الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكانة البرجوازية القومية الكوردية والإقليم الخاضع لها في إعادة هيكلة الحكومة العراقية الجديدة

نادر عبدالحميد
(Nadir Abdulhameed)

2022 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


بعد الانتخابات البرلمانية في أكتوبر (٢٠٢١)، بدأت الصراعات الداخلية، بين الأحزاب والتيارات السياسية والميليشية، للبرجوازية القومية والطائفية في العراق وكذلك في كوردستان، بالتصاعد والإشتداد يوما بعد يوم، ليس فقط بين التيارات الرئيسية للمكونات القومية والطائفية للنظام القائم، بل وكذلك بين الأحزاب والقوى التابعة لكل تيار، كما هو الحال بين احزاب الحركة القومية الكوردية نفسها وبين القوى والتيارات الطائفية والميليشية "الشيعة".

الى جانب هذه الصراعات، تتم دون إنقطاع زيارات المسؤولين من بلدان الجوار الغارقة في الرجعية وكذلك الدبلوماسيين من السفارات وممثلي البلدان الإمبريالية الغربية للقاء مسؤولي هذه التيارات والأحزاب العراقية والكوردية التي ترتبط مصالح ومصير كل واحد منها بالمصالح الإستراتيجية لإحدى هذه الدول.

هكذا نرى بان الايادي "الخارجية" و"الداخلية" للبرجوازية في تجاذباتها وفي تخاصماتها منهمكة في عملية إعادة هيكلة الحكومة والسلطة ورسم مستقبل العراق بعد (انتفاضة أكتوبر ٢٠١٩).

على الجثة الدموية لهذه الانتفاضة وإخمادها، إشتدت صراعات السيناريوهات السياسية المختلفة بقوة، اما لإيجاد شكل وطريقة جديدة للحكم باسم "الأغلبية" أو الإدامة والإبقاء على الحكم التوافقي المحاصصاتي الطائفي والقومي.

ان (انتفاضة أكتوبر) التي اندلعت بهمة الشباب والشابات من الطبقة العاملة، رغم انها، ونتيجة لفقدان القدرة على التنظيم وغياب الافق الإشتراكي داخلها أو فيها، لم تتمكن من قلب السلطة وقلع جذور النظام السياسي للسلطة البرجوازية، مع ذلك قلبت هذە الانتفاضة المعادلات السياسية لهذه التيارات البرجوازية القومية والطائفية للإسلام السياسي رأسا على عقب حيث ضعفت قدرتها على إعادة ترتيب وضعها في الحكم بسهولة حتى بعد إخمادها.

ضمن هذه الصراعات الجارية من اجل إعادة هيكلة الحكومة المركزية، يهمنا هنا ان نلقي الضوء على إعادة تعريف مكانة البرجوازية القومية الكوردية والإقليم الخاضع لها ضمن الإطار العام للعراق.

مقارنة ببداية العملية السياسية التي قادتها البرجوازية الإمبريالية الامريكية وحلفاءها في العراق، طرأت تغيرات كبيرة على الاوضاع السياسية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط، منها إضعاف قوة وسيطرة الإمبريالية الامريكية في هذە المنطقة وبروز وتقوية هيمنة القوى الإقليمية كتركيا وايران ودورهما في المعادلات السياسية في المنطقة وفي العراق.

لقد ربط القوميون الكورد واحزابهم بعد حرب الخليج في (١٩٩١)، مصالحهم ومصيرهم باستراتيجية الإمبريالية الامريكية في العراق والمنطقة، وبعد اسقاط سلطة النظام البعثي (٢٠٠٣) وصلوا الى بغداد على ظهر الدبابات الامريكية وحصلوا على حصة من السلطة. الآن وبعد ان ضعف نفوذ ودور الإمبريالية الامريكية في العراق بالأخص بعد (٢٠١٠)، وبعد ان نما وتزايد النفوذ التركي والإيراني والقوات الميلیشية التابعة لها عمليا في العراق، تقلصت وتراجعت مكانة القوميين الأكراد وأحزابهم تدريجياً خلال عملية تأريخية واصبحت ضعيفة خاصة بعد إنتهاء الحرب ضد (داعش) وفشل "الاستفتاء" في (٢٠١٧).

رغم ان المكانة الحالية للبرجوازية القومية الكوردية والإقليم الخاضع لها مرتبطة بشكل مباشر بتوازن القوى بين التيار القومي الكوردي وتیارات الاسلام السياسي والقومي العربي، إلا أن ما حدد مدى قوة التيار القومي الكوردي في الظرف الراهن ووضعته بوزنه وثقله الحالي مقابل التيار القومي العربي المتشبع بالإسلاموية الشيعية والسنية، هو ما قام به، في العقود الثلاثة الماضية، نظام حكم الأحزاب البرجوازية الكوردية وإستراتيجياتها الاقتصادية والسياسية في المعادلات الداخلية والطبقية في كوردستان.

رغم الإمكانات المالية الهائلة التي حصلت عليها تلك الأحزاب بعد (٢٠٠٣)، فقد فشلت، حتى وفقًا للمعايير البرجوازية، في إيجاد "دولة" محلية في الإقليم، ذات بنية اقتصادية صناعية وزراعية عصرية، تملك مؤسسات مدنية وقانونية، تدير الحكم عن طريق اللعبة البرجوازية البرلمانية لتداول السلطة. عكس ذلك، تهافتوا وتصارعوا علی نهب ثروات الإقليم واحتكار السلطة بقوة ميليشياتهم.

وهذا ما يظهر في غياب التوافق داخل "البيت البرجوازي الكوردي"، ودفن التحالف الإستراتيجي بين الحزبين "الديمقراطي الكوردستاني" و"الإتحاد الوطني"، وعدم التمكن من الوصول إلی توافق على تشكيل لجنة مشتركة للتفاوض مع الحكومة المركزية والأحزاب والتيارات العراقية، بل واشتداد الصراع بينهما على منصب رئاسة جمهورية العراق.

أما الجانب الثاني والاساسي في المعادلات الداخلية في كوردستان هو علاقة مجمل التيار القومي الكوردي، بأحزابها وحكومتها المشتركة في الإقليم، بالجماهير العاملة والكادحة. فإلى جانب الفساد وسرقة ثروات الإقليم، فرضت احزاب هذه الحركة القومية وحكومتها، البطالة والفقر المدقع وانعدام الحقوق وغياب الخدمات على هذه الجماهير، وسلبت إرادتها وتهمشها من الحياة السياسية والإدارية للمجتمع.

لقد نمى التعصب الذكوري واشتدت ظاهرة قتل النساء في ظل الظروف التي أوجدتها احزاب السلطة وحكومة الإقليم. هذا وازدادت موجات الهجرة الجماعية الى خارج البلاد، ليست فقط نتيجة لفرض حكومة إقليم كردستان والأحزاب الحاكمة مستقبلا قاتما علی الشباب والشابات من خلال حرمانهم من حقوقهم في العمل وفي بناء المستقبل في هذا الإقليم، بل وكذلك نتيجة القمع الوحشي وسفك دماء هذە الشبيبة المعترضة والمنتفضة في كل محاولة لها من اجل إحداث تغير في شروط حياتها البائسة، هكذا تم غلق كل أبواب التغيير بوجههم من قبل حكومة الإقليم وفتح باب الهجرة الجماعية إلى الخارج.

كل هذه العوامل في الحقيقة كشفت المحتوى الطبقي لسلطة وحكومة الإقليم كسلطة وحكومة مضادة للثورة وللجماهير الكادحة، قبل كشف نفس هذا المحتوى للسلطة وللحكومة المركزية في قمعها لـ(انتفاضة أكتوبر)، وذلك عن طريق ما قامت بها السلطة وحكومة الإقليم من مواجهات دموية للمتظاهرين اثناء الموجات المتتالية من الاعتراضات في شباط (٢٠١١)، أكتوبر (٢٠١٥)، كانون الأول (٢٠١٧) وآب (٢٠٢٠).

اليوم، هناك جبهتان من الثورة المضادة، واحدة في المركز والآخرى في الإقليم تتجادلان، تتصارعان وتتفاوضان حول كيفية إعادة تشكيل حكومة المركز وتوزيع الحصص والاستحواذ علی مناصب مؤسساتها. أحزاب السلطة في جبهة الإقليم غير موحدة وغير متماسكة وغير متصالحة فيما بینها، كما هو الحال داخل جبهة التيارات السياسية والميليشية الطائفية والقومية في المركز. يخوض الحزبان الحاكمان في كوردستان وبصف منفك ومتشتت معركة المفاوضات مع الاحزاب والتيارات القومية والإسلامية العراقية المختلفة التي هي كذلك بدورها مفكوكة الصفوف ومشتتة أيضا.
في هذه الاجواء أصدرت (المحكمة الاتحادية العليا العراقية) بتأريخ (١٥٢٢٠٢٢) قراراً بصدد (قانون النفط والغاز) للإقليم الصادر في (٢٠٠٧)، واعتبرته غير قانونياً. لا يُقصد الحديث هنا عن هذا القرار، بل تتم الإشارة اليه لكونه جزءاً من الصراعات السياسية والقانونية الجارية في عملية إعادة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ومؤشراً على ضعف مكانة القوميين الكورد في الوقت الراهن.

هذه الشكوى قدمتها الحكومة المركزية للمحكمة الاتحادية العليا منذ سنوات، ولكن حسمه بهذا الاتجاه وفي هذا الوقت بالذات هو فقط دليل على تغير توازن القوى وضعف التيار القومي الكوردي امام تيارات الاسلام السياسي والحركة القومية العربية.

بغض النظر عن ما سيضعه هذا القرار من تعقيدات امام عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة من قبل التحالف الثلاثي بين (التيار الصدري) و (الديمقراطي الكوردستاني) و (جبهة السيادة)، الذين يملكون اغلبية مقاعد البرلمان، إلا إنه، في حال تشكيلهما لحكومة "أغلبية" مشتركة، يَصْب في مصلحة التيار الإسلام السياسي (الصدري) والتيار القومي العربي (جبهة السيادة). اي تكون مسألة تمرير الاجندات السياسية لهذين الاخيرين أسهل لكون ممثل القوميين الكورد في موقع أضعف.

هنا وفي مواجهة قرار المحكمة العليا الاتحادية لجأت حكومة الإقليم وأحزابها الحاكمة إلى إثارة المشاعر القومية والترويج لأحاسيس المظلومية داخل المجتمع الكردستاني من أجل الحفاظ على "وحدة الصف القومي" الذي قاموا بإحداث شرخ طبقي فيه يستحيل ملئه وتوحيده.

ان انتفاضة أكتوبر (٢٠١٩) في العراق وكذلك موجات المظاهرات والحركات الإعتراضية المستمرة في كوردستان وجهتا ضربات قاسية للسلطة البرجوازية في بغداد وفي إقليم كوردستان، لكن مصير هذا الإقدام الثوري وكل هذە التضحيات ضد الأنظمة السياسية لتيارات الإسلام السياسي والحركات القومية العربية والكوردية، لم تصل إلی إسقاط أنظمتها الطبقية وقلع جذور سلطة البرجوازية الحاكمة، وتثبت إرادة الجماهير الكادحة عن طريق إرساء سلطة مجالسها، وكل ذلك بسبب غياب التسلّح بالأفق الطبقي الإشتراكي الثوري، وضعف تنظيم صفوف العمال والكادحين.

هذا هو جذر مشكلة الصراع الطبقي في كل ركن من أركان العالم الرأسمالي اليوم، وتحديدا في العراق واقليم كوردستان. وتلك هي المهمة الشيوعية الاساسية التي نواجهها.
شباط ٢٠٢٢








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟