الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض التبعات الخطيرة لحرب أوكرانيا

محمود يوسف بكير

2022 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


تعلمنا عبر تاريخ الإنسان على الأرض أن أنظمة الحكم الاستبدادي خاصة عندما تكون كل مقدرات البلاد في قبضة شخص واحد غالبا ما تتسبب في كوارث لنفسها وللعالم، وتعلمنا في عصر الحداثة أن التعددية واستقلال السلطات التشريعية والقضائية والرقابية عن السلطة التنفيذية لها فوائد ومزايا لا حصر لها ومن أهمها تفعيل مكونات الحوكمة الرشيدة مثل دولة القانون والشفافية والمحاسبة وحرية الراي والتعبير المكفولة للجميع. وبمقدورنا أن نثبت كل هذا دون أن نذهب بعيدًا إذ يكفي أن ننظر إلى أحوال عالمنا العربي المزرية لندرك على الفور أن ما يعاني منه المواطن العربي من بؤس وقهر وعدم الأمان والإحساس بالغربة في موطنه والرغبة في الهروب إلى أي مكان آخرما هو إلا محصلة اختزال الوطن في حكم فرد واحد يدعي أنه أتى مخلصا "بتشديد اللام" وإنه يؤمن بمبادئ الديموقراطية بينما هو يشهر بندقيته في وجوهنا طوال الوقت. وما يحدث الآن من غزو روسيا لأوكرانيا ما هو إلا مثال آخر على أن نظام الرجل الواحد وهو هنا الرئيس بوتين يمكن أن يلحق دمارا يفوق كل التوقعات لبلده ولإوكرانيا وللعالم أجمع، وسوف نعرض بشكل مقتضب لبعض التطورات الاقتصادية والسياسية الخطيرة التي لم تكن في الحسبان والتي نجمت عن هذه الحرب التي لا تتسم بأي نوع من العقلانية من جميع أطرافها:
١ مع انحصار متحور الكورونا الحالي والمسمى بأوميكرون وبدء الدول في تخفيف القيود التي كانت مفروضة على معظم الأنشطة، كانت البنوك المركزية أيضا في الغرب على وشك التعامل مع التشوهات التي شملت كل من السياسات النقدية والمالية التي كتبنا عنها من قبل ومن أهمها طباعة النقود وتخفيض أسعار الفائدة وسياسات التيسير الكمي بغرض إنعاش الأسواق وقطاع الأعمال أثناء فترة الغلق الاجباري. وبالفعل كانت هذه البنوك على وشك البدء في سحب السيولة الزائدة في الأسواق والبدء في رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم المتنامي في جميع دول العالم ولكن الحرب في أوكرانيا وما نجم عنها من زيادة اضطرابات سلاسل الامدادات عبر العالم ونقص كبير في الكثير من السلع الاستراتيجية وارتفاع أسعارها بمعدلات كبيرة كما سوف نوضح حالًا، أدت هذه التطورات السلبية إلي معضلة ما نسميه في الاقتصاد بالكساد التضخمي وهو مشكلة معقدة ويصعب التعامل معها لأنها عبارة عن تباطؤ في النمو الاقتصادي مع زيادة في التضخم وهذه الظواهر مناقضة لبعضها البعض ولا تندلع معا إلا نادرا وعادة ما تحدث في أوقات الحروب الكبيرة .ودون أن ندخل القارئ الكريم في تعقيدات فنية لا داع لها فإن هذه التطورات سوف تضطر البنوك المركزية إلى تأجيل خططها آلتي أشرنا إليها وهو ما يعني الاستمرار في السياسات النقدية والمالية غير المعتادة والتي نعرف جيدا أن آثارها بعيدة الأمد غير جيدة شأنها شأن معالجة شخص مريض بداء خطير بعقار الاسترويد لفترة طويلة رغم خطورة هذا على جهازه المناعي ولكنها سياسة المضطر للحفاظ على حياة المريض.
٢ وصفنا هذه الحرب باللاعقلانية كما سبق لأنه كان بمقدور رئيس أوكرانيا السيد زلينسكي تجنيب بلاده هذه الحرب التي لا طاقة له بها، ولكنه ظن بسذاجة أن أمريكا ومن ورائها حلف الأطلسي سوف يدخلون في مواجهة عسكرية مع روسيا حتى ولو تحولت إلى حرب عالمية خطيرة ومدمرة لأوروبا وكل هذا من أجل أوكرانيا! والمؤسف أن زلينسكي صرح مؤخرا أنه لا لم يعد يفكر في ضم بلاده إلى حلف الأطلسي بعد أن أدرك متأخرا وبعد فوات الأوان أن الحلف عاجز عن الدفاع عن أوكرانيا! كما أن الامريكان والأوروبيين من ناحية اخري ورطوا أوكرانيا في هذه الحرب من أجل استنزاف روسيا فقط لا غير لانه لم تكن لديهم نية في ضم أوكرانيا للأطلسي على الاطلاق ومع هذا رفضوا إعطاء تعهد بهذا المعنى كما طلب بوتين ، وبدلا من هذا تم استدرك بوتين بسهولة لهذه الحرب التي بدأت بالفعل في انهاك روسيا اقتصاديا ومعنويا وبشكل لم يتصوره هذا الديكتاتور المستبد الذي كان بمقدوره منع زلينسكي من الانضمام للحلف الأطلسي بطرق عدة مثل قطع إمدادات الوقود عن أوكرانيا أو تأليب التجمعات الروسية داخلها ضد حكم زلينسكي، وغيرها من الضغوط التي لا يعجز جاسوس متمرس عن القيام بها دون اللجوء لهذا الغزو الأرعن الذي يكون ضحاياه دائما من الأبرياء.

٣ الآن تسعى القوات البحرية والبرية الروسية إلى غلق كل منافذ أوكرانيا على البحر الأسود وهي على وشك تحقيق هذا الهدف وهو ما يعني حرمان أوكرانيا من تصدير حاصلاتها الزراعية وحرمانها من تلقي أي إمدادات من الخارج. والأخطر من هذا ونتيجة للغزو الروسي المتوحش فإن المزارعين الأوكرانيين قد لا يتمكنون من زراعة القمح هذا العام حيث يبدأ موسم زراعته هنا في أوروبا عادة في شهر مارس. وباعتبار أن كل من روسيا وأوكرانيا من كبار مصدري القمح والذرة والحبوب الأخرى في العالم فإن هذه الحرب كانت السبب المباشر في زيادة أسعار هذه الحاصلات بنسب وصلت في بعضها إلى ٥٠٪؜ . وكذلك أدت حالة التوتر بين الغرب وروسيا والمقاطعة التي فرضتها أمريكا ومعظم دول حلف الناتو على البترول والغاز الروسي أدت إلى زيادة أسعار البترول والغاز والفحم والحديد والنيكل والألومنيوم بمعدلات فلكية وغير مسبوقة وذلك في خلال الأسبوعين الماضيين. وسوف يكون لهذا الأسعار المرتفعة تبعات مؤلمة وربما خطيرة على الدول الفقيرة التي تستورد هذه السلع الإستراتيجية خاصة الحبوب. وهناك دائما شركات وأفراد يتربحون من التضخم، بل ويزيدونه اشتعالا دون أدنى مبالاة بمعاناة الفقراء حول العالم.
٤ وبمناسبة الحديث عن الفقراء فإن من الظواهر العجيبة التي نلاحظها كاقتصاديين هي أن الفقير يتضرر بشدة في وقت الأزمات ولا يستفيد كثيرا في وقت الرخاء بينما الغني لديه من المهارات والامكانيات والعلاقات ما يجعله يزداد غنى في كل الأوقات والظروف سواء كانت مواتية أو غير مواتية، ولعلنا نتذكر كيف زادت ثروات الأغنياء عبر العالم وبأرقام قياسية في عامي جائحة الكورونا. ولذلك تتزايد فجوة الدخل والثروة بين الفقراء والاغنياء بشك مستمر، ويبدو أن كل ما نقترحه كاقتصاديين من سياسات لتضييق هذه الفجوات نجد أن هناك دائما ما يعيق تطبيقها وعلى رأس هذه العقبات النفوذ الذي يمتلكه الأغنياء وقربهم من السلطة وصناع القرار. ولذلك نقول دائما إن بعض الأغنياء لا يشبعهم شيئا وهم بحاجة دائما للمزيد من الأموال وبذلك يكون الغني من هؤلاء لا يزيد عن كونه شخصًا فقيرًا يمتلك مالًا! لأن الغنى الحقيقي هو الشعور بالرضا.
٥ ومن التطورات السياسية الخطيرة والمؤسفة لهذه الحرب العبثية هو ما أعلنه مستشار ألمانيا الجديد السيد شولتز من تخصيص اعتمادات مالية ضخمة لتحديث وزيادة قدرات الجيش الألماني كنوع من الردع لأي أفكار أو نوايا شيطانة للسيد الديكتاتور بوتين، وكذلك أعلن العودة لتشغيل بعض المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء والبدء في تشغيل بعض المحطات التي تعمل بالفحم والتي كان قد تم الاتفاق على إيقاف تشغيلها مع حزب الخضر -المتحالف مع شولتز في السلطة- لتقليل انبعاثات الكربون والحفاظ على البيئة في ألمانيا. يتم كل هذا من أجل تقليل اعتماد ألمانيا على إمدادات الغاز الواردة من روسيا والاستغناء عنها تدريجيا، وقد وافق حزب الخضر على الفور على هذه التعديلات غير المتماشية مع مبادئ الحزب باعتبار أن أمن ألمانيا يعلوا على اعتبارات الحفاظ على البيئة. ومن الآن فصاعدًا سوف تكون هذه هي سياسات كل الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو لانه لم يعد هناك أي ثقة في بوتين. وهكذا نرى كيف يتغير العالم من سيء لأسوأ بسبب أنظمة الحكم الديكتاتوري، وودعا للحياة على هذا الكوكب الجميل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي-للاسف اتا في سفر ل6اسابيع نت احل اللقاءامنا
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 3 / 12 - 07:09 )
امنا الشمس في الشرق في شرقنا حيث الكلم ممنوع-ابارك لك توضيحاتك-انا على عجاله رايح للشرق الاوسط من اجل الشمس بعج سجن لاكثر من سنتين بامر كورونا- العالم يتقدم الاستبداد الشرقي مزور التاريخ ومدعي الجنه لاييج ان يتنازل وهو تركه مشؤمه روسيا وايران والصين والان حان القطاف وتنتصر عالن الحضاره الججيده بلا حرب ثالثه-تحياتي ==


2 - تحية للدكتور الصديق بكير
عبد الحسين سلمان ( 2022 / 3 / 12 - 08:33 )
تحية للدكتور الصديق بكير و إلى الاستاذ الكبير الكحلاوي

1. بدأت الاسعار ترتفع في ألمانيا بشكل جنوني , وقد وصلت تقريباً إلى 31 %.

2. هذه أول مرة , اقرأ تحليل للازمة الحالية , خالٍ من شلالات المفردات العبثية مثل ( الرأسمالية و الأوليغارشية و الامبريالية ) . مفردة ( الامبريالية) وحدها أحتلت المركز الأول في جميع التحليلات .

3. الفقراء هم ضحايا هذه ( الحرب العبثية) وخصوصاً في العالم الثالث وحتى في اوروبا.

4. هذه الحرب كشفت وعرت مدى تهافت ( العقل العربي).

5. هذه الحرب كشفت وعرت كذلك (نظام الرجل الواحد : بوتين ) وكذلك الديمقراطية العرجاء ( أنتخاب : زلينسكي).

مع سفرة ميمونة للاستاذ الكحلاوي


3 - كارثه حكم الفرد
على سالم ( 2022 / 3 / 12 - 15:01 )
الاستاذ بكير , العالم الان مقبل على فتره عصيبه وحرجه ومفصليه , حكم الفرد المستبد المجرم هو فى الواقع شئ بشع يطل علينا الان بقوه والحاح الان , المجرم بوتين يهدد العالم بالفناء بسبب انه مصاب بلوثه عقليه وجنون عظمه وعصابته المستبده تشترك معه بدون شك , تخيل فرد تافه استبدادى حقير يتحكم فى مصير امه كبيره مثل روسيا , كنت اتسائل كيف يسمح الروس بذلك المصيبه فى بلدهم ؟ الا يستطيع الروس قلب هذا النظام الديكتاتورى الاستبدادى البشع وتحويله الى ديمقراطيه وحريه وحقوق ادميه , ليست فقط روسيا بل بلدان كثيره مقموعه بالحديد والنار ومن بينها مصر التى تتألم والتى ابتلت بعصابه الضباط واللواءات الفجره اللصوص البلطجيه الساديين الانجاس , معضله صعبه ومحزنه , هل تعلم ان نسبه كبيره من الروس والاوكرانيين نجحوا فى الوصول الى حدود المكسيك ومحاوله عبور الحدود الى اميركا وطلب اللجوء , العالم فى ازمه


4 - دكتور صادق الكحلاوى
محمود يوسف بكير ( 2022 / 3 / 12 - 15:51 )
شكرا على مرورك د.صادق وتمنياتي لك برحلة آمنة وأوقات سعيدة بعد محبس العامين الذي عانينا منه جميعا،مع تحياتي


5 - صديقي العزيز الاستاذ عبد الحسين سلمان
محمود يوسف بكير ( 2022 / 3 / 12 - 16:05 )
شكرا جزيلًا على تعليقك وإضافتك للمقال ، الاسعار بالفعل في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا والعالم كله ملتهبة وفوق طاقة الفقراء ومتوسطي الحال ، وكان هذا أمرًا حتميا بسبب السياسات النقدية والمالية المشوهة التي اتبعت خلال العامين الماضيين ، وما أن بدأت البنوك المركزية في الإعداد للتعامل مع هذه التشوهات ، اندلعت هذه الحرب العبثية لنعود إلى المربع الاول كما كنا . أما عن تهافت العقل العربي كما تفضلت فإنه على ما يبدو لم يعد هناك أمل في إحياء هذا العقل من غفوته ، مع أطيب تحياتي


6 - الأستاذ علي سالم
محمود يوسف بكير ( 2022 / 3 / 12 - 16:45 )
الديموقراطية بالفعل في محنة وتتراجع حول العالم وانظمة الحكم الاستبدادي تتقدم والسبب هو الضغوط الاقتصادية وحالة عدم الاستقرار التي يعاني منها العالم وفي مثل هذه الأوقات تتنازل الشعوب طواعية عن حقوقها السياسية ويرضون بحكم الفرد أملا في الاستقرار ولكن عادة لا يمر الكثير من الوقت لكي تكتشف الشعوب أنها أخطأت بتوقع أن يأتي الرخاء والاستقرار المنشود من خلال الاستبداد وحكم الفرد الذي لا ينتج إلا الكوارث. إنها دورة تأريخية جهنمية وتطول مدتها في الكثير من الدول مثل دولنا العربية بسبب الثقافة الشعبية والدينية المنتشرة، مع الشكر والتقدير

اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا