الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجليات البعد النفسي في (الرقص بلا رياح) للروائية العراقية ولام العطار

طالب عمران المعموري

2022 / 3 / 15
الادب والفن


كلمات انزاحت مثل ريشة طاووس ملونة تسبح وسط فراغ تدور داخله ريح .. بوح و منولوج داخلي فيه وجع وهموم الذات النسوية ونحن نتلقى رواية الرقص بلا رياح للروائية ولام العطار في طبعتها الاولى الصادرة عن دار الصحيفة العربية ،2021 .
تجليات البعد النفسي في الرواية الذي ينحصر في الشخصية المحورية سواء من حيث شكلها الخارجي او طبيعتها سواء كانت (نمطية ، نامية ، رئيسية ، ثانوية) كذلك الصور والالوان التي تحتويها، والاسقاطات النفسية التي تعج بها فصولها الستة التي جاءت بدون عنونة اكتفت بتسلسلها الرقمي، يتجلى الصراع النفسي في المتن الحكائي عندما بدأت الذات الساردة تتناقض مشاعرها وأحاسيسها، وحدوث صراعا ذاتيا مشوباً بالتأزم النفسي يمكننا قراءته عن طريق جمع المتناقضات في ثنائيات ضدية انتجها العامل النفسي المأزوم وهي تشكو الفقد والغياب صراع ينتاب الذات المعذبة تجاه الاخر الذي نلمح اثاره النفسية وابعاده :
" تشنجت أعماقي نافضة عثوق أحزانها كان تمرا عذب المذاق احسسته يتحول بين يدي الى ديدان سود ما لبث أن زحفت مبتعدة قلت بصوت تعمدته طيعاً
- لا ادري؟!" 1
(الرقص بلا رياح)
عنونة بلغة انزياحيه شعرية ذات بنية اسمية تعلن ظهورها وكينوناتها ،وهي ذلك الخيط الرابط والطعم الاستدراجي وثقل الاغراء والأستوقاف لإيقاع القراء في شركها ، فيه تفرد وابداع وقوة جذب ، "انزياحا قائما على مخالفة الطريقة العادية او المتوقعة في التعبير"2عنونة تكشف عن تخطيط مسبق وقصدية وان اختيارها ليس فطريا او اعتباطياً انما تلخص افكار الذات وفلسفتها.
تتربع العنونة فوق لوحة كتاب يبدو فيها هيئة بشرية يأخذ شكل فضاء يسبح فيه راقصا انسان متناهي في الصغر امام سعة هذا الكون، ذلك الجرم الصغير الذي انطوى فيه العالم الاكبر انما يعبر عن سعة العقل البشري وما يحمله من هواجس وافكار وذكريات وقد يقترب المعنى التأويلي للوحة للعنونة ( الرقص بلا رياح) ذا الدلالة الفلسفية والمتأمل في مفردة (الرقص) التي تنحى الى المعنى الفلسفي الصوفي الذي يسمى احياناً (رقص سماع ) ويكون بالدوران حول النفس والتأمل وهو نوع من التأمل الحركي يهدف الى غياب العقل في سبيل احياء الروح كما يقول جلال الدين الرومي( ان الارواح التي تكسر قيد حبس الماء والطين وتتخلص منها تكون سعيدة القلب فتصبح راقصة في فضاءات عشق الحق فالأجساد الراقصة لا تسأل عن ارواحها ولا تسأل عما ستتحول اليه)
"أدق دفوف ابتهاجي فيدور جسدي راقصاً خفيفاً مثل نسمة فجر، اشعر بالود والسعادة تخترقان روحي فاضرب الارض ، وأدور وأضربها وأدور وببطء تصطدم عيني بوجه المرأة العابس التي كانت تحدق بي من خلال المرآة" ص81
وكذلك يتوافق مع الاستهلال في تناص يتقدم عالم روايتها تناص للشاعر الفرنسي هنري ميشو الذي عرف باستمالته الى التصوف المسيحي الذي انتهى به المطاف إلى عَيْشِ تجربته الرّوحيّة، «الباطنيّة» 3
" لا تكترث لأكثر من مصطبة واحدة
فكل شيء سيكون على ما يرام
مصطبة في جوف السماء
مصطبة صدار...
واحدة ولا زيادة
واحدة أنثوية واحدة"ص7
اعتمدت الروائية انماطاً من السرد عن طريق السارد المشارك ، والسير ذاتية (المرأة ) استثمرته كأداة للتعبير عن رؤيتها الذاتية، يجتمع في حياة البطلة وتقف على مواطن متعددة من الذات الانسانية وخطاب الروح والوجدان والتعريف بعالمها الداخلي كالبيئة الاجتماعية وعلاقة الام بابنتها وعلاقة البنت بأمها والكشف عن التجارب العاطفية " و لذاتية النسائية " في طريقة التفكير والشعور وادراك الذات والعالم الخارجي .
بديعة الشخصية المحورية التي اتخذتها كبؤرة مركزية في سردها
حيث تعبر عن الذكريات الاليمة وتطرح افعالها ومشاعرها
استهلت الرواية بتساؤلات وبوح نفسي من الشخصية المحورية السارده (بديعة ) التي تبدو كأنها تعاني من ضغوط نفسية التي فصلتها عن الواقع وانهكت نفسيتها..
" ذات يوم قلت لنفسي
ما الذي يجعلني أبوح بما أعرف؟!" ص9
وفي مقطع سردي آخر تعبر عن حالات التساؤلات في فلسفة الحياة :
"فتعالت مطارق الاسئلة مثيرة في اعماقي دوياً هائلا ما لبث أن اسقط مدن قناعتي وأحال أعماقي الى انقاض وخرائب كنت اشعر بخفافيش الليل تجوب وحدتي طاقة مثيرة فزعي ، لماذا تفور قدور أحلامي ؟!ص9
وقد ترى الشخصية المحبطة لا جواب لتساؤلاتها، ومن جراء ذلك العامل النفسي نستشف من خلال المقطع السردي ان (بديعة) وهي تتصفح وجوه الاحبة وتحزن لغيابهم وفقدهم تنبئ احاديثها الاستبطانية عن نفسيتها المتعبة وحالاتها النفسية المتقلبة وهي تعيش حالة وحدة وعزلة
" الهث خلف وحدتي الجموح"
" ما معنى ان تكون بنت وحيدة متوجعة ؟؟"
" كانت غرفتي العزلة الوحيدة الممكنة الاستمرار " ص80
نقلت هذه الحالة من خلال لغة سردية متداخلة مع لغة شعرية من خلال الحوار الداخلي ، يتضح لنا من خلال مدخل الرواية انها تنحى في افساح المجال لحضور الذات المتكلمة واسماع صوتها وهو توجه ينطوي على دلالات كثيرة ، ساهم في "جعل الخطاب الروائي مذوتاً اي قابلا لأن يفتح كوى عديدة في المسار السردي ، اذ، هو أي التذويت، مجال يتيح النقد ويسمح بفضح القيم وتعرية الاقنعة التي تحصن المبتذل عبر اطلاق الكينونة وترهين دورها"4
ومن خلال ضمائر السرد والانتقال من الداخل الى الخارج من ضمير المتكلم(أنا) الذات الى ضمير الغائب هو الذي يحيل على الموضوع ف(الأنا) مرجعية (جوانية ) في حين (الهو) مرجعية برانية :
" لا أدري لم يعشقن النسوة الاولاد ما دمن يتعذبن من أجلهم كل هذا العذاب، ما أن تلد المرأة طفلاً حتى تراها تسعى جاهدة للحصول على الآخر وكأن ثمة سباقاً بينها والزمن.." ص51
الحوار الداخلي
وظفت الروائية في نصوصها السردية تقنية الحوار الداخلي كآلية سردية لمشاهد درامية ، وعلى امتداد السرد وحالة البوح الذي استرسلت فيه شخصية (بديعة) وعرض حالتها وهي تطلق قريحة بوحها بحرية في استرجاع ذكرياتها الدفينة وسرد احداث تعبر عن انفعالاتها ومشاعرها تجاه ما واجهت من الحوادث ذلك التداعي الحر في افراغ جميع مكنوناتها وصراعاتها المضمرة والواعية
نلمس من خلال لغة الحوار رصد ملامح الذات المتشظية ويفصح عن فكر الشخصية وهو من الاساليب الفنية التي تضيء الجانب الباطني للشخوص وهي تقنية استعملتها الروائية لتمرر من خلالها اقوالها التي تعذر عليها البوح بها بصوتها وهذا ما يسميه "ميخائيل باختين" الكلمة الحوارية كونها حاملة لصوتين الاول هو الصوت المتخفي الذي يمثل مقاصد الكاتبة ، اما الصوت الثاني فهو صوت البارز الذي يمثل وعي الشخصية المتكلمة بلسانها.
" من أنا غير رحلة بدأت بحلم وانتهت بحلم !! دروب سلكتني محفوفة بالمخاطر ، شربت مياه الانتظار طويلا وغدوت مجرد ارض بور لا يلتفت اليها أحد خراب ازلي يسكن وسط خراب ، بماذا يمكن ان اجيب والامهات دوارق الاحزان أو من حقي أن أملأ دورق روحها بأحزاني وأجعله يفيض؟! ص126
الزمكان
عنصر الزمن الذي يتشكل في كل موقف وفي كل لحظة لأنه الاطار الحافظ للعناصر الاخرى وهو من الوحدات الاساسية الاولى في بناء الرواية " فكل رواية هي في مجموعها تمثل لحظات زمنية مشبعة بالأحداث ومتصلة بعضها ببعض" 5
وهذا يعني أن فضاء الزمن يرتبط بالحدث ارتباطا وثيقاً فلا يمكن ان يتشكل الحدث الروائي بدون بنية الزمن ولا يغفل ارتباطها بالمكان وهذان البعدان هما عنصران اساسيان
حين مطالعتنا رواية (ولام العطار ) الرقص بلا ريح شهدنا عنصر الزمن وكيف وظفتها في السرد حيث وظفت تقنية الاسترجاع عن طريق المونولوج وهي عملية سردية تتمثل في رجوع السارد للماضي بتقنية التذكر التي تتداعى على شكل انثيالات سردية او ما يسمى (فلاش باك)
"رأيت في عمق ذاكرتي خطوات جعفر وهي تترك أثرا فوق رمال مواجعه كان يبتسم لي ، ويلوح لكنه مثل قمر في ليلة ماطرة سحبته الغيوم لتجعل منه مجرد ذكرى وعطر يمر رسمت انفسي جناحين وطرت اليه باحثة عن الامكنة.." ص33
نلمس ان للرواية علاقة خاصة ترتبط بين الزمان والمكان من ناحية والزمان والشخصية من ناحية اخرى وبين حاضر الشخصية وماضيها يتجلى ذلك في مفرداتها وعباراتها التي ترمز للزمن ابتداءً من مدخل الرواية :
" ذات يوم قلت لنفسي
ما الذي يجعلني أبوح بما أعرف؟
فمفردة (اليوم ) وكل المفردات التي تعبر عن الزمن وكل ما له علاقة بالتشكيل السردي للزمن والمرتبط برؤية الكاتبة وتعدد صيغ الزمن في النص السردي، فحركة القطارات واصواتها تارة تعبر عن العمر او الحضور والغياب او الفقد
" القطارات مواقيت ديمومتها " الذهاب والمجيءً
الغائب عند ولام العطار حاضراً أما في المتخيل أو في الحلم أو في الواقع فهو اما ان يكون هارباً من السلطة او شهيدا في الحرب،
انتظار الغائب هاجس أم بديعة ( في انتظار زوجها في الحرب ) او الابن
وفي هذه الحالة يقع العبء والمعاناة على بديعة وأمها
" ضاع جعفر لا أدري أين ، واي الطرقات المظلمة سرقته مني ؟! ص72
شخصية (جعفر) الاخ المقرب (لبديعة) ، ودوره في تعليمها وزيادة وعيها منذ طفولتها خلال الحكايات عن المدن والوجوه والبحار ..
" وانا هكذا يا جعفر .. لا استقر عند مكان واحد .. أحس بألفة مع الاشياء والامكنة ولكني وببرود ارفض الانتماء .. حتى أحسكم غرباء عني ولا يربطني واياكم سوى هذه الحجرة التي لا اعرف كيف جئتها !!" ص39
تحاول الشخصية (بديعة ) الخروج من ضيق المكان و السوادية و البكاء
الى فضاء اوسع من خلال التنقل في الوجوه والصور التي تستحضرها في عالمها والتي تتأرجح بين الحضور والغياب في الغرفة :
" تمتد الاصابع الرقيقة اللطيفة مثل طين صوب الفضاء المصبوغ بالسواد فيشتعل المكان تطالعني الوجوه الباسمة المشدودة بحبال عنادي الى الجدار فاسمع صوت أمي يبكي ، قد عرفت أن لي أماً ما رأيتها ضاحكة ، تمنيتها تشبه صور النسوة الساكنات معي " ص13
اعتمدت الروائية اللغة التعبيرية التي تنطلق من الذات وتعود الى الذات مشتغلة على لغة البوح وكشفها عن مواطن عطبها الانثوي والهواجس التي تسكن اعماقها واشكال وجعها ومعاناتها بصوت السارد المشارك وضمير المتكلم مستثمرة تقنيات الحلم والتداعي والرجوع الى خزين الذاكرة
مواضع الانزياح التي خرجت بها الروائية في اللغة عما هو مألوف ومعتاد فتظهر لنا الابعاد الجمالية وتبرز لنا براعتها في اختيار عناصرها اللغوية بطريقة خاصة لتجسيد تجربتها الروائية
الرواية طافحة بالانزياحات الاسلوبية منحتها القدرة على حمل رسالة انسانية عكست تجربتها الروائية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا