الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد 11 عاما حمراء وسوداء هل أصبح السوريون أوراقا في مهب الرياح وألعاب الأمم؟.

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2022 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


حينما كنتُ في سفارة بلادي بالجزائر بين عامي 1997 ــ 2000 بمرتبةِ مُستشار ، كانت ذروةُ الصدامات بين الجيش الجزائري، والتنظيمات المتطرفة التي كان الإعلام الجزائري والمسؤولون في الجزائر, وشعب الجزائر يصفونها بالإرهابية.. وكان من المألوف جدا أن نسمع ونقرأ يوميا عبارات الحرب، كما:
عُشرية حمراء..عملية انتحارية.. تفجير..قصف..اغتيال..عملية عسكرية للجيش.. إنزال..ذبحْ.. قطعْ رؤوس، وتعليق الرؤوس على الحيطان بالمسامير.. الخ..
بعد يومٍ من وصولي، كان هناك أضخم تفجير عرِفتهُ العاصمة الجزائر طيلة سنوات الحرب، وذلك في حي( الأبيار) الشهير المٌكتَظ بالسفارات..
كنتُ اسكنُ في أرقى أحياء الجزائر العاصمة (حي حيدرة) الذي يضمُّ أرقى الفِلل، وكبار جنرالات الدولة وأثريائها ومسؤوليها، وذلك في الطابق الثاني من فيلا صغيرة، تحيطُ بها أشجار الليمون والموز، وأصحاب الفيلا الجزائريين الطيِّبين الرائعين الذين كانوا يرونني كما أحد أفراد أسرتهم، يسكنون في الطابق الأرضي..
فكان من الطبيعي أن يكون الحي أكثر المناطق في الجزائر حمايةً أمنية، وكانت كل مداخلهِ تخضعُ لرقابة أمنية وحواجز تفتيش..
ولكن مع ذلك لم يمنع هذا من حصول بعض الإشكالات أحيانا وتسلُّل أشخاصٍ من خارج الحي، فكان شباب الحي المستنفرين طيلة الليل، يواجهونهم حالا، ويبدأ الأخذ والعطاء والاستفسارات والتحقيق والصياح، فأستيقظُ واسألُ الجيران، ما الحكاية؟. وما أن يشعرون أنني قلِقا حتى يصعد أحد أبنائهم ويستنفر حتى الصباح أمام باب شقتي الخارجي، وهو يُشعِل السيجارة وراء الأخرى..
كان الجميع يلتفُّ حول الرئيس حينها، الجنرال (اليمين زروال) ويرون فيه إصرارا وعزيمة صلبة للقضاء على الإرهاب، وتجفيفهِ من منابعهِ، كما صرّح إحدى المرّات..
كنتُ أحزنُ جدّا على الجزائر، وشعب الجزائر، لِمَ آلت إليهِ أوضاعها..لاسيما أننا ونحنُ صغارا حفظنا بالمدرسة عن ظهرِ قلب نشيد الجزائر الوطني الرائع الذي وضعهُ المناضل الكبير، وشاعر الثورة الجزائرية (مفدي زكريا)، في نيسان 1956 في عز الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، ووضعَ لحنَهُ الذي يُلهِب المشاعر، الموسيقار المصري الكبير محمد فوزي، كهدية للشعب الجزائري:
قَسَما بالنازلات الماحقات…والدماء الزاكيات الطاهرات
و البنودُ اللامعات الخافقات…في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثُرنا فحياةٌ أو ممات…و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
...فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا...
*
ما كان يخطرُ ببالي حينها، ولا في الكوابيس، أن كل تلك المفردات الحربية التي ألِفناها في الجزائر، زمن الحرب، سوف نعيش أبشع منها أضعاف المرات في بلادي سورية.. ونصلُ إلى وضعٍ خطيرٍ كما الوضع الذي نعيشهُ اليوم، من تفتيتٍ للبلاد، بِحُكم الأمر الواقع، وقدوم القوات الأجنبية لِلقتال مع هذا الطرف أو ذاك....
ففي الجزائر كان الوضعُ، على بشاعتهِ، أقلُّ سوءا بأضعاف المرات مما هو في سورية..فلم تتدخّل القِوى الأجنبية، ولم تُصبِح الجزائر ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية، ولم تنشأ حركات انفصالية، ولم يحصل هذا النزوح واللجوء والدمار، ولم ينقسم الشعب بين الدول الإقليمية والدولية، ولم يفقِد هويته الوطنية، ولم يكُن هذا الوضع الطائفي والمذهبي، فشعب الجزائر كلُّهُ من أتباع المذهب المالكي.. ولم تحصل هذه الأزمات المعيشية الفظيعة التي يعيشها الشعب السوري..الخ..
*
محزنٌ جدّا ما وصلت إليه سورية وشعبها في هذه العُشرية الحمراء والسوداء..
ضاعت الهوية السورية الجامعة لأبناء الوطن الواحد، والتي أمضينا عقودا طويلة ونحنُ نتغنّى بها، وإذْ في أول امتحان نكتشف أنها كانت سرابا وأننا كنا نتحدثُ أوهاما..
لا يخفى تفتيت الأمر الواقع الحاصلُ في سورية اليوم، بين مصالح الدول الإقليمية والدولية.. ولا يخفى حجم الشروخات والانقسامات بين السوريين في هذا الزمن.. بل والتبعية للخارج.. حتى بِتنا أمام ضياع هوية حقيقي، تائهون بين هويات فرعية، طائفية ومذهبية وعُرقية وقبَلية، وحتى مناطقية، على حِساب الهوية الأبرز والأهم وهي الهوية الوطنية الجامعة.. والأخطر بين الولاءات للقوى الأجنبية أو الغريبة، على حساب الولاء للوطن الأم..
فهذا يذوبُ في حُبِّ روسيا.. وذاك يذوبُ في حُبِّ أمريكا.. وثالثٌ يذوبُ في حبِّ تركيا.. ورابعٌ يذوب في حُبِّ إيران، وخامسٌ في حُبِّ السعودية.. وسادسٌ في حُبِّ قطَر.. وكلٍّ يتّهم الآخر بالعمالَة، ويسردُ مُبرِّراتهِ..
والمُفارقَة المُضحِكة أن الجميع يقولون أنهم يُحِبُّون سورية.. ولكن أيّةُ سورية؟.
هل سورية التي يريدها البعض روسية؟. أم سورية التي يريدها البعض أمريكية؟. أم تلك التي يريدها البعض إيرانية وغيرهم تركية.. الخ.. ؟.
*
كل هذا الزمن كانت القِوى الرئيسة الأربع التي تنتشر قواتها فوق التراب السوري (روسيا أمريكا تركيا إيران) حريصة لِعدم الصِدام بين بعضها بعضا.. وكلٍّ يشعُر بالرضا عمّا حصل عليه من مكاسب.. وليس لِأحدٍ مصلحة في حصول حل سياسي في سورية لأن هذا يعني مُطالبتِهم بعدها بالرحيل، وفُقدان المُبرِّر لوجودهم فوق الأراضي السورية.. وهم لم يأتوا ويُحاربوا في سورية ويخسروا كي يضعوا حدّا للحرب، ويُكافحون الإرهاب، ثم يعودون إلى بُلدانِهم.. وإنما كي يبقوا حِفاظا على المصالح والمكاسب التي تحقّقت لهم.. وخروجهم هو مُعجِزة.. فهل ستتحقّق هذه المُعجِزة، ومتى؟.
*
مع بدايات التدخُل التركي عام 2011 ، هناك من راهنوا على أن إيران سوف تتصدّى عسكريا لتُركيا، وكان الرهانُ بغير محلِّهِ.. حتى أن أحد أبرز الإعلاميين اللبنانيين المؤيدين بقوة لإيران مضى للقول في إحدى اللقاءات وباللغة العامِّية، أن الرئيس أحمدي نجّاد(كان رئيس إيران حينها) قال لأردوغان: "سمعتُ أنه عندكَ كم ضابط مجنون ضُبْهُم حتى ضُبْ هَالكَمْ مجنون اللِّي عندي" ..
هكذا كان البعض يعتقدون، أنّ إيران قد تصطدم عسكريا مع تركيا لأجل سورية، ولكن ما لاحظناهُ كل هذا الزمن أنهُ كان هناك حرصٌ على عدم حصول أي صِدام من أي نوع.. بل كانت العلاقات الثنائية تتطور وتتعمّق، وقد رأينا كل مجانين أردوغان، ولكن لم نرى مُقابِلهُ مجنونا واحدا، لـِ أحمدي نجّاد، أو حسن روحاني، أو إبراهيم رئيسي، يشتبك مع أولئك المجانين..
علاقاتهم مع بعض، وحاجاتهم لبعض كدولتين إقليميتين كبيرتين، لاسيما في ظل العقوبات على إيران، أكبرُ من أن يصطدموا في سورية.. وحريصون جدّا أن لا تقعَ بينهم (جالديران) جديدة من أي نوع..
*
وذات الأمر ينطبق على العلاقة بين روسيا وأمريكا في سورية، فهما حريصان على عدم حصول أي صِدام، بل بينهما اتفاق على تنسيق العمليات العسكرية في سورية من أجل تجنُّب وقوع حوادث، منذ حزيران 2016 ، حسب تصريحات رسمية لوزارة الدفاع الروسية منذئذٍ..
والتنسيق الإسرائيلي مع قادة "حميميم" الروسية ليس بِخافٍ، فهُم من تحدثوا عنه..
*
ومن جهةٍ أخرى هناك العدو التاريخي، إسرائيل، التي ما زالت تحتلُّ الجولان السوري منذ عام 1967، وتُعربِدُ كيفما شاءت وتقصف أينما شاءت..
وخلال العام 2021 كان هناك 28 عدوان إسرائيلي، لم يتم الرد على واحد منها.. ومع ذلك نسمع خطابات وتصريحات "عجيبة فعلا" تتحدّث عن تحدِّي النظام العالمي، ودق إسفين في نعش هذا النظام..وهزيمة مؤامرة كونية من سبعين دولة..
أكيد كل هذا يُسعِدنا جدّا، ولكن يا شباب، من يُحقِّق كل ذلك، كيف لهُ أن يعجز عن تحرير1150 كم2 من أرض الجولان التي تحتلها إسرائيل؟. هذا سؤال كل سوري، فهل من جواب مُقنِع؟.
ثُمّ يا ليت يتمُّ الاتفاق على جواب واحد مُشترك لدى الحديث عن هذا الموضوع.. ولا نسمع جوابا مختلفا من كل مسؤول..
يقولُ أحدهم في ردِّهِ العجيب على انتقاد الناس لِعدم الرد:
"نحن في سورية لا نبتدئ عدوانا ولا نبتدئ حربا".. أي هو يعتبر حق الدفاع عن النفس، وردع العدوان، كأنهُ عدوانا..
ومن جهة ثانية يقول: "أن عدم الرد هو إنجاز، لأن تكتيك الاحتكاك اختلف نوعا ما، ونريد أن نقول للعدو أن احتكاكك يساوي صفرا"
يعني يا إسرائيل، خذي راحتك؟. هل يُعقَل أن يصدر هذا الكلام عن مسؤول؟.
*
نصيحة لكُم مِمّن هو أكبر منكم عُمرا: خَفِّفوا من لغة المُبالغة والإنشاء.. أُنحُوا نحو الموضوعية والواقعية والبراغماتية، وأكثِروا من استشاراتكم قبل الكلام، وانتقوا جُملا وعبارات تُوزَنُ بالميزان.. فنحنُ في العام 2022 ولسنا في الستينيات.. ونصيحتي هذه لأجلكم.. الناس ليست ساذجة، تعرف أن تُميِّز بين الكلام الصحيح، وغير الصحيح.. والمقدور عليه وغير المقدور عليه..
*
ما يُحزِنُ أكثر أننا، على ما يبدو، لم نتعلم شيئا من هذه العشرية الحمراء والسوداء، وما زلنا مُصِرِّين على السير في ذات الدّرب وذات الأسلوب وذات النهج، وذات الخطاب والممارسات..
*
أيها السوريون:
لِتَكُن سورية حُبّكم الأول والأخير.. وليكُن ولاؤُكم لسورية، وسورية وحدها، فأنتم أبناؤها وهذه أمُّكم الحنون التي أرضعتكم من ثدييها، وهل من أحدٍ في الكون يُحِبُّهُ أحدٌ أكثر من أمِّه، أو يُحِبُّ أكثر من أمِّه؟.
لم يأتي أجنبيٌ واحدٌ لخدمتكم، وإنما الجميع جاؤوا لخدمة مصالحهم الخاصة.. جميعُ من جاؤوا لهم مصالح خاصة فوق الجغرافية السورية خافوا عليها..وليس عليكم.. وأرادوا أن لا يفقدوها.. وحينما احتجتُم للقمح والمازوت والكهرباء والغاز وغيره، لم يُنجِدوكم، لأنكم لا تعنون لهم شيئا كشعب، ما يعنيهم هو الجغرافية السورية، أو ما يُعرفُ بالجيوبوليتيك.. إضافة لِما يوجدُ في سورية من ثروات، باتت كلها تحت أياديهم..
ــ كم كنتُ أهوى هذه العبارة حينما كنتُ أسمعها من الهنود الحُمر الذين التقيتُ بعض زعاماتهم في مكتبهم قي نيويورك: Mother Land .. أُمُّنا الأرض..
..أمُّنا سورية.. دُرّة التاريخ: نبكيكِ دمعا ودمَا.. ضَمِّدوا جراحها.. أوقفوا نزيفها.. كفاها كل هذا الزمن.. هذه أمُّكُم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا