الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين والولايات المتحدة .. إدارة التنافس والصراع (5)

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2022 / 3 / 9
السياسة والعلاقات الدولية


"الحرب التجارية " الصينية الأمريكية 2018
بدأ النزاع التجاري أو "الحرب التجارية " بين الصين والولايات المتحدة في آذار/ مارس 2018م بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن نية إدارته فرض رسوم جمركية على السلع الصينية بموجب المادة (301) من قانون التجارة لعام 1974م، وبررّ إعلانه هذا بشرح تفاصيل ما يسميه بـ"الممارسات التجارية غير العادلة" من جانب الصين وسرقات الملكية الفكرية والتضييق على صادرات البضائع الأمريكية الى السوق الصيني ..الخ ما أدى الى عجز واضح في ميزان التبادل التجاري الأمريكي، وردّت بكين على تلك النوايا والتصريحات بإجراءات مماثلة ، ما أدى الى تفاقم الأزمة وانتقالها من "اعلان النوايا" الى اعلان "الحرب التجارية " الصريحة بين الطرفين .

عجز الميزان التجاري الأمريكي .. المبررّات المتباينة
كانت الولايات المتحدة صاحبةَ الفائض التجاري في علاقاتها مع الصين خلال الفترة (1970-1985)، ولكن بفائض تجاري قليل نسبياً، ثم ما لبث أن أخذ ميزان التبادل التجاري يميلُ لصالح الصين منذ عام 1985م وحتى اليوم، حيثُ شهد حجم العجز التجاري الأمريكي مع الصين، صعوداً متواصلاً، بنسبة (13) ألفاً بالمائةِ خلال ثلاثة عقودٍ متتالية( ).
العجز التجاري الأمريكي مع الصين خلال الفترة 1985-1995( )
العجز الأمريكي
بالمليون دولار العام
6,0 1985
1,664.7 1986
2,796.3 1987
3,489.3 1988
6,234.3 1989
10,431 1990
12,691 1991
18,309 1992
22,777 1993
29,505.1 1994
33,789.5 1995

أخذَ العجزُ التجاري الأمريكي بزيادة الوتيرة تدريجياً، حيث سجّل في عام 1985م عجزٌ أمريكي بقيمة (6) ملايين دولار، ثم ازدادت الوتيرة بشكلٍ ملفت في عام 1989م، إذ سجّل عجزٌ تجاري بقيمة (6.2) مليار دولار، ووصل في عام 1990م إلى (10) مليارات دولار، وسجّل في عام 1995م عجزٌ تجاري أمريكي بقيمة (33) مليار دولار، وقفز العجزُ في عام 2000م إلى (84) مليار دولار، وأخذ تصاعد العجز بالتزايد بأرقام مذهلة منذ عام 2005م بعد أن قفز حاجز الـ(200) مليار، حتى تضاعف ووصل إلى ما قيمته (274) مليار دولار عام 2010م( ).
وسجّل التبادلُ التجاريُّ رقماً قياسيّاً فريد عام 2016م ببلوغهِ (635.5) مليار دولار، منها (130) ملياراً قيمة الصادرات الأمريكية إلى الصين، و(505.5) مليارات واردات الولايات المتحدة من الصين، فسجّل عجزٌ أمريكي بقيمة (375.5) مليار دولار عام 2017م. وبذلك؛ فقد شكّل العجزُ التجاري الأمريكي مع الصين عام 2017 نحو (47%) من إجمالي العجز التجاري الأمريكي الهائل مع العالم الخارجي، الذي وصل إلى نحو (796) مليار دولار أمريكي( ).
العجز التجاري الأمريكي مع الصين خلال الفترة 1996-2017( )
العجز الأمريكي
بالمليون دولار العام العجز الأمريكي
بالمليون دولار العام
258,506 2007 39,520.2 1996
268,039.8 2008 49,695.5 1997
226,877.2 2009 56,927.4 1998
273,041.6 2010 68,677.1 1999
295,249.7 2011 83,833 2000
315,102.5 2012 83,096.1 2001
318,683.8 2013 103,064.9 2002
344,817.7 2014 124,068.2 2003
367,328.3 2015 162,254.3 2004
346,996.5 2016 202,278.1 2005
375,576.4 2017 234,101.3 2006

إن عجز الميزان التجاري الأمريكي أعلاه لصالح الصين منذ أكثر من ثلاثة عقود، ألقى بظلاله على العلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة بين البلدين منذ أكثر من عقد، لكن لم تفلح السياسات والاتفاقات الثنائية بين الطرفين في تخفيف هذا العجر، خاصة أن الولايات المتحدة تُحمِّل سياسات الصين التجارية مسؤولية هذا الخلل، رغم أن المُعطيات والأرقام الاقتصاديّة تُحمِّل السياسات الاقتصاديّة الأمريكية أيضاً جزءاً من المسؤولية في هذا الصدد .
تُبرّر الولايات المتحدة الأمريكية هذا العجز التجاري بأسباب كثيرة، وتضع المسؤولية كاملة على حكومة الصين، حيث تدّعي الولايات المتحدة أن( ):
1. الحكومة الصينية تقوم بإتباع سياسات تجارية غير عادلة تؤدي إلى إغراق السوق الأمريكية بالسلع الصينية الرخيصة
2. قرصنة حقوق الملكيّة الفكريّة للشركات الأمريكية من خلال إغراق السوق الأمريكي والعالمي بسلع ومنتجات صينية تقليديّة أضّرت بمصالح الشركات الأمريكية، في مجالات التكنولوجيا وبرامج الحاسوب والاتصالات والألبسة والمنسوجات وألعاب الأطفال والكتب والعلامات التجارية والأعمال الفنية المسموعة والمرئية، ورغم تعهّد الصين بمحاربة هذه القرصنة منذ سنوات طويلة، إلاّ أنها ما زالت مستمرة لليوم ، فمثلاً (90%) من برامج مايكروسوفت في الصين والعالم منسوخة بشكل غير قانوني؛ وفقاً لوكالة الاحصاءات الأمريكية
3. تدعم الحكومة الصينية السلع والصناعات المحلية بمساعدات مالية وتشجيعية لتسهيل تصديرها للخارج، بشكل يتنافى مع اقتصاد السوق المفتوح والمنافسة العادلة
4. اغلاق السوق الصيني أمام الواردات الأمريكية مثل توليد الطاقة والصناعات الدوائية والآلات والاتصالات ..الخ .
5. تذبذب سعر صرف عملة "اليوان" الصينية وانخفاضها مقارنة بالدولار الأمريكي المرتفع، وهذا يؤدي إلى ارتفاع حجم الصادرات الصينية في السوق الأمريكي والعالمي بسبب انخفاض أسعارها مقارنةً بالسلع الأمريكيّة المرتفعة .
من جانبها، تنفي الصين تلك الادّعاءات الأمريكية ، وتضع بكين المسؤوليّة على وزارة التجارة الأمريكية، حيث تدّعي بكين أن المسؤولين في الوزارة يتلاعبون فى أرقام التبادل التجاري بين البلدين بهدف تضخيم العجز التجارى مع الصين، والضغط على بكين لتخفيض حجم صادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى بعض الخبراء أن وزارة التجارة الأمريكية تعتبر الصادرات الصينية القادمة عن طريق "هونج كونج" صادرات صينية خالصة، بينما في الواقع تشمل تلك الصادرات على قيمة مضافة لا يتم خصمها مسبقاً( ).
وتوضّح الأرقام الصينية أن (40%) من الفائض التجاري الصيني يأتي من شركات أمريكية في الصين، ولقد ساعد استثمار الشركات الأمريكية في الصين على تعزيز النمو والتوظيف في الولايات المتحدة، حيث وفّرت هذه الشركات حوالي (2.6) مليون فرصة عمل للولايات الأمريكية في عام 2016م( )، ما يعني –حسب وجهة نظر الصين- أن العجز أو الفائض التجاري لا يعكس فعلياً خسارة طرف أو ربح الآخر، حيث أن الطب الأمريكي على السلع الصينية يفوق نظيره، فضلاً عن أن أغلب الصادرات الصينية للسوق الأمريكي هي لشركات أمريكية بالأصل.
كما يعتقد الخبراء أن جزءاً كبير من العجز التجاري الأمريكي يعود لقدرة الولايات المتحدة على طبع عملة "الدولار" بلا حدود، وهي عملة تبادل عالمي للأوراق المالية والسندات، ما يرفع من قيمة الدولار الأمريكي مقارنة بالعملات الأخرى، مثل "اليوان" الصيني، وبالتالي يُخفِّض تكاليف الديَّنْ الأمريكي ويُسهِّل للولايات المتحدة استيراد واستهلاك المزيد من السلع الأجنبية (الصينية) بأسعار منخفضة مقارنة مع أسعار صناعاتها المحلية( ).
ولا شك أن الصين التي "تتلاعبُ" بعملتها –حسب التقارير الأمريكية- من خلال توفيرها بأقل من قيمتها الحقيقية، فيه مصلحة كبيرة لها، حيث اتّبعت هذه السياسة منذ منتصف التسعينات بهدف توفير سيولة ضخمة وسلع تنافسية، حيث يقوم البنك المركزي الصيني بطبع "اليوان" الصيني لشراء دولارات أمريكية بكميات كبيرة، فكانت الحصيلة أن اشترت الحكومة الصينية في عام 2017م –مثلاً- (4) ترليون دولار بـ(28) ترليون يوان صيني، وهذه الأموال تستثمرها الصين في شراء سندات الخزانة الأمريكية بالدولار، بمعنى أنها تقدمها كقروض للولايات المتحدة مقابل الفوائد التي تجنيها لاحقاً( )!
وهكذا تُحققّ الصين مصلحةً عظيمة من زاويتين( ):
الأولى: إنخفاض عملة "اليوان" يوفر سلع صينية رخيصة تجوب العالم
الثانية: إرتفاع حجم الصادرات الصينية بشكل متفاوت مع الواردات ، فحينما تُصدّر الصين ما قيمته (500) مليار دولار للولايات المتحدة في عام 2017م، وتستورد من الولايات المتحدة ما قيمته (130) مليار دولار، يعني ذلك أن كل (5) دولاراتٍ تدخلُ السوق الصیني تستردُّ منها الولايات المتحدة حوالي دولار واحد فقط !
وعليه، فمن مصلحة الصين العليا إدامة هذا الزخم من العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، واستمرار هذا الفائض التجاري والاستفادة من المستثمرين الأجانب على أراضيها الذين نقلوا مئات الشركات والمصانع الأمريكية إلى أسواقها، فيما تحاول الولايات المتحدة إعادة هذه الشركات إليها لحل مشكلتي البطالة والعجز التجاري .
لكن بالمقابل ثمة أسباب رئيسية منطقيّة تكمن وراء وجود هذا التفاوت في التبادل التجاري( ):
1. التفاوت الضخم في مستوى اقتصاد الدولتين ومستوى تجارتهما الخارجية
2. الاختلاف الواضح في درجة انفتاح السوق في الدولتين ونظامهما التجاري
3. الولايات المتحدة دولة عالميّة وتُصدَّر احتياطي الدولار وتستطيع أن تسدَّ العجز التجاري الضخم في ميزانها من خلال تصدير الدولارات الأمريكية، فضلا عن أن زيادة احتياطي العملات الصعبة في الصين يتحقق من خلال الفائض التجاري مع الولايات المتحدة بشكل رئيسي .
ورغم حقيقة أن فائض الميزان التجاري يميل لصالح الصين، وتُعاني الولايات المتحدة الأمريكية من عجز تجاري صريح، فإن ذلك يؤشّر أيضاً إلى حقيقة أن الاقتصاد الصيني يعتمد على الولايات المتحدة في صادراته أكثر من اعتماد الأخيرة على الصين، حيث إنّ حجم الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بلغ متوسط نسبة (20%) من اجمالي صادرات الصين الخارجية، بينما صادرات الولايات المتحدة إلى الصين لا تتجاوز نسبة (5%) من اجمالي صادرتها فقط، كما تبلغ حجم الواردات الأمريكية في اجمالي السلع الصينية المستوردة (10%) وتمثل الواردات الصينية في اجمالي الواردات الأمريكية (3%) تقريباً( ).
بكل الأحوال، فالتداعيات والنتائج التي ترتّبت على هذا العجز التجاري بين الإدّعاء الأمريكي والتبرير الصيني، جعلت العلاقة بين الطرفين في حالة "صراع وتنافس ونفور" في آن واحد، فكلما تولى رئيسٌ أمريكي جديد إدارة البيت الأبيض، كلّما دفع باتجاه اعلان "الحرب التجارية" مع الصين من خلال فرض الرسوم والضرائب على الصادرات الصينية.
فقد سبق أن اعتبر الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش الابن" وادارته في عام 2001م ، أن عجز الميزان التجاري يضرُّ بالاقتصاد الأمريكي وبمصلحة الشركات الأمريكية( ).
لذلك، في عام 2002م فرض الرئيس "بوش الابن" رسوماً على بضائع الفولاذ الصيني، ما أدى إلى ارتفاع أسعاره وانتقال الإرتفاعات المتوالية إلى المصانع المنتجة للفولاذ في الولايات المتحدة والتي اضطرت لرفع أسعارها أيضاً، ثم ارتفعت الكلفة على الشركات التي تشتري الفولاذ، وبالتالي تأثّر المستهلك بالنهاية بهذه القرارات "الجائرة" التي تتّبعها الحكومات ويتحمّل وزرها القطاع التجاري والمستهلكين؛ فضلاً عن تأثّرِ عددٌ كبيرٌ من العاملين في هذا القطاع بعد تسريح المصانع للأيدي العاملة وخسارة الكثير من الوظائف( ).
ومرةً أخرى في عهد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عام 2009م ، فرض رسوماً جمركية على الإطارات الصينيّة، بحجة أن زيادة واردات الإطارات من الصين تؤذي الصناعة الأمريكية المحلية، وردّت الصين على ذلك بمبدأ المعاملة بالمثل وفرضت ضرائب تصل إلى (105%) على "أقدام الدجاج" الأمريكية، وهي أكلةٌ مُحببة ومشهورة في الصين.
وذكر "معهد بيترسون" للاقتصاد الدولي أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين، رغم آثارها السلبية على البلدين والقطاع الصناعي، إلا أنها حافظت على (1200) وظيفة في قطاع الإطارات، بيد أن المستهلكين بالنهاية دفعوا ثمناً باهظاً يقدّر بـ (900) ألف دولار فرق رسوم على الإطارات باهظة الثمن مقابل الأمن الوظيفي للعاملين في هذا القطاع( ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا