الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلف المقدس ونظام عائلة الأسد

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2022 / 3 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هو برأيك السبب في عدم تدخل الولايات المتحدة وحلف الناتو بأي شكل ذي تأثير أو معنى في دعم الشعب السوري في ثورته ضد نظام عائلة الأسد، واقتصارها على المحاربة على أرض سورية بدم الشعب الكردي المظلوم تاريخياً، وقصف صواريخ كروز لغايات إعلامية دعائية بين الفينة والأخرى؟

مصعب قاسم عزاوي: لا بد بادئ ذي بدء من استعادة المسلمة التاريخية المتعلقة بأن الولايات المتحدة ومن لف لفها من توابع وأذناب على شاكلة حلف الناتو والدول المنضوية فيه، لم تكف في أي لحظة تاريخية عن إجهاض أي فعل ثوري حقيقي يهدف إلى إضعاف هيمنة المستبدين على المستضعفين في أي من أرجاء الأرضين، وأن أي انتصار ظاهري قد يبدو للمراقب غير المدقق بما تقوم به الولايات المتحدة وأذنابها من دعم للثورات هنا وهناك، فهو متلازم مع واقع عدم تمكنها من حماية ذاك الطاغية أو المستبد السابح في فلكها، وهو ما يستدعي استبداله بغيره في مسرحية ظاهرها الاستجابة للإرادات الثورية الشعبية، وباطنها ذرائعية مغرقة في بؤسها مفادها أن انتهاء صلاحية بيدق ما يستدعي استبداله بغيره دون التصريح بذلك؛ والأمثلة التاريخية على ذلك كثيرة أهمها حكاية سفاح إندونيسيا سوهارتو، وما لم يبتعد عنها كثيراً في مسرحية دعم ثورة يناير 2011 المصرية، ودعوة الطاغية حسني مبارك للتنحي آنذاك. وهي دعوة أثبت التاريخ، مخاتلتها وشرها المستبطن في غلافها المعسول الذي تم تجريعه للشعب المغلوب على أمره، وقليل الخبرة السياسية ليس لعلة فيه، وإنما لتصحر سياسي مزمن أنتجته النظم العسكرية التي استبدت بأمره منذ استقلاله عن مستعمريه؛ مما أفضى لتسليم مفاتيح الثورة لنفس الطغمة العسكرية التي أكلت الزرع والضرع في مصر، معيدة إنتاج نظام الطغيان والاستئساد على الشعب المستضعف المظلوم بشكل أكثر بؤساً وعسفاً بحق الشعب المنتفض، حتى خيل للكثير من أبنائه بأن انتفاضته لم تكن إلا انتكاساً سلبياً في مستوى حياته البائسة من قبلها ومن بعدها على حد سواء.
وفيما يتعلق بالمسألة السورية، فإن التوصيف الأكثر صوابية هو عدم تدخل الولايات المتحدة أو أي من أذنابها لنصرة الشعب السوري المظلوم؛ لأنها مدركة بأنها لا يمكن لها إيجاد طاغية أفضل يتم تفويض أمر تدجين الشعب السوري لعسفه البربري المنقطع النظير، وهو ما أسهم ويسهم في توطيد المصالح الأمريكية في المنطقة عبر تحييد الشعب السوري وقدراته من أي مواجهة محتملة مع الكيان الصهيوني، والذي يمثل قاعدة متقدمة للولايات المتحدة في المنطقة. وهو النظام السوري الذي لا زال يقبض ثمن تسليمه الجولان السوري على طبق من ذهب هدية دون قيد أو شرط أو قتال للكيان الصهيوني خلال حرب نكسة يونيو في العام 1967، حينما كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع آنذاك. وتمثل ثمن الخيانة العظمى تلك بإطلاق يد نظام الأسد الفاشي لاحتلال المجتمع اللبناني لاحقاً منذ العام 1976 بمباركة ضمنية من الولايات المتحدة لوأد التيارات الوطنية التقدمية التي كانت تعتمل في لبنان، وخاصة وأد منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما قام به النظام السوري بامتياز منقطع النظير.
وضمن نسق الدور الوظيفي للنظام الأسدي في تحجيم وقمع البعبع القومي الذي طالما أرعب الولايات المتحدة وهدد مصالحها الاستراتيجية في غير موضع من أرجاء المعمورة، وكثيراً في المنطقة العربية إبان الحقبة الناصرية، وما استتبعها من تأرجحات زلزالية كادت أن تؤدي بنظم النواطير في شبه الجزيرة العربية السابحة في فلك أولي أمرها في واشنطن وأرباب المحافظة على استقرار أنظمتها، يمكن استحضار دور النظام السوري المتلبس بلبوس قومي فاشي متنكس اسمه «حزب البعث العربي الاشتراكي»، وهو نفس اللبوس الذي كان يتلبس به نظام الطاغية صدام حسين، والذي لم يمنع نظام الأسد من الانقضاض على نظام ذاك الأخير إبان حرب الخليج الأولى، لعدم تفويت فرصة نظام الأسد من نصيب نهش آكلي الرمم لمفاعيل تدمير العراق مجتمعاً وبنية تحتية وإعادته إلى مرحلة العصور الوسطى.
وبالإضافة إلى كل الأدوار السالفة الذكر التي لا تجد الولايات المتحدة وأذنابها خيراً من نظام عائلة الأسد لتوطيد وحماية مصالحها في المنطقة، لا بد من عدم تناسي الدور الاستثنائي الذي لا ينقطع لنظام عائلة الأسد، حتى ضمن أعقد مراحل الثورة السورية الأخيرة، في ضمان توريد ما يوصمون بأنهم «إرهابيون» إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية، والتي هي بأمس الحاجة لهم لأجل تبرير الميزانية الضخمة التي تبتلعها من دافعي الضرائب في الولايات المتحدة، عبر ملء صفحات وسائل الإعلام المحلية بشكل لا ينقطع عن القبض على إرهابي هنا أو هناك حتى أصبح الإرهاب كابوساً مخيماً على كل حركات و سكنات المواطنين الأمريكيين على الرغم من أن حوادث السيارات أو جرائم إطلاق النار العشوائي أو المتعمد تقتل في الولايات المتحدة سنوياً أضعافاً مضاعفة عما فقدته الولايات المتحدة بكل ما تسميه من حوادث إرهابية في العقدين الأخيرين. وكما هو الحال دائماً تقوم وكالة الاستخبارات الأمريكية بحشر كل من تتصيده وتصنفه في خانة الإرهاب دون أي محاكمة عادلة أو غير عادلة في معسكرات اعتقالها السرية والعلنية المنتشرة في أرجاء الأرضين، والتي تمثل وحدات محيطية لإدارة عملياتها القذرة على المستوى الكوني، وهو ما وثقه بشكل منقطع النظير في حرفيته الصحفي المجتهد Scahill Jeremy في كتابه المهم «الحروب القذرة». والحقيقة المرة أن الكثير من المعتقلين في قبضة الولايات المتحدة، هم بشر بسطاء قامت سلطات الدولة الأمنية السورية بالتغرير بهم بإيهامهم بمخططات خلبية للذهاب إلى العراق أو أفغانستان لحرب «الصهاينة المجرمين» ليتم بعد اكتمال عملية الإيقاع بهم اصطيادهم، وتعليبهم، وشحنهم من خطوط تصنيعهم وتصديرهم في الفرع الداخلي التابع لإدارة المخابرات العامة في دمشق، و هو ما يعني في الواقع بأن أولئك الأخيرين لا يعدون سوى «ضحايا مغرر بهم»، إذ أن وعي النضال ضد الأمريكان والصهاينة وعي شعبي متأصل في وجدان كل المجتمعات العربية بشكل كثير أو قليل لا يمكن إخفاؤه وهو ما تفنن النظام السوري باستغلاله شيطانياً للتغرير ببشر مساكين لتحويلهم وقوداً للآلة الجهنمية الأمريكية ومصالحها ومصالح وكلائها في المنطقة التي لم ولن تجد خيراً من نظام عائلة الأسد للمحافظة على استقرارها وديمومتها. والمثال العياني المشخص الذي يؤكد بشكل لا يقبل الدحض تلك الحقيقة الأخيرة يتمثل في أن نظام عائلة الأسد، وعلى الرغم من متاجرته بالدماء الفلسطينية واللبنانية في محرقة الجعجعة القومية الفاشية بهدف تحرير «فلسطين المحتلة»، فهو النظام السوري الحامي الأسمى لاستقرار الحدود الشمالية للكيان الصهيوني، والضامن لعدم إطلاق طلقة واحدة عابرة من الحدود السورية تجاه الكيان الصهيوني. وهو ما كان الحال عليه منذ تسليم السفاح حافظ الأسد للجولان كما أشرنا إليه آنفاً وحتى اللحظة الراهنة، مروراً بكل منعرجات الثورة السورية المظلومة، التي لم تكن لتجد نصيراً حقيقياً لها نظراً لذلك الحلف المقدس وغير المضمر بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ونظام عائلة الأسد، وهو الحلف الذي لخصه رامي مخلوف ابن خال الطاغية بشار الأسد، وخازن بيت مال عائلة الأسد إبان انطلاق الثورة السورية بقوله إن «ضمان أمن إسرائيل مرتبط بضمان استقرار نظام عائلة الأسد»، وهو الكلام المبين الذي لا يحتاج تأويلاً بعد أن قطعت بلاغته وإفصاحه كل الشك بأبشع و أرذل اليقين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م


.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته




.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات


.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران




.. ما أسباب استعداد بولندا لنشر أسلحة نووية أمريكية على أراضيها