الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيلنا.. إلى أين؟

معاذ جمايعي

2022 / 3 / 14
الادب والفن


كنّا أطفالا سعداء، لا همّ لنا ولا شاغلة سوى اللّعب وأكل الحلويات... حتّى الثياب لا نهتمّ لها. فقط أمّهاتنا من يحرصن على نظافتنا واختيار اللّباس لنا.
كنّا جيلا سعيدا، يعيش كامل أيّامه بتفاصيلها الشيّقة والمثيرة. والإثارة لا تعدو إلاّ أن تكون شغبا ومشاكسة وبعض الشجارات الصبيانيّة.
كنّا جيلا يحترم الكبير، ويعطي للحيّ قداسته بكلّ تفاصيله وأجزائه، كلّ ركن، كلّ نهج، كلّ حائط، كلّ متجر... حتّى طموحاتنا كانت بسيطة.. أن ننجح في الدّراسة، ونكبر لنشتغل ونتزوّج ونكوّن أسرة، ولم لا نجمع المال ونرسل أمّهاتنا إلى الحجّ أو العمرة. فالأمّ مقدّسة بالنسبة لنا وفضلها كبير علينا، وأفضل ردِ للجميل إليها هو كسب رضائها وإرسالها إلى الحجّ.
كلّ شيء كان بسيطا وجميلا في عيوننا. حتّى الحبّ كان بسيطا وبتعبيرات بريئة وعفويّة.. وردة، قلم، كتاب، بطاقة بريديّة، قارورة عطر، كلّها أدوات تعبير صادقة ونابعة من القلب والوجدان.
لكن اليوم، جيلنا.. إلى أين؟ إلى أين تسير به العربة من دون الفرامل؟ إلى أين تأخذه الحياة؟ إلى أين يتّجه؟ على أيّ شاطئ سيستقر؟ كلّما حاول أحدنا سلك طريق إلاّ واصطدم بواقع صعب، قاس، مرّ، ومربك.
كبرنا مع مرور الزمن وصرنا شبابا.. شبابا غزى الشيب شعرنا، ولا تكاد تفرّق بين الواحد منّا وهو في مقتبل العمر، وبين الكهل والشيخ الهرم.
أضنتنا الحياة بقساوتها، كلّ شيء يمرّ بسرعة، حتى الزمن أصبح خائنا ويتحرك ضدنا. حين كنّا صغارا، ندعو الشمس ألا تعجّل بغروبها حتّى يتسنّى لنا اللّعب أكثر فترة زمنيّة، وكانت تستجيب لنا، فالمسكينة تغمرنا حبّا ودفئا. كنّا نسميها أمّ الأرض ونناديها: "يا أمّ الأرض تريّثي في مغيبك حتّى نسجّل هدفا في مرمى فريق حيّ البساتين المجاور لنا..." وكانت تستجيب في ابتسامة أصيل ذي شفاه حمراء ووجنتين ورديتين...
أمّا عن اليوم، فلا همّ له سوى القسوة علينا. يمرّ بسرعة ولا يترك لنا فرصة لركوب قطار الحظّ. فمن فاته القطار فاتته الحياة، القطار واحد فقط في كامل العمر وعليك أن تمتطيه وإلاّ أكملت السير على قدميك. أمّا عن القدمين فهما حافيتين، بمعنى أنّك تُجْرح ويُجْرح معهما قلبك. والأتعس من ذلك تُجْرح معهما نفسك البسيطة.. بسيطة لأنّها تربّت على البراءة والعفوية، ولكنّها تفاجأت بحياة مريرة. تمدّ لها يدك لتصافحها، فتمدّ لك فأسا لتحفر به حتفك دون كفن، فثمن الكفن لا يقدر عليه شبابنا، هو فقط في متناول خمسة عائلات في العالم وثلّة في وطننا. وماذا عن وطننا؟ هل نعيش في وطن؟ كلا.. لا أعتقد ذلك، فالوطن مثلما علّمونا في المدرسة هو الأم، وأمي أحنّ مخلوق على وجه الأرض، لا تأكل قبل أن نأكل، ولا تنام قبل أن ننام، ولا تلبس قبل أن نلبس. أمّا الذي يُسمّى بالوطن، فيأكل ولا يدع لنا ما نأكل، وينام ويتركنا مستيقظين على وقع آلامنا، ويلبس ويتركنا عراة، حفاة، مشرّدين بلا مأوى ولا مأمن... لا أضنّ أنّه يشبه أمّي، فأمّي ملاك يسير فوق الأرض، وما عدى ذلك فليست سوى شياطين تُحاربنا.
اليوم، لا أحد منّا قادر على تحقيق استقراره، ولا أحد منّا قادر على تحقيق طموحاته، ولا استقلاليته. فقط الجري في حلقة مفرغة، أو في دائرة مثل فأر "الهمتارو". أصبحت الحياة معقّدة مثل خيط السنّارة، كلّما حاولت فكّ العقدة، تشكّلت عقدة أخرى أكثر إحكاما.
يبدو أنّنا غير قادرين على الصيد... يبدو أنّنا غير قادرين على الحياة!
جيلنا.. إلى أين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا