الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم أعيد بناءه

أحمد فاروق عباس

2022 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


الولايات المتحدة إمبراطورية عاقلة ، حتى لو ظهر من بعض تصرفاتها ملامح الجنون ، وما يحدث في أوكرانيا اليوم أشبه بمشهد أعده وصممه رجل مجنون ، فكيف تدفع أمريكا أوكرانيا لمشاكسة روسيا ، ثم تتركها فى العراء بمفردها أمام الدب الروسى فى ساعة الجد !!

ومع أن روسيا تحتل اليوم أجزاء من أوكرانيا ، إلا أنها ليست المرة الأولى التى تفعل فيها ذلك !

لهذا لا أحد يعرف بالتحديد لماذا هذا الغضب الأمريكى الهائل هذه المرة ؟!

فقد سبق أن احتلت روسيا فى أحداث مماثلة لما يحدث اليوم أجزاء من جورجيا - أقليمى ابخازيا واسيتيا - عام ٢٠٠٨ ، واكتفى الغرب بالتنديد الفاتر !!

وتكرر نفس المشهد مع أوكرانيا ذاتها عام ٢٠١٤ عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم ، وأوعزت إلى جمهوريتى الدونباس بطلب الانفصال ، وكان رد الغرب أيضا التنديد الفاتر !!

فماذا حدث هذه المرة من جديد يجعل الغرب يأخذ هذا الموقف شديد القسوة من روسيا ؟ ويقرر أن يعاقب روسيا اقتصاديا بما يجعلها على وشك الطرد من النظام الاقتصادى العالمى ، الذى يسيطر عليه الغرب منذ قرون !!

وعلى الناحية الأخرى هناك تحرش أمريكى متنامى بالصين فى بحر الصين الجنوبى ، وفى تايوان !!
ويبدو أن قصة روسيا وأوكرانيا على وشك التكرار بين الصين وتايوان ..
وهناك احساس دفين أن ذلك هو ما أرادته الولايات المتحدة منذ البداية ، ومن يتذكر الأيام التى سبقت غزو روسيا لأوكرانيا سيجد كيف أعلنت أمريكا بكل الوسائل أنها لن تتدخل فى النزاع الأوكراني الروسى عسكريا بأى حال ، وكان يمكنها على الأقل السكوت ردعاً للروس ، وليس إظهار نيتها على الملأ ، وهو ما فهم بأنه ضوء أخضر لروسيا !!
وبما يحدث في أوكرانيا ، وبما يوشك أن يحدث مع الصين أصبح العالم كله يتحدث عن حرب عالمية جديدة تلوح في الأفق ، لن تكون سوى نووية هذه المرة !!
فهل الامريكان أغبياء أو مجانين إلى هذه الدرجة ؟!!
وهل استبدلوا رفاهية الحياة - والتى من أجلها طالما أذلوا الشعوب - بحب الانتحار ؟!!

وإذا كان الامريكان ليسوا أغبياء أو مجانين ، ولم يتملكهم فجأة حب الانتحار .. فماذا إذن ؟!
وما معنى ما يحدث أمامنا الآن .. ولأى هدف ؟!

يرى الامريكان أن العالم الذى نشأ بعد الحرب العالمية الثانية واستمر حتى الآن ، وكذلك المؤسسات الاقتصادية والسياسية التى حكمت حركته إنتهى زمنها ، وأصبحت عقبة بعد أن كانت طويلا أداة الغرب للقوة والنفوذ السياسي والاقتصادى ..
وأن هذه المؤسسات التى سمحت لدول مثل الصين والهند وقبلهما اليابان وكوريا بالتقدم ومنافسة الغرب لم تعد صالحة ، وأنه بطريقة أو بأخرى لابد من إنهاء ذلك العالم القديم كله ..

وأن منظمات مثل الأمم المتحدة ، ومنظمة التجارة العالمية أصبحت عقبة أمام أمريكا مثلما هى مجال واسع لخصومها ، وأن التخفف من عبء هذا العالم القديم ومنظماته قد جاء أوانه ..
وإلى هذه المحاولات ينتمى ما فعله الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أعوام ٢٠١٨ - ٢٠٢٠ من حرب تجارية شرسة مع الصين ، خارج كل اسس منظمة التجارة العالمية وقواعدها لإبطاء نموها !

بل إن مفكرين اقتصاديين كبار فى الغرب - طرقهم إلى أبواب صناعة القرار دائما مفتوحة - دعوا علنا إلى انسحاب أمريكا من منظمة التجارة العالمية ، تحت ادعاء أن الصين لا تحترم قواعدها ، وإلى انشاء منظمة بديلة تحترم - فى رأيهم - ممارسة التجارة بأسلوب نظيف ، أى بالطرق التى يحددها الغرب ، والتى تتفق - فقط - مع مصالحه !!

إن عالم قديم على وشك الزوال ، وعالم جديد يعاد بناءه ، ودائما عقب الحروب والصراعات الكبرى وعلى وهج نارها يموت القديم ويظهر الجديد ، فى النظم وفى المؤسسات وفى الأفكار ..

- حدث ذلك بعد الحروب النابوليونية فى مستهل القرن ١٩ ، ونشوء نظام دولى جديد قادته بريطانيا منفردة أولا ، ثم سرعان ما لحقتها ألمانيا وأمريكا فى نهاية القرن ..

- وحدث ذلك مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، والتى انتهت بزوال القوة الألمانية والروسية - مؤقتا - والإجهاد الشديد في قوة بريطانيا وفرنسا ؛ واعتلاء أمريكا القمة العالمية - فى الاقتصاد وفى السياسة - تقريبا بلا منافس ..

- وحدث ذلك مع نهاية الحرب العالمية الثانية ، ونهاية الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية ، وظهور الإمبراطورية السوفيتية ، التى تقاسمت مع الولايات المتحدة السيطرة على العالم .. أرضه وبحاره ومحيطاته وسماءه وفضاءه ..

- وحدث ذلك عام ١٩٩٠ عندما انهار الاتحاد السوفيتى ، وترك أمريكا بمفردها على القمة العالمية ، تلهو بمصائر الشعوب وتعبث بأقدار الأمم ..

- ويحدث الآن نفس الشئ ، نزاعات وصدامات عالمية ، بعضها بالاقتصاد وبعضها بالسلاح ، وخطوط الصراع شبه واضحة :
روسيا والصين ومعهما كثير من بلاد الشرق وبلدان أمريكا اللاتينية من ناحية ..
وأمريكا وحلفاءها الكبار فى غرب أوروبا وكندا وأستراليا من ناحية اخرى ..

والموقف النهائي لبلدان مثل اليابان غير واضح ، وإن كان فى رأيي ان الموقف النهائي لكثير من بلاد العالم سيتبلور مع الوقت ، وأن المواقف الحالية كلها مواقف أولية وليست نهائية ، فالصراع سيكون طويلاً ومتعرجاً ، والفصل الأوكراني فيه ليس سوى البداية ..

ونتيجة الصراع ستحدد مصير العالم لحقب طويلة ، ومن المستحيل توقع شكل العالم وقتها ، ولكن الأكيد هو أن عالمنا القديم الذى عشنا فى ظله العقود الماضية فى سبيله إلى الزوال ، وأن عالما جديدا ومختلفا يعاد بناءه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا