الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما وراء فتح أرشيف الجزائربفرنسا ؟

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


رغم أهمية قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، القاضي برفع السرية عن أرشيف الجزائر، الذي انقضى من عمره خمسين سنة، من الآن فصاعدًا، سيتمكن الأرشيف الوطني الفرنسي وخدمات وزارتي الخارجية والقوات المسلحة من رفع السرية عن المحفوظات بصناديق كاملة ولم تعد ورقة تلو الأخرى كما كان الحال، وهذا من شأنه أن يجعل من الممكن "تقصير فترات الانتظار المرتبطة بإجراءات رفع السرية، لا سيما فيما يتعلق بالوثائق المتعلقة بالثورة الجزائرية" (1954-1962)، سيتمكن الباحثون من الوصول إلى وثائق تعود إلى عام 1970، وهو العام الذي غادر فيه آخر جندي فرنسي الجزائر.
إلا أن وثائق واحدة من أهم القضايا الحساسة جدا، وهو ملف التجارب النووية الفرنسية في جنوب البلاد، يبقى غير معني برفع السرية، وهو يندرج ضمن الفترة الزمنية المعنية التي مسها القرار.
مهما تبدو لنا بأنها خطوة إيجابية نحو إعادة بناء علاقات جديدة بيننا وبين فرنسا من خلال فتح أرشيف الثورة التحريرية أمام الباحثين، إلا أنني أشك دائما في نوايا فرنسا فهي لن تعطينا شيئا إلا بما يخدم سياستها ومصالحها ... فلماذا لم يسمح ماكرون بفتح أرشيف التجارب النووية الفرنسية على أرض الجزائر منذ 1960 إلى 1967 وما تلاها من تجارب كيمياوية وبيولوجية على أرضنا إلى سنة 1987، وكذلك كمية الذهب والفضة التي نهبتها يوم 5 و7 و8 جويلية 1830 من خزينة الدولة الجزائرية؟
إذا كان ماكرون يريد المضي في إعادة إقامة علاقات ودية مع الجزائر فعليه أن يكون أكثر شجاعة وجرأة على فتح كل الارشيف، وتقديم الاعتذار للجزائريين ورد الذهب الذي نهبه الجيش الفرنسي من الجزائر سنة 1830 ولا ننسى ديون القمح.
طبعي دائما لا يثق في نوايا فرنسا، هل ستسمح بفتح الأرشيف الخاص ببعض المسؤولين الجزائريين الذين تعاونوا مع الجيش الفرنسي أثناء الثورة وما بعد 1962؟ أم أن الأرشيف سيكشف فقط عن أولئك الحركى البسطاء والتافهين الذين زوروا بطاقة مجاهد؟ وكذلك بعض تجاوزات " كابراناتها" في حق الجزائريين؟
ومن خلال تخصصي في سياسة الاستعمار الفرنسي في الجزائر طيلة 132 سنة وما تبعها من جرائم الإبادة والسلب والنهب والخراب والتفقير والتجهيل ومصادرة أراضي الجزائريين ومحاربة ديننا وثقافتنا وتشويه تاريخنا ومحاولة بث روح العداوة بين الجزائريين وتجنيد الشباب الجزائري إجباريا للدفاع عن الراية الفرنسية وتشويه التقارير التي كانت ترسلها سلطات الاستعمار الفرنسي في الجزائر إلى باريس، وما تبعها كذلك خلال ثورتنا التحريرية. كم من جريمة في حق الشعب الجزائري ارتكبها القضاء والإدارة الاستعمارية وجيشها في الجزائر ولم توثق ببساطة لأن الاستعمار الفرنسي متوحش ولا إنساني وهو أسوأ استعمار عرفه تاريخنا المعاصر، هل لفرنسا الشجاعة الكافية لأن تسمح بالاطلاع على هذا الأرشيف؟ الأحسن أن نقول أنها سوف تسمح بفتح منقح ومعدل بما يخدم مصالحها وعلينا أن نتعامل معه بحذر شديد، هذا في حالة ما إذا قامت بتزويره وإظهار بعض الرموز الوطنية من مجاهدين وإطارات سامية في الدولة الجزائرية بأنهم كانوا خونة خلال الثورة التحريرية وقد تغطي على عملائها الحقيقيين في الجزائر سواء خلال الثورة التحريرية أو خلال مرحلة الدولة الوطنية، فمن المستحيلات أن تكشف فرنسا عما يضر مصالحها وعملائها في الجزائر، هذا إذا لم تعمل على إثارة الفتنة بين مكونات الشعب الجزائري وضرب وحدته وأمنه واستقراره والضغط على النظام الجزائري من أجل تنازلات أخرى تصب في صالح الدولة الفرنسية، خاصة أن مبادرة الرئيس "ماكرون" جاءت على إثر توتر العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير، فبعد الصدامات السياسية بين البلدين، تطورت الأمور إلى الاقتصاد، لتبلغ المجال الحساس والشائك المتمثل في الذاكرة التاريخية التي تُعتبر حلقة مقدسة لدى الجزائريين، الأمر الذي يؤكد التشابك في علاقات البلدين وأيضاً، الدور الفرنسي في ما آلت إليه الأوضاع في الجزائر، فالحراك الشعبي يرى أن فرنسا هي سبب مآسينا والمعرقلة لأي تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في الجزائر حيث رفع الحراكيون الجزائريون شعارات ولافتات معادية لفرنسا، ويرى "غوستاف لوبون" أن كل الهزائم التي لحقت بفرنسا كان سببها هجمة الجماهير على مسرح التاريخ، فهل الحراك الشعبي سيلحق هزيمة أخرى بفرنسا متممة لهزيمتها في ثورتنا التحريرية؟
وما الحديث عن الأرشيف الذي أَسَالَ الكثير من المداد منذ سنوات، لدليل على أن الحرب على "العصابة" متواصلة، على اعتبار أن الأرشيف هو أحد أهم الأدلة التي تفضح "الخونة" و"أذرع العصابة"، وقد يكون هناك محاولة للضغط على فرنسا مقابل تجاوزها على حساب "أذنابها" في الجزائر وكذلك التغطية على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر طوال مدة تواجده على أرضنا.
إن رفع السرية عن الأرشيف -وخاصة ما تعلق منه بالثورة الجزائرية -في هذا التوقيت بالذات، يستبعد جدا أن تكون عملية بريئة، لأن فرنسا عودتنا على ألا نثق في كل ما يصدر منها تجاه الجزائر ويستبعد كذلك أن تكون لأجل الباحثين الجامعيين، لأنهم بدون شك سيعرفون الحقيقي والمزور منه. جيل الاستقلال لم يعش فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر ولم يعش تحت قهر وظلم الاستعمار ربما قد تنطلي عليه أمور كثيرة، لكن الذاكرة الوطنية والمؤرخون الجزائريون يشهدون كلهم على بشاعة ووحشية الاستعمار الفرنسي لأرضنا.
عملية نقل الأرشيف الجزائري من الجزائر إلى فرنسا، بدأت خلال الثلاثي الأول من سنة 1961 بشكل سري ولأهداف غير معلنة، حيث أعطيت تعليمات لمحافظي الأرشيفات العاملين في الإدارة الاستعمارية بالجزائر، وتمت عملية الترحيل الأولى، بعدها بعام واحد سنة 1962 جاء قرار ثانٍ بنقل كل الوثائق المكتوبة بخط اليد أو المطبوعة مهما كانت الأهمية التوثيقية والتاريخية التي تكتسيها، وكانت الحكومة الفرنسية تقول إن السبب وراء ذلك إعادة تصويرها في فرنسا وحمايتها مؤقتا من التهديدات الأمنية لميليشيات "المنظمة السرية الخاصة" التي عارضت فكرة الاستقلال. لقد نقلت قرابة ستة أطنان من الأرشيف الوطني إلى فرنسا سنة 1961، من أرصدة وهران والجزائر العاصمة وقسنطينة، والذي كان يضم جميع أرشيف الجزائر بما في ذلك المتعلق بالفترة العثمانية في الجزائر. وللحفاظ على الوثائق الأرشيفية التي لا تزال شديدة الحساسية، "شرعت الحكومة الفرنسية في العمل التشريعي" من أجل تعزيز، قبل صيف 2021، "قابلية انتقال" الأرشيفات "دون المساس بالأمن والدفاع الوطنيين"، بحسب الإليزيه. علاوة على ذلك، فإن المعلومات المتعلقة بالتجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية في الستينيات ستبقى سرية، فبالنسبة للخبراء، لا ينبغي أن يؤدي فتح الأرشيف إلى اكتشافات كبيرة.
"إزدارن إن تييري سارمان" -مسؤول الأرشيف بمصلحة التاريخ للقوات البرية بمدينة "فانسان" الفرنسية -قد كشف عام 2003 أن الجيش الفرنسي عندما تيقّن برجحان الكفّة لصالح جيش التحرير الوطني الجزائري عمد إلى إتلاف كمية كبيرة من الأرشيف بحجة ضيق أماكن الحفظ، ويضيف قائلا: "أن قرار ماكرون اقترن بضرورة عدم الإخلال بالأمن والدفاع القومي لفرنسا".
ولن تسمح فرنسا مطلقا بكشف عملائها في الجزائر من بقايا "حزب فرنسا" كما يسمى شعبيا، ولن يكشف عن أبناء وأحفاد العملاء السابقين في دواليب الدولة الجزائرية، ولذلك لن يفيد في رأيي المتواضع فتحُ الأرشيف الفرنسي المجتمعَ المدني والمؤرخين والحقوقيين الجزائريين الذين يطمعون في ملاحقة فرنسا لجرائمها، لأنها لن تمنحهم دليل إثبات إدانتها، وما ستضعه بين أيادي الباحثين سيكون ثانويا مرتبطا بالأبعاد الثقافية والسياسية.
لقد عوّدتنا فرنسا أنها تحسب ألف حساب لكل خطوة تتعلق بالأرشيف أو الذاكرة، ففرنسا لن تبيع منْ خدموها في كل بقاع العالم وعلى مر العصور، هذه استراتيجية لا تزال تعتمد عليها في تطويع المستعمرات القديمة ... "الحقيقة، الاعتراف، التعويض" هذه العقيدة التي أوقفتها الإليزيه منذ تقديم تقرير "ستورا"، لتمنع "إيمانويل ماكرون" من مضاعفة الإيماءات الرمزية في هذا الاتجاه، بعد أن اعترف بالفعل بمسؤولية الدولة الفرنسية في مقتل ناشطين ثوريين -استاذ الرياضيات الشيوعي موريس أودين، ثم المحامي الوطني علي بومنجل -، بذل رئيس الجمهورية للتو جهدًا جديدًا لضمان أنه يدعو إلى "مصالحة الذكريات" عن الحرب الجزائرية.
لذلك على الباحثين والمؤرخين الجزائريين مناقشة أي مستجدات أو معلومات في إطارها الأكاديمي، بعيدا عن الصراعات والنزاعات التي تثيرها هذه الملفات الأرشيفية التي لن تكون صحوة ضمير للدولة الفرنسية بل تأتي بخلفيات اقتصادية، لحماية مصالح فرنسا في الجزائر، في ظل منافسة قوية مع الأطراف الصينية والروسية والأميركية.
ومن جهة أخرى أتمنى أن يفتح الأرشيف الوطني الجزائري أمام الباحثين ... فكثيرا من الوثائق الأرشيفية المتعلقة بثورتنا وبتقارير الولايات الستة ومداولات الحكومة المؤقتة وصراع صائفة 1962 على السلطة والاغتيالات التي انجرت عنها ما زالت ممنوعة على الباحثين.
الانتقال إلى دولة القانون والمؤسسات لا يتم إلا بعد تصفية تاريخنا مما لحق به من أوحال وأوساخ، وهذه مهمة المؤرخين وحدهم.
أعتقد شخصياً أننا سننخرط في حركة تحريرية هائلة في السنوات المقبلة، وهي حركة تهدف إلى تحييد كل الشوائب التي لحقت بتاريخنا الوطني، وإلا فلن نستطيع العيش بسلام مع بقية الشعوب في عصر العولمة الكونية، ولن نستطيع أن نحقق أية تنمية علمية أو سياسية أو اقتصادية وسوف نبدو نشازاً على خريطة التاريخ، وسوف يلفظنا الآخرون، كل الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف