الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السايبرفورمانس نحو مسرح رقمي عربي

حكمت الحاج

2022 / 3 / 14
الادب والفن


بيانات من أجل مسرح عربي جديد/

السايبرفورمانس أو فن الأداء السيبراني: نحو مسرح رقمي لما بعد الكورونا.. *

* حكمت الحاج (كاتب مسرحي وشاعر من العراق)


.. تشير مقالة حديثة نشرت في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية، إلى أن الانفجار الحالي للمسرح الرقمي والدعوة اليه في العالم أجمع، ما هو إلا مجرد وسيلة للاحتفاظ بالمكان القديم قبل أن نتمكن من العودة إلى المسرح الحقيقي. لكن هذا يتجاهل الاستجابات الإبداعية لفناني المسرح الذين أظهروا أن المسرح ليس مرتبطًا بشكل واضح بصالات العرض المسرحي. فوجود مبنى عام لارتياد المسرحيات المعروضة ليس ضروريا للأداء المسرحي ولا لانوجاد الفرجة وجمهورها.
كلنا يتذكر تلك هي الكلمة الصادمة التي سادت عام 2020، عام الجائحة، في كل مكان. "الإغلاق". ولكن في قطاع المسرح، لم تكن كلمة "إغلاق" تعني مدلولها الصحي المجتمعي الحكومي العالمي فحسب، بل كانت تعني بكل بساطة، إغلاق أبواب المسارح وطرد المتفرجين خارجها. ونظرا لبروتوكولات التباعد الاجتماعي التي تحظر التجمعات البشرية، استجاب صانعو المسرح بشكل خلاق لجائحة كورونا التي اجتاحت العالم كله، من خلال التحول إلى أنماط الأداء عبر الإنترنت والرقمنة وتدفق الوسائط التي تستخدم الراديو والهاتف والأجهزةالذكية. إنها خطوة شجاعة للانتقال عبر الإنترنت بالكامل، مع انتشار استعمال منصات افتراضية تعتمد برمجيات مثل زووم Zoom، وترانسميديا، وغوغل مييت، والأفلام الوثائقية للعروض السابقة، والدراما الصوتية، ولقطات العرض المسجلة مسبقًا، ودمج المسرح والرقص والفنون الرقمية الإبداعية، وها هي تفتح فهمًا أوسع لما يمكن أن يكون عليه المسرح ما بعد الكورونا.
وقد دفع ذلك الكثيرين للتساؤل: متى ستعود الحياة إلى طبيعتها؟ وكيف سيكون شكل "الحياة الطبيعية" بعد انقشاع الأزمة؟ 
ويرى البعض أن الحياة قد لا تعود كسابق عهدها على أية حال، لكننا قد نضع معايير جديدة للاعتياد على الحياة الطبيعية بعد الأزمة، حتى لو كانت مختلفة عما ألفناه قبلها.
ولكن ماذا نقصد بعودة الحياة إلى طبيعتها؟
تذكر لنا براندون أمبروزينو، في مقال نشرته على بي بي سي العالمية، ان الفيلسوف تشارلز سكوت قد قال في إحدى محاضراته أن كلمة "سوي" او "طبيعي" تنطوي على التسلط أو الحق في التمييز والتفريق. وتحولت الكلمة من مجرد وصف، إلى ادعاء الحق في تصنيف الآخرين.
وبحسب عالم الاجتماع ألان هوروفيتز، فإن البعض يعرفّون الطبيعي والمعتاد بأنه السمة التي يتميز بها معظم الناس أو السلوكيات النمطية التي يمارسها معظم الناس.
ويقول هورويتز، في تعريف ثان، إن بعض الناس يعرفّون "الطبيعي"، بأنه كل ما يوافق المعايير الواضحة والصارمة، أي أن السويّ هو المثالي.
أما التعريف الثالث للوضع الطبيعي أو السويّ بحسب هورويتز، فيفيد بأن السلوكيات السويّة هي التي تجعل الإنسان قادرا على البقاء على قيد الحياة في مجتمعه.
وفي ضوء هذه التعريفات الثلاثة، تقول أمبروزينو، ان ما يقصد بعودة الحياة إلى طبيعتها بعد انحسار وباء كورونا المستجد، أن يعود معظمنا إلى أنشطته المعتادة - بحسب التعريف الأول- لكن مجتمعاتنا ستتغير إلى الأفضل - بحسب التعريف الثاني- وستساعد هذه التغيرات على حماية مجتمعاتنا من الزوال - بحسب التعريف الثالث.
إذا، نحن نريد أن تعود الحياة كسابق عهدها، لكننا نريدها في الوقت نفسه أن تختلف قليلا عما كانت عليه. فنحن ندرك في قرارة أنفسنا أننا لن نعود إلى الصورة القديمة للحياة الطبيعية.
وقد يفترض البعض عند تعريف الوضع الطبيعي بأن نفكر في البداية في كل ما هو مطابق للمألوف، ليصبح معيارا نعرّف بناء عليه كل ما هو غير سويّ أو مخالف للمعتاد. لكن البعض سيجد صعوبة في العودة إلى حياته الطبيعية، خاصة الفنانين منهم، وبالأخص فنانو الأداء الحي ومشتغلو المسرح بشتى صنوفه، وحتى جمهور المسرح، سيصعب عليه العودة الى سالف ما اعتاد عليه من آليات وطقوس الالتحاق بالفرجة المسرحية، إذ لن يعود العالم بعد كورونا كما كان قبلها، مطلقا.
من هنا فقد آلينا على أنفسنا خوض غمار التفكير في هذه المعضلة، واستشراف الحلول لها، لكي لا نبقى مرتهنين في أنشوطة الانتظار، ولكي لا نتحول تحت ضغط ظروف الواقع، الى أسلوب العمل بالممكن المتاح على علاته، ريثما يعود الينا المستحيل القوي، او نعود إليه، مما لن يكون أبدا.
لقد تطلب هذا التغيير في كيفية أداء المسرح إعادة النظر في الأفكار القديمة حول ما يعنيه أن تكون عضوًا في جمهور المسرح وفاعلا في زمرة صانعيه. فكيف تغير الوصول إلى المسرح؟ وما هي الآداب المتوقعة؟ وكيف تغيرت أفكار الخصوصية والألفة، القرب والبعد، الحضور والغياب؟
في الحقيقة إنه، ومنذ أوائل الثمانينيات، بدأ استخدام الفيديو والأقمار الصناعية وأجهزة الفاكس وغيرها من معدات الاتصالات كطرق لخلق فنون الأداء والفرجة المسرحية. ومع تكييف أجهزة الكمبيوتر للاستعمال الشخصي في الثمانينيات، وظهور نظام التشغيل ويندوز 98 بواجهته الرسومية، ولدت إمكانيات جديدة لإنشاء اتصالات الأداء الفرجوي. وبدأ فنانون مثل شيري رابينوفيتش وكايت غالواي في الانتقال من التجارب السابقة الأكثر تكلفة مع الإرسال عبر الأقمار الصناعية إلى تجارب الإنترنت النامية بقوة. وفي أستراليا في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، قدم مسرح جولي مارتن للواقع الافتراضي أعمالًا في دار أوبرا سيدني، والتي تضمنت أول تجسيدات رقمية بشرية هجينة. فقد تم تقديم مسرحية وليم شكسبير الشهيرة حلم منتصف ليلة صيف عام 1996 وعرضتها مجموعة مسرح الواقع المعزز التي صممتها وأنتجتها شركتها.
وفي الواقع، كان العديد من الفنانين ينشئون أعمالًا مبتكرة عبر الإنترنت قبل فترة طويلة من انتشار الوباء، هنا وهناك عبر أنحاء العالم. ومع تفكير المسارح في العودة إلى المساحات المادية، يجدر النظر في كيفية تأثير التحول الرقمي على أعراف وسنن المشاهدة ودراسة التوقعات بخصوص ذلك في المستقبل. إن الأفكار المعاد التفاوض بشأنها وإعادة تصورها حول الوصول، والمجتمع، والتفاعل، الناتجة عن أحكام الضرورة، هي فرصة لإعادة التفكير في المسرح عموما. إننا نشدد على انه لا ينبغي أبدا تجاهل ما حصل وتداعياته حتى ولو كانت قريبة العهد، عند العودة إلى الحياة والأماكن العامة، ومزاولة الأنشطة كما السابق. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى التواصل، والانخراط في أنماط جسدية من الاهتمام وتجربة أنماط مجتمعية في مساحة مشتركة لا تزال قائمة. وبالنظر إلى أننا لا نعرف متى سيصبح الفيروس مرضًا يمكن التحكم فيه، أو ما إذا كان بإمكاننا توقع أوبئة مماثلة في حياتنا، فلا يمكن أن يستمر مفهومنا للعرض المسرحي كما كان قبل COVID-19. لذلك وجب على رجال المسرح ونسائه التفكير في حلول سريعة ومنطقية وممكنة التطبيق ضمن الحدود المتاحة لكل عائلة مسرحية حسب ظروفها المعاشة، وتحت ضغط قوانين السلط المهيمنة.
إننا ندعو هنا وبكل بساطة واختصار إلى الذهاب نحو اعتماد رقمنة الفعل المسرحي بشموليته، بدءا من التفكير والتخطيط والكتابة والتشخيص والتنفيذ والعرض، وصولا إلى خلق جمهور يتماثل والتصورات الرقمية الجديدة ببعديها التقني والخيالي الخلاق، واحتضان وقبول وتجذير مهن جديدة لم تكن موجودة حتى وقت قريب في المسرح الواقعي العياني. إن المسرح الرقمي Digital Theatre، أو الافتراضي Virtual Theatre، أو المسرح الديجيتال، أو المسرح عن بُعد، أو فن الأداء السيبراني Cyberformance السايبرفورمانس (تعددت الأسماء والمسمى واحد) هو: شكل من أشكال الفن المختلط، يكتسب القوة من قدرة المسرح على تنمية الخيال والتصورات والتهيؤات، وخلق تواصل بشري عبر الاستعانة بقدرات التكنولوجيا الرقمية على توسيع نطاق الاتصال والتصور المشترك.
يتم تحديد المسرح الرقمي بشكل أساسي من خلال التعايش بين فناني الأداء "الحي أو المباشر"، والوسائط الرقمية، في نفس المساحة غير المنقطعة مع جمهور متزامن. بالإضافة إلى ضرورة أن يكون الأداء "مباشرًا" ورقميًا في نفس الوقت، تتمثل الخصائص الثانوية للحدث في أن محتواه يجب أن يحتفظ ببعض الأدوار المسرحية التي يمكن التعرف عليها (من خلال الحد من مستوى التفاعل) وعنصر سردي للغة المنطوقة أو النص.
من هذه الزاوية، فإننا نرى ان تبني مصطلح السايبرفورمانس وما يستتبع ذلك من الغوص في فكرته الأساسية واستكناه طرائق عمله على "أرض الواقع بشكل افتراضي"، وبالتالي، خلق تصور جديد تماما لشكل العرض المسرحي المرتقب، وتقاسم هذا التصور مع فئة مبتكرة من المتفرجين لا يحملون أية افكار مسبقة مشككة بجدوى الرقمنة، بل ويرون في الانخراط في هذا الفعل المشهدي كل اللذة والمتعة التي كان يعد بها المسرح التقليدي، اي اللارقمي، نرى ذلك هو أنجع الأساليب لتجاوز محنة المسرح الحالية.
إن الشروط الموضوعية الأربعة لتوفر المسرح الرقمي بصيغة السايبرفورمانس، من وجهة نظرنا، هي:
اولا،
إنه أداء "مباشر" يضع على الأقل بعض فناني الأداء (المؤدين المسرحيين) في نفس المساحة المادية المشتركة مع الجمهور. وهنا يجب أن يستخدم الأداء التكنولوجيا الرقمية كجزء أساسي من الحدث الفني الأساسي.
ثانيا،
يجب أن يحتوي مضمون الأداء إما على لغة منطوقة أو نص سردي يمكن أن يشكل قصة أو حكاية معينة، مما يميزها عن الأحداث الأخرى والأنشطة التي يكون عمادها الرئيسي هو الرقص أو الاستعراض أو السيرك أو الموسيقى، والتي لا تعتمد اللغة المنطوقة كأساس في خطابها.
ثالثا،
الشرط التالي الضروري لإنشاء المسرح الرقمي هو وجود الوسائط الرقمية في الأداء. لا يتم تعريف الوسائط الرقمية من خلال وجود نوع واحد من الأجهزة التكنولوجية أو تكوين البرامج، ولكن من خلال خصائصها المتمثلة في كونها مرنة وقابلة للتغيير وسهلة التكيف وقابلة للمعالجة في الوقت الفعلي. إنها القدرة على تغيير ليس فقط الصوت والضوء، ولكن أيضًا الصور ومقاطع الفيديو والرسوم المتحركة والمحتويات الأخرى إلى بيانات يتم تشغيلها ومعالجتها وإعادة تكوينها والتي يتم ترحيلها أو نقلها فيما يتعلق بالدوافع الأخرى التي تحدد الطبيعة الأساسية للتنسيق الرقمي بما يوائم الخيال البشري.
رابعا،
إن المسرح الرقمي عبر أسلوب السايبرفورمانس يهتم في المقام الأول بالتزامن وبمستويات التفاعل الذي يجب يحدث بين الجمهور وبين المؤدين (فناني الأداء من ممثلين وغيرهم) كما يتم تأمينه من خلال التكنولوجيا الرقمية. وجدير بالاشارة هنا الى اننا نقصد بمصطلح "تفاعلي"، كل إتصال نشط حي أو متبادل، سواء أكان اتصالًا بين الإنسان والإنسان، أو بين الإنسان والآلة.
وليس من قبيل التكرار أن نعيد ونؤكد القول إن ما نقصده بمعايير الحصول على محتوى سردي من خلال اللغة المنطوقة أو النص كجزء من الحدث المسرحي، هو عدم تقييد نطاق ما يعتبر بالفعل مسرحًا قياسيًا (حيث توجد أمثلة في أعمال صموئيل بيكيت وهارولد بنتر وجون فوس إذ تكون حدود التعبير اللفظي هي حدود الفعل المسرحي برمته) ولكننا مضطرون للتمييز بين ما هو مسرح رقمي ندعو اليه، وبين ما هي مجالات أكثر تطورًا حاليًا، مثل فنون الرقص الرقمي وتقنية فنون الاستعراض المذهلة التي تستخدم التكنولوجيا الجديدة.
بيد إن هذه المعايير أو المحددات مرنة بما يكفي للسماح بمجموعة واسعة من الأنشطة المسرحية مع تحسين نطاق الأداء والانفتاح على شتى صنوف الحركة الجسمانية المترادفة للمنطوق البشري في فضاء لم ولن يعود حكرا على ما أطلقنا عليه طيلة حقب زمنية طويلة "خشبة المسرح" أو "الركح" بالتعبيرة التونسية المغاربية، وانما سيكون كل مكان يمكن تصويره ونقل الحدث المسرحي منه عبر بث مباشر متزامن مع الجمهور، هو الخشبة والركح.
من هنا أرى، ومن زاويتي المتواضعة كمؤلف مسرحي، إن ما يمكن عمله دون كلف عالية ودون شطط في توخي تكنولوجيا حديثة وأجهزة قد لا يمتلكها جلنا أو بعضنا، لبعض الوقت أو لكله، يتمثل فيما يلي:
_ على المؤلف المسرحي من الآن أن يراعي عدد الممثلين على الخشبة ومسافات الأمان فيما بينهم والتقليل جهد الإمكان من التقارب الجسدي.
_ على المخرج المسرحي الالتجاء الى جلسات الاستماع والتداول مع الممثلين والتقنيين عبر وسائط الإنترنت أو الهاتف او الراديو، وأن يعتمد التمارين وتدريب الممثلين بشكل تواصلي خطي مع كل عنصر على حدة باستعمال تقنية السكايب مثلا.
_ على الممثل المسرحي أن يفكر في سلامته الصحية ويدرس جيدا وضعه على خشبة المسرح والمسافات التي ستفصله عن باقي الممثلين والحركات التي سيؤديها، أو حتى ربما الأقنعة الصحية التي سيرتديها خلال تقديم العرض أمام جمهور خضع أساسا للبروتوكول الصحي، فلقد بدأت بعض عواصم المسرح في العالم تفكر في أقنعة خاصة للممثلين كحل مفترض لقادم الأيام.
_ على المنتج المسرحي أن يوفر عنصر تنسيق أو أكثر للربط المحكم ما بين فريق الإخراج وفريق التمثيل باستعمال الوسائط الرقمية الحديثة، وتقرير ما إذا كان العرض النهائي سيتم في مكان حقيقي كعرض متكامل، أم سيتم تسجيله وحفظه وبالتالي بثه على منصات رقمية معتمدة للغرض مثل يوتيوب وغيره.
إذن، ماذا سيحمل لنا المستقبل؟
يمكن أن يصبح التسجيل الذاتي هو المعيار في الاختبارات والكاستينغات، ويمكن أن يميل التدريب والبروفات نحو تفاعل المجموعات الصغيرة والكتل الأصغر. يمكن للمسرح التشاركي أن يغير شكله لتأدية العروض عبر ترانسميديا أي تدفق الوسائط وتقنية زووم كأدوات تشاركية. يمكن تطوير التقنيات التي تناسب لغة المسرح بشكل أفضل لتعزيز تجربة مشاهدة المحتوى المسجل مسبقًا. ويمكن أن تصبح التقنيات التي تمكّن من مشاركة فناني الأداء المتزامن في الواقع المختلط وعروض الواقع المعزز، متاحة بسهولة عبر الإنترنت. قد تتحسن تقنية القناع الكوروني، أي الماسك الطبي، للسماح للفنانين بمزيد من التعبير الصوتي واستجلاء الفروق الدقيقة، بينما يمكن أن تصبح تقنية معدات الحماية الشخصية أكثر تعقيدًا لتصبح جزءًا لا يتجزأ من تصميم الأزياء وتسمح بالتقارب ما بين الممثلين. ربما سيتم إعادة تصور هندسة المسرح للسماح بالجلوس حسب الطلب، مع مراعاة البرتوكولات الصحية.
في الأشهر الأولى للجائحة، عندما عرض المسرح الوطني في لندن، بطريقة البث الرقمي، مسرحية خادم سيدين من تأليف كارلو غولدوني، وهو مؤلف من القرن الثامن عشر، بلغ عدد المشاهدين المذهل قرابة المليونين ونصف المليون مشاهد على مدار أسبوع واحد فقط. وطبعا هذا لا يقارن أبدا بسعة الجلوس في مبنى مسرح عادي، مما لا يمكن أن يحلم به أي منتج مسرحي على الإطلاق. وتستشهد الباحثة المختصة في شكسبير، إيرين سوليفان، بتقرير مجلس الفنون في المملكة المتحدة المعنون "من الحياة إلى الرقمنة" للإشارة إلى إمكانات الأداء المتدفق عبر الإنترنت لزيادة وصول الجمهور إلى المسرح: "يبدو أن البث الرقمي يجذب أعضاء أصغر سناً وأقل ثراءً وأكثر تنوعًا عرقيًا من السكان". هذا الوصول المتزايد مهم بشكل خاص في ضوء الوعي المتزايد بعدم إمكانية الوصول إلى المسرح على نطاق أوسع. فقد تم إحراز بعض التقدم للترحيب بشكل أفضل بأعضاء الجمهور من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن القضايا المنهجية المتعلقة بالعنصرية والطبقية والقدرة على المنافسة تستمر في استبعاد العديد من المتفرجين المحتملين.
وفي هذا السياق، سياق رقمنة الموجود المسرحي وبثه عبر الإنترنت، قام مستخدمو تطبيق التواصل الاجتماعي Tik-Tok في أواخر 2020 بالتعهد الجماعي لإنشاء مسرحية موسيقية على أساس فيلم ديزني الشهير "راتاتووي" الذي انتج عام 2007. فقام أحد مستخدمي تيك توك بإنشاء أغنية كوميدية قصيرة تكريماً لريمي، الشخصية الرئيسية في الفيلم، قام المستخدمون بعد ذلك بإعادة مزج مقاطع الفيديو وإضافتها إلى بعضها البعض لتصور موسيقى كاملة، بما في ذلك التصميم الرائع وتصميم الرقصات والمزيد من الأغاني. تم بث عرض تقديمي افتراضي للحفل، من إنتاج Seaview Productions، لمدة 72 ساعة على TodayTix بدءًا من يناير 2021 لصالح The Actors Fund. جمع الحفل ما يقارب المليون دولار لصالح صندوق إعانة الممثلين الذين فقدوا أعمالهم خلال الجائحة.
وكعودة الى مؤيدات تاريخية موثقة، نقول، ان الاستخدام المبكر للأجهزة الميكانيكية وأجهزة العرض للترفيه المسرحي له تاريخ طويل يرجع إلى ميكانيكا اليونان القديمة والفوانيس السحرية في العصور الوسطى. لكن يمكن رؤية أهم سلائف المسرح الرقمي في أعمال أوائل القرن العشرين، وذلك في أفكار فنانين عظام على غرار إدوارد غوردون كريغ (ذلك الذي ناصب شكسبير وموليير العداء والازدراء) وإروين بيسكاتور (وبدرجة محدودة برتولد بريشت في عمله على المسرح الملحمي) وجوزيف سفوبودا وتيار الباوهاوس عموما، وحركة المستقبليين الروس، حيث يمكننا أن نرى أقوى الروابط ما بين الدعوة اليوم الى رقمنة المسرح، وبين النزوع المسرحي التجريبي في وقت سابق، والاستعانة بممثلين غير بشريين، وتكنولوجيا البث، والإسقاطات السينمائية.
يوفر وجود هؤلاء الأسلاف المسرحيين الذين يستخدمون الوسائط التناظرية، مثل الإسقاط السينمائي، جسرًا بين المسرح والعديد من تجارب الاتصال بأداء الفن المعتمد على الكمبيوتر اليوم. وتعزز هذه الأمثلة المذكورة لمسرحيين كبارا أدمجوا تقنيتهم ​​الحديثة مع المسرح التقليدي، الحجة القائلة بأن الفرجة أو الترفيه المسرحي لا يجب أن يكون إما نقيًا يشمل ممثلين "بشريين" فقط على خشبة المسرح، أو أن تستهلك الفعل المسرحي وسائل الإعلام التلفزيونية المهيمنة بتفاهتها وسطحيتها. ولكن يمكن أن نستفيد من نقاط القوة في كلا النوعين من الاتصال.
يمكن تضمين السايبرفورمانس "Cyberformance" ضمن هذا التعريف للمسرح الرقمي، حيث يتضمن جمهورًا قريبًا: "يمكن إنشاء عروض من هذا النوع وتقديمها عبر الإنترنت بالكامل، لجمهور موزع عبر الإنترنت، يشارك عبر أجهزة كمبيوتر متصلة بالإنترنت في أي مكان في العالم، أو انه يستطيع أن يفعل ذلك. سيتم أيضا تقديم عمل السايبرفورمانس إلى الجمهور القريب وليس البعيد فقط (مثل المسرح المادي أو مكان العرض) مع ظهور بعض أو جميع الممثلين المؤدين عبر الإنترنت، أو يمكن أن يكون مزيجًا من النهجين، مع كل من المتفرجين و/ أو الممثلين، عن بعد وعن قرب".
لا يوجد مسرح السايبرفرمانس في فراغ. إنه نوع من الأداء الرقمي، وقد يستوعب العديد من أنواع المسرح "الحي" بما في ذلك "مسرح الواقع الافتراضي" و"مسرح الكمبيوتر"، ومع ذلك، فإن مصطلحات مثل "مسرح سطح المكتب" باستخدام تجسيدات الكمبيوتر المتحركة في غرف الدردشة عبر الإنترنت دون حضور جماهيري مشترك، تصنف خارج المسرح الرقمي، وربما في فئة أكبر من الأداء الرقمي. وبالمثل، قد يقع الرقص الرقمي وفنون السيرك خارج حدود المسرح الرقمي، إذا لم يكن يحتوي على عناصر سردية حكائية أو نصوصا من الكلمات المنطوقة. كذلك لا يتم تقسيم المساحة بواسطة واجهات صلبة مرئية مثل الجدران أو الشاشات الزجاجية أو غيرها من الحواجز المرئية التي تفصل الجمهور بشكل ملموس عن مساحة التمثيل، مما يجعل غرفتين (أو أكثر) بديلا مناسبا أفضل من مكان متصل يحوي المسرح والجمهور.
ومن زاوية الجمهور او المتفرجين، يُقترح أن يكون الحد الأدنى من الجمهور مطلوبا من شخصين أو أكثر لمنع الأداء من أن يكون محادثة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. في حالة وجود جمهور إضافي عبر الإنترنت أو عبر وسيط مثل زووم او غوغل مييت، يحتاج موقع واحد فقط إلى وجود جمهور/ مؤدٍ مشارك.
يمكن استخدام التكنولوجيا الرقمية لإنشاء المحتوى أو معالجته أو التأثير عليه. ومع ذلك، فإن استخدام التكنولوجيا في الإرسال أو الأرشفة لا يشكل عرضًا مسرحيًا رقميًا.
ملحوظة أخيرة مهمة بخصوص الماسك الطبي أو القناع الكوروني، وعلاقته بفناني الأداء، والمسرحيين من ضمنهم بطبيعة الحال، تندرج تحت ما بات يصطلح عليه الآن في أوروبا "معدات الحماية الشخصية". فلأجل السماح لفناني الأداء بالعودة للأداء العام مرة أخرى أثناء الوباء، بدأت مجموعة متنوعة من المنظمات في تطوير وتسويق معدات الحماية الشخصية المتخصصة. وهكذا تم صنع مجموعة متنوعة من الأقنعة المتخصصة للمغنين أولا. إذ يمكن شفط أقنعة القماش التقليدية في الفم أثناء الأداء وإخماد أصوات فناني الأداء، لذلك تحتوي أقنعة المغنين الجديدة على بنية سطحية وداخلية توفر مساحة مترجرجة مع إبقاء القماش بعيدًا عن الوجه. كما تم إنتاج أقنعة أخرى لموسيقيي آلات النفخ النحاسية بما في ذلك مكونات لتغطية أجراس الآلات حسب الحاجة. وابتكرت العديد من مدارس الموسيقى ومعاهدها بروتوكولات تتعلق باستخدام معدات الحماية الشخصية كجزء من عودتهم إلى الحرم الجامعي.
أخيرا،
نحن كثيرًا ما نسمع أننا نعيش في عالم "ما بعد الحقيقة". وفي جميع أنحاء العالم، يراهن السياسيون عديمو الضمير والانتهازيون الفاسدون، على شعور الناس بالارتباك أو الإحباط لدرجة أنهم يغلقون أعينهم عن الظلم والقسوة والفقر، ويقدمون المسرح، عبر قرارات غلقه، قربانا على مذبح الواقع بحجة المرض والجائحة. لكننا اليوم نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تنوع الأصوات وتنوع الألوان وتنوع الرؤى وتنوع الأفكار. إننا نحتاج الى المسرح. العرض مستمر رغم كل شيء.
............
(انتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-