الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل تؤيد بوتين

يعقوب بن افرات

2022 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أن بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا رفضت إسرائيل الانضمام إلى الحملة العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الهادفة لعزل الرئيس الروسي وهزيمته. ويثير موقف إسرائيل الاستثنائي، والذي يغرد خارج سرب الغرب، تساؤلات كثيرة تصل لدرجة الاستغراب لاسيما وأنها "الولد المدلل" لأمريكا التي تدعمها من دون شروط وبغض النظر عن سياستها القمعية تجاه الفلسطينيين.
إسرائيل لم تنضم إلى الجبهة ضد الاستبداد
أمام الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 شباط/فبراير الماضي، تقف أمريكا اليوم بقيادة الرئيس جو بايدن بوجه هذا الغزو وتجند كل ما تمتلكه من موارد عسكرية واقتصادية وإعلامية باعتبارها معركة مصيرية لدحر المعسكر الاستبدادي وضمان نجاح الأنظمة الديمقراطية في العالم.
وإذا كانت إسرائيل خلال عقود تتشدق متفاخرة بأنها "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط"، إلا أنها اليوم تعلن اصطفافها إلى جانب معسكر الاستبداد جنباً إلى جنب مع كل حلفائها في المنطقة من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد آل نهيان وعبد الفتاح السيسي وبشار الأسد الذين يجمعهم العداء للرئيس جو بايدن وللديمقراطية وتعاطفهم مع الرئيس السابق دونالد ترامب ربيب الرئيس الروسي بوتين.
رفضت إسرائيل طلب الولايات المتحدة الانضمام إلى قائمة الدول الداعمة لمشروع قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا في مجلس الأمن، وكانت ذريعة حكومة بينيت بأن مشروع القرار لن يتم تمريره بأي حال من الأحوال بسبب الفيتو الروسي، ولكن عندما نقلت واشنطن مشروع قرارها للتصويت عليه بالجمعية العامة للأمم المتحدة لم تجد إسرائيل ذريعة لعدم دعم إدانة روسيا واضطرت للانضمام إلى 141 دولة تجنباً للحرج الدولي.وكان من اللافت أن وزير الخارجية يائير لابيد أمر بنقل مهمة إلقاء خطاب إسرائيل أمام الجمعية العامة من السفير إلى نائبته، في إشارة واضحة بأن الإدانة الإسرائيلية شكلية وليست صريحة وإنما هي بمثابة إسقاط واجب فقط.
وكان وزير الخارجية لابيد نفسه هو من حدد الموقف الإسرائيلي تجاه العزو الروسي بقوله: "وضح أن إسرائيل حذرة أكثر من الأمريكيين والبريطانيين لأنه توجد لإسرائيل حدود مع سوريا، وروسيا هناك". وتبرر إسرائيل موقفها الحيادي تجاه النزاع في أوكرانيا بمصالحها الأمنية العليا بمحاربة الوجود الإيراني على الأراضي السورية من خلال التنسيق الدائم مع غرفة العمليات الروسية في قاعدة حميميم الجوية على الساحل السوري. إلا أن دائرة المصالح المشتركة بين تل أبيب وموسكو هي في الواقع أوسع من الساحة السورية وهي لم تختصر على المجال الأمني فقط، بل الأيديولوجي أيضاً.
الحنين إلى الماضي
وها هي إسرائيل تجد نفسها اليوم عالقة بين القطبين الأمريكي من ناحية والروسي من ناحية أخرى. ففي حين تشكل الولايات المتحدة سنداً استراتيجياً رئيسياً لإسرائيل على كل المستويات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية لدرجة أن وجود إسرائيل متعلق تماماً بهذه العلاقة وعلى الرغم من ذلك نرى إسرائيل تمتنع اليوم عن دعم أمريكا فيما يراها الأمريكيين أهم معركة سياسية وعسكرية.
والسؤال هنا لماذا تسبح إسرائيل عكس التيار؟ والجواب يقع في التلاقي الفكري بين التيار اليميني السائد في إسرائيل وبين تيار اليمين القومي العالمي الذي يرأسه بوتين ويشمل دونالد ترامب، وأمثال اوربان في المجر، والجبهة القومية في فرنسا وغيرهم.
إن اليمين الإسرائيلي المتمثل بحزب الليكود المعارض برئاسة نتنياهو والأحزاب اليمينية التي تشكل الائتلاف الحاكم الحالي تحن إلى الماضي القريب عندما كان دونالد ترامب رئيساً في البيت الأبيض بفضل التدخل الروسي في عملية الانتخابات سنة 2016 والمساعدة المباشرة من قبل نتنياهو الذي عارض بشدة السياسة الأمريكية في عهد أوباما تجاه إيران.
التحالف بين نتنياهو وترامب حقق إنجازات كبيرة لإسرائيل تمثل بتوقيع "اتفاقيات أبراهام" مع دول الخليج بتشجيع سعودي، إضافة لعلاقات دبلوماسية مع المغرب والسودان، إضافة لحصول على حرية الحركة في الأجواء السورية بالتقاسم مع الروس. وكان إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وفرض العقوبات عليها ذروة المكاسب الإسرائيلية هذا فضلاً عن شعور الطمأنينة والاستقرار الذي عم على النظام الحاكم في إسرائيل الذي أثبت أن حل القضية الفلسطينية ليس شرطا للحصول "سلام إقليمي" بين إسرائيل والعالم العربي. في ظل هذه الاتفاقات تم شطب القضية الفلسطينية وتحول المطلب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال إلى مصدر ازعاج هامشي مزمن يمكن العيش معه من دون أن يهدد الاستقرار.
بايدن يغير النهج 180 درجة
إلا أن هزيمة ترامب في الانتخابات وفوز بايدن بفارق كبير قد خلط كل الأوراق، فالحزب الديمقراطي لم ينس دور بوتين في شق المجتمع الأمريكي والتهديد المباشر على النظام الديمقراطي نفسه. أن المعركة من أجل إنقاذ الديمقراطية داخل أمريكا مستمرة بعد أن رفض ترامب التسليم بنتائج الانتخابات، وذلك ولأول مرة في التاريخ الولايات المتحدة لم يتم نقل الحكم بطريقة سلمية. أما وفي كل ما يتعلق بإسرائيل فبرنامج بايدن الانتخابي باسم "إعادة البناء للأفضل" والذي يشكل تغيير 180 درجة عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي سادت في أمريكا منذ 40 سنة فهو عكس السياسة الاقتصادية والاجتماعية الإسرائيلية التي تتبنى النهج النيو ليبرالي. أن سياسة بايدن تجاه المواطنين السود والنساء ومثلي الجنس وموقفه من أزمة المناخ وسعيه لاستبدال الطاقة الملوثة بطاقة متجددة وتشجيعه لحقوق العمال واحترامه لحقوق الإنسان والحريات العامة هو عكس كل ما يمثله دونالد ترامب وبوتين واليمين الإسرائيلي.
ولم يأتِ موقف الإدارة الأمريكية من العزو الروسي على أوكرانيا من باب الصدفة، بل يتماشى مع موقف بايدن الذي حدد بشكل واضح بأن الصراع على مستقبل الإنسانية لا يدور بين "الاشتراكية والرأسمالية" بل بين "الاستبداد والديمقراطية" وحدد بشكل واضح بأن بوتين يمثل معسكر الاستبداد.
التوجه الجديد لإدارة بايدن يمكن أن نفهمه من موقف وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن من القضية السورية. وفي مقابلة له (من أيار/مايو 2020 قبل فوز بايدن في الانتخابات) تحدث بلينكن عن استخلاصاته تجاه المعركة على سوريا في عهد الرئيس أوباما حين قال: " فشلنا في منع فقدان الأرواح. فشلنا في منع التهجير الداخلي في سوريا واللاجئين. وهذا الفشل الذي سآخذه معي طوال حياتي، وأشعر بمرارة هذا الشعور"
المعركة على أوكرانيا هي المعركة على الديمقراطية في العالم
ومن هنا فعندما هدد بوتين باحتلال واجتياح أوكرانيا لم يكن هناك أدنى شك بأن إدارة بايدن ستتخذ موقفاً حازماً خلافاً لموقف أوباما في سوريا أو أثناء أزمة شبه جزيرة القرم عام 2014. الموقف الأمريكي اليوم يتجه للسعي إلى أن يدفع بوتين فاتورة تدخله في سوريا وفاتورة تدخله لصالح ترامب. وقد عمل بايدن على تشكيل أكبر ائتلاف دولي لعزل بوتين، تحالف غير مسبوق لم ير العالم مثله منذ أيام الحرب العالمية الثانية.
وعلى عكس الموقف الأمريكي إسرائيل لم تندم من موقفها من دونالد ترامب الذي تعتبره أكثر رئيس أمريكي صديق لإسرائيل، ولم تندم من موقفها تجاه الكارثة السورية التي أصبحت بنسبة لها فرصة ثمينة استثمرت من أجل توسيع نفوذها في المنطقة بدعم أمريكي مباشر وموافقة روسية. إسرائيل لا تزال ترى في النظام الأسدي الضعيف المتعلق بقوة الروس فرصة ثمينة لها وتريد أن تستمر سيطرة الأسد على سوريا وبالتالي التعاون الوثيق مع الروس هناك إلى الأبد. ولكن المعركة الحالية في أوكرانيا تضع كل هذه المكاسب على المحك لأنه من الممكن أن تنتهي الأزمة الحالية بهزيمة بوتين ومشروعه وسقوطه عن الحكم. وبوتين مثله مثل الرئيس السوري الأسد هما شخصيتان منبوذتان. الاثنان متهمتان بارتكاب جرائم حرب ولكن هذا الأمر لا يهم الحكومة الإسرائيلية. المصلحة الإسرائيلية تقتضي دعم احتلال روسيا لأوكرانيا الأمر الذي سيضمن الاحتلال الروسي في سوريا وبالتالي تقاسم السيطرة معها على هذا البلد. إن نجاح بوتين سيكون بالضرورة هزيمة سياسية نكراء لبايدن وانتصاراً كبيراً لدونالد ترامب وهذا ما تحلم به الحكومة الإسرائيلية. إن "الولد الإسرائيلي المدلل" أنتقل إلى معسكر المنبوذين مع بوتين ومحمد بن سلمان وأمثالهما، الذين يسعون لإفشال مسعى بايدن في معركته المصيرية من أجل إنقاذ النظام الديمقراطي.
إن الديمقراطية والمساواة تعتبر عدو للأنظمة الاستبدادية في العالم العربي وفي العالم. فأنظمة الخليج جندت كل طاقتها من أجل إغراق الربيع العربي وشعوبها في بحر من الدم. إن ما بدأ في حلب انتقل إلى كييف. وقد عادت سوريا إلى أذهان المجتمع الدولي والمعسكر الديمقراطي في كل مكان، من نيو يورك إلى موسكو، من برلين إلى لندن إلى كل بلد وعاصمة إذ توحد اليوم العالم بنداء واضح "لا نريد سوريا أخرى".
لذلك لا بد لكل الأحرار في العالم اليوم من الوقوف القوي والواضح مع الشعب الأوكراني ومع جبهة الديمقراطية التي يقودها الرئيس بايدن من أجل إلحاق هزيمة نكراء على نظام بوتين باعتباره رأس الحربة لمعسكر الاستبداد والاستعمار والقمع الذي نشر الدمار والقمع في العالم كله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت