الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين والولايات المتحدة .. إدارة التنافس والصراع (6) -الجزء الأخير-

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2022 / 3 / 12
السياسة والعلاقات الدولية


سياسة "الحرب التجارية " في عهد الرئيس الأمريكي "ترمب"
خلال حملته الانتخابية عام 2016م، وبعد توليّه رئاسة البيت الأبيض بأيام مطلع عام 2017م، صدرت تصريحات متشددة من الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" تجاه الصين بخصوص العجز التجاري وضرورة إعادة النظر في العلاقات التجارية بين البلدين ، ثم ما لبث أن أكّد على أهمية التعاون التجاري والاقتصادي والسياسي بين الولايات المتحدة والصين، ودعا الرئيس الصيني "شي جين بينغ" لزيارة الولايات المتحدة ، وهو ما حدث فعلاً في ابريل 2017م، وردّ الرئيس الأمريكي على دعوة نظيره الصيني بزيارة بكين في نوفمبر 2017م، وتمخّض عن تلك الزيارات توقيع سلسلة اتفاقيات تجارية في مختلف القطاعات بقيمة تجاوزت الـ(250) مليار دولار( ).
في حينه، ومن وسط العاصمة بكين أبدى الرئيس الأمريكي إرتياحه الكبير للتعاون بين البلدين وأشاد بشدّة بالتحالف الاقتصاديّ والتجاريّ بينهما، وفيما يخصُّ عجز ميزان التبادل التجاري، قال الرئيس "ترمب" حرفياً "لدينا عجز تجاري هائل مع الصين، الأرقام مثيرة للصدمة". لكنه أضاف "أنا لا ألوم الصين على ذلك. في النهاية، من يمكنه أن يلوم بلداً على استغلاله بلداً آخر لما فيه مصلحة مواطنيه؟" وأضاف "أنا ألوم بالمقابل الإدارات السابقة، التي سمحت لهذا العجز التجاري الخارج عن السيطرة أن يحصل ويتفاقم"( ).
لكن موقف الرئيس أعلاه انّقلب رأساً على عقب بعد شهور قليلة، وعاد لعهده السابق من التلميح تارة والتصريح والتهديد تارة أخرى بالحقوق الأمريكية على الصين فيما يتعلق بالعجز التجاري، وضرورة أن تتحمّل بكين مسؤولية سياستها التجارية مع واشنطن، وهددّ باعادة النظر بالضرائب والرسوم المفروضة على الصادرات والواردات بين البلدين، الأمر الذي انّعكس سلباً على علاقات الطرفين.
ففي مارس/آذار 2018، ورغم كل المحادثات والمفاوضات بين الجانبين خلال عام مضى، إلا أن الرئيس الأمريكي "ترمب" فرض رسوماً جمركيّة بنسبة (25٪) على أكثر من (1300) منتج صيني وبقيمة بلغت (50) مليار دولار( ).
وصرّح الرئيس "ترمب" لدى توقيع المذكرة إنّه "طلب من الرئيس الصيني تخفيض العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين بمقدار مئة مليار دولار فورا"( )، وأشار إلى أن العجز التجاري الإجمالي للولايات المتحدة يبلغ (800) مليار دولار، ومن هنا بدأت الأمور تأخذُ منحنى سلبي في سير طبيعة العلاقات بين أكبر شريكين تجاريين في العالم من بوابة التجارة الثنائية، فاعتبرت الصين أن تنفيذ هذا المرسوم سيكون أكبر "حرب تجارية" في التاريخ الاقتصادي.
وردَّ الرئيس "ترمب" على ذلك بقوله "إن بلاده لا تخوض حرباً تجارية مع الصين لأنها خسرت تلك الحرب منذ سنوات بسبب "حمقى" غير مؤهلين لتمثيل الولايات المتحدة"( )؛ وفي المقابل قال "وانغ شوفين" نائب وزير التجارة الصيني : "إن بلاده لا تريد حرباً تجارية مع الولايات المتحدة، لكنها مستعدةً لها إذا أرادت واشنطن ذلك( )".
وحذَّرت سفارة الصين في واشنطن الولايات المتحدة من تعريض العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة للخطر، وذكرت أنه "إذا كانت هناك حرب تجارية من جانب الولايات المتحدة، فإن الصين ستقاتل حتى النهاية للدفاع عن مصالحها المشّروعة بكل الوسائل الضروريّة"( ).
كما أفصحت وزارة التجارة الصينية عن نيتها فرض رسوم "انتقامية" بقيمة ثلاثة (3) مليارات دولار على الواردات الأمريكية، ومن بينها "لحم الخنزير وأنابيب الصلب، بحيث تشمل التدابير رسوماً بنسبة (25%) على واردات "لحوم الخنزير" و(15%) رسوم الجمركية على أنابيب الصلب والمنتجات الأخرى المستوردة وعددها (128) منتجاً أمريكياً( ).
وفي ابريل/نيسان 2018م أعلنت وزارة المالية الصينية –أيضاً- إن الصين ستفرض رسوماً إضافيةً نسبتها (25%) على (106) منتج أمريكي، من بينها (فول الصويا والسيارات والكيماويات وبعض أنواع الطائرات والذرة) بالإضافة إلى منتجات زراعية أخرى، وبلغ حجم المنتجات المستهدفة بالرسوم الجمركية (50) مليار دولار( ).
وازدادت وتيرة "الحرب التجارية" و"كسر العظم بين الطرفين، بعد أن أمر الرئيس "ترمب" المسؤولين في إدارته بدراسة فرض رسوم جمركية إضافية بقيمة (100) مليار دولار على المنتجات الصينية، فردّت الصين بالقول إنها "مستعدة لدفع أي ثمن في حرب تجارية محتملة مع الولايات المتحدة( )".
وفي حزيران 2018 ذكر المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية "قاو فنغ" أنّ الإجراءات الأحادية التي قامت بها الولايات المتحدة لزيادة الرسوم الجمركية، عملت على زيادة القلق داخلياً .. وأنّ الإجراءات الأمريكية لم تتسبب فقط في خيبة أمل للصين والمجتمع الدولي، بل أثارت معارضة قوية داخل الولايات المتحدة ذاتها"( ).
وأضاف "فنغ" "أنّ موقف الولايات المتحدة متقلّب وقد أثار استفزازات حرب تجارية، ما أجبر الصين على الردّ بقوّة. لقد أصبح الجانب الأمريكي معتاداً على حمل الهراوات الكبيرة في المفاوضات، وهذا لن يفيد في التعامل مع الصين.." ( ).
وفي يوليو/تموز 2018 تجددّت "الحرب التجارية" مع بكين، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على بضائع للصين تبلغ قيمتها (34) مليار دولار، تلاها تحركات صينية بفرض رسوم جمركية على (545) منتجاً أمريكياً بلغت قيمتها هي الأخرى (34) مليار دولار( ).
وقالت وزارة التجارة الصينية في 6 يوليو/تموز "إن الإجراء الأمريكي يضرُّ بشدة بالإمدادات العالمية وسلاسل القيمة، ويُحدثُ اضطرابات في السوق العالمية"( )، كما أعلن بيان الوزارة أن الولايات المتحدة انتهكت قواعد منظمة التجارة العالمية وأطلقت أكبر حرب تجارية في التاريخ، بفرضها رسوم استيراد بنسبة (25%) على البضائع الصينية.
وقال " كنغ شوانغ" المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية للصحفيين: "إن الصين كانت تقول دائماً بأن تصاعد الخلافات التجارية مع واشنطن لن يصبّ في مصلحة أحد الأطراف" ولفت "شوانغ" إلى أنه خلال المحادثات الأولية التي عقدت في واشنطن مطلع 2018م، حافظ كلا الجانبين على كل أشكال الاتصال والتفاوض اللائقة، ولقد ركّزت تلك المحادثات حول مخاوف كلا الطرفين( ).
ثم دخل النزاع التجاريّ بين البلدين مرحلة جديدة، حيث بدأت الولايات المتحدة، في أيلول/سبتمبر 2018م بتطبيق رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة (200) مليار دولار، وبلغت نسبة الرسوم الجمركيّة على حزمة الواردات الصينية الجديدة (10%) بهدف الضغط على الصين لتغيير سلوكها في مجال الملكيّة الفكريّة، وحريّة وصول الشركات الأمريكيّة إلى الأسواق الصينية، وخفض عجز الميزان التجاري، وفي المقابل ردّت الصين بفرض رسومٍ جمركيّة تتراوح بين (5-10%) بقيمة (60) مليار دولار على بعض السلع الأمريكيّة( ).
وتزامن ذلك مع فرض وزارة الخزانة الأمريكية في نفس الشهر عقوبات ماليّة على هيئة رئيسية في الجيش الصيني بسبب شرائها مقاتلات سوخوي "سو 35" وصواريخ "أس-400" أرض جو روسية( ).
ونتيجة لتكثيف هذه الاختلافات، ألغى الجانب المحادثات التي كان منوي عقدها مع الجانب الصيني في حينه، وخلافاً لتوقعات واشنطن، ردّت الصين على هذه الضغوطات بإلغاء المحادثات من جانبها أيضاً .
المطلب الثالث : تداعيات وردود فعل "الحرب التّجاريّة"
يرى بعض الخبراء أن الصين لم تعُد تُبدي اهتماماً كبيراً للإجراءات الأمريكية التجارية بين الطرفين؛ على عكس رد فعلها في النصف الأول من هذا العام، وبعد مرور أكثر من ستة شهور على اندلاع "الحرب التجارية" بينهما، تراجعت المخاوف لدى الصين حول النهج الأمريكي المتخوّف من معدلات النمو في الاقتصاد الصيني، حيث تُفكّر الشركات والمصانع والمنتجين في الصين بالبحث عن أسواق جديدة بديلة عن السوق الأمريكي، كما أفادت وكالات الأنباء العالمية .
وعلى الرغم من توقيع الرئيس "ترمب" على لائحة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية في سبتمبر/أيلول 2018م، الا أن مجلس النواب الأمريكي قام بالمصادقة -في مطلع الشهر نفسه- على قانون يقضي بخفض الرسوم الجمركية بشكل مؤقت على كل السلع المستوردة من الصين بناءاً على الشكاوى التي تلقتها لجنة التجارة الدوليّة الأمريكيّة من شركات مختلفة متعلقة بقوانين تخصّ تنافس السلع الأمريكية لعام 2016م وتلك اللائحة من الرسوم الجمركيّة تخصُّ نحو (1700) مادة من المواد الخام والسلع الوسيطة التي تستخدمها المصانع الأمريكية، والتي لا يتم إنتاجها داخل الولايات المتحدة( ).
وهنا يبدو أن قرار الرئيس الأمريكي "ترمب" بخصوص الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع الصينية، يتناقضُ تماماً مع قانون مجلس النواب الأمريكي .
لا شك أن دخول أكبر اقتصادين في العالم في صراع تجاري مفتوح، بلا ضوابط أو قيود، خاصة من الجانب الأمريكي، قد يحملُ آثاراً كارثية على الاقتصاد العالمي، فـ"حرب" الرسوم الجمركية على البضائع والسلع بين الطرفين، سوف تُسببّ ضرراً لدول أخرى في العالم، ولشركات اقليميّة ودوليّة مرتبطة بعقود مع الجانبين الصيني والأمريكي، كما أن أسعار البضائع ستشهدُ ارتفاعاً ملحوظاً ، ومن ثم تنخفض قيمة المبيعات والانتاج، وتنخفضُ معها فُرصُ العمل لدى البلدين، وتزداد معدلات التضخم.
حيث إن ارتفاع أسعار البضائع الصينية التي تعتمد عليها الصناعات الأمريكية، سيؤدي إلى ارتفاع أسعار تلك الصناعات في الداخل الأمريكي، فقد بادرت بالفعل عدة شركات أمريكية بالإعلان عن رفع أسعارها لتغطية ارتفاع كلف التصنيع، كما هو الحال بشركة "كوكاكولا"، وهذا سينعكس على الأسواق العالمية وسوف يؤديّ مع مطلع العام 2019م إلى ارتفاع مستويات التضخم في الأسواق المحلية والأجنبية المرتبطة بالبضائع الأمريكية والصينية( ).
ومن ضمن ردود الفعل على هذه "الحرب التجاريّة" اعلان اتحاد صناعات التجزئة في الولايات المتحدة عن رفضه للرسوم الأمريكية على الصناعات الصينية، معتبرين أن الشعب الأمريكي يتحمّل وحده نتائج هذه الرسوم، محلياً، كما طالبت شركة آبل الأمريكية من خلال رسالة إلى ممثل التجارة الأمريكي، الحكومة باستثنائها من الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على بعض السلع الصينية التي يتم توفيرها من قبل الشركات الصينية بأسعار رخيصة( ).
كما قامت شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى، بما فيها (Amazon ) و (Google) ببذل جهود مضاعفة على إدارة البيت الأبيض لضمان استمرار تدفق السلع الصينية إلى الولايات المتحدة بأقل تكاليف ممكنة لتخفيف الكلف على العائلات والمستخدمين الأمريكييّن( ).
ولن تستطيع الولايات المتحدة أن تتجاهل تأثير القرار على الشركات الأمريكية، حيث ذكرت "سي إن إن موني" أن هناك شركات أمريكية كبرى مثل "آبل" و"بوينج" و"إنتل" "قد تعاني كثيراً إذا قررّت الصين توسيع نطاق إجراءاتها العقابية".
إذا ما ستمرت الحكومتان بفرض رسوم جمركية "انتقامية" متبادلة على البضائع، فإنّ التأثير لن يكون فقط على مستوى التبادل التجاري، بل سيؤدي إلى عدم استقرار الأسواق العالمية بصورة ملفتة، مما يؤثّر على استقرار النشاطات الصناعية والاستثمارية أيضاً( ).
ولا ريب أن الولايات المتحدة تتخوّف من مشروعات الصين المستقبلية الضخمة: مشروع "صُنع في الصين 2025" ومشروع "حزام واحد، طريق واحد" (طريق الحرير)، وهي من جملة مشاريع صينية تهدف إلى تطوير الصناعات التكنولوجية في البلاد، وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات الصينية، وعلى رأسها السوق الأوروبية، باعتبارها بديلاً عن السوق الأمريكية( ).
وقد تدفع الإجراءات الأمريكية "والحرب التجارية" الصين والدول الأوروبية لإجراء تحوّلات هيكلية في اقتصادياتها وأسواق منتجاتها، وتقود الطرفين، الصين وأوروبا، إلى تكثيف التعاون والشراكة التجارية بينهما، بهدف تنويع نشاطاتهما التجارية والاستثمارية والبحث عن أسواق جديدة لمواجهة الضغوط الأميركية المستقبلية .
يقولُ الخبيرُ الاقتصادي الصيني المعروف "لاري هو" انه يمكن للصين أن تمارس الكثير من الضغوط الاقتصادية على الولايات المتحدة عبر السلع غير المادية كالسياحة وأموال التعليم الجامعي والصناعات التي يستخدمها الأمريكيون أكثر من الصينيين"، كما يضيف أنه "يمكن لبكين أن تطرد الشركات الأمريكية من الصين على غرار الشركات والمتاجر الكورية الجنوبية التي أغلقتها السلطات الصينية العام الماضي"، ويمكنها أن "تلجأ أيضاً إلى بيع السندات الأمريكية في حال استمّر التّصعيد، وهذا بالطبع سيشكّل خسارةً كبيرةً لأمريكا"( ).
ونعتقد أن الصين لن تُقدم على هذه التدابير في الظروف الحالية، ما دام التنافسُ والصراعُ بين الطرفين في ميزان القوى المتبادل، لكنها تبقى خيارات مطروحة في نهاية المطاف، كما هو الحال بالتدابير القاسيّة التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة ضد بكين، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا