّة" على غيرها تارةً أُخرى، والأخير، هو الأمر الأكثَر اتّباعًا في كُلّ وجُلّ تعامُلاتها مَع مَن يشاركونها العيَش على هذا الكوكَب.

فقَد يرى البَعض أنّ أعداد قتلى هذه الحَرب قَد تصِل إلى تلكَ الأعداد التي عرفتها الحَرب العالميّة الثانية، وربّما قَد تفوقها ؛ إن كانَ هُناكَ استِخدام للسّلاحِ النوَوي مِن قبلِ الرّوس، وهو الأمر الذي يُحتِّم على كُلّ دول العالَم أن تكونَ مُشارِكة في هذه الحَرب التي ستتحوّل مِن حَرب توسعيّة تستَند على  "المطامِع الأيديلوجيّة والإقليميّة " إلى "حربٍ عالميّة ثالِثة " مجهولَة الهُويّة وخالية مِن الأهداف الحقيقيّة، كما أنَّ السلاح الذي سيُستخدم فيها، هو السّلاح النوويّ، والنوويّ فقط . لكن، هذا ما لا أحسبهُ التأثيرِ الأكبَر . فوفقًا لكُلّ المُعطياتِ والدّلائل، فإنّني أرى بأنّ الحَرب النوويّة مُستحيلة، حتى لو أمر بوتين " بوضع قوّات الردع النووي في حالة التأهُّب القُصوى "، وحتى لو كانَ هناكَ شيء مِن الردّ الغربيّ الخجول، على تحرُّكات بوتين، وإنما لأنّني لا أقتَصِر تأثيرات الحُروب على الخسائر الماديّة فقط، بل أَحسب التأثيرات المعنويّة، وآخذها على أساس أنّها هي صاحبة السطوة في مثلِ هذه الحُروب ؛ إذ أنَّها تزرَع الأحقاد والضّغائن بينَ الشُّعوب، وتُلبِسُها كُلّ أثواب الإزدراء والإقصاء، وأنّها تُدعّم القاعدة التي تقول بأنَّهُ "حتى يعيش أبناءَ أمّة ما فلا بُدّ مِن قتلِ أبناء أُمّة مُقابلة لها، أو على الأقَل العمَل على إقصائها مِن كُلّ حقولِ الحياة، ورميها بالتخلُّف والرجعيّة، ونهشِها بمعاولِ العنجهيّة والبدائيّة."
وفي هذه الحَرب، فإنَّ هذا الأمر الذي بدا واضِحًا للعيان، هو الذي أقصُدهُ في مقاليَ هذا . فهو ما ستخلِّفهُ هذه الحَرب، ولَن يكون مِن السّهلِ أن يتمّ التخلُّص منهُ، لسنواتٍ طويلة . فبينما الجُنود تُقتَّل والدبّابات تُحرَق، والأراضي تأنّ مِن ثقلِ العسكَر عليها، اشتعَلت في ساحاتِ "مواقع التراشُق الاجتماعيّ" حربًّا بينَ مُعظم أبناء الشَّرق، العَرب على وجه التّحديد، وبينَ أبناء الغَرب، بعد أن قامَ ثُلّة مِن الساسة الغربيين وتبِعهُم عدَدً مِن المُراسلينَ في عددٍ مِن الصُحف الغربيّة، بالتهكُّم علينا، والتّسخيفِ الكبير لنا، مِن خلالِ الإستهتار البشِع بنا، والانتِقاص التاريخيّ لنا، وأنّ دماءنا العربيّة هي ملكٌ للجميع، على عكس دماء أبناء الغَرب الطاهِرة، التي لا يُمكِن أن تكون إلّا ملكًا لأصحابها، على حدّ تعبير بعض المُراسلين.
مِن هُنا أقول بأنَّ لوثَة هذه الحَرب قد طالَت الجميع، حتى نحنُ العَرب، قد طالتّنا، نُحنُ العرب، وسأوضّح فيما هو قادِم كيف طالتنا.
هذه الحَرب هيّأت كُلّ أجواء الشّتيمة، و وفَّرت كُلّ الظُروف المُناسِبة للعِداء والمُخاصَمة، وحرَثَت كُلّ الحقولِ لبذر بذار إقصاء الآخر، وليسَ الآخر المُختَلف أيديلوجيًّا أو فكريًّا فقط، بل حتى الآخر المُختَلف لسانًا ولون بشَرة.
هذه الحَرب قَد جهّزَت الجميع، وجعَلت الجميع يُحارِب الجميع، فالكُلّ يحمِل الفأس، والكُلّ يرى بأنَّ الكُلّ عدوّه.
كما أنَّ هذه الحَرب قَد أظهرَت الوجه الحقيقيّ للكثيرِ مِن أبناء الغَرب الذي يحملونَ عداءً تاريخيًّا لنا نحنُ أبناء الشَّرق، مَن نُنعَت بأنّنا "صنّاع التخلُّف، وسادَة الجهِل، وأباطِرة الإقصاء"، وأثبَتت أنّهُم مشحونونَ بالغضَب والعُنف، وأنّهُ لا ينقُصهم سوى الفُرصة المُناسبة للإنقضاضِ علينا، وسحقنا مهما كلَّفهُم هذا السّحق مِن ثمَن.
ومِن مُنطلَق تأثيراتِ هذه الحَرب على كُلّ شعوب العالم، ومِن خلالِ التعامُل الدّنيء الذي شاهدناهُ مِن قبلِ الغَرب في تعامُلهم مع لاجئي أوكرانيا على أساس الدّين، والعِرق، ولون البشَرة، فإنّني أقول بأنّ هذه الحَرب ذات تأثيرٍ كبيرٍ على شعوب العالَم، وأنّها ترسِّخ الحُدود الفكريّة والإنسانيّة بينَ الغَرب والشّرق . فالغَرب في هذه الحَرب، قد أثبتَ بأنَّ ديمقراطيّتهُ التي يسعى لتصديرها إلى كُلّ العالم، هي ديمقراطيّةٌ هشّة غير قادِرة على الوقوف على أرضيّة غير تلكَ الأرضيّة الغربيّة، التي أيضًا، بالكاد تقِف عليها، كما وأنّها، عرَّت إنسانيّتها، ونزعَت عنها القِناع الذي ألبستهُ لنفسها، والذي كانَت تطلُّ علينا بهِ في كُلّ محفلٍ دوليّ، وتبدأ بحياكةِ الكلام الإنسانيّ العاطفيّ، الذي يأسُر القُلوب. لكن، هذا في ظلّ الحَرب الدّائرة الآن، قد سقطَ سقوطًا مُدوّيًا.

أمّا فيما يتعلَّق بإيضاحِ كيفَ أنّ لوثَة هذه الحَرب قد طالتنا نحنُ كعرَب، فإنّني ومِن أجلِ عدم الإطالة عليكَ أيّها القارئ الحصيف، فإنّني سأوضِّح هذه المسألة بالكيفيّة التالية:

إنّ مِن أسخَف وأوضَع وأرذَل ما قرأتُ في هذه الأيّام، هو أنّ البَعض يجلِد الإنسانيّة بسياطِ الكُره، ويعمَل على قتّلها بينَ الشُّعوب الشرقيّة، تحتَ حُجّة أن "الغَرب موجِد الإنسانيّة ومُصطلحاتها ومفاهيمها الرنّانة، ها هو يرتَكب أبشَع الجرائم بحقِّها، وهو الذي اصطَعنها."

‏يا عزيزي، ليسَ مِن حقّ أحَد أن يمنعكَ مِن وعن أن تتصدَّى للغَرب، والمقصود هُنا بالغَرب، أنظِمة الغَرب، وكُلّ وضيعٍ لا يؤمِن بالإنسانيّة، وليسَ كُلّ الغرب بأنواعهِ وأطيافهِ المُتعدِّدة. لكن، ليسَ مِن حقكَ أن تستَخدم هذا التصدّي كسلاحٍ لتقتُلَ فيه كُلّ معالمِ الإنسانيّة، ‏أو أن تُجرِّدها مِن كُلّ مكامنِ قوّتها، ومِن ثَمَّ تّعرّضها لضربٍ مُبرِح، يرمي بها على أسرَّة البشريّة المُتهالِكة مِن أصلِها، والتي تعيشَ أنواعًا مِن الصِّراع، وتعيشُ أشكالًا مِن التمايُز الطبقيّ، والعِرقيّ، والدينيّ.
نعم، أتّفق معكَ بأنَّ أغلَب الأنظِمة الغربيّة، هي أنظِمةٌ قذِرة وتكيلُ بمكيالين. ‏لكن، هذا لا يعني أنّ نُعادي الإنسانيّة، لأنّنا في لحظةٍ مِن التّيه، أُقنِعنا بأنَّ الإنسانيّة، بكلّ معالِمها، هي إنتاجٌ غربيّ ولا بُدّ أن نتخلَّص من هذا الإنتاج.
فالإنسانيّة ليسَت حصرًا على نطاقٍ جُغرافيّ، ولا مِلكًا لفكرٍ أيديلوجيٍّ مُعيّن، ولا مكرمةً تُقدَّم لأُممٍ على حساب أمم أُخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من


.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية




.. المركزي التركي يُبقي الفائدة دون تغيير عند مستوى 50 بالمئة


.. بايدن يغضب بوتين ويمد أوكرانيا سراً بصواريخ قد تغير قواعد ال




.. التصعيد متواصل بين حزب الله وإسرائيل.. ومخاوف من انزلاق الأو