الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراقب القلق

تقي الوزان

2006 / 9 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يبدو ان حل الجيش العراقي , وباقي الأجهزة الأمنية , جاء نتيجة تخطيط مسبق . وليس كخطأ ارتكب من قبل الحاكم الأمريكي بول بريمر بشكل فردي كما حاولوا ايهامنا به . وذلك لمنع وجود اي جهاز عراقي يمكن ان يرصد حجم الأختراق الأمريكي في اعادة بناء وتشكيل اجهزة الدولة الجديدة , ويقف هذا الجهاز حجر عثرة امام تفتيت مكونات الوحدة الوطنية العراقية العريقة . بأعتباره احدى المرجعيات الوطنية المتفق عليها , وهذه الوحدة لو استمرت في تماسكها ستقف بالضد من التطلعات الأمريكية التي تبغي من العراق ان يكون واحة امريكية , قبل ان يكون واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط .
وعلى الضفة الأخرى , نشطت ايران وسائلها حال سقوط النظام المقبور , واهمها العنصر المذهبي , والأحزاب السياسية الشيعية التي نشأت في الفترة السابقة برعاية الإيرانيين انفسهم مثل "المجلس الأعلى للثورة الأسلامية ", او التيارات والأحزاب التي نشأت بعد سقوط النظام مثل "التيار الصدري " . وكذلك التقارب الكبير بين الشعبين العراقي والإيراني , والتداخل العشائري والعائلي بين آلاف العوائل المشتركة , والتي سمحت بأقامة الكثير من الجسور الأقتصادية , و الدينية والأجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل .
هذه الوضعية مكنت الحكومة الايرانية ان تجد نفسها , وبأيسر السبل , كلاعب اساس في المعادلة العراقية , وظفتها اكثر تماسك من الضفة الأخرى , واعتقدوا ان هذا التماسك سيمكنهم من اقامة رأس الجسر الذي يسبقون الأمريكان فيه .
والتراقب القلق بين الطرفين أدرك ان الشعب العراقي اصبح ضعيفاً بما فيه الكفاية , والجهد الذي سيحسم الصراع بينهم هو جهد احد المشروعين , الأمريكي او الايراني .
الامريكان يعرفون جيداً ومثلما يقول محمد حسنين هيكل في كتابه "العصر الامريكي" ان "أخطر مراحل اي مشروع نووي ان تكون اعباءه وتكاليفه قد دفعت لكن قدرته على الردع لم تكتمل بعد , وبالتالي يصبح المشروع في هذه الفترة من عمره نقطة ضعف اكثر من عامل قوة ". والمشروع النووي الايراني لايستطيع الصمود بأي حال امام التطور المرعب للتكنولوجيا النووية الامريكية , والتي مضى عليها اكثر من ستين عاماً .
ان الموجات الدموية الأخيرة وتزايد اعداد القتلى في الشهرين الأخيرين على ايدي مجهولين كما تصرح الحكومة العراقية , ليست بعيدة عن رغبة الطرفين في مسعى مشترك لإيصال العراقيين الى قناعة عدم صلاحية المسار الديمقراطي في تنظيم شؤون حياتهم . وبعض زعامات قائمة "الإئتلاف " لاتبالي بأسقاط حكومة المالكي التي هي حكومتهم , عبر اصرارها على عدم حل المليشيات , ومحاولة افشال مشروع الفيدرالية القومية للأكراد بأصرارها على اقامة فيدرالية الوسط والجنوب الطائفية والتي تمزق العراق , وتعثرها في تحديد اسس برنامج "المصالحة الوطنية" . فلا يعرف ماذا تريد , وطروحات اطرافها متناقضة .
من ناحية اخرى , ما ينتظره "المجلس الأعلى" من نتائج ستترتب على صدامات "التيار الصدري" بأعتباره خط المواجهة الشيعي الأول مع الأمريكان , واستغلال المرحلة القادمة بعد ان يكون الأمريكان انهوا "التيار الصدري" , وانهكوا ايضاً .عندها سيكون لقواتهم "فيلق بدر" الأكثر تنظيماً , والأشد فاعلية عسكرية , الدور الحاسم في انهاء الصراع لصالحهم , وهو ليس بعيداً عن تخطيط الأجهزة العسكرية الايرانية التي كونت ورعت "المجلس الأعلى" .
ولاشك ان هكذا تخطيط سيصطدم بالأمكانيات الواقعية لقوات الأحتلال . واولها امكانية اسقاط حكومة "الائتلاف" وتجريد اطرافها من اهم مقومات قوتهم , ومضي الوقت يخدم هذه الفكرة . فحكومة "الائتلاف" بقيادة المالكي لم تتمكن من ايجاد اي من الحلول للمشاكل الكبيرة , بالعكس اصبحت مستعصية نتيجة عدم التوافق بين اطراف "الائتلاف" ذاتها , وازداد الوضع الأمني سوءاً , وكذلك الفساد الأداري , وازمة النفط وسرقته , والوضع المعاشي المتدهور, والتدخل في الحياة الشخصية للناس , ومصادرة كل الحريات , حتى وصلت بأحد المراجع ان يحرم التدخين ...الخ .
من جهة اخرى تستطيع قوات الأحتلال الاتفاق مع اطراف في حكومة المالكي بما فيها رئيس الوزراء الذي يهمه نجاح ادارته بدون اخذ موافقة "الائتلاف" , في القضاء على عصابات الجريمة المنظمة , وانهاء المليشيات الحزبية , والخارجين عن القانون , وايقاف التهجير القسري , وتدوير العجلة الاقتصادية , والاتفاق على التفسير السئ لمبادرة "المصالحة الوطنية" وذلك بالعفو عن كل البعثيين , وسيتمكن الامريكان وبفترة قصيرة من تحقيق انجاز كبير لمشروعهم .
ان التردد , والتعثر , والمراقبة , لاتخدم وحدة "الائتلاف" ولا سلطتها , وستنعكس خساراتها على اطرافها بالتتابع , نتيجة انانية واستئثاربعض قياداتها , وخضوع بعضهم الكامل لتوجهات السياسة الايرانية .وهذه الوضعية اسرعت في اعادة العلاقات بين الامريكان وبقايا البعث في اتفاقات لايعلمها الا الله بما يبيتونه للعراق , وانعكس ذلك واضحاً في التصريحات الواثقة من بعض رموزه مثل صالح المطلك , والشروط التي اخذوا يضعونها قبل اي موافقة لهم , وبالذات بأتجاه "المصالحة الوطنية". ويبقى الشعب العراقي الذي اوصل هذه النخب السياسية الى سدة الحكم الخاسر الاكبر , وعليه دفع المزيد من الدماء ثمناً لهذا الأختيار غير الموفق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا