الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد والمخابرات ..

أحمد فاروق عباس

2022 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


وتتوالى دروس حرب الغرب مع روسيا على أرض أوكرانيا ، ومن ضمن أهم الدروس : حقيقة الرأسمالية فى الغرب ..

فعشرات الألوف من الكتب والدراسات صدرت وتصدر فى الغرب تمجد في الرأسمالية ، وضرورة ابتعاد الدولة عن الاقتصاد ، وعن الإنفصال الكامل بين الاقتصاد والسياسة ، وعن الشركات "متعددة الجنسية" وبحثها عن التوسع والأرباح بغض النظر عن أى شئ آخر ..
وعن وعن وعن ....

سقط كل ذلك تماما مع الحرب فى أوكرانيا ..

ورأينا دول تصدر الأوامر للشركات بالانسحاب فورا من دولة معينة ( روسيا ) والشركات تطيع بلا مناقشة ، وعلى الفور !!

راينا ماكدونالدز الأمريكية تقفل بجرة قلم ٨٥٠ فرع في روسيا وتخسر ٥٠ مليون دولار شهريا ، بدون حرف واحد عن الاسهم والبورصة والمساهمين والأرباح ..

بل إن ماكدونالدز تدعو باقى شركات الغرب العاملة فى روسيا - مثل كوكاكولا وستاربكس - إلى فعل نفس الشئ ، وخسارة مئات الملايين مثلها من أرباح المساهمين ، وليس مهماً تراجع أسهمها في البورصات !!

رأينا مجموعة يونفيرسال للموسيقى توقف عملياتها وتغلق مكاتبها في روسيا !!

رأينا كل من أبل ونتفليكس وزارا وماذركير واتش آند إم وجاجوار ولاندروفر تعلق أنشطتها في روسيا ، وقالت ثلاث من أكبر أربع شركات محاسبة في العالم إنه لن يكون لها بعد الآن شركاء في روسيا !!
في حين أعلنت شركة المحاماة الرائدة فريش فيلدز أنها لن تعمل بعد الآن مع أي عملاء مرتبطين بالدولة الروسية !!

رأينا تأميم لمصالح واستثمارات دولة معينة فى دول رأسمالية عتيدة ، بدون أن يظهر عالم اقتصاد واحد معترضا على ما يجرى ، متفذلكا حول حرية الأفراد وحقوق رأس المال ، وعن مناخ الاستثمار الذى أصيب في مقتل ، أو عن حرية الأسواق .... إلخ ..

رأينا بريطانيا تجمد أموال رجل الأعمال الروسى رومان إبراموفيتش مالك نادى تشيلسي الإنجليزى ومنعه حتى من بيع النادى ، ولم يقف أحد فى London school of economics ويسأل بلد آدم سميث وريكاردو وجون ستيوارت مل ومارشال عن مبدأ قدسية الملكية الخاصة الذى رفعوه لدرجة العبادة فى العالم كله !!

فهاهو رجل أعمال جاء ليستثمر أمواله ويتصرف وفق قوانينكم ويحترمها ، ولم يؤيد حتى ماقامت به حكومة بلاده بالهجوم على أوكرانيا ، بل إظهارا لذلك أرسل تبرعات إنسانية للأوكرانيين ، ولم يشفع له كل ذلك !!

رأينا بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة تمنع المواطنين والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية أو صندوق الثروة السيادي الروسي !!
بدون اعتبار لحق الفرد الذى يعلو جميع الحقوق كما يقال ، أو حقوق رأس المال الذى فرضت عليه قرارات لم يشارك فيها أو حتى تتم استشارته !!

رأينا الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا يطلقون فريق عمل عبر المحيط الأطلسي لتحديد وتجميد أصول الأفراد والشركات الخاضعة للعقوبات ، كما أعلنت بريطانيا عزمها فرض قيود على منح "التأشيرات الذهبية " التي تسمح للأثرياء الروس بالحصول على حقوق الإقامة في بريطانيا، ومن المقرر أن يناقش النواب البريطانيون مشروع قانون الجرائم الاقتصادية، الذي يهدف إلى تجميد أصول "حلفاء بوتين" في المملكة المتحدة !!

رأينا بريطانيا أيضا تقوم بحظر دخول الطائرات الخاصة المسجلة في دول ثالثة في حال تم استئجارها من قبل الروس ، وقد تم بالفعل حجز طائرة خاصة في مطار فارنبورو في هامبشاير بسبب اشتباه بأنها مملوكة أو مستأجرة من قبل الملياردير الروسي يوجين شفيدلر !!

وهذه ليست المرة الأولى - أو حتى العاشرة - التى يحدث فيها ذلك ، بل يحدث ذلك دائما مع كل من لا يعجب الغرب من دول العالم ، فمجرد ظهور أول علامات الغضب من دولة ما يبدأ مسلسل تجميد الأموال ، ومنع الاستثمارات من التوجه إلى هذا البلد ، وخروج الشركات الغربية فورا منه .... إلى آخر هذه القصة المتكررة

يحق للإنسان بعد كل ما يراه أمامه أن يقف ويفكر عن حقيقة تلك الرأسمالية ..
وعن العلاقات الغريبة وغير المنظورة بين أجهزة الدولة العميقة في الغرب وبين دنيا المال والأعمال ..

نعم لقد سبق الحديث - فى الغرب نفسه - كثيراً عن المجمع الصناعى العسكرى ، أى العلاقة غير الواضحة وغير المفهومة بين أجهزة الدولة - المخابرات والجيش - وبين الشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات الاقتصادية ..

لكن ما رأيناه أمام أعيننا في الصراع بين روسيا والغرب يقدم مادة جديدة ومهمة في هذا الإطار ..
ويقدم دروسا واضحة لكل من يريد ان يفهم ..
والدرس الأول هو أن الدولة - وليست الشركة - فى الغرب هى الأساس ، وأن أمن الدول مقدم على مصالح الشركات وارباحها ومساهميها ..

وأن الأمن القومى لهذه الدول - والأجهزة القائمة عليه من مخابرات وجيش وإعلام - مازال له المقام الأول ..

وأن العلاقات غير الواضحة بين دنيا الاقتصاد والمال وبين أجهزة الدولة فى الغرب لم تعط حقها من الاهتمام والدراسة ، بينما تكاد تكون هى أساس الموضوع كله ..

وأن قداسة الملكية الخاصة فى تلك البلدان وهم ، ففى لحظة واحدة جُمدت أموال ، وقيدت حرية وحقوق أفراد ، وأممت مصالح واستثمارات بمئات الملايين وبدون تعويض ..

وأن ما درسناه فى عام الاقتصاد كطلاب ، وندرسه الآن لطلبتنا به من الأوهام أكثر ما به من حقائق ، وهو بناء للتعمية على الواقع وليس مجال لفهم الواقع كما هو ..

وأن الحياة أكثر تعقيدا ألف مرة من تصورات عالم الإقتصاد هذا أو ذاك ، وأن الأمور لا تجرى كما هو متصور في عقول البعض أو ما هو مدون فى الكتب ..
وأن هناك جهدا منظما لمنع الناس من رؤية وفهم حقيقة ما يحدث ، وأن بعض تلك المحاولات - مع الأسف - تأخذ لباس العلم !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان