الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئاسات العربية نزولاً عند رغبة الجماهير

ميشال شماس

2006 / 9 / 8
كتابات ساخرة


«نريد أن نؤسس نموذجاً للتداول السلمي للسلطة في اليمن ونربي أنفسنا وأجيالنا على مبدأ التداول، فقد ملّ الناس الزعامات الباقية طوال عمرها على كرسي الحكم».
بهذه الكلمات الخادعة خاطب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح شعبه في 17تموز من العام الماضي، وقد صدق بعض الناس ذلك، خاصة بعد أن أعاد صالح في العشرين من حزيران 2006 الماضي بأن قراره بعدم الترشح هو قرار نهائي لارجعة فيه، حتى أن أحد الرؤساء العرب في شمال أفريقيا ناشد الرئيس اليمني أن يتراجع عن قراره بعدم الترشح لولاية رئاسية جديدة. وذلك خوفاً من أن تشكل هذه الخطوة دافعاً للحكام العرب للحذو حذوه مما يشكل تهديداً حقيقاً للقاعدة السائدة في "التمديد والتوريث" في البلدان العربية.
وفعلاً لم تمض أربعة أيام على تأكيد الرئيس اليمني عدم الترشح نهائياً، حتى فاجأ جميع الذين صدقوه وبدون أي حرج برجوعه عن وعده السابق ورغبته الجامحة بالترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجري هذا الشهر. مبرراً رجوعه بأنه جاء " رضوخاً لإرادة الشعب واستجابة لمطالب جماهير الشعب التي جاءت إليه مدفوعة بإرادتها.. "..!! منضماً بذلك إلى جمال عبد الناصر الذي أعلن استقالته عقب هزيمة عدوان 1967 وعودته عنها "نزولاً عند رغبة الجماهير"، وهو يدرك سلفاً أن الجماهير لا ترى أمامها إلا عبد الناصر. وكذلك الرئيس المصري حسني مبارك الذي أعلن مؤيدوه أن ترشيحه في مصلحة مصر وأن مقتضيات المرحلة تقتضي وجوده في سدة الرئاسة المصرية، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي استحلى التجديد لنفسه في استفتاء منظم أمام خصم يختاره بنفسه، وأما "قائد الثورة العالمية" معمر القذافي فقد نصب نفسه قائداً مدى الحياة بعد أن أراح نفسه من عناء تنظيم الاستفتاءات، وحتى لبنان الذي كنا نرى فيه نموذجاً فريداً في العالم العربي في تداول السلطة، فقد سقط هذا النموذج عندما تم التجديد للرئيس الياس الهرواي ومن بعده للرئيس أميل لحود لينضم لبنان بعد ذلك إلى نادي الدول العربية،التي أصبح فيها التمديد هو القاعدة..
وهكذا بقيت تجربة السودان عام 1985 وحيدة في دنيا العرب، إذ لم يحدث من قبل وحتى الآن أن وصل قائد عسكري إلي الحكم وتنازل عنه بطيب خاطر وتجرد كامل وفهم عميق للفرق بين رجل الجيش ورجل الدولة.. إلا شخصية فريدة في التاريخ العربي.. إنه عبد الرحمن سوار الذهب الذي نفذ ما وعد به بتجرد كامل وصدق لم نشهده حتي الآن على الأقل. عندما أطاح بنظام جعفر النميري الفاسد والدموي وسلم هو ورفاقه الحكم للمدنيين بعد إجراء انتخابات ديمقراطية شفافة، وبعدها ذهب إلي بيته مرتاح الضمير، ولم يخش أن يعتقل أو يتهم بالفساد أو سرقة المال العام أو الاعتداء على الدستور.

ترى لماذا لا نرى هذه المظاهر إلا في بلدان العالم الثالث وبالأخص منها بلداننا العربية؟ ولماذا لم تتقاطر مثلاً الجماهير الإيطالية لنصرة رئيس وزرائها السابق برلسكوني، أو الجماهير الأسبانية لإنقاذ رئيس وزرائها أزنار، أو الجماهير الأميركية للإبقاء على كلينتون رئيساً لها..؟
والسؤال الأخر الذي يطرح نفسه هنا أيضاً: لماذا سارت ملايين الناس خلف نعش لينين وجمال عبد الناصر، والخميني..الخ ؟ بينما لم نرى الجماهير السويدية تسير خلف رئيس وزرائها أولف بالمة الذي اغتيل لدى خروجه من أحدى دور السينما، أو عند وفاة الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران..الخ.؟
ترى هل الخوف من المستقبل المجهول يدفع الجماهير العربية للتصرف هكذا ..؟ أم غياب الحرية والديمقراطية، وضعف العمل المؤسساتي، وغياب سيادة القانون..؟
مما لا شك فيه إن الخوف والقلق الذي تعيشه الشعوب العربية هو نتيجة حتمية لغياب الديمقراطية والحرية، وضعف العمل المؤسساتي، واحتكار العمل السياسي، والخرق المستمر الذي يتعرض له القانون،والهيمنة الكاملة على السلطة القضائية، وغياب المحاسبة الفعالة والجدية، وعدم وجود أحزاب ونقابات فاعلة، وانتشار الفساد والجهل، واستئثار فئة قليلة بمقدرات بالثروة على حساب فقر الأكثرية..الخ هذه العوامل وغيرها شكلت وستبقى تشكل ما دامت موجودة في مجتمعاتنا العربية الدافع الرئيسي لهذا المظاهر التي نراها كل يوم في ساحة الفعل الجماهيري العربي.
وبعيداً عن نتيجة الانتخابات الرئاسية في اليمن التي يبدو أنها سوف تُبقي علي عبدالله صالح في سدة الرئاسة لفترة رئاسية أخرى.. وبعيداً عن الانتخابات الموريتنانية التي نأمل أن يتمكن فيها الناخب الموريتاني من أن يختار بحرية من سيعهد إليهم بتسيير أموره البلدية والنيابية، فإننا ننتظر أن تشهد الأوضاع في البلدان العربية خلال السنين القادمة تغييراً نحو الديمقراطية، تتكرس فيها الممارسات الديمقراطية وتتجذر الثقافة الديمقراطية في وعي الناس، ويصبح الحكم والسلطة مسؤولية وتكليف وليس امتياز..!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر