الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يريد القيصر بوتين بإعلان الحرب؟

كوسلا ابشن

2022 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


ساهم التيار القومي الشوفيني الروسي داخل الحزب الشيوعي في إنهيار الإتحاد السوفياتي وتقسيمه, لكن بإستلامه الحكم تابع الإستراتيجية السوفياتية في الحفاظ على الغنيمة القيصرية والسوفياتية بنهج سياسة إحتواء الجمهوريات المستقلة و التدخل في شؤونها الداخلية لدعم الأقليات الروسية المزروعة في الحقب التاريخية السابقة.
إنهيار الإتحاد أرجع الى الواجهة المسألة القومية المسكوت عنها و المضطهدة في العهد السوفياتي, وتم إستغلالها بعد الإنقسام من طرف القيادات الشوفينية الجديدة سواء في الجمهوريات المستقلة أو من طرف كرملين, لتطفو على السطح جرثومة الأقليات مولد الصراع في المنطقة, و مزعزع الإستقرار في الجمهوريات المستقلة. و لعبت الأوليغارشية الروسية ورقة الأقلية الروسية للضغط على الجمهوريات المستقلة و تهديدها بخلق كيانات روسية في هذه الجمهوريات, بالرجوع الى الأحداث الماضية يتضح أن الهدف من هذه الصراعات هو إعادة مشروع روسيا الكبرى في الإستراتيجية الروسية, و هو ما أعاده بوتين الى الأذهان في خطاباته في الفترة الأخيرة. بدأ المشروع بزعزعة الأستقرار في جمهوريات البلطيق في التسعينات القرن الماضي بالتمرد الإستطاني الروسي عن الأنظمة المحلية, لكنه أنذاك لم يؤدي الى إنجاح مخطط قيادة كرملين نظرا للأزمات التي كانت تعيشها روسيا, و إنضمام دول البلطيق الى حلف الناتو و الإتحاد الأوروبي و لم تترك المجال للروس لتنفيذ مشروعهم في منطقة البلطيق. وصل تهديد الأقليات الروسية الى المواجهة المسلحة الى حد الإنفصال بمساعدة الجيش الروسي الإتحادي في كل من جورجيا و أوكرانيا, و تم تأسيس جمهوريات مستقلة غير معترف بها دوليا. و ربما قد يظهر في المستقبل حراكات آخرى إنفصالية في جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق, وهذا راجع الى مخططات القيادة القومية الروسية في كرملين.
بإطاحة ما سمي بثورة الميدان الأوروبي بالحكومة التابعة لموسكو, و إستلام التيار القومي المتطرف مفاتيح التدبير الحكومي بكييف و الإرتماء في أحضان الغرب في خطوة البحث عن إمكانية الإنضمام الى الإتحاد الأوروبي و الى حلف الناتو, ما إتخذته كرملين بأنه مؤامرة ضده و تهديد لأمنه القومي. فإلتجأ كرملين الى اللعب ورقة الروس بمنطقتي دونيتسك و لوغانسك, بإذكاء النزعة العرقية و اللغوية, و الصراع القومي الى حد المواجهة الإعلامية و الإيديولوجية والسياسية, أدى في آخر المطاف الى المواجهة العسكرية و إعلان روس في شرق أوكرانيا عن تأسيس لجمهورية دونيتسك الشعبية و لجمهورية لوغانسك الشعبية. إستمر الصراع من دون التوصل الى حل مقنع نهائي يرضي الطرفين رغم (إتفاقية مينسك) في ظل تعنت القوميين الشوفينيين في كييف و كذا رفاقهم في موسكو, ليتخذ القيصر بوتين قرار الإعتراف بالجمهورتين وبعد يومين شن الحرب على أوكرانيا بإجتياح أراضيها تحت مبرر حماية الروس من الإبادة الجماعية و القضاء على من سماهم بوتين بالنازيين, لكن الهدف الغير المعلن هو إحتلال أوكرانيا و فرض حكومة تابعة لموسكو ما قد يقطع الطريق عن أمريكا لضم أوكرانيا الى حلف الناتو, و ربما لتحقيق حلم القيصر في إعادة إمبراطورية روسيا الكبرى برمزها (النسر بالرأسين).
لم تفاجئ الحرب القومييين المتطرفين في كييف, فهم كانوا مقتنعون بأن الروس سيعلنون الحرب, و لم تكن إلا معرفة بدايتها, و لم يبادروا الى تجنبها, رغم معرفة أنه ليس بإستطاعة تعنتهم و عجرفتهم التصدي للقوة العسكرية لروسيا, و قصر نظرهم بالإعتقاد أن الغرب سيتدخل في الحرب عسكريا بجانبهم ضد روسيا باء بالفشل حتى الآن, و حتى التخيل بإستغلال الحرب تسهيل المأمورية بالمطالبة بالإنضمام الى الإتحاد الأوروبي و لحلف الناتو في هذا الوقت, من المأكد أنه مستبعد, هذا من جهة, و لا تقبله روسيا في هذه المرحلة, وهي المتحكمة في هذه الحرب, و من جهة آخرى فالغرب يدرك جيدا عواقب المشاركة الفعلية في هذه الحرب بجانب أوكرانيا, الحرب التي قد تؤدي الى حرب عالمية تستخدم فيها السلاح النووي, و هذا ليس من مصلحة الغرب و لا من مصلحة باقي بلدان العالم. و بهذا إكتفى حتى الآن بالدعم العسكري بتقديم أسلحة الدفاع و الدعم الإعلامي و المالي و السياسي, وهذا الدعم نفسه قد يؤجل الى التوصل الى حل يرضي طرفي الصراع, مما يزيد من تعميق الأزمة في المنطقة و العالم و خصوصا بعد العقوبات الإقتصادية ضد روسيا.
ما زال العالم يعيش مأسي كوفيد 19 و تأثيره على الأقتصاد العالمي, و ها هي الحرب الروسية - الأوكرانية و العقوبات الإقتصادية ضد روسيا تعمق من أزمة هذا الإقتصاد بمنع الصادرات الروسية من المواد المعدنية و الزراعية و الطاقة, و عدم إمكانية أوكرانيا من تصدير صادراتها و خصوصا الحبوب و القمح, وهذا ما أثر سلبا على السوق العالمي و الذي آدى كذلك الى الزيادة في أسعار النفط و الغاز و المواد الغذائية و خصوصا القمح بسبب إنخفاض العرض, و التي يدفع تكاليفها الشعوب الفقيرة, كما أن الحرب تضر بالدول الأكثر علاقة إقتصادية مع روسيا, و تضر بروسيا و أوكرانيا أكثر من غيرهما.
المستجدات و الوقائع الحالية و عواقب الحرب ليست في صالح روسيا, و لهذا على القيصر إستحضار العقل و النظر الى الأحداث بعقلانية و حكمة و البحث عن حلول سلمية بديلة عن الحرب التي ستكلف روسيا أزمات إقتصادية و إجتماعية وعزلة دولية. التنازل عن العزة القومية الروسية و الإهتداء الى الدبلوماسية المعقلنة الحكيمة هي من ستحل مشكلة الأقلية الروسية في أوكرانيا أو في الجمهوريات المستقلة الآخرى. و من الجانب الأوكراني عليه معرفة أن النهج الشوفيني في التعامل مع الأقليات القومية سيؤدي الى إنتهاكات جسيمة في حق الأقليات و سيؤدي الى حروب عرقية, و الحرب الحالية تجربة للقوميين المتطرفين, لعلهم يستفيدون منها, والدعوة للحوار البناء لإنهاء المأساة الأنسانية للشعب الأوكراني و وقف الحرب لتجنب البلاد الخراب التام و الآبادة الجماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا