الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة الخامسة: ملاحظات مندوب الى المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي

ماجد فيادي

2022 / 3 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


المندوبون مرآة تعكس مدى تطور الحزب، وتعبر عن نوعية اللجنة المركزية القادمة

وانا صغير سمعت الكثير من القصص عن قيادات الحزب الشيوعي العراقي من والدي وأخي واصدقائهم، عندما كان بيتنا صالونا ثقافيا يعقد كل يوم خميس، يحضره شيوعيون ومثقفون. كانت قصصه تتناول شخصيات اسطورية في التضحيات والصمود والصبر على حياة التخفي. ايام من حياة مناضلين تَحَمَلوا انواع التعذيب، ومعاناة انتهت بالموت اما على يد الجلاد او على أعواد المشانق او في احواض التيزاب او الرمي بالرصاص. لم تخلوا تلك القصص من المبالغة في السرد وإطلاق العنان لخيال المتكلم، ليس بدافع الكذب بقدر ما هي تعبير عن عرف اجتماعي سائد يعظم من رموزه بحثا عن منقذ قادر على فعل ما لم يستطع فعله بنفسه. بعد سقوط الصنم واحتلال العراق تمكن كثير من الشيوعيين وعوائل الشهداء وسجناء سياسيين من توثيق شهاداتهم عن تلك القصص ومآثرها، فَلَم يعد مجالا للشك في بطولات الشيوعيين.
بعد انتمائي للحزب وتكليفي بمهام مختلفة قربتني من قيادات الحزب، خلقت لي قصصا جديدة أكثر واقعية، بسبب تعرفي على مختلف زوايا الشخصية للرفاق، سياسياً وثقافياً واجتماعياً وحزبيا. هذا الاقتراب نقى قصصي من الخيال وصورة الانسان الخارق، وكشف لي رفاقاً، كسائر البشر، نجحوا وأخفقوا حسب امكانياتهم، لكن اخفاقاتهم لم تُسقِط من احترامي لهم، بل جعلتني اتعلم منها ومنهم أن لا وجود لصورة نمطية تُعَمَم على الجميع إن كانت إيجابية او سلبية.
حتى يصبح أي شيوعي عضوا في اللجنة المركزية لا بد ان يكون مندوبا الى المؤتمر الوطني للحزب، ويقدم طلبا خطيا برغبته في الترشيح، على ألا يقل عمره الحزبي عن ثلاث سنوات. يجري انتخاب المندوبين الى المؤتمر الوطني في مؤتمرات المحليات ومنظمات خارج الوطن، بعد ان تحدد اللجنة المركزية نسبة تمثيل كل مندوب لعدد رفيقات ورفاق الحزب. في هذا المؤتمر وكالعادة أشرفت اللجنة المركزية على مؤتمرات المحليات والمنظمات لانتخاب المندوبين والاحتياط وفق لائحة موحدة، نتج عنها 219 مندوبة ومندوب.
شارك المندوبون في النقاشات بحماس شديد ساعين من خلال ذلك الى تغيير ما يرمون تغييره، او انهم حاولوا عكس ما حَملتهم منظماتهم من افكار بهذا الاتجاه. كان عدد الرفيقات اقل بكثير من عدد الرفاق، وحضور الشباب واضحا للعيان، امتازت مشاركة رفاق الخارج في الحوار بالحيوية على قلتهم، وهذا يعود الى طبيعة الحياة الديمقراطية التي يعيشونها في الغرب، وعمق تجربتهم أما في حركة الأنصار الشيوعيين او نضالهم المستمر منذ خروجهم من العراق. طغى على مشاركات الشبيبة صفة الاندفاع وعدم القدرة على تقديم الفكرة بوضوح، ما يعكس الحاجة الكبيرة لبرنامج تطوير القدرات الفكرية، مع العلم انها حالة طبيعية في وضع العراق، وتعكس حالة التراجع في كل شيء بعد المعاناة من الدكتاتورية والحروب والحصار والهجرة والاحتلال والإرهاب والنزوح وحكم المحاصصة الطائفية والعرقية والفساد.
في إطار هذه العينة من المجتمع العراقي تظهر صورة أخرى لمندوبين من الشبيبة لديهم التجربة الشخصية في ساحات النضال، على مستوى التظاهرات والتنظيم والتحصيل الجامعي ومساعدة الفقراء، قدموا مداخلات وطرحوا رؤى لتطوير العمل الحزبي. مساهماتهم الإيجابية والبناءة تعطي أملا جديدا في جيل قادر على رسم مستقبل الحزب في طريق وطن حر وشعب سعيد. كان واضحا تميز الرفيقات والرفاق من ذوي الشهادات الجامعية، الذين صقلت شخصيتهم أيام تشرين وسط المتظاهرين. هذه النماذج الإيجابية من الشبيبة تفتح الأبواب للتفكير بطريقة أخرى لانتخاب المندوبين، حتى تكون أداة جديدة ومكملة لمقترح العضوية المؤازرة الذي قُدم في جلسة تعديل النظام الداخلي.
كي نحقق العدالة في انتخاب مندوبي المحليات والمنظمات، ونطور في نفس الوقت من قدرات الشيوعيين ونوسع من دائرة تواجد الحزب داخل المجتمع، فإننا بحاجة الى عقد اجتماعات بعد المؤتمر الوطني، أقرب في شكلها الى مؤتمرات المحليات لانتخاب المندوبين، هدفها فتح باب التسجيل لمرشحين كمندوبين الى المؤتمر اللاحق، بحيث يضعون نشاطاتهم الحزبية تحت الأضواء وتعمل المحليات على مساعدتهم في توفير أسباب النجاح، بالمشورة والدورات التخصصية، الى جانب تسخير منابر الحزب الإعلامية لنشاطاتهم، كل ذلك من اجل تهيئتهم للمؤتمر اللاحق. بحيث يجري مراجعة ما قام به الرفاق على مدى أربع سنوات، لكي يتم انتخاب المندوبين المميزين بعطائهم. هذه الطريقة لا تتعارض مع النظام الداخلي، وهي مهمة القاعدة الحزبية واللجنة المركزية في خلق الخبرة النضالية للرفاق وتمكين مندوبي المؤتمر ان يطلعوا على نشاطات بعضهم، وان تتكون صورة للجميع عمن يرشح نفسه لعضوية اللجنة المركزية.
من الضروري أن ابين قضيتين مهمتين للشبيبة توفرت في المؤتمر، الأولى نوعية الحوارات التي دارت، من حيث أسلوب الطرح او تشخيص المشكلات او عرض الحلول. كلها في المحصلة تمثل تناقل للخبرات لن تجدها الشبيبة في مكان آخر، لأنها خلاصة تجارب ونقاشات دارت في مؤتمرات المحليات والمنظمات، بالإضافة الى خبرات وتجارب المندوبين الشخصية. القضية الثانية وبالرغم من نضال الحزب الشيوعي العراقي من اجل حقوق الطبقة الكادحة، لكن هذا النضال لن يكتمل بدون صعود رفيقات ورفاق من حملة الشهادات العليا الى اللجنة المركزية، يتسلحون بفهم عميق للنظرية الماركسية، وتفاعلها مع مجريات التطور الاجتماعي والفكري، متفهمين لتاريخ الحزب وخصوصية الشعب العراقي، بالإضافة الى تجاربهم الشخصية التي تدعم امكانياتهم القيادية، ومن المفضل يكون انحدارهم من مختلف محافظات العراق، يتمسكون بأواصر ومقومات العمل الحزبي الملتزم. باختصار فان التحصيل الجامعي مهم جدا لمن يرغب ان يكون مندوباً او عضو لجنة مركزية او يقدم خدمة متطورة للمجتمع، علما أن هذا لا يلغي دور وقدرات رفيقاتنا ورفاقنا ممن لم يحصلوا على التأهيل الجامعي.
في نهاية المؤتمر تنافس عدد من الرفيقات والرفاق على نيل شرف عضوية اللجنة المركزية، حُدِدَ عدد أعضائها بواحد وثلاثين رفيقة ورفيق، خصص منها ثلاثة مقاعد عضوية لكوتا النساء ومثلها لكوتا الشباب، سبقتها نقاشات عن أهمية نظام الكوتا ومدى فعاليته، بين دعوة نسائية لصعود رفيقات الى اللجنة باستحقاق انتخابي طبيعي، واخريات يطالبن بالإبقاء على الكوتا تفاديا للواقع الثقافي والاجتماعي العراقي المعرقل لدور المرأة والشباب في المجتمع. يمكننا القول ان اللجنة المركزية الجديدة بتشكيلتها الشبابية تمثل نموذجاً رائعاً في صعود الشبيبة واخذ فرصتهم للتعبير عن تطلعات جيلهم، وانطلاقة جديدة للحزب ظهرت من تفاعلات انتفاضة تشرين.
يبقى ان نسأل بعد نقاشات دامت ثلاثة أيام، سبقتها مؤتمرات المحليات ومنظمات خارج الوطن وكتابات على منابر الحزب الاعلامية، بماذا نفسر انتخاب الرفاق المخضرمين بعدد أصوات كبيرة جداً؟ هل لأنهم رموز حزبية لها احترامها وسط القاعدة الحزبية، ام هي حالة رضى عن أدائهم في الدورة السابقة، ام انها الصورة التي صنعوها على مدى سنوات نضالهم فأصبحت موضع احترام وتقدير؟ هل هي تبعات النظام العشائري الابوي الذي يحكم المجتمع العراقي ويفرض احترام الكبير، ام انهم اقنعوا المندوبين بما قدموه من أسباب وتفسيرات لما اتخذوه من قرارات سابقة، ام ان القاعدة ترى ان الحزب لا يزال بحاجة لخبراتهم ولا بد من التدرج في ولوج الرفاق الشباب للمواقع القيادية، وقد يرى المندوبون أن لا أحدا بلا اخطاء؟
هل يتوقع المندوبون ان أداء الرفاق سيختلف بمجرد تغيير سياسة الحزب وفق مقررات المؤتمر؟ وهل هناك إمكانية ان يقدموا اداءً مختلفاً بعد هذا العمر في قيادة الحزب؟ وهل تنفيذ المهام الجديدة غير مرتبط بتغيير القناعات السياسية؟ وهل لديهم القدرة البدنية على تنفيذ السياسة الجديدة؟
تبقى الإجابة مرهونة بالمندوبين والسنوات الأربعة القادمة من حياة الحزب، ولا داعي للاستعجال في الحكم فالقاعدة الحزبية منذ سنوات العودة للعمل العلني تدربت على رفع مستوى النقد، وجاءت انتفاضة تشرين لتزيد من جرعة الديمقراطية والثورية في المجتمع العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف