الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قذائف الديمقراطية تسقط على الصحفيين

حيان نيوف

2003 / 5 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


      مشهد الديمقراطية واسع ويتسع إلى درجة أن الكثيرين من الممثلين يمكن أن يقدموا أدوارهم بدقة متناهية .ولكن ماذا يمكن أن نقول عندما يتحول هذا المشهد إلى دراما تغلب عليها مسحة تراجيدية تختلف عن تراجيديا وليم شكسبير حيث يموت البطل بالسم أو كضحية للخيانة؟!. هنا  تسقط تحت الضوء تراجيديا من نوع آخر ، إنها التراجيديا التي تختم مسرحية كان كاتبها يعتزم أن يختمها بالديمقراطية الرومانسية الحالمة حيث يمكن للجميع أن ينعم بالهناء . ما أن يحاول الصحفي في عالمنا العربي الخروج والإفلات من مصيدة الرقابة والتخلص من الشبح الذي يستظل بظل قلمه ليبتلع أية كلمة غير مألوفة أو غير موجودة في القواميس التقليدية المعروفة ، حتى ينتظره شبح آخر يبتلعه نهائيا إلى غير رجعة . ظروف الصحفيين تزداد تعاسة، وربما نصل إلى وقت يقشر فيه هذا الصحفي/الصحفية قلمه ليأكله مثل الموز نتيجة الفقر رغم كثرة الأخبار ، فهذا يعود لاحتكار الخبر واحتكار العمل وتكوين عائلات إعلامية بدلا من أن يكون هناك تعددية إعلامية للجميع.إنه لمن البديهية والكاريكاتورية في نفس الوقت أن يؤكل الصحفي بعد اصطياده مع عدسته وقلمه بقذيفة أو أن يأكل هو قلمه بعد فقر جعل منه مبدعا ولكن في زمن اغتيال الإبداع .
      لو أردنا الحديث عن الصحفيين الذين سقطوا جرحى وقتلى في العراق سنشكل قائمة ، ولكل اسم في هذه القائمة حكاية ، وكل حكاية تؤكد أن العالم بات كريها مع ازدياد رغبة الإنسان ألا يكون إنسانيا . ميشيل كيللي،مراسل صحيفة الواشنطن بوسط ، وقع ضحية في قناة مائية وتيري لويد مراسل القناة الدولية تعرض لإطلاق نار من قبل قوات أمريكية جنوبي العراق . كذلك سقوط صحفيين في كردستان العراق واحد من ألمانيا والآخر إسباني .كما سقط مراسل قناة الجزيرة القطرية طارق أيوب ، أردني من أصل فلسطيني ، وجرح مرافقه المصور زهير  . سقوط هؤلاء الصحفيين على أيدي القوات الأجنبية دفع الكاتب البريطاني روبرت فيسك إلى التهكم من تفسيرات القوات الأمريكية لمقتل الصحفيين بقذائفها ، ووصف تصرفات القوات بأنها "قصص زاخرة بالأعمال البطولية " .

      وكالة رويترز للأنباء راحت ضحية للقصف ، وهي تتخذ من الطابق الخامس عشر من فندق فلسطين مقرا لها ، وأدى ذلك إلى إصابة مراسلتها اللبنانية من أصل فلسطيني سامية نخول،وهي زوجة مراسل صحيفة الفينانشال تايمز ديفيد جاردنر، وجرح الصحفيين البريطاني باول باسكال والأوكراني تارس بروتسيوك . وسقوط صحفيين في مناطق أخرى من العراق ، وكله يعكس حالتين : الحالة الأولى هي مخاطرة هؤلاء الصحفيين للوصول إلى سبق صحفي أو نقل الصورة الحقيقية ، والحالة الثانية أن القذائف الهابطة على الصحفيين كانت تنفجر ويخرج منها غول كبير يأخذ الصحفيين إلى مكان مجهول بعيدا عن أوطانهم وأهلهم والجهات التي عملوا معها ، ولأول مرة نرى ونسمع كيف تقتل قذائف "الديمقراطية"! .
      وكما أصبحت الفيروسات القاتلة تهاجم المواقع الإلكترونية في أنحاء كثيرة من العالم ، أصبحت القذائف تشق طريقها بسهولة بالغة دون رادع إلى الصحفيين الذين إن لم يجدوا رقابة يابسة العقل فإنهم بالتأكيد يقعون تحت نوع أخر من الرقابة التي تقص الشريط والبث وتزهق الروح . كنا نزداد فرحا عندما نسمع عن ازدياد المؤتمرات التي تناقش قضايا الإنسان وهمومه في هذا العالم ، ولكن يبدوا كلما ازدادت هذه المؤتمرات كلما ازداد عدد الضحايا . وما أن ألقى المفكر والمنشق الأمريكي البارز نعوم تشومسكي خطابا أمام إحدى المؤتمرات الدولية وقد تحدث فيه كيف نواجه الإمبراطورية الأمريكية ، حتى  بدأت الحرب وهي الآن قد انتهت... لكن نهايتها كانت مناسبة دائمة لتذكرنا وتذكر عائلات الصحفيين بأبنائهم الذين سقطوا في العراق ، وقد عادت كاميراتهم وأقلامهم دونهم حيث رحلوا بعيدا إلى عالم يجدون فيه الحرية والحب والإنسانية أكثر من عالمنا هذا .يقال في النقد الأدبي أن النص أو المشهد لا يشد القارئ إلا عندما يزداد صعوبة ، وهنا يزداد مشهد الاعتداء على الصحفيين صعوبة وكارثيّة من حيث كثرة المعتدين على الصحافة والصحفي/الصحفية واختلاف مشاربهم ، مثل : جماعات المخدرات في أمريكا الجنوبية ، أو تزاحم الدكتاتوريات في القارة الإفريقية ،حرب الخليج الثالثة ، ومقص الرقابة في العالم العربي .في العالم العربي يمكن أن نوحد الكلمة حول تفعيل الرقابة ، ولكن لا يمكن أن نوحد الكلمة حول النهوض بالمجتمع وربطه بالحداثة والتطور . كذلك وسائل الإعلام العربية تكون أحيانا كثيرة ضحية لطريقة عملها ، وعلى سبيل المثال حتى الآن هناك اعتماد كبير على " الصحفي " وليس " الصحفية " حيث نشاهد أن دور الصحفية يقتصر على قراءة نشرة أخبار أو قراءة الأحوال الجوية ،ويحتكر الصحفي المقابلات الهامة مع السياسيين والسفر لتغطية أحداث دولية مهمة . وهذا يدل على ضياع الصحفي /الصحفية بين "ديمقراطية" تحمل الموت معها أو مجتمع تسلطي ليس قادرا حتى الآن أن يعامل الصحفية كما عامل ويعامل الصحفي .إن التفريق "العنصري" بين الصحفي والصحفية في عالمنا العربي دفع الكثير من الصحفيات إلى كتابة تقارير صحفية من الفنادق أو من غرف النوم بعيدا عن الحدث . يدفعنا التمييز الواضح بين الصحفي /الصحفية إلى التساؤل عما إذا كانت وسائل الإعلام العربية، الغير القادرة أصلا على تحقيق المساواة بين الصحفي والصحفية ،أن تواجه مقص الرقيب بشجاعة أو تواكب الحدث بحياد ونزاهة ؟!
      واخيرا أدى مقتل هذا الصحفي أو الصحفية إلى مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية: سياسية لأن الحديث سيطول عن هذا النوع الجديد من الديمقراطية وكذلك حقوق الصحفيين المهددة ، واقتصادية اجتماعية لأن ذوي الصحفي المقتول تخسر معيل الأسرة من جهة ، ومن جهة أخرى يكبر أطفاله وهم يسمعون ، وللأسف ، أن أمريكا هي التي قتلت أباهم ،وسيصعب علينا أن نشرح لهؤلاء الأطفال أن تمثال الحرية .. ونعوم تشومسكي .. والجماعات المدنية والأهلية والشعراء لا علاقة لهم بمقتل آبائهم .  

حيان نيوف
كاتب سوري 
سوريا
00963 41 810568     








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس