الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توغل الدبابات وتغوُّل العقوبات والقطب الثالث

نوفل شاكر

2022 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


ملأت الأزمة الأوكرانية الدنيا، وشاغلت الناس بتحليل تداعياتها الخطيرة على النظام العالمي الذي تمت عملية ترصين قواعده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي يتعرض اليوم لتصدعٍ كبير، بعد أن تململ الدب الروسي، ونزل من قمم جبال الأورال، ليمد مخالبه نحو حدود غابته القديمة، التي هجرها منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وكلما تقدمت الدبابات الروسية، وتوغلت في العمق الأوكراني؛ كلما تفاقمت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وتغولت، والسؤال الذي سيبقى مطروحاً على قارعة طرق العواصم الغربية هو: هل ستستطيع موسكو التحمل؟؟

يقول باحثٌ أميركي مقرب من وزير الخارجية الأميركي " أنتوني بلينكن"، أنّ أمام العالم الغربي " الديمقراطي" ولا سيما الأوربي خياران: الأول، هو الاعتراف بالهزيمة أمام تخطيط بوتين التوسعي، والسذاجة في التعاطي السياسي معه، عندها يجب أن يعض على الجراح، ويتعامل مع روسيا كقوةٍ عالمية كبرى على قدم المساواة مع الصين والولايات المتحدة. وهناك خيار الدخول في حربٍ باردةٍ، تستنفد روسيا في صراعٍ طويل وغيرها، وهو ما ألمح إليه نائب رئيس الوزراء و وزير العدل البريطاني " دومنيك راب" في مقابلة له مع قناة ال " بي بي سي" يوم الأحد الماضي، عندما قال: " إنّ حرب أوكرانيا يمكن أن تمتد لعشر سنوات وستكون مكلفة للجميع".

ويبدو بأنّ الخيار الثاني هو الذي يتم اللجوء إليه الآن من خلال شحن أوكرانيا بالأسلحة الغربية التقليدية والبايولوجية، والمضي قدماً في فرض حزمة من العقوبات الغربية بهدف إنهاك الاقتصاد الروسي الذي بناه بوتين على أنقاض الانهيار السوڤياتي المدوي في بداية التسعينيات من القرن الماضي.

وإذا كان الاتحاد السوڤياتي قد صدّر الآيديولوجية فيما مضى؛ فإنّ روسيا البوتينية تقوم اليوم بتصدير الطاقة والقمح والمعادن الثمينة، وهذا ما يجعل العقوبات الغربية يسري عليها المثل العربي " يداكَ أوكتا وفوكَ نفَخ"، ومهما تبجحت الدول الغربية بعقوباتها على روسيا؛ فإن مصالحها هي من يكون لها القول الفصل، وليس مشاعرها.

إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تمتلك ترف التعويض عن مصادر الطاقة الروسية ببدائل فنزويلية، أو جزائرية، أو حتى إيرانية؛ فإن الدول الأوربية لاتتمتع بهذا الترف في الوقت الراهن، وهذا ما عبرت عنه بصريح العبارة السفيرة الألمانية لدى واشنطن في حديثٍ لقناة " سي إن إن" قبل أيام بقولها: " سنتمكن من العيش دون الوقود الروسي ولكن ذلك لن يحدث اليوم أو غداً" وحتى يأتي اليوم الذي ستتمكن فيه السفيرة الألمانية من العيش بدون الوقود الروسي، ستكون أوكرانيا كلها قد سقطت، ومعها أوربا الشرقية بدول بلطيقها!

لم يقرأ الغرب جيداً ما أقدم عليه بوتين في جورجيا وشبه جزيرة القرم وكازخستان، لم يحسبوا أن ما يمدهم به من طاقة وقمحٍ ومعادن، إنما هو في حقيقة الأمر سلاحٌ سيشهره بوجوههم في المستقبل! وهذا ما جعل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تصرّح علناً في 17 شباط الماضي؛ بأنها لا تفهم حقاً ماذا يدور في رأس بوتين، ذلك بعدما سحبت عام 2017 عميلاً لها، سبق وأن دسّته في الحلقة الداخلية المقربة المحيطة بالرئيس الروسي ڤلاديمير پوتين.

وبينما تعكف الولايات المتحدة على توسيع رقعة عقوباتها على روسيا؛ تطوي دبابات الأخيرة الأرض في زحفها نحو كييڤ، أما فاتورة الحرب، فعلى مايبدو سيتكفل فارضو العقوبات بتسديدها! ففي الوقت الذي بدأ العالم فيه بلملمة جراحات " كورونا" ومعالجة تداعياتها الاقتصادية؛ نشبت الحرب الأوكرانية التي ستشكل منعطفاً تاريخياً مهماً، وتوقعات مراكز الأبحاث تطرح معدلات مرتفعة من التضخم بوتيرة متسارعة، تزامناً مع هذه الحرب؛ ليصل التضخم إلى انحسار اقتصادي كبير، وازدياد في البطالة وفقدان الأمن الاجتماعي.

وسيكتشف العالم فجأة أهمية أوكرانيا، هذه الدولة المهيضة، والتي تنتج ربع احتياجات الكوكب من القمح وزيت الذرة وزيت دوار الشمس، والتي تربض على أرضها أربع مفاعلاتٍ نووية، وتخفي تربتها السوداء كنوزاً من المعادن الثمينة كالفحم الحجري والليثيوم والكريبتون والبلاتينيوم، أوكرانيا التي تقع فيها مدينة مهمة وخطيرة كمدينة أوديسا، والتي فضلاً عن موقعها الجيوسياسي المشرف على البحر الأسود؛ فإنها تضطلع بدور مهم في التكنولوجيا العالمية؛ فهذه المدينة مسؤولة عن تغطية 70‎%‎ من الصادرات العالمية من غاز النيون، هذا الغاز المهم في تشغيل أجهزة الليزر، التي تقوم بتصنيع رقائق الأجهزة الألكترونية، وهذه كارثة ألكترونية؛ فبدون تصنيع هذه الرقائق لا يمكن لأي جهازٍ ألكتروني في العالم أن يعمل، وبدون غاز النيون لا يمكن لأي جهاز ليزري أن يقوم بتصنيع هذه الرقائق الخطيرة، وبسيطرة روسيا على هذه المدينة، فإنها ستتحكم في سوق التكنولوجيا في العالم، ويكفي بأن نعلم بأن الولايات المتحدة الاميركية لوحدها تستورد 90‎%‎ من احتياجاتها من النيون من هذه المدينة الأوكرانية.

ستنجلي غبرة المعركة في أوكرانيا، وستنجلي معها أيضاً عودة روسيا إلى المجتمع الدولي، ولكن ليست عودة الإبن الضال، بل عودة القطب الثالث الذي كان يزمجر يوماً ما في قاعات مجلس الأمن الدولي أيام خروتشوف، ويهوي بفردة حذائه على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار