الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا حدث في أسيوط ؟ عن الحركة الطلابية المصرية في عام 1972

بشير صقر

2022 / 3 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لاحظت خلال السنوات السابقة – وخلال الحلقات السابقة من صالون زين العابدين فؤاد الثقافي – أن بعض المتحدثين - من السادة الزملاء الذين شاركوا في الحركة الطلابية المصرية التي اندلعت في الجامعات منذ العام الدراسي 71/ 1972 وما بعده - لاحظت نوعا من التركيز علي عرض التفاصيل التي حدثت بمواقعهم الجامعية التي ارتبطوا بها .. أكثر من الميل للحديث الأشمل عن مجمل الحركة.

ربما بسبب طول الفترة الزمنية التي انقضت منذ تفجرها والتي من الطبيعي ألا تحتفظ الذاكرة بشأنها إلا بالأحداث الهامة والبارزة والوقائع التي شارك الزملاء فيها أكثر من غيرها..
وربما لأن الحديث عن مجمل الحركة في كل الجامعات المصرية كان يتطلب إلماما بتفاصيلها وهو مالم يجْرِ الانتباه له أو تداركه في سنوات قريبة من توقيت تفجر الأحداث بها ، وربما اعتيادا علي عادة مصرية قديمة تتمثل فى أن الأحداث الجديرة بالانتباه وبالتالي بالتسجيل .. هي أحداث مدينة القاهرة .. أحداث المدينة المركزية.. رغم أن مينا وحّدَ الأقطار المصرية منذ قرون.
مما قد يحيل الحديث في مجمله إلي مجموعة من التفاصيل وعدد من الروايات المتنوعة ، تُغرق المستمعين في ثناياها.

وتلافيا لذلك.. فإن تقديري- لاستكمال الحوار عن بقية الجامعات - أن ينطلق الزملاء من الأسس والمحاور التالية :

1-طبيعة السياسات التي اتخذتها الدولة والإجراءات التي اتخذها الطلاب في إدارة الصراع بينهما.

2-القضايا المثارة ( كالقضية الوطنية وتحرير الأرض المحتلة ، قضية الديمقراطية ، القضايا الاجتماعية خصوصا المتعلقة بمعيشة الشعب..إلخ ) وأيها كانت له الأولوية والوزن النسبي الأعلي في التناول في مجلات الحائط و المؤتمرات السياسية التي عُقِدت ، و الحوارات الدائرة في حلقات النقاش بممرات الصحافة.

3 -تطور الحركة داخل الجامعة وداخل كلياتها المختلفة من حيث : الأساليب والأدوات
المستخدمة ، ومدى استعدادها للتلاحم - أوالتحامها الفعلي - بطبقات اجتماعية أخري.

4 -مدى تعاطف الشارع معها ومن أي فئات اجتماعية أو مناطق جغرافية علي وجه التحديد ولم ..؟

5-المطالب المحددة التي تضمنتها الحوارات في ممرات الصحافة والمؤتمرات والشعارات
المرفوعة في البيانات السياسية ، والمظاهرات الطلاابية داخل الحرم الجامعي وخارجه، ودورها
في تصاعد الحركة أو تراجعها.

واستنادا لهذه الأسس أو المحاورأحاول الإلمام بالصورة الإجمالية والأشمل للحركة، ولذا سأتحدث عن الحركة الطلابية بأسيوط في الحدود التي توفرت لي إبان وجودى هناك – معلما للأحياء والكيمياء – بأحد معاهدها التعليمية .. حيث نقلتُ إليها في يونيو 1971 .. مبعدا عن محافظتي المنوفية وكفر الشيخ لأسباب سياسية.

•أبدأ حديثي بأن الحركة الطلابية تفجرت بداية في جامعة القاهرة وتحديدا في كليات الهندسة ، والاقتصاد والعلوم السياسية ، والآداب ، والطب البيطري، وانتقلت لبقية الكليات كالزراعة والطب، وطب الأسنان ،والعلوم، والتجارة.. وغيرها.

أيضا امتدت - خلال فترة قصيرة - لجامعة عين شمس ، وجامعة الإسكندرية، وكانت هذه الجامعات الثلاث هي السهم الذى حمل رأسُه مهمة تفجير الحركة السياسية الطلابية في مصر احتجاجا علي مماحكة و تلكؤ النظام الحاكم وأجهزته في تحرير الأرض المحتلة في يونيو 1967 وفي تجاهله لوعوده التي أعلنها بأن يكون عام 1971 هو عام التحرير والحسم.


•وقيام هذه الجامعات الثلاث بمهمة تفجير الحركة الطلابية ربما يرجع لكونها تحظي بعدد وافر من الطلاب السياسيين من مختلف التوجهات أو لكونها أقدم الجامعات المصرية ، أو لأنها تحمل رصيدا من تقاليد الكفاحات الوطنية الأقدم وتتحمل أعرقُها - جامعة القاهرة – إرثا تاريخيا ومسئولية أدبية ومعنوية فى قيادة النضالات الوطنية .

•هذا وكانت هناك جامعات أخري كأسيوط والأزهر ، والمنصورة وبعض الجامعات الإقليمية الأخري كالمنوفية وطنطا التي لم تكن قد بلغت توسعها الحالي بدأت فيها الحركة امتدادا وصدي للجامعات الثلاث الأقدم.


•من زاوية أخري وللحقيقة كانت اتحادات الطلاب الرسمية تضم عددا من الطلاب الوطنيين وذوى التوجهات الديمقراطية واليسارية والناصرية وكان بعضهم قد دفعت به القاعدة الطلابية ممثلا لها في اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة التي تشكلت لقيادة النشاط الطلابي في يناير 1972.


•وفيما يتعلق بانخراط جامعة أسيوط في صفوف الحركة الطلابية فقد اتخذ المسار التالي:

1-أنها بدأت كصدى واستجابة للحركة الطلابية في جامعة القاهرة ، ثم اتخذت - في غمار النشاط - مسارا مميزا أملته طبيعة الصراع مع النظام الحاكم و إدارة الجامعة من ناحية، والسياسة التي وجهت ذلك الصراع من ناحية أخري.
وقد انعكس ذلك علي تطورها واتساعها وكذلك علي جملة الإجراءات المشتطة التي اتخذتها الدولة وواكبت – فيما بعد - محاولات فض الحركة الطلابية بأى شكل.

2-ففي منتصف الأسبوع الثالث من يناير 1972 قام عدد محدود من طلابها –
لايتجاوز أربعة - بزيارة لجامعة القاهرة قبيل انتقال مركز قيادة الحركة إلي قاعة الاحتفالاات الكبري بجامعة القاهرة ، حيث اطلعوا علي تطورات الأحداث من خلال تنقلهم بين عدد من الكليات كالهندسة والآداب والعلوم السياسية والطب البيطري، والالتقاء بعدد من قياداتها والتعرف علي أرائهم فيما يدور.


3-العودة إلي أسيوط بعد ثلاثة أيام ونقل مشاهداتهم وموجزا لحواراتهم التي أداروها في القاهرة لزملائهم في أسيوط وخصوصا في كلية الهندسة التي كانت تضم العدد الأكبر من العناصر النشيطة والواعية مقارنة ببقية كليات الجامعة .

4-وحيث كانت أخبار مداهمة أجهزة الأمن لجامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية قد انتشرت كالنار في الهشيم فقد توترت أجواء الجامعة،.
ولذا اتفق الطلاب علي الشروع في بدء النشاط ، وإعداد بعض مجلات الحائط المزمع إصدارها في كلية الهندسة تحديدا ، وصار ذلك مسموعا للكثيرين حتي لقطاع من أهالي المدينة ومنتدياتها التي يدرس أبناؤهم في الجامعة عموما وكلية الهندسة تحديدا..

5-وفي بحر أيام قليلة اشتد زخم الحركة وانتقلت عدوى تعليق مجلات الحائط وحلقات النقاش حولها من كلية الهندسة إلي كليات أخري كالزراعة والطب والعلوم.. وهكذا.

6-هذا وانخرط في النشاط اليومي عدد من أعضاء اتحادات الطلاب ، وتعاطف مع الحركة بعض أعضاء هيئات التدريس بالكليات خصوصا فى العلوم والطب والهندسة والتربية ومنهم د. فتح الله الشيخ ، د. زهير نعمان ، د. عصمت ، د. سيد عبد الرسول ، أ. مصطفي بهجت.

وهنا نشير إلي أن القبض علي قادة الطلاب بالجامعات الثلاث الأقدم وإغلاق مقراتها ووقف الدراسة بها منذ فجر 24 يناير 1972 .. كان هوالخطوة الأخيرة في سياسة العنف التى اتخذها النظام منذ أول لحظة لتفجر الحركة ، علي الرغم من انحياز بعض الأساتذة والعمداء وجانبا من أعضاء اتحادات الطلاب للحركة .. بما يعني أن تلك الميول كانت مجرد مواقف شخصية لأصحابها وليست سياسة النظام الرسمية المحددة سلفا .

7-وقد توقف الإعلام الرسمي عن الحديث عن الحركة الطلابية إمعانا في التعتيم عليها ؛ بينما كان الشارع يتناقل أحداثها في الجامعات الأخري.
ونظرا للتوسع والتطور الواضح الذى طبع الحركة في أسيوط ولأن المسافة الزمنية بين بداية الحركة فيها.. وبين مداهمة الجامعات الثلاث والقبض علي قادة الطلاب بها لم تتجاوز 7 – 10 أيام ؛ لم تشكل تلك الفترة انقطاعا محسوسا وذا بال.. عن الرأي العام .
باختصار كان لاندلاع الحركة في أسيوط ومعدلات تناميها المبهرة الفضل في استئناف الحركة التي بدأت في القاهرة والإسكندرية وأوقفها النظام بإغلاق الجامعة واعتقال قادتها .. حيث كان النظام يعتبر أن فضها في الجامعات الثلاث بمثابة القضاء عليها في المجال الجامعي ، لكن توأمها الذي ظهر في أسيوط بث الحياة في الحركة عموما ووصل ما انقطع ، بل وبدا كوليد له أسنان منذ أيامه الأولي.

وقد ظلت الحركة متوهجة لا تنطفئ حتى بدأت الامتحانات آخر العام الدراسي ( 71 / 72 ) .. ولم يُطمئن إدارة الجامعة علي انحسار الحركة سوى بدء الامتحانات ودفع الطلاب لمغادرة المدينة بقطارات مجانية - إلي الوجه البحري والقبلي - تقبع في محطة السكة الحديد منذ اليوم الأول للامتحانات.

وهنا تبرز الاستفسارات الآتية :
أولا : هل تطابقت سياسة النظام الحاكم في مواجهته للحركة الطلابية في الوجه البحري وأسيوط؟

والإجابة تتلخص في :
استخدم النظام سياسة العنف مع الجامعات الأقدم ( القاهرة ، عين شمس ، الإسكندرية ) من أول لحظة ، بينما استخدم الأسلوب السلمي مع جامعة أسيوط في البداية ( العام الدراسي 1971 / 1972 ) ثم عاد سيرته الأولي مستخدما العنف في العام الدراسي 1972 / 1973 .

وعلي ما يبدو أن تخليه المؤقت عن العنف في تعامله مع أسيوط سببه النتائج الضارة التي حصدها من سياسة العنف التي تعامل بها مع الجامعات الأقدم والتي جاءت معاكسة لما كان يتوقعه وهو القضاء علي الحركة في مصر قضاء مبرما. وربما يكون سببه تصوره أن جامعة أسيوط - التي لم تشهد نشاطا سياسيا أو نقابيا ملموسا قبل ذلك - لن تحتاج لنفس الجهد والمعاناة التي بذلها في مواجهته للجامعات الأقدم ومن ثم استسهل استخدام المواجهة السلمية التي تمثلت في مناظرات سياسية من كوادره من أساتذة الجامعة ومسئوليه السياسيين مثل حسين الشافعي وسيد مرعي. باعتبار أن المواجهة السلمية لن تُحدِث نفسَ الضجيج والضوضاء الذي جري في القاهرة والإسكندرية .. لكنه بوغت بأربع مفاجآت :

الأولي: كفاءة الطلاب السياسية وحججهم القوية في تفنيد ادعاءات النظام بشأن قضايا الحل السلمي وتحرير الأرض بالسلاح.. وإدراكهم لمنطق الحرب الشعبية .. ولكثير من الأمور السياسية المحلية والإقليمية والدولية .. وإدراكهم لما يمهد له منظرو النظام وإعلاميوه من حرب لتحريك الحل السلمي .. وتأييد القاعدة الطلابية أو قطاعات منها لذلك الفهم بالشعارات التي رفعوها في مناظرتهم مع سيد مرعي .
وقد تضمنت مجلات الحائط انتقادات شديدة اللهجة لما روّجه محمد حسنين هيكل في مقالاته الأسبوعية بصراحة وجريدة الأهرام حيث قال بنص كلماته في الربع الأول من عام 1969 : [ إن معركة بيننا وبين العدو .. يَسقُط له فيها ما بين 10 آلاف وعشرين ألف جندى ، لها من الأبعاد المادية والمعنوية ما هو كفيل بإزالة آثار العدوان ] وهو ما أشعر الطلاب وكوادر النظام في لحظة واحدة بقوة منطق الطلاب وثقلهم.. ورفع معنويات الطلاب لعنان السماء إثر مشاهدة حجج النظام تتهاوى واحدة تلو أخري أمام منطق قادتهم القوى.

الثانية : يقظة الطلاب وحساسية قرون استشعارهم و وهو ما مكنهم من التقاط خبر الرشوة التي قدمها نائب رئيس الجمهورية ( الشافعي) للأساتذة فور دخوله لجامعة أسيوط ، حيث تم كشفها علي صفحات مجلات الحائط أمام الطلاب .. قبل أن يبدأ الشافعي مناظرته معهم بعدة ساعات.

والثالثة : قدراتهم الإدارية والتنظيمية التي مكنتهم من إرجاء مناظرة سيد مرعي مرتين ، ومن ثمتحكّمهم في تحديد موعد المناظرة في المرة الثالثة من خلال إصدارهم بيانين سياسيين منسوخين- آلاف النسخ بخط اليد والكربون- وتوزيعهما علي مباني المدينة الجامعية والجامعة دون كشف شخص واحد ممن خططوا ونفذوا المهمة .. حيث لم يصل خبرها لإدارة الجامعة أو لأجهزة الأمن إلا بعد أن قرأها جمهور الطلاب علي جدران الجامعة.. وهو ما أطار صواب المسئولين عن الأمن في الجامعة والداخلية.

والرابعة: مشاركة الفتيات لأول مرة في المواجهات السياسية ، حيث هتفت إحدى الفتيات في مؤتمر سيد مرعي لتفسر تضامن الجموع الغفيرة من الطلاب مع الحركة الوطنية ومع قادتهم :
[ كل الناس دى معانا لمبدأ // للنهاية ومن المبدأ & الإنسان إللي له مبدأ // ما بيتاجر ما بيسترزق & الإنسان الثاير يبدأ // ما بيستني الظروف تبدأ ] .
علاوة علي الدور البطولي الرائد لطالبات كلية الطب في إجراء الإسعافات الطبية للمصابين إبان الصدامات الدموية مع أجهزة الأمن في العام الدراسى ( 72 / 73) بالقرب من سكن الطالبات.
خلاصة القول استخدم النظام الحاكم المواجهة العنيفة مع الجامعات الأقدم في القاهرة والإسكندرية منذ البداية ، بينما استخدم المواجهة السياسية مع طلاب أسيوط عام 71 / 72 ثم انقلب عليها مستخدما العنف في العام التالي 72 / 73 ..

ثانيا : ما هي طبيعة الكفاح الجماهيري وماهي القضايا المثارة وأوزانها التي كانت محلا للنقاش في المؤتمرات و ممرات الصحافة الجامعية..؟

تمثل النشاط الجماهيري للطلاب عموما في إصدار مجلات الحائط ، وفي حلقات النقاش ، والبيانات السياسية ، والمسيرات الطلابية داخل الجامعة ، والتظاهرات داخل الجامعة وأحيانا خارجها ، والشعارات المكتوبة والهتافات، وبعض النشرات التي تصدر إبان الأحداث الهامة.. علاوة علي دور بعض لجان الأنشطة والأسر التي كانت قائمة قبل اندلاع الحركة الطلابية وبعضها كان مرتبطا بالاتحادات الطلابية.

وفي أسيوط كانت القضايا .. (الوطنية ، والديمقراطية ، والاجتماعية والاقتصادية) مطروحة للنقاش وفي مجلات الحائط متجاورة، ولم تتقدم القضية الوطنية علي بقية القضايا إلا بخطوة واحدة باعتبارها المفجّر والمحك الأول للصراع بين النظام وحركة الطلاب.

بينما في كثير من الجامعات الأخري وبناء علي تقديري ومشاهداتي لم يكن الوزن النسبي للقضايا الثلاث متقاربا بل حازت القضية الوطنية علي الجانب الغالب سواء في مواد الدعاية و التحريض أو في حلقات النقاش.

كذلك لم تكن الدعاية السياسية والتحريض فى جامعة أسيوط تبرزان أن النظام لن يحارب بقدر ما ركزت علي أنه يسعي للحل السلمي .. وهو ما أثبته الواقع بحرب محدودة تمهد الطريق لمائدة المفاوضات.. وأنه - أى النظام - يتجاهل تماما ما يسمي بالحرب الشعبية وإعداد الشعب وتسليحه تحوطا لأية مفاجآت قادمة.

ثالثا : ماذا عن مركزة الكفاع الجماهيري في الجامعات المصرية..؟

عندما زار بعض طلاب جامعة أسيوط جامعة القاهرة في الأسبوع الثالث من يناير 1972 وتجولوا في عدد من كلياتها شعروا – رغم التوجه المشترك للدعاية السياسية والتحريض السياسي- أن كل كلية تتخذ مسارا مستقلا مقارنة ببقية الكليات فالهندسة غير الآداب ، وكلاهما غير الطب البيطري ، وأيضا غير الزراعة وهو ما لم يكن موجودا في جامعة أسيوط .

ففي أسيوط كان المراقب المنصف يشعر بسيمترية واحدة في كليات الجامعة وكان الفارق بين الكليات مقتصرا علي مستوى الدعاية والتحريض وعلي كفاءة المشاركين.. لكن المسار كان واحدا.

ومن الطبيعي أن تلك السيمترية والمسار الواحد يتحققان بمركزة الكفاح في الجامعة و من ثم في رفع مستوى الوعي في صفوف الطلاب وبالتالي في النتائج التي تسفر عنها المعارك التي يتم خوضها.
وكانت ضآلة عدد الفرق السياسية المتواجدة بأسيوط منسوبة للوضع في الجامعات القديمة سببا آخر ساهم في تيسير مركزة الكفاح وتوابعه.

رابعا : لماذا عاد النظام للعنف في العام الدراسي 1972 / 1973 ( المطاردات البوليسية ، مجالس التأديب، الفصل من الجامعة ، قتلي وضحايا الأحداث )..؟
أنظر الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=584044 ( من ذكريات الطفولة والشباب ،حلقة 5 – رحلة إلي الصعيد - بشير صقر ).

وباستئناف الدراسة في العام التالي تأجج الوضع في جامعة أسيوط خلال فترة قصيرة ، وساعد على ذلك لجوء النظام للعنف وتخليه عن المواجهة السياسية . وقد تجلي ذلك التخلي في الآتي:

•في الأيام الأخيرة من العام ( 71 / 72 ) أوفد النظام د. أحمد كمال أبو المجد ( وزير الشباب والداعية الإسلامي) .. إلي أسيوط ، ليس لعقد مؤتمر طلابي بالجامعة - كما حدث من د. عبد المجيد عثمان، وحسين الشافعي نائب الرئيس ، وسيد مرعي رئيس البرلمان - بل لعقد لقاء شبه سرى بعيدا عن الجامعة وطلابها مع الجماعات الدينية. وقد علم أحد الطلاب بخبر اللقاء ومكانه .. فتوجه إليه علي الفور وحضره .. وتيقن من صحة الخبر وأدرك خلال الاجتماع أن الجماعات لم تستجب لتحريض ممثل النظام - ليس لأنها ضد ذلك التوجه - لكن لانشغالها الواضح بشئ أهم ؛ وعلي ما يبدو أنه كان التحضير والإعداد لعملية التوحد فيما بينها.

•وكانت الخطوة الثانية في مسار العنف شروع أجهزة الأمن في القيام بعمليات حصار
وتحرش بقيادات الطلاب بمراقبات لصيقة واستفزازية ( ص. ع ) وإعداد كمائن للاعتداء علي الطلاب ( ط. ي) .. وهو ما جعل الأجواء محتقنة في الجامعة .

•هذا وتم استنفار قيادات أخري وتقديمها لمجالس تأديب أسفرت عن فصل اثنين منهم فصلا نهائيا ( ص. ى) & ( أ. ع ) ، وفصل أربعة آخرين سنتين ( م.م. ي) و( أ. ب ) و( ط . ي ) و ( أ. ك ) .. وشكل ذلك الإجراء الضربة الكبرى الأعنف لمسار الحركة .. ليصبح كلُّ ما أعقبه من تطورات ( كالتظاهرات والصدام مع قوات الأمن والضحايا من قتلي وجرحي والاعتقالات العشوائية) تحصيل حاصل .
مما أحال الوضع في الجامعة إلي حالة حرب غير مُعْلنة . أنظر الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=584044( من ذكريات الطفولة والشباب –حلقة 6 – الرحيل إلي جرجا –بشير صقر )

•اجتاحت المظاهرات الطلابية الجامعة احتجاجا علي مجالس التأديب وفصل قيادات الحركة، وسيطر الطلاب تماما علي الجامعة واحتلوا كلية العلوم واتخذوها مركزا للقيادة نظرا لوضعها الجغرافي الذى يتوسط كليات الجامعة.. واختفي عملاء الأمن وإدارة الجامعة.. بشكل كامل.

•وفي مؤتمر طلابي ضخم اتخذ الطلاب قرارا بالاعتصام في مقر كلية العلوم احتجاجا علي مجالس التأديب والفصل من الجامعة. وحيث أصبح دور إدارة الجامعة غائبا تماما برز دور أجهزة الأمن التي أحالت الشوارع المحيطة بالجامعة إلي ساحة قتال وكر وفر مع تظاهرات الطلاب التي حاولت الخروج إلي شوارع المدينة أكثر من مرة . وفي إحدى عمليات الكر والفر انقلبت إحدي سيارات الشرطة الجيب وبها العقيد عبد العزيز حبيب إلي جوار سائقه فأصيب الضابط بكسر في الحوض توفي بعدها بشهور متأثرا بإصابته.


•وحيث جن جنون أجهزة الأمن لإصابة الضابط.. ولأن اقتحام الشرطة للجامعة كان مقامرة كبرى؛ لأنه لو حدث لأسفر عن مجزرة لن تنجو الشرطة منها.
فقد لجأت إدارة الجامعة لفض الاعتصام باستدعاء الأستاذ يوسف عبد الحافظ والد الطالب صلاح يوسف وطلب منه د. حمدى النشار رئيس الجامعة إقناع نجله وزملائه المعتصمين معه بفض اعتصامهم.. وباءت محاولة الأستاذ يوسف بالفشل .. وانتهى الأمر بتسرب أعداد كبيرة من الطلاب خارج الجامعة وتقلص أعداد المعتصمين مما أدى لأن يفض الطلبة اعتصامهم ؛ وبالتالي جري توقيفهم وترحيلهم لسجن أسيوط علي ذمة قضية طلاب أسيوط.


•ومنذ اعتقال قيادات الطلاب لم يكن لأهالي أسيوط - في منتدياتها ومقاهيها وتجمعاتها ودواوينها ومصالحها الحكومية - من حديث سوى عن احتجاجات الطلاب و ما دار في الجامعة من مجالس تأديب وفصل لبعض الطلاب ومسيرات ومظاهرات صاخبة في بعض شوارعها وخاصة محيطها .. وأسهم الموظفون القادمون للمدينة من خارجها والذاهبون لأعمالهم في ضواحيها في نقل تلك الأخبار مطعمة " بتحابيش" شعبية إضافية تتعلق بالافتخار بأبنائهم من ناحية وتتسق مع جو الإثارة المختلط بهوائها من ناحية أخري.

خامسا : بأي ثمن ولأية حدود كان النظام مستعدا للقضاء علي الحركة الطلابية وقادتها..؟

•اوضح إصرار الحركة الطلابية علي الكفاح - من أجل تحرير الأرض المحتلة ، وانتزاع الحريات السياسية والنقابية، والحقوق الأساسية لحياة كريمة تستجيب لتطلعات واحتياجات الشعب وتستأصل معاناته - أن إعادة الطلاب لسابق عهدهم من الخضوع والمسالمة والانصراف عن السياسة أقرب إلي المستحيل، وتجلي ذلك بجلاء في محاولات الطلاب الالتحام بالجماهير خارج أسوار الجامعة.. فقد تمكنت إحدى تظاهراتهم من الوصول إلي قلب المدينة ومنه إلي شارع الجمهورية - عبر المنفذ - حتى وصلت لكلية التربية وهناك تصدي لها الأمن ومنعها من مواصلة السير، بينما وصلت تظاهرة أخري إلي منطقتى كوم عباس والمجاهدين وهما من الأحياء الشعبية القديمة، وفي الحالتين اختلط جمهور الشارع بالطلاب تضامنا معهم ودعما لمطالبهم.


•وفي المسافة الواصلة بين ميدان الميْدُوب ( منطقة شعبية ) ومحطة السكة الحديد توجد إحدى دور السينما.. ولحظة خروج المشاهدين منها سمعت حوارا دائرا بين مجموعة من الشباب تفصح هيئتهم ولهجتهم بأنهم حرفيون .. ووصل لمسامعي صوت أحدهم .. يقول لزملائه : أرأيتم كيف واجه صلاح يوسف العصابة ..؟ لم أصدق أذني .. لذا واصلت السير خلفهم لأتفهم بدقة.. عم يتحدثون..؟ . رد شاب آخر: لقد قتل نصفَهم .. وانسحبت البقية. ويقول ثالث : لقد كان صلاح نائما.. وهكذا. وقد استخلصت من هذا الحوار التلقائي لبعض الأهالى البسطاء كيف يتصورون صلاح يوسف أحد قادة الطلاب، وكيف يُسقِطون عليه أحلامهم، إنهم يتشوقون إلي بطل من بينهم يمثل تطلعاتهم ويحقق آمالهم .

•من ناحية أخرى أفادت بعض المصادر الموثوقة أن محمد عثمان اسماعيل أمين الاتحاد الاشتراكي بأسيوط وراعي الجماعات الدينية بالصعيد وحامي حماها.. كان يدير المعركة ضد طلاب الجامعة بالتنسيق مع أجهزة الأمن وإدارة الجامعة وجماعة الإخوان المسلمين متمثلة في ( د. خالد عودة ) الأستاذ بكلية الهندسة وهو نجل الراحل عبد القادر عودة أحد أبرز قادة الجماعة في الخمسينات . وقد صار محمد عثمان بعد شهور محافظا لأسيوط ثم وزيرا فيما بعد ، وأنه إبان وجوده في الاتحاد الاشتراكي بأسيوط حرّض أحد أعضاء الاتحاد الاشتراكي ( من مركز البدارى) علي اغتيال ا صلاح يوسف.. لكن عضو البدارى تهرب من المهمة.

هذا وفي العام الدراسي 73 / 1974 بدأت أسراب الجماعات الدينية في الظهور بعدد من الجامعات مسلحة بالسلاسل والجنازير والأسلحة البيضاء لتداهم الطلاب في ممرات الصحافة في محاولة لوقف نشاطهم بالعنف.
•وفيما بعد جرت محاولة مُحْكمة من الجماعات الإسلامية بأسيوط لقتل صلاح يوسف وتمكنت فعلا من اصطياده وإصابته إصابات بالغة ، لكنه نجا من الموت بأعجوبة بعد لجوئه للمستشفي.

لقد كانت جامعة اسيوط المفرخة التي انتجت الجانب الأعظم من مناضلي الصعيد ولم (تخلو) محافظة من محافظات الصعيد من قيادتين أو ثلاث من طلاب جامعة اسيوط ، وحيث يضم الصعيد ثماني محافظات تولت جامعة أسيوط احتضان أبنائها من الطلاب إضافة إلي أعداد أقل من طلاب محافظات أخري كالسويس والقاهرة والمنوفية والشرقية والغربية والإسكندرية التي برز منها العديد من القيادات، والتي لجأت إدارة الجامعة بالتعاون مع أجهزة الأمن إلي نقلهم عنوة وضد رغبتهم وأحيانا من خلف ظهورهم إلي محافظاتهم الأصلية - للتخلص من خطرهم - في أسيوط ومنهم الراحل محمد داود ، محب عبود، ربيع الجندى، بدر الدين هندى، وعصام هندى، ومحمود القط ، والسيد نصير وغيرهم.

وعلي سبيل المثال عندما سعى البعض لتأبين القيادييْن الراحليْن صلاح يوسف وأحمد كمال حسين (طالبيْ الهندسة والعلوم ) اللذين توفيا في الأسبوع الرابع من ديسمبر 2010 ، فضلوا إقامة التأبين في مدينة أسوان التي تزخر بالعشرات من خريجي جامعة أسيوط وعاصر الكثير منهم الفقيدين داخل أسوار الجامعة.

هذا وقد انتهت الأحداث بإزاحة الطلاب خارج الجامعة والمدينة بتوفير قطارات مجانية للطلاب ( في الاتجاهين – قبلي وبحري) ، وتحويل أعداد من المغتربين من قادة الطلاب إلي جامعات أخري قريبة من مواطنهم الأصلية ، علاوة علي من تم فصلهم لإبقائهم خارج دائرة الأحداث.. بينما جري القاء القبض علي ما يتجاوز المائة طالب بينهم قادة الطلاب وترحيلهم إلي السجن علي ذمة قضية طلاب أسيوط .
بعدها تم الإفراج عن المحبوسين علي ذمة القضية تباعا .. ثم حفظ القضية فيما بعد حيث كانت حرب تحريك الحل السلمي قد اندلعت .. في السادس من أكتوبر 1973 .


وبمثل ما كانت الحركة الطلابية التي تفجرت - ضد أحكام قادة الطيران عام 1968 - مؤشرا لمسار الحركة الشعبية ومزاجها في قادم الأيام، فإن الحركة الطلابية التي اندلعت عام 1972 - احتجاجا علي المماحكة والتلكؤ في تحرير سيناء المحتلة - شكلت بروفة لاحتجاجات شعبية أوسع فيما بعد تُوجَت بانتفاضة الخبز الشعبية التلقائية في 18، 19 يناير 1977 التي اعتلي فيها الطلاب رءوس المظاهرات.. باعتبارها مباراة حقيقية مع النظام الحاكم اسفرت عن انتشار الجيش فى الشوارع وتراجع النظام عن قرارات رفع الأسعار ووضعت النظام بين خيارين :
الاستجابة لمطالب الشعب؛ أو الالتحاق بركب قوى أجنبية تقوم بحمايته وضمان وجوده.. كما يتم مع إمارات البترول.

سادسا :هل هناك صلة بين مؤخرة الأحداث الطلابية.. و النتائح السياسية لحرب أكتوبر.. ومقدمة الانهيار الشامل ..؟

باندلاع الحرب في السادس من أكتوبر 1973 انتهي الفصل الأول من الحركة الطلابية الاحتجاجية ؛ وبدأ فصل جديد أكثر اختلافا وأشد تعقيدا وإثارة .

وكان لطبيعة النشاط الطلابي في الفصل الأول من الحركة والقضايا التي شكلت مادة الدعاية السياسية ومن ثم التحريض السياسي .. التأثير الأكبر في قدرة الطلاب علي الاستمرار في الكفاح أو التوقف عنه. خصوصا وأن مجرد اندلاع الحرب أبطل من الناحية الشكلية حجج من أكدوا في دعايتهم أن النظام لن يحارب وسيتوجه للحل السلمي عبر مائدة المفاوضات.

بينما اختلف الوضع مع نوع آخر من الدعاية كان يطرح ( إمكانية الحل السلمي من خلال معركة عسكرية يخسر فيها العدو ما بين 10 ، 20 ألف جندى) حسبما قال الصحفي حسنين هيكل في جريدة الأهرام أوائل عام 1969 حيث أن ذلك شئ مختلف عن القطع ( بحل سلمي دون حرب) .. علاوة علي أن الاستشهاد بالنتائج السياسية الهزيلة التي أسفرت عنها الحرب يدعم وجهة النظر القائلة بـ (حل سلمي بمعركة محدودة )، كما يفسر آثار تجاهل النظام تسليح الشعب وتدريبه للمساهمة في سد الثغرات التي قد تبرز أثناء المعارك مثل ثغرة الدفرسوار.. ويبرز كثيرا من الأصوات التي كانت تنادي بالحرب الشعبية.. هذا من ناحية.

ومن ناحية أخري فإن الدعاية السياسية والتحريض السياسي اللذين يضفران القضايا الثلاث ( الوطنية والديمقراطية والاجتماعية ) في توجّه واحد - كما حدث في جامعة أسيوط - أمر مختلف إلى حد بعيد عن الدعاية والتحريض اللذين يقتصران علي القضية الوطنية بمفردها أوعلي القضيتين الوطنية والديمقراطية . فالقضية الاجتماعية تعطي كلا القضيتين ( الوطنية ، والديمقراطية) بعدهما الطبقي ، وتساهم في فرزالمتاجرين بالقضية الوطنية من الرأسماليين والحزب الوطني ومن علي شاكلته ، وفرز المستفيدين من المطالبة بالديمقراطية دون الإيمان بها كجماعات الإسلام السياسي.

باختصار هناك فارق بين من تقتصر دعايته وتحريضه السياسي علي قضية الحرب فقط ، حيث أن اندلاعها يبطل معظم حججه .. وبين من تشمل دعايته وتحريضه قضية تحرير الأرض بمشاركة الشعب ، وقضية انتزاع الشعب لحرياته السياسية والنقابية ، و قضية حصول الشعب علي حقوقة الأساسية بالتوزيع العادل للثروة والأجور وتكافؤ الفرص في التعليم والصحة والثقافة والأمن والحياة الكريمة موفورة الكرامة.

ونظرا لأن النظام الحاكم قد أفرج عن المسجونين من جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب حرب أكتوبر وأباح لهم النشاط.. وولّي راعي الجماعات الدينية في مصر ( محمد عثمان إسماعيل ) وزيرا لتنسيق نشاط الإسلاميين بمختلف فصائلهم في مواجهة القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية التي شاركت في قيادة الحركة الوطنية الطلابية.

فقد تلاقي ذلك مع النتائج السياسية التي أفرزتها حرب أكتوبر 73 ، مع تنسيق نشاط الإسلاميين المسلحين بالسلاح وشعار الإسلام هو الحل في كل أرجاء الوطن، مع فتح الحدود لهجرة الفقراء لدول البترول وإمارات الخليج بحثا عن الطعام لتنفجر انتفاضة الشعب في 18 ، 19يناير 1977 .. وتلوّح للنظام بأن ضمان بقائه علي هذا النهج لن يتحقق سوى باللجوء لأحضان العدو الصهيوني وممالك الخليج ودول البترول ..والولايات المتحدة، لتنطلق مبادرة السادات بالذهاب إلي القدس فى 19 نوفمبر 1979 ، وقبلها إبرام اتفاقيتي كامب ديفيد والصلح مع أعدائنا التاريخيين.

الأحد 6 فبراير 2022 بشير صقر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة