الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)
2022 / 3 / 19
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
مُحْتَوَيَات هذه الوَثِـقَـة
1) مَا هِي إشكالية الجَبْـهَـة 5
2) ما مَعْنَى "الجَبْهَة" ؟ 6
3) لـماذا يحتاج الشعب إلى جَبْهَة قِـوَى اليسار ؟ 8
4) ما هي المهمّة الأسبق، هل هي توحيد أحزاب اليسار، أم بناء جَبْهَة قِـوَى اليسار؟ 10
5) ما هي أهداف "جَبْهَة قِـوَى اليسار" ؟ 12
6) من هِيَ القِـوَى السياسية المؤهّلة لِلْمُشاركة في جَبْهَة قِـوَى اليسار؟ 13
7) شُروط العُضْوِيَة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ 16
8) ما هي الأسباب التي تَعُوقُ بِنَاء جَبْهَة قِـوَى اليسار بالمغرب ؟ 17
9) هل فِيدِيرَالِيَة أحزاب اليسار بالمغرب تُجسّد جَبْهَة قِوَى اليسار ؟ 23
10) نَـقد شُروط العُضوية في فِيدِيرَالِيَة أحزاب اليسار بالمغرب 25
11) ما هي التجارب السّابقة في المغرب، في مجال العمل الجَبْهَوي ؟ 27
12) ماذا يُمكن لِلمُنَاضِلين أن يفعلوه لتسهيل العمل بِجَبْهَة قِـوَى اليسار؟ 28
13) ما هي الـمبادئ التي ينبغي أن يستوعبها كل فاعل مُرشّح للعضوية في جَبْهَة قِـوَى اليسار ؟ 29
14) ما هي واجبات القِـوَى العُضْوَة في الجَبْهَة 33
مـَـدْخَــل
تعيش قِـوَى اليسار اليوم، في المغرب، (وكذلك في كثير من البلدان التي تُوصَف بالمُسلمة، أو النَّاطِقة بالعربية)، في حالة تتميّز بِتَشَتُّـت قِـوَى اليسار، وبضُعْفها، وتهميشها، وحيرتها، وابتعادها عن الجَمَاهِير، وهزالة كفاءات القيادات والكوادر، واضمحلال الرّوح النِضَالية، وتكاثر مظاهر سوء التـفاهم، والشّك، والعجز. بينما تَـقْوِيم قِـوَى اليسار، وكذلك تحقيق نهضتها، يتطلّبان، بالضّرورة، إنجاز ”التَـقَارُب“(1)، فيما بين مُجْمَل قِـوَى اليسار، وتحقيق ”التَنْسِيق“، و”التَـعَاوُن“، و”التَـكَامُل“، في إطار ”تَحَالف واسع“، أو في إطار ”جَبْهَة، مُنـفتحة، وَمَرِنَة، ومُبْدِعَة“. وهدف هذه ”الجَبْهَة“ هو تَنْظِيم أكثر ما يمكن من ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“، ثمّ ”التَدَرُّج المَرِن والمُبدع، في تحقيق المهام الاستراتيجية المُتصاعدة“، دون تسرّع، أو استعجال. ويُجسّد ”العملُ الجماعي“، داخل إطار ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، المَدخلَ لِتَـقْوِيم قِـوَى اليسار. بل هو أسلوب ناجع لتـقويّة اليسار، ولتنميّته، ولإيصاله إلى الانتصار. لأن ”العمل الجماعي“، داخل ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، بالإضافة إلى كونه يساعد على تَنْظِيم ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“، سيخلق أيضًا دِينَامِيَة من نوع جديد. وستمكّن هذه الدّينامية مُجْمَل قِـوَى اليسار من التـفاعل فيما بينها، في اتِّجاه التأثير والتأثّر، وإذابة هواجس الشكّ، ورفع المعنويّات، ثمّ التَـقْوِيم المُتَدَرِّج، والتَـثْـوِير المُتَبَادَل، وتوحيد الطّاقات النِضَالية. وذلك عبر الذهاب إلى الجَمَاهِير الكادحة، والارتباط بها، وتعبئتها، وتنشيط نِضَالاتها، وتَنْظِيمها، وتثـقيفها، وإيصالها إلى الانتصار.
1) إشكالية الجَبْـهَـة
يتضمّن موضوع ”الجَبْهَة“ (سواءً كانت تـقدّمية، أم ثورية) جوانب كثيرة، ومُتَنَوِّعة. لكنني أودّ، في الدراسة الحالية، التركيز على جانبين اثنين. هما التّاليان:
أ) ظلّت قِـوَى اليسار في المغرب، منذ قُرابة سنوات 1970 إلى اليوم (أي خلال عُقود متوالية)، تَـتَّـفق نظريا، ورسميا(2)، على «ضرورة التَنْسِيق، والتَـعَاوُن، والتَـكَامُل، وخَوْض النِضَالات المُشْتَرَكة، داخل ”جَبْهَة“، تضمّ أكبر عَدَد مُمْـكِن من بين قِـوَى اليسار». لكن هذا العمل الجَبْهَوي لم يُبْنَ، وَلَم يُنجز، ولم يوجد. وعليه، أركّز في هذه الدراسة الحالية على محاولة فهم أسباب غيّاب «جَبْهَة قِـوَى اليسار». فما هي العوامل التي تُـفَسِّر غيّاب التَنْسِيق، أو التَحَالف، أو النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك، أو العمل الجَبْهَوي، فيما بين مُجْمَل قِـوَى اليسار بالمغرب؟ وما هي المُعيقات التي تمنع قِـوَى اليسار من الالتزام ”بالنِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، وذلك بشكل مُمَنْهَج، وَمُتَوَاصِل؟
ب) كَيْف نبني ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“؟ ما هي المَنَاهِج التي ينبغي أن يتحلّى بها مُجمل مُنَاضِلي قِـوَى اليسار لكي ينجحوا في تشييد، وَتَـفعيل، وإنجاح، ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“؟
هذا هو الموضوع الرئيسي في الورقة الحالية.
2) ما مَعْنَى "الجَبْهَة" ؟
بعض الخلافات، أو المشاكل، التي تُعيق بناء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، تأتي من كون بعض الفاعلين السياسيين يُعطون مَعْنَى غير سديد لمفهوم ”الجَبْهَة“. حيث يُحمِّلون مفهوم ”الجَبْهَة“ أكثر مِمَّا يحتمل. وبعض المسؤولين، في بعض قيّادات قِـوَى اليسار بالمغرب، يُعَـقِّدون قضيّة ”جَبْهَة“ قِـوَى اليسار، إلى درجة أنهم يُحَوِّلونها إلى مسألة مُبْهَمَة، أو غامضة، أو مُخيفة، أو مستحيلة. بينما الأمور في الواقع واضحة، ومُمْـكِنة. فما مَعْنَى ”الجَبْهَة“؟ أحسن طريقة لفهم ”الجَبْهَة“، هي أن نُـقارنها مع ”الحِزْب“.
1- أعضاء ”الحِزْب“ هم أفراد. ويتميّزون بانسجام فكري كبير، أو متـقدّم، أو واسع. ويتميّزون بطموحات سياسية متشابهة، أو متَـقَارُبة. ويريدون تحقيق برنامج سياسي مُجْتَمَعي، وطويل الأمد. بينما أعضاء ”الجَبْهَة“ هم أحزاب، أو تَنْظِيمات، أو جماعات، أو جمعيات، أو تيارات، أو أندية، أو شخصيات. وهؤلاء الأعضاء في ”الجَبْهَة“، يختلفون نسبيا في أفكارهم، وفي تصوّراتهم السياسية، وَيَتَـفَاوَتُون في طُموحاتهم. ورغم أن أعضاء ”الجَبْهَة“ يختلفون في آرائهم، فإنهم يجتهدون، في نـفس الوقت، لكي يعملوا بشكل جماعي، بغية تحقيق مهام مُشْتَرَكة، أو برنامج تَعاوني، على مَدَى قَصير، أو مُتوسّط.
2- ”الحِزْب“ هو تَنْظِيم قارّ عبر الزمان، وعمودي، أو تَرَاتُبِـي، في شكله التَنْظِيمي. ويحتوي ”الحِزْب“ على هيئات قيّادية، ووسطية، وقاعدية. بينما ”الجَبْهَة“ هي تَنْظِيم مؤقّت، أفقي، شبه خال من التَّرَاتُبِيَة. وتَـكاد ”الجَبْهَة“ تتلخّص في وُجُود هيئة تَنْسِيقية، أو تـقريرية، وَمُشتركة فيما بين عدّة أحزاب، أو تَنْظِيمات. ويكون ”الحِزْب“ دائما منظّما على صعيد وطني. بينما يمكن ”للجَبْهَة“، حسب أهدافها، أن تكون منظّمة على صعيد وطني، أو جهوي، أو إقليمي، أو محلّي.
3- هدف ”الحِزْب“ هو تحقيق طُموحات، أو أهداف. وتكون هذه الأهداف في غالب الحالات نَسَقِيَّة (systémiques)، أو شُمولية، أو مُجْتَمَعية، وعلى مدى طويل. بينما هدف ”الجَبْهَة“ هو إنجاز مصالح عملية، وجُزْئِية، خلال أمد قصير (أو متوسّط نسبيًّا).
4- أسلوب عمل ”الحِزْب“ هو: الحوار (فيما بين أعضاء هذا الحِزْب)، ثم التـقرير، ثم الانضباط في التنـفيذ. بينما أسلوب عمل ”الجَبْهَة“ هو: التَنْسِيق (فيما بين المُؤَسَّـسات التي تُكوّن هذه الجَبْهَة)، ثم الحوار، ثم التـقرير، ثم المُرُونَة في التنـفيذ.
5- ليست ”الجَبْهَة“إلّا وِعَاءً تَنْظِيميا، هدفه تسهيل التَنْسِيق، والتَـعَاوُن، والتَـكَامُل، فيما بين أكبر عَدَد مُمْـكِن من القِـوَى التـقدّمية، أو الثورية. ولا تمنع ”الجَبْهَة“ أيّة قوّة سياسية (عضوة في هذه الجَبْهَة) من أن تحافظ على استـقلالها الفكري، والسياسي، والتَنْظِيمي، والعملي.
6- ”الجَبَهَات“ صِنْـفَان : يمينية، ويَسَارِية. وغالبا ما يقتصر صنـف ”الجَبْهَة اليمينية“ على غاية واحدة، مثل تدبير خَوْض الانتخابات العامّة. فإن نجحت في هذه الانتخابات، انتـقلت إلى تدبير ممارسة السّلطة في حكومة، أو إقليم، أو جِهَة، أو جماعة مَحَلِّية. بينما صنـف ”الجَبْهَة اليَسَارِية“ يُركّز على تَنْظِيم وإنجاح ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“، دون إهمال التَنْسِيق في الانتخابات العامّة، أو في مهام أخرى ترتبط بتحرير الإنسان.
3) لـماذا يحتاج الشعب إلى جَبْهَة قِـوَى اليسار ؟
يحتاج الشعب إلى إنشاء وتنشيط ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، لأسباب مُتَعَدِّدة، ومترابطة. أبرزها ما يلي:
1- السبب الرئيسي في احتياج الشعب إلى ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ هو التالي: يطمح المُنَاضِلون إلى تـغيير المُجْتَمَع. فَيَدْعُون المواطنين إلى الانتظام في إطار ”حِزْب“، أو في عدّة ”أحزاب“ سياسية تـقدّمية، أو ثورية، أو يَسَارِية. لكن هذه ”الأحزاب“ التـقدّمية تميل دائمًا إلى التّوالد، أو الانشقاق، أو التعدّد، أو التَنَوُّع، أكثر مِمَّا ينبغي. وكلّما أصبحت هذه ”الأحزاب“ التـقدّمية، أو اليَسَارِية، كثيرة، أو مختلفة، أو مُتَعَدِّدة، أو متـفرّقة، أو مشتّـتة، أو متنافسة، فإن هذه القِـوَى تصبح كلّها صغيرة، وضعيفة، وغير مؤهّلة لخَوْض ”النِضَال الجَمَاهِيري“، وغير قادرة على إنجاحه. ولماذا؟ لأن الدّفاع عن مصالح جَمَاهِير الشعب يتطلّب مجهودات جبّارة، تـفوق القُدرات الجُزْئِية المتوفّرة لدى أيّ حِزْب مُنـفرد. ولأن الدّفاع عن مصالح جَمَاهِير الشعب يتطلّب أعدادًا كبيرة من المُنَاضِلين، ويحتاج إلى طاقات هائلة، وكفاءات مُتنوّعة، ونِضَالات مُتوالية. ولأن محاولة توحيد الأحزاب الثورية، أو اليَسَارِية، في حِزْب واحد موحّد، تبقى، في معظم الحالات، صعبة جدّا، أو مستحيلة، وذلك لعدّة اعتبارات مُعقّدة. فنـقول لأحزاب اليسار: «طيّب! خلال عقود متوالية، أنتم لم تستطيعوا أن تتوحّدوا في حِزْب واحد. وإن شِئْتُم، اِبْقُوا إذن مُتَعَدِّدين كما أنتم، وحافظوا على استـقلالكم التَنْظِيمي والسياسي. لكن اِعْمَلُوا بشكل جماعي في إطار ”جَبْهَة“ مَرِنَة، ومُبْدِعَة»! لأن السّبيل الوحيد لتحسين فَعَالِيّة قِـوَى اليسار، هو أن يُشارك أكثر ما يمكن من هذه القِـوَى، في التـنسيق، والتَـعَاوُن، والتَـكَامُل، وفي ”العمل الجماعي“، في إطار ”جَبْهَة“ مُبدِعَة، وَمَرِنَة.
2- إذا لم تُوجد ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، فالنّـتيجة الحتمية لذلك هي أن التَنْسِيق، أو التَـعَاوُن، أو التَـكَامُل، أو التَحَالف، أو ”العمل المُشْتَرَك“، فيما بين قِـوَى اليسار المختلفة، والمتـفاوتة، سيصبح صعبًا جدًّا، أو مستحيلًا. كما أن خَوْض ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“ سيغدو هو أيضًا مُتَـعَذِّرًا، أو مُستحيلًا.
3- إذا قُمنا بتحليل الوضع السياسي الرّاهن بالمغرب، سنجد فيه ظاهرة سياسية غريبة، ومُعبّرة، وخطيرة. وهي أن الجَمَاهِير الشعبية لا ترى ”أحزاب اليسار“، أو لا تُحِسّ بأن ”أحزاب اليسار“ موُجُودة، وأنها تهتمّ بالدّفاع عن المصالح المادّية أو الملموسة للجَمَاهِير. فتجد هذه الجَمَاهِير نـفسَها أكثر فأكثر مُضطرّة إلى تَنْظِيم نِضَالاتها بشكل مستـقل عن ”أحزاب اليسار“. وَمن بين هذه النِضَالات الجَمَاهِيرية، المنظمة بشكل بعيد عن أحزاب اليسار، نذكر الأمثلة التالية: 1) حركة 20 فبراير (في سنة 2011 م). 2) حركات ”المُعَطَّلِين“. 3) حركة خِرِّجي البرنامج الحكومي «عشرة آلاف إطار»، المطالبين بالإدماج في سلك التدريس العمومي. 4) حركات احتجاجية في مناطق مُهْمَلَة مثل مدينة الحُسيمة، وغيرها. 5) حركات الأساتذة المتدرّبين. 6) حركات نسائية. 7) حركات الأطباء والممرّضين. 8) حركات أمازيغية. 9) حركات تَدُور حول الحق في السّكن. 10) حركات تتعلّق بالأراضي الجماعية أو ”السُّلَالِيَّة“. 11) الحركات المدافعة عن المدرسة العمومية وعن جودتها. 12) الحركات الاحتجاجية المتعلّقة بالعلاج الطبِّي، أو بالنَّـقْل العُمومي. 13) حركات مكافحة الفساد، وحماية المال العام. 14) حركة الدفاع عن حقوق المستهلكين. إلى آخره. وإذا استمرّت ظاهرة هذه الحركات النِضَالية (التي تخَوْضها الجَمَاهِير بشكل مستـقل عن قِـوَى اليسار)، فمن المُمْـكِن أن تسـتـنـتج الجَمَاهِير بأن قِـوَى اليسار فارغة، أو عاجزة، أو متخاذلة، أو غير مبدئية، أو انتهازية.
4- القِـوَى المُجتمعية التي تُناصر الرأسمالية كثيرة، وقويّة، ومتَـعَاوُنة فيما بينها، سواءً على الصَّعِيد الوطني، أم العالمي. فلا يمكن أن نواجه الرأسمالية وأنصارها، إلاّ إذا تَـعَاوُنت مُجْمَل قِـوَى اليسار في إطار مُوحّد، على شكل تَنْسِيقية، أو تَحَالف، أو فِيدِيرَالِيَة، أو جَبْهَة. لا يهمّ الاسم، أو الشكل، وإنما المهم هو المضمون.
5- الجَمَاهِير المعنية بمقاومة الرأسمالية المُسْتَـغِلَّة، هم خصوصًا العمال، والفلاحون، والأُجَرَاء المُسْتَـغَلُّون، والمُهَمَّشُون، والمُضْطَهَدُون. ولا يقدر أيّ حِزْب بِمُفرده على توحيد هذه الجَمَاهِير، وعلى إيصالها إلى خَوْض ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“. بل القوّة الوحيدة المؤهّلة لإنجاز تلك المهام هي ”الجَبْهَة“ الثورية، أو اليَسَارِية، التي تضمّ أكثر ما يمكن من بين قِـوَى اليسار.
4) ما هي المهمّة الأسبق، هل هي توحيد أحزاب اليسار، أم بناء جَبْهَة قِـوَى اليسار؟
1- عندما انتـقدتُ «فِيدِيرَالِيَة اليسار الديمقراطي»، وشُرُوطَ العضوية فيها، أجابني مُنَاضِل من ”حِزْب الاشتراكي الموحد“ قائلًا: «لا نـدّعي أن ”فيدراليتنا“ تُجسّد ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“. وإنما هي عمل تمهيدي لإنجاز وحدة اندماجية فيما بين الأحزاب الثلاثة العُضوة في هذه ”الفيدرالية“»! وعليه، نـُجيب : أن أيّ حِزْب هو حرّ في أن يتوحّد، أو أن يندمج، متى شاء، مع الحِزْب الذي يُعجَبْهَ. لكن المنطق السياسي يـطرح المشكلة التّالية: ما هي المهمة التي لها الأسبقية، هل هي ”توحيد“ أحزاب اليسار، أم هي بناء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“؟ بعض المُنَاضِلين يريدون البدء بتحقيق «وحدة اندماجية فيما بين أحزاب اليسار، في إطار حِزْب واحد». ونحن نـقول أن شُرُوط هذا الهدف لم تنضج بعدُ بما فيه الكفاية. ومن المُمكن أن التَـفَاوُتَ في التَرْكِيبَة الطبقية لأحزاب اليسار قَد لَا تَسمح بِتَوحِيدها. لذلك سيبقى ”توحيد“ أحزاب اليسار صعبًا، أو مستحيلا، في الفترة الحالية. حيث نلاحظ أن معظم قِـوَى اليسار تتجاهل بعضها بعضًا، ولا تعرف بعضها بعضًا بما فيه الكفاية. بل تحمل مُعظم قِـوَى اليسار آراء مُسْبَقَة (préjugés)، وسلبية، عن بعضها بعضا. ومُنَاضِلو كلّ قُـوَّة من بين قِـوَى اليسار يفكّرون، ويتصرّفون، في إطار ”عَصَبِيَة حِزْبية“ ضيّقة، وشديدة، ومُقلقة. لذا نـقول، أن المهمّة الأولى، والمُستعجلة، المطروحة اليوم على قِـوَى اليسار بالمغرب، ليست هي ”توحيد“ أحزاب اليسار في حِزْب واحد، وإنما هي تَنْظِيم، وخَوص، ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشتركة“، عبر التَنْسِيق، والتَـعَاوُن، والتَـكَامُل، في إطار ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“. بشرط أن تكون هذه الجَبْهَة ”مَرِنَة“، ”وَمُبْدِعَة“، وَ”مُوَسَّعَة“، لكي تـشمل أكثر ما يمكن من القِـوَى التـقدّمية، والثورية، واليَسَارِية. وهذه الجَبْهَة هي التي سَتُسَاعد على إنضاج شُرُوط توحيد أكثر ما يمكن من قِـوَى اليسار.
2- لماذا نُعطي الأسبقية لمهمّة ”بناء الجَبْهَة“، وليس لِمُهمّة ”توحيد أحزاب اليسار في حِزْب واحد“؟ لأن دينامية ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، هي التي ستـقوم بإنضاج شُرُوط الوحدة. ولأن أحسن السُّبل التي تُوفّر إمكانيات التَـقَارُب، والتَـعَاوُن، والتَـكَامُل، والتـفاعل، فيما بين قِـوَى اليسار، بل تُوفّر حتّى إمكانيات إنضاج شُرُوط توحيد بعض قِـوَى اليسار في حِزْب واحد، هي بالضّبط سَبيل المُشَاركة الجماعية في تَنْظِيم وخَوْض ”النِضَالات الجَمَاهِيري المُشْتَرَكة“.
5) ما هي أهداف "جَبْهَة قِـوَى اليسار" ؟
هدف ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، في المرحلة الحالية، ليس هو تحقيق وحدة اندماجية في حِزْب واحد، تجمع كلّ القِـوَى العضوة في هذه ”الجَبْهَة“. وإنما هدف هذه ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ هو تحقيق التَـقَارُب، والتَنْسِيق، والتَحَالف، والتَـعَاوُن، والتَـكَامُل، فيما بين مُجْمَل أعضاء هذه ”الجَبْهَة“. ولا شيء يمنع أيّة قُـوَّة من بين قِـوَى اليسار، التي ترغب في التوحد مع قِـوَى أخرى، من أن تـقوم، بشكل مُوَازٍ، بكل التدابير التي ستمكنها من تهييئ، أو تحقيق، هذه الوحدة المُبْتَـغَاة.
والغاية الأساسية مِن ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ هو: تَنْظِيم، وتدبير، وإنجاح، ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“.
ولا ينحصر هدف ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ في تَنْظِيم المُشَاركة في الانتخابات البرلمانية والمَحَلِّية. بل مِن واجب ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ أن تَحْرُصَ أيضًا على الرّبط فيما بين مُجْمَل أنواع النِضَال المشروعة (سواءً كانت في مواقع الإنتاج، أم في الشارع، أم في البرلمان، أم في الجماعات المحلية، أم في مجال الثقافة والفنون). كما يجب على ”الجَبْهَة“ أن تَحْرُصَ على إعطاء الأسبقية لتَنْظِيم وخَوْض ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“، دون إهمال المُشَاركة في الانتخابات.
وهذه السّيرورة التي ستخلقها دينامية تَنْظِيم وتدبير ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“، هي التي ستوفّر، في المستـقبل، عملية تحضير، وإنضاج، شُرُوط توحيد عَدَد معيّن من بين قِـوَى اليسار، في إطار حِزْب واحد.
6) من هِيَ القِـوَى السياسية المؤهّلة لِلْمُشاركة في جَبْهَة قِـوَى اليسار؟
منذ بداية التـفكير في بناء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، يقودنا العقل فورًا إلى طرح أسئلة من الصّنـف التالي: من هي القِـوَى السياسية المؤهّلة للمُشَاركة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“؟ ومن هي ”قِـوَى اليسار“؟ وما هي مَقَايِيس الانتماء إلى قِـوَى اليسار؟ وما هي معايير ”الحِزْب الثوري“، أو ”الحِزْب اليَسَارِي“؟
المَقَايِيس الرئيسية التي نُعرّف بها ”الحِزْب اليَسَارِي“ هي التّالية (ونثير الانتباه إلى أننا ننظر هنا إلى هذه المَقَايِيس كَمُمَارسة، وليس فقط كآراء نظرية، أو كمواقف مبدئية):
1- مِقْيَاس التوفّر على استـقلالية فكرية، وعملية. (بمَعْنَى أنه يُشترط في الحِزْب المعني أن لا يخضع لتوجيهات أيّة جهة كانت).
2- مِقْيَاس إعطاء الأسبقية لممارسة الدّفاع عن مصالح العمال، والفلاحين، والأجراء المُسْتَغَلِّين، والمُهَمَّشِين، والمُضْطَهَدِين، والمُسْتَضْعَفِين.
3- مِقْيَاس مناهضة الرأسمالية، والاستـغلال الرأسمالي، والإمبريالية، والاستعمار، والطَّائِـفِيَة (communautarisme). والطموح إلى مُجْتَمَع متحرّر من الاستـغلال الطبقي، ومن التمايز الطبقي.
4- مِقْيَاس مناهضة مُجْمَل أشكال الاستبداد، والفساد، والاستـغلال، والاضطهاد، والقمع، والتضليل.
5- مِقْيَاس المساهمة في النِضَال المَرْحَلِي، من أجل نظام اقتصادي ينـقص مِن حِدَّة الاستـغلال الرأسمالي، عبر تَـقْنِين ”حَدّ أدنى قانوني للمداخيل“، و”حدّ أقصى قانوني للمداخيل“، لا يتجاوز مثلًا قِسْمَة 1 إلى 8.
6- مِقْيَاس المُساهمة في النِضَال من أجل الديمقراطية، وفصل السُّلَط، واستـقلال القضاء، وحقوق الإنسان، والحرّيات الشخصية، والحرّيات الأساسية (حقوق التَنْظِيم، والفكر، والاعتـقاد، والشفافية، والمُحَاسَبَة، والنـقد، والتظاهر، والاحتجاج، والإضراب، ...). والدّفاع عن حقوق الأقلّيات المُتَنَوِّعة. والمساواة بين المرأة والرجل في حقوق المواطنة، إلى آخره.
7- مِقْيَاس الدّفاع عن حرّية العقيدة، وحرّية العبادة، وحرّية عدم العبادة، والفصل بين الدّين والدولة، والفصل بين الدّين والسياسة. وتحييد الدّين عن المؤسّـسات المدنية، وعن الاقتصاد، وعن القوانين.
8- مِقْيَاس الابتعاد عن كل القِـوَى التي تُعادي اليسار وَقِيَّمِه. ورفض التواطؤ الطبقي مع طبقة المُستَغِلِّين الكبار، أو مع المؤسّـسات الإمبريالية. ورفض النزعة اليمينية، والتطرّف، والطائفية، والمُحَاصَصَة. ومناهضة «العنـف كوسيلة لمعالجة الخلافات السياسية». ورفض وُجُود المِيلِيشْيَات.
9- مِقْيَاس تشجيع التَـقَارُب، والتَـعَاوُن، والتَـكَامُل، والتضامن، فيما بين مُجْمَل القِـوَى التـقدّمية، والثورية، واليَسَارِية، والاشتراكية، على شكل تَنْسِيقات، أو تَحَالفات، أو جَبَهَات، تخدم مختلف أشكال النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك.
يطرح بعض المُنَاضِلين (مثلًا من ”حِزْب الطليعة“) شرط الالتزام بِـ «الاشتراكية العلمية، والمادية الجدلية، والمادية التاريخية». وهذا الشرط غير ملائم، ولو أننا نتّـفـق على أهمية استيعاب هذه النظريات. لأن الطّرح المذكور يركّز على الإيمان بمعتـقدات نظرية، بينما المطلوب هو التركيز على مِقْيَاس الممارسة النضالية الثورية. زيّادة على أن المعتـقدات النظرية تبقى غير ثابتة، وغير مضمونة.
3- يطرح بعض المُنَاضِلين (مثلًا من ”حِزْب النهج“) شرط الالتزام بِـ «حِزْب الطبقة العاملة، وبالدور القيادي، أو بالدّور الطليعي، للطبقة العاملة». وهذا الشرط غير ملائم، لعدّة أسباب. منها أنه يمكن أن تُوجَد أحزاب يَسَارِية، تَدَّعِي الالتزام بالطبقة العاملة، دون أن تستطيع الارتباط فعليا، وعمليا، بالطبقة العاملة. كما يمكن، في فترة تاريخية، أن لا تـقدر الطبقة العاملة هي نـفسها على أن تكون طليعية، ولا حتّى طبقة ”لِذَاتِهَا“ (pour soi). وذلك لأسباب موضوعية، أو ظرفية، أو ذاتية(3).
◊ خُلاصة جُزْئِية :
الأحزاب المغربية التي تتوفّر فيها حاليا، ولو بتـفاوت نِسْبِـي، شُرُوط ”الحِزْب اليَسَارِي“ هي أربعة (بالتّرتيب الأبجدي): حِزْب الاشتراكي الموحد، حِزْب الطليعة، حِزْب المؤتمر الاتحادي، حِزْب النّهج.
أمّا «حِزْب الاتحاد الاشتراكي» فقد تـغيّر، ولم يعد لَا ثوريا، ولَا اشتراكيا. بل أصبح يتأرجح بين موقعي الوسط واليمين. وتطوّر أيضًا «حِزْب التـقدّم والاشتراكية»، وتخلّى عن ”تـقدّميّته“، وعن ”اشتراكيّته“، وأصبح حِزْبا يمينيا. كما تحوّل «حِزْب الاستـقلال»، وغدى يتأرجح بين مَوْقِعي اليمين واليمين المتطرّف. ولا تتوفّر في هذه الأحزاب المذكورة مَقَايِيس ”الحِزْب اليَسَارِي“. ولم يَعُودوا مؤهّلين للمُشَاركة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“.
7) شُروط العُضْوِيَة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“
1- شَرط العُضوية في الحِزْب، أو التَنْظِيم، المرشّح للعُضوية في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، هو أن تتوفّر فيه، وبقدر كاف، ”مَقَايِيس الحِزْب اليَسَارِي“ (المذكورة سابقًا في النـقطة السابقة رقم 6)(1).
2- مِن حَقّ كلّ قوّة سياسية عُضوة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ أن تحافظ على استـقلالها التَنْظِيمي، والسياسي، والفكري، والنِضَالي.
3- لا يحقّ لأي عضو، أو مجموعة من الأعضاء، في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، أن يطلبوا من أيّة قُـوَّة سياسية أخرى، عضوة في هذه ”الجَبْهَة“ (أو مُرشّحة للعضوية فيها)، أن تَحُلَّ تَنْظِيمها، أو أن تتخلّى عن قناعاتها، أو مواقفها، أو آرائها السياسية.
4- واجب كل قُـوَّة سياسية عضوة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ هو الالتزام الطَّوْعِي بالقرارات والتوجيهات التي شاركت (هي نـفسها) في تـقريرها، من داخل أجهزة ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“. أمّا القرارات التي لم تشارك في تـقريرها، (أو التي حضرت إبّان تـقريرها لكنها لم توافق عليها)، فبإمكانها أن لا تشارك مؤقّتًا في تنـفيذها. وهو ما نعنيه بِـ ”المُرُونَة“ في تنـفيذ القرارات.
5- واجب كلّ قُوّة سياسية عُضوة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ هو الالتزام بأن تُعبِّئ، وأن تَحُثَّ، مُجْمَل أعضائها، ومُنَاضِليها، وأنصارها، على المُشَاركة الفعّالة في تَنْظِيم، وخَوْض، وإنجاح، ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“ التي قرّرتها، أو التي تَـبَـنَّـتْـها، ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“.
8) ما هي الأسباب التي تَعُوقُ بِنَاء جَبْهَة قِـوَى اليسار بالمغرب ؟
رغم أن العَقل السّليم يُصِرُّ على ضرورة بناء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، جَبْهَة تكون مُكَلَّفة بتَنْظِيم وإنجاح ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“، فإن مُعظم قِـوَى اليسار بالمغرب ظلّت، منذ عُقُود مُتوالية، تَتَهَرَّبُ من إنجاز هذه المهمّة. وهذا تناقض غريب، وصارخ.
وبما أن قِـوَى اليسار بالمغرب لم توضّح لماذا تتهرّب من بناء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، بشكل مكتوب وعلني، فإننا لا ندرك جيّدًا أسباب غياب هذا ”النِضَال الجَبْهَوي“. فنضطر إلى تخيّل هذه الأسباب المُحتملة. وقد لا ترجع هذه الأسباب إلى صنـف واحد من العوامل، وإنما قد تعود إلى سلسلة من العناصر المختلفة، والمترابطة فيما بينها. (وقد تَـكون هذه الأسباب مثلًا من قبيل: المواقع الطبقية، الوَعْي، التَنْظِيم، التجارب، الثـقافة، النضج السياسي، البيئة المُجتمعية، تخلّف قِـوَى اليسار، تخلّف الشعب، غياب التثـقيف الذّاتي المُتَوَاصِل لدى مُنَاضِلي اليسار، مَنَاهِج التـفكير، القِيَم، الجرأة، الطموح، وُجُود عناصر بوليسية متسرّبة داخل بعض قيادات قِـوَى اليسار، إلى آخره). ويحقّ لكل مُنَاضِل أن يطرح تصوّره الخاص لهذه الأسباب. وأقترح هنا لائحة من الأسباب، التي يمكن أن تساهم في تـفسير عجز، أو تَهَرُّب، قيّادات قِـوَى اليسار بالمغرب من المُشَاركة في بناء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“. وأعترف مسبقًا أنه من المُمْـكِن أن تكون هذه الأسباب المُفَسِّرة التي أقدّمها هنا غير كافية لتـفسير غياب ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“. وأهم هذه الأسباب، هي ما يلي:
1- فيما يخصّ أصناف الأحزاب الموُجُودة بالمغرب، نلاحظ وُجُود 3 مَدَارِس سِياسة مُختلفة وَمُتَمَيِّزَة. وهي: 1) مدرسة الأحزاب ”المَخْزَنِيّة“، أو الخاضعة للسّلطة السياسية (أو لِلقَصْر المَلَكِي). وهي يمينية، أو رجعية، ولا تدخل في موضوعنا الحالي. 2) مدرسة الأحزاب التي انحدرت من «حِزْب الاستـقلال». مثل «حِزْب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»، ثم «حِزْب الاتحاد الاشتراكي»، ثم «حِزْب الطليعة»، ثم «حِزْب المؤتمر الاتحادي»، ثم «حِزْب الاشتراكي الموحد»، إلى آخره. وتتميّز أحيانًا هذه الأحزاب بما يُسَمَّى عَادَةً بِمُيُول نحو ”الاشتراكية الديمقراطية (la social-démocratie)“. وهذه الأحزاب تَـقْبَل، من فترة لأخرى، المُشَاركةَ في ”تَـوَاطُؤ طَبَـقِـي“ (collaboration entre classes sociales)، (باستثناء «حِزْب الطليعة»). وقد سَهُلَ تَحَالف هذه الأحزاب الثلاثة (وهي: حِزْب الطليعة، وحِزْب المؤتمر، وحِزْب الاشتراكي الموحّد) في «الفِيدِيرَالِيَة»، ربّما لأن مدارسها السياسية تنحدر كلها من مَصْدَر مُشْتَرَك هو «حِزْب الاتحاد الاشتراكي». حيث تتحلّى بمقوّمات سياسية مُتَشَابِهَة، أو متَـقَارُبة. 3) المدرسة الثالثة هي مدرسة الأحزاب التي انحدرت من الحِزْب الشيوعي المغربي. ومنها مثلاً «منظمة إلى الأمام»، ثم «حِزْب النهج الديمقراطي». ويتميّزان نِسْبِيًّا بِـتَـبَـنِّـي مَنْهَج ماركسي جذري. ويرفضان المُشَاركة في أيّ ”تواطؤ طبقي“. الشيء الذي لا يعني بالضرورة أن جميع مواقفهما صحيحة. وقد ظلّ «حِزْب النهج» مرفوضًا من المُشَاركة في «الفِيدِيرَالِيَة». وذلك قد يرجع بالضّبط إلى كون مدرسته السياسية تنحدر تاريخيا من مدرسة «الحِزْب الشيوعي المغري»، وليس مِن مدرسة «حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية». هذه مجرّد أطروحة نظرية.
2- تميل معظم قيادات قِـوَى اليسار إلى الحفاظ على ما هو مألوف لديها. وتتهرّب من الدخول في تجارب سياسية من صنـف جديد. فَتخاف من المُشَاركة في بناء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، أو ”جَبْهَة النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“. وتحتاط كثيرا من بناء هذه ”الجَبْهَة“ كما لو كانت «زواجا كاثوليكيا» يُحَرَّم فيه الطّلاق. بل تنظر إلى مهمّة بناء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ كأنها مُغامرة سياسية خَطيرة. وهذا التخوّف مبالغ فيه، بل غير مُبَرِّر. لماذا؟ لأن انخراط أيّ حِزْب أو تَنْظِيم في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، لا ينـقص من استـقلاليته الفكرية، والتَنْظِيمية، والسياسية، والنِضَالية. وحتّى إذا ما شارك أيّ حِزْب يَسَارِي في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، يبقى دَائِمًا بإمكان هذا الحِزْب أن ينسحب من هذه الجَبْهَة، في أيّ وقت أراد. كما يمكن لهذا الحِزْب أن يشارك في بعض النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة التي تُـقرّرها هذه ”الجَبْهَة“، كما يمكنه أن يرفض المساهمة في بعض ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“ الأخرى التي لا تلائمه. وهذا في إطار مَا أُسَمِّيه بِالانضباط المَرِن. وعليه، لا يوجد أيّ مُبَرِّر للتخوف من المُشَاركة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“.
3- نلاحظ باندهاش، وفي معظم الأحداث، أن قيادات قِـوَى اليسار بالمغرب لا تُتْـقِنُ بما فيه الكفاية فَنَّ معالجة التناقضات الداخلية، التي تظهر في كلّ عمل جماعي، سواء كان هو ”الحِزْب“، أم ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، أم ”الجَبْهَة“. ونجد هذه الظاهرة بقُـوَّة في عموم البلدان المسلمة. وما دامت التناقضات ظَاهرة عامّة، فَمِنْ واجب قيّادات وكوادر قِـوَى اليسار أن يتعلموا بجدّية فَـنَّ مُعالجة التناقضات الداخلية.
وبعض المسؤولين، في بعض قِـوَى اليسار، يتهرّبون من المُشَاركة في تأسيس وتنشيط ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“. ويبرّرون موقفهم قائلين: «تبقى ”جَبْهَة“ قِـوَى اليسار ثانوية بالمقارنة مع ”حِزْبنا“، لأن ”الجَبْهَة“ تأتي بمشاكل مُضْنِـيَة، وتُبعدنا عن مهام تـقويّة ”حِزْبنا“ الخاص، أو تُحَوِّل ”حِزْبنا“ إلى نَكِرَة مجهولة داخل مجموعة جَبْهَوِيَّة، واسعة، ومُبهمة، من الأحزاب اليَسَارِية»! ومثل هذا الرأي يتناسى أن ”الحِزْب“ ليس هدفًا في حدّ ذاته. وإنما هو وسيلة. بل هدف ”الحِزْب“، وكذلك هدف ”الجَبْهَة“، هو تَنْظِيم وخَوْض ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“، وإنجاحها، في اِتّجاه أفق تـغيير، وتَـثْـوِير المُجْتَمَع. فإذا ابتعد ”الحِزْب“ عن تَنْظِيم ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“، سيصبح وُجُود هذا ”الحِزْب“ غير مُبَرِّر. وبعد ذلك، سيفـقد هذا ”الحِزْب“ خصائصه النِضَالية الأصلية. ثمّ سيتطوّر نحو التّواطؤ الطّبقي، ثمّ الفساد، ثمّ الاضمحلال. (وهذا هو ما وقع تاريخيا في المغرب، بين سنوات 1956 و 2010 م، لِكلّ من ”حِزْب الاستـقلال“، ولِـ ”حِزْب التـقدّم والاشتراكية“، ولِـ ”حِزْب الاتحاد الاشتراكي“).
❊ يقول بعض المسؤولين، في بعض قِـوَى اليسار: «لا نـقبل المُشَاركة في جَبْهَة قِـوَى اليسار إلّا إذا ناقشنا، واتّـفـقنا، على القضايا النظرية، وعلى المسائل البرنامجية، والتكتيكية، والاستراتيجية»! بينما المَنْهَج السّليم يُوصِي بأن تكون هذه القضايا النظرية والاستراتيجية من اختصاص ”الحِزْب“. أمّا ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، فمهمّتها هي خصوصًا التركيز على تعبئة الجَمَاهِير، وعلى تَنْظِيم، وتدبير، وإنجاح، ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“، وليس الاتفاق على القضايا البرنامجية، أو الاستراتيجية.
❊ يظهر أن الطّرف الذي يُـثِـيـرُ التَحَـفُّـظ، أو الرَّفْض، لَدَى أحزاب "فِيدِيرَالِيَة اليسار الديموقراطي"، في مشروع بناء جَبْهَة قِـوَى اليسار، هو «حِزْب النهج». وقد يكون سبب رفض «حِزْب النهج» في مشروع الجَبْهَة، هو أن بعض المسؤولين، على الخصوص في قيادة «حِزْب الاشتراكي الموحد»، يحملون عواطف تجاه «حِزْب النهج» تَـتَّـسِـمُ بِـ ”أحكام مُسْبَـقَة“ (préjugés)، أو بِالحِيطَة، أو بِالتَخَـوُّف، أو بِالاسْتِهْجَان، أو حتّى بِالكَراهية. كأن قيادات الأحزاب الثلاثة في «الفِيدِيرَالِيَة» لا يثـقون في أنـفسهم، أو لا يؤمنون بإمكانية تطوّر، أو تطوير، «حِزْب النهج». بينما كل من يعرف مختلف مُنَاضِلي اليسار، يُدرك أن مُنَاضِلي «حِزْب النهج» يُشبهون باقي مُنَاضِلي أحزاب اليسار الأخرى، ولا يختلفون عنهم إلاّ في قضايا جُزئية، أو ثانوية.
❊ معظم قِـوَى اليسار بالمغرب (مثل الأحزاب الثلاثة في «الفِيدِيرَالِيَة») تهتمّ كثيرًا بالانتخابات، وتُهْمِل النِضَالات الجَمَاهِيرية التي تظهر بشكل مستـقل، في مواقع الإنتاج، أو في الشارع.
❊ كلّ قُـوَّة من بين قِـوَى اليسار بالمغرب تميل عادةً إلى تجاهل قِـوَى اليسار الأخرى، ولا ترضى بالحوار معها، ولا تـقبل التَنْسِيق معها، أو التَـعَاوُن معها، أو التَـكَامُل معها، أو التَحَالف معها.
❊ ضُعف الوَعْـي بالحاجة الحيوية إلى تَـكَامُل الطّاقات (المَحْدُودة، والمُشتّـتة) المُتوفّرة لدى مختلف قِـوَى اليسار الحالية.
❊ ضُعف الوَعْي بأن استمرار غيّاب النِضَال الجَبْهَوي، يحكم على مُجْمَل قِـوَى اليسار بأن تبقى مُشتّتة، وضَعيفة، وبالتّالي فاشلة.
❊ ضُعْف التـثـقيف الذّاتي المُتواصل لدى مُنَاضِلي قِـوَى اليسار بالمغرب.
❊ ضُعْف التَعامل النَـقْدِي مع مختلف قِـوَى اليسار.
❊ ضُعْف المَنَاهِج الفكرية التي يفكّر بها مُنَاضِلو وقادة قِـوَى اليسار بالمغرب.
❊ ضُعْف التجارب، وضُعْف التكوين، لدى كثيرين من مُنَاضِلي وكوادر قِـوَى اليسار بالمغرب.
❊ غياب حوارات صريحة ومُعمّقة فيما بين مُنَاضِلي قِـوَى اليسار.
❊ غيّاب أعمال فكرية تُساهم في بناء قَنَاعَات سياسية مُشْتَرَكة فيما بين مُنَاضِلي قِـوَى اليسار.
❊ قِلَّة المُرُونَة في التـفكير.
❊ ضُعْف الجُرْأَة على إِبْدَاع أساليب تَنْظِيمية، وأساليب نِضَالية، من نوع جديد.
9) هل فِيدِيرَالِيَة أحزاب اليسار بالمغرب تُجسّد جَبْهَة قِوَى اليسار ؟
1- منذ نشأتها في سنة 2014 إلى اليوم في سنة 2017، ضمّت «الفِيدِيرَالِيَة» ثلاثة أحزاب فقط من بين قِـوَى اليسار بالمغرب (وهي أحزاب: الاشتراكي الموحّد، والطليعة، والمؤتمر الاتحادي)، ورفضت مُشَاركة بقية قِـوَى اليسار (خاصة ”حِزْب النهج“). (سنرجع فيما بعد إلى نـقد الشُرُوط الثلاثة للعضوية في «الفِيدِيرَالِيَة»). بينما المَنْهَج الجَبْهَوي اليَسَارِي السّليم، هو الذي يَحْرُصُ على إشراك أكبر عَدَد مُمْـكِن من قِـوَى اليسار، ولو تَـفَاوَتَت بعض مواقفها النظرية، أو السياسية، أو العملية. وهذا الشرط (أي شرط التجميع الواسع) لا يتوفّر حاليا في «الفِيدِيرَالِيَة».
2- تُوجَد عدّة أنواع من النِضَال. أذكر من بينها هنا أربعة، وهي: النِضَال في مواقع الإنتاج، النِضَال في الشارع، النِضَال في البرلمان، والنِضَال في الجماعات المحلية. لكن عمل «الفِيدِيرَالِيَة» اِقتصر فقط على التَنْسِيق في مجال الانتخابات البرلمانية والجماعية. بينما المَنْهَج الجَبْهَوي اليَسَارِي السّليم يَحْرُصُ على الرّبط فيما بين كل أنواع النِضَال الثوري المُمْـكِنة، دون إهمال أيّ واحد منها. وهذا الشّرط لا يتوفّر في «الفِيدِيرَالِيَة». (ملاحظة: أنا أختلف جُزْئِيا مع «حِزْب النهج»، حيث أدعو إلى المُشَاركة في الانتخابات، سواءً كحِزْب، أم كجَبْهَة، يهدف استـغلال منابر البرلمان، والجماعات المَحَلِّية، لفضح النظام السياسي القائم).
3- مِقْيَاس وُجُود جَبْهَة القِـوَى اليَسَارِية هو، الالتزام المُمَنْهَج والمُتَوَاصِل، بالتَنْسِيق، وبالتَحَالف، وبالتَـعَاوُن، وبالتَـكَامُل، في مُجْمَل النِضَالات الجَمَاهِيرية (السياسية، والاقتصادية، والنـقابية، والثـقافية). وبعبارة أخرى، مِقْيَاس جَبْهَة قِـوَى اليسار هو الالتزام بخطّ ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، فيما بين أكبر عَدَد مُمْـكِن من قِـوَى اليسار. وهذا المِقْيَاس لا يتوفر حاليا في «الفِيدِيرَالِيَة».
4- بدأ عمل «الفِيدِيرَالِيَة» بمناسبة انتخابات أكتوبر 2016. وبعد صدور نتائج هذه الانتخابات، ظهرت بسرعة خلافات، أو تناقضات، أو سُوء تَـفَاهُم، على الخصوص فيما بين قيّادتي ”الحِزْب الاشتراكي الموحد“، و”حِزْب المؤتمر الاتحادي“. وبعد هذه الأحداث، ظهرت «الفِيدِيرَالِيَة» كأنها عُلِّـقَت، أو جُمِّدَت، أو في حالة عَطَب. فشرط الدّيمومة والفعالية لا يتوفّر حاليا في «الفِيدِيرَالِيَة».
5- رغم وُجُود تحرّكات نِضَالية جَمَاهِيرية مُتَنَوِّعة في الساحة السياسية (مثل نِضَالات الحِرَاك في مدينة الحُسَيْمَة، نِضَالات المُعَطَّلِين، نِضَالات عشرة آلاف إطار، نِضَالات الجمعيات النِسْوِيَة، نِضَالات الجمعيات الأمازيغية، نِضَالات الجمعيات الحقوقية، نِضَالات حول الحرّيات الشخصية، إلى آخره)، فإن «الفِيدِيرَالِيَة» لا تتـفاعل كفِيدِيرَالِيَة مع هذه النِضَالات الجَمَاهِيرية. فلا يتوفّر حاليا شرط الالتزام ”بالنِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“ في «الفِيدِيرَالِيَة».
◊ خُلَاصَة جُزئية :
لا تعتني حاليا «الفِيدِيرَالِيَة» بِـ ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، ولا تجسّد عملا جَبْهَويا فيما بين مُجْمَل قِـوَى اليسار، وإنما هي حاليا مجرّد تَحَالف انتخابي.
10) نَـقد شُروط العُضوية في فِيدِيرَالِيَة أحزاب اليسار بالمغرب
1- كان المطلوب من قيادات أحزاب «الفِيدِيرَالِيَة»، أن تطرح في شُرُوط العضوية، في هذه «الفِيدِيرَالِيَة»، عناصرَ تحتوي على مَقَايِيس الحِزْب اليَسَارِي (التي ذَكّرنا بها في بداية هذه المُداخلة). لكن قيادات هذه الأحزاب الثلاثة طرحت ثلاثة شُرُوط خارجة عن موضوع ”العمل الجَبْهَوي اليَسَارِي“. فقد قرّرت قيادات الأحزاب الثلاثة في «الفِيدِيرَالِيَة» ثلاثة شُرُوط هي: « 1) الالتزام بِسَقْـف المَلَكِيَة البرلمانية وعدم تجاوزه؛ 2) الالتزام بالمُشاركة في الانتخابات البرلمانية والمَحَلِّية؛ 3) الالتزام بكون الصحراء الغربية منطقة مغربية»(2). هذه الشُرُوط قد تصلح للعضوية في حِزْب، لكنها لا تليق بشُرُوط العضوية في جَبْهَة يَسَارِية. لأن ما يهمّ ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، ليس هو الاتّـفاق على أفكار، وإنما هو المُشَاركة الفعلية في تَنْظِيم وخَوْض ”نِضَالات جَمَاهِيرية مُشْتَرَكة“.
2- يمكن أن يَقبل هذه الشُرُوط المذكورة أعلاه، قرابة 30 حزبًا من بين الأحزاب اللّيبيرالية، و”المخزنية“، والخاضعة، واليمينية، والإسلامية الأصولية، والرجعية، الموُجُودة بالمغرب. (بما فيها أحزاب التجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، والحركة الشعبية، والعدالة والتنمية، والتـقدّم والاشتراكية، والاتحاد الاشتراكي، والأصالة والمعاصرة، إلى آخره). ولا تتوفر هذه الشُرُوط في حِزْب وحيد فقط، هو «حِزْب النهج»، ولو أن الجميع، بما فيهم «الفِيدِيرَالِيَة»، يشهدون أن «حِزْب النهج» هو حِزْب يَسَارِي. فيظهر أن مُبَرِّر وُجُود هذه الشُرُوط، ليس هو بناء أسـس النِضَال الجَبْهَوي اليَسَارِي، وإنما هو حيلة وُضعت لتبرير إقصاء «حِزْب النهج» من أيّ تَنْسِيق، أو عمل مُشْتَرَك.
3- إن تَوَفُّر هذه الشُرُوط الثلاثة في أيّ حِزْب كان، لا يعني، ولا يُثبت، أن هذا الحِزْب هو حِزْب مُنَاضِل، أو تـقدّمي، أو ديمقراطي، أو ثوري، أو يساري. وإنما تعني هذه الشُرُوط، أن هذا الحِزْب، تتوفّر فيه الشُرُوط الدّنيا التي يريد النظام السياسي القائم بالمغرب، أن تكون متوفّرة في كل حِزْب مُرخّص بوُجُوده في المغرب.
ما هو مُبرّر وُجُود أيّة جَبْهَة لقِـوَى اليسار؟ مُبَرِّرها هو النِضَال المُشْتَرَك، للدفاع عن مصالح الجَمَاهِير (من عمال، وفلاحين، ومأجورين، ومهمّشين، ومضطهدين). وما هي هذه المصالح الآنية؟ نذكر من بين هذه المصالح المرحلية على الخصوص: الشّغل، السكن، التعليم، الصحة، القدرة الشّرائية، النـقل العمومي، فصل السّلط، استـقلالية القضاء، دولة الحق والقانون، حقوق الإنسان، الحرّيات الشخصية، إلى آخره. فهل كانت شورط العضوية في «الفِيدِيرَالِيَة» تتعلّق بالنِضَال المُشْتَرَك للدفاع عن مصالح الجَمَاهِير الشعبية؟ كلّا، على خلاف ذلك، جاءت شُرُوط العضوية في ”الفِيدِيرَالِيَة“ وهي تَدُور حول مواقف نظرية، أو سياسية، تُوجَد فيها خلافات حادّة فيما بين قِـوَى اليسار. وهذه الشُرُوط الثلاثة لا تخدم مصالح الجَمَاهِير (المذكورة سابقًا). فهذا إذن مِنْهَاج غير سليم.
◊ خُلَاصَة جُزْئِية:
الشُرُوط الثلاثة للعضوية في «الفِيدِيرَالِيَة»، التي وضعتها قيادات الأحزاب الثلاثة، لا تخدم بناء جَبْهَة النِضَال الجَمَاهِيري واليَسَارِي المُشْتَرَك، وإنما تُعرقل بناء جَبْهَة يَسَارِية تشمل أكبر عَدَد مُمْـكِن من قِـوَى اليسار بالمغرب.
11) ما هي التجارب السّابقة في المغرب، في مجال العمل الجَبْهَوي ؟
1- بعض زعماء الحركة الوطنية بالمغرب، أمثال علال الفاسي، ومحمّد حسن الوزّاني، وأحمد بلافريج، أسّـسوا «كُتْلَة العمل الوطني» في سنة 1934 م. وقدّمت هذه «الكُتْلَة» دفتر «مطالب الشعب المغربي» للسّلطات الفرنسية المُستعمرة، في 1 ديسمبر 1934. وأثناء غياب الشخصيات التي قدّمت تلك «المطالب» مثل حسن الوزّاني في الخارج، انتهز علال الفاسي هذه الفرصة، فأقدم على تَنْظِيم المؤتمر الأول لِـ ”كُتْلَة العمل الوطني“، وغيّر هياكلها في 25 أكتوبر 1936. فاضطر حسن الوزاني إلى الانسحاب من هذه ”الكُتْلَة“. ثم استـغلّ المُقِيم العام الفرنسي هذا الانشقاق، وقرّر حضر هذه ”الكُتْلَة“ في 18 مارس 1937.
2- تأسّـست «الكُتْلَة الوطنية» في سنة 1993م. وكانت تضمّ أحزابًا باعتبارها «وطنية»، أو «ديمقراطية»، أو «وَسَطِيَة»، وليس باعتبارها أحزابا «يَسَارِية» (وهي: «حِزْب الاتحاد الاشتراكي»، و«حِزْب الاستـقلال»، و«حِزْب التـقدّم والاشتراكية»، و«منظمة العمل الديمقراطي الشعبي»). وكانت تُعْنَى بالتَنْسِيق، أو بالتَحَالف، في مجالات الانتخابات، وفي تدبير العلاقات، أو التـفاعلات، مع المؤسّـسة الملكية(). ولم يكن يهمّها تجميع قِـوَى اليسار (forces de gauche) في جَبْهَة. ولم تكن تَـعْتَنِـي بخَوْض النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة. فلا تدخل إذن هذه «الكُتْلَة الوطنية» في موضوعنا الحالي حول العمل الجَبْهَوي اليَسَارِي.
❊ وَأُعْلِنَ في سنة 2004 عن إنشاء إطار للتّنسيق فيما بين أربعة أحزاب يَسَارِية، تحت اِسم: «تَجَمُّع أحزاب اليسار بالمغرب». ونسمّيه اختصارًا بِـ «التَجَمُّع». لكن هذا الإطار وُجِد على الورق، ولم يُفعّل أبدًا. وبالتّالي فهذا الإطار لا يوجد على أرض الواقع. ولا نتكلّم عنه.
3- في سنة 2014، أُسِّـسَت «فِيدِيرَالِيَة اليسار الديمقراطي». وتجمع بين 3 أحزاب من اليسار (وهي: الاشتراكي الموحّد، والطليعة، والمؤتمر الاتحادي). فيُطرح التساؤل التالي: هل «فِيدِيرَالِيَة اليسار الديمقراطي» تُجسِّد ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“؟
12) ماذا يُمكن لِلمُنَاضِلين أن يفعلوه لتسهيل العمل بِجَبْهَة قِـوَى اليسار؟
1- يمكن لقيادات قِـوَى اليسار أن تستمر خلال مدّة إضافية طويلة في التهرّب من العمل بِجَبهة قِـوَى اليسار بالمغرب. أما المُنَاضِلون المتواجدون في قَوَاعِد مُختلف قِـوَى اليسار، والذين هم مُقْتَنِعُون بضرورة وُجُود ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، يمكنهم أن يبقوا في مواقعهم الحِزْبية، لكن يتوجّب عليهم، من الآن فصاعدًا، وبدون مزيد من الانتظارية، أن يتحرّروا من ”العَصَبِيَة الحِزْبية الضيّقة“، وأن يتجاوزوا الحُدود المُصْطَنَعة القائمة فيما بين قِـوَى اليسار، وأن يقتربوا من بعضهم بعضًا كمُنَاضِلين قاعديّين، وأن يتحاوروا فيما بينهم، وأن يبادروا بالتَـعَاوُن، والتَـكَامُل، والتَنْسِيق، في مجالات خَوْض، وتَنْظِيم، وتنشيط، أكبر عَدَد مُمْـكِن، من ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“.
2- السبيل الوحيد لتسهيل التَـعَاوُن، والتَـكَامُل، فيما بين قِـوَى اليسار، ولبناء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، هو المُشَاركة في تَنْظِيم وخَوْض أكثر ما يمكن من ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“.
3- السبيل الوحيد لإنـقاذ قِـوَى اليسار من التّشرذم، ومن الموت البطيء، هو أن نَـحُثّ مُجْمَل المُنَاضِلين الثوريين الحقيقيين على تـفعيل مَنْهَج ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“ فيما بين قِـوَى يَسَارِية مختلفة، لكي يُصبح مَنْهَجًا واجبًا، وَمَصِيرِيًّا.
4- السبيل الوحيد للدفاع عن مصالح الجَمَاهِير، هو الالتزام المُتَوَاصِل بالمُشَاركة في تَنْظِيم وتنشيط أكثر ما يمكن من ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“ (فيما بين أكبر عَدَد مُمْـكِن من قِـوَى اليسار).
13) ما هي الـمبادئ التي ينبغي أن يستوعبها كل فاعل مُرشّح للعضوية في جَبْهَة قِـوَى اليسار ؟
المبدأ المُبَرِّر والمُؤَسِّـس ”لِلجَبْهَة“، هو أنه، إذا لم نعمل بشكل جماعي داخل ”جَبْهَة“، بمَعْنَى إذا بقينا أفرادًا مُشتّـتين، أو إذا مَكَثْنَا قِـوَى متـفرّقة، فإن مصيرنا الحتمي هو أننا سنبقى ضِعَافًا، وعاجزين.
2- إذا كان توحيد عدّة قِـوَى يَسَارِية، أو ثورية، داخل ”حِزْب“ واحد، أمرًا صعبًا، أو مستحيلًا، فإن تَـعَاوُن وتَـكَامُل هذه القِـوَى الثورية داخل ”جَبْهَة“، هو أكثر سُهُولَة من إنجاز ”وحدة حِزْبية اندماجية“.
وخَوْض ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، من طرف عدّة قِـوَى يَسَارِية أو ثورية، هو دائما أقلّ صُعُوبَة، وأقلّ كُلْـفَةً، من ”الوحدة الحِزْبية الاندماجية“.
3- يمكن لقِـوَى اليسار أن تبقى مُتَعَدِّدة، وأن تحافظ على استـقلالها، وعلى تَنْظِيماتها، وعلى آراءها المختلفة، لكنها لن تـقدر على أن تكون فعّالة، إلّا إذا ظلّت تلتزم بالتّنسيق النِضَالي، وبالتّحالف السياسي، وبالعمل الجَبْهَوي، وبالنِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك، فيما بين أكثر ما يمكن من القِـوَى التـقدّمية، أو الثورية.
4- لِتَـلَافي أيّ سُوء تَـفَاهُم فيما بين القِـوَى المُرشّحة للمُشَاركة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، يجب أن نُذَكِّر، وفي كلّ المناسبات، أن انخراط أيّة قُـوَّة سياسية يَسَارِية في هذه ”الجَبْهَة“، لا يحرمها من حقّها في أن تحافظ على استـقلالها، على مستويات الآراء، والأفكار، والخط السياسي، والأشكال التَنْظِيمية، والأساليب النِضَالية، والاختيارات التكتيكية، والاستراتيجية. فإذا صادق حِزْب مُشَارك في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ على تَنْظِيم ”نِضَال جَمَاهِيري مُشْتَرَك“ محدّد، يمكنه أن يلتزم به. وإذا لم يصادق هذا الحِزْب على خَوْض ”نِضَال جَمَاهِيري مُشْتَرَك“ مُحدّد، يمكن لباقي أعضاء ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ أن يُعْـفُوا هذا الحِزْب مؤقّتًا من ضرورة خَوْض هذا ”النِضَال الجَمَاهِير المُشْتَرَك“ المحدّد الذي لم يوافق عليه. وهدف ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، هو تسهيل خَوْض أكثر ما يمكن من ”النِضَالات الجَمَاهِيري المُشْتَرَكة“، وليس هو إجبار الأعضاء في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“ على المُشَاركة في كلّ ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“ المطروحة في السّاحة.
5- المُنَاضِل الثوري الحقيقي، أو الحِزْب الثوري الحقيقي، هو الذي لا يفرض أيّ شرط على من يريد المساهمة في ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، باستثناء شرط واحد فقط، هو أن يكون هذا النِضَال في خدمة مصالح الجَمَاهِير الشعبية، أو مناصرًا للعدالة المُجتمعية، أو لمبادئ الديمقراطية، أو موجّها ضدّ الرأسمالية، أو ضدّ أعداء الطبقة العاملة، أو ضدّ الرجعيّين، أو ضدّ الحرب الإمبريالية، أو ضد الفاشية(3).
6- حسب الاتـفاقات المُبرمة فيما بين القِـوَى المُشَاركة في ”جَبْهَة“ القِـوَى التـقدّمية أو الثورية، يمكن ”للعمل الجَبْهَوي“ أن يتّخذ أشكالا مُتَنَوِّعة، ومتطوّرة، وذلك حسب الظروف القائمة في كلّ بلد معني، وحسب نوعية تَنْظِيمات الجَمَاهِير المَوْجُودة، وحسب مستوى نُضجها السياسي، على صعيد وطني، أو جهوي، أو قِطَاعِي، أو مَحَلِّـي.
7- المهام المرشّحة لكي تكون أهدافًا ”للعمل الجَبْهَوي“، و”للنِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، هي كلّ ما يدخل ضمن الدفاع عن المصالح الاقتصادية والسياسية والثـقافية الآنية للعمال، والفلاحين، والمأجورين، والحرفيّين، والعاطلين، والمقصيّـين، والمهمّشين، والمُضْطَهَدِين. وكلّ الغايات التي تـنـبع من الحاجيات الحيوية للجَمَاهِير الشعبية، وتلائم مستوى استعداداتها النِضَالية في الظروف القائمة، يُمكن أن يتبنّاها ”العمل الجَبْهَوي“، وأن يناضل من أجلها. كما يمكن ”للعمل الجَبْهَوي“ أن يشارك في كل الحركات النِضَالية، المُقترحة من طرف قِـوَى أخرى، والتي تكافح ضدّ القِـوَى الرأسمالية المُستغِلَّة، أو ضدّ الرّجعية، أو ضدّ الحرب الإمبريالية.
8- يجب أن يُدرك جيّدًا مُجْمَل المُنَاضِلين الفُرُوقَات المَوْجُودة بين ”الجَبْهَة“ و ”الحِزْب“ (أنظر هذه الفروقات في النّقطة الثانية تحت عنوان ”ما مَعْنَى الجَبْهَة؟“). وهدف ”الجَبْهَة“ هو (على الخصوص) تسهيل تَنْظِيم، وخَوْض، وإنجاح، ”نِضَالات جَمَاهِيرية مُشْتَرَكة“، مُتَنَوِّعة، وَمُتَـتَـالِيَة. وهدف ”الجَبْهَة“، ليس هو إعطاء الأولوية لإنجاز أهداف الأحزاب (المُـكَوِّنَة لِلجَبْهَة)، وإنما هو إعطاء الأسبقية لتحقيق المصالح الملموسة لجَمَاهِير الشعب، وعلى مدى قصير (وليس طويل). وأهمّ مصالح الجَمَاهِير تتلخّص اليوم في: توفير الشّغل، والسّكن الرّخيص، والعلاج الطبّي، والنـقل الجماعي، والتعليم، والأجور العادلة، والعدل المُجتمعي. ومن هذه الزاوية، فإن العمل المُوحّد داخل ”جَبْهَة“ تـقدّمية، أو ثورية، هو أكثر صُعُوبَة، بالمقارنة مع العمل داخل الحِزْب. لأن العمل داخل ”جَبْهَة“ يتطلّب انـفتاحًا ذهنيا واسعًا، ومُرُونَة كبيرة في التـفكير، وفي التنـفيذ. ويستوجب قدرة عالية على معالجة التناقضات الموُجُودة فيما بين الفُرَقَاء المُخْتَلِفِين، المُشاركين في ”الجَبْهَة“ المَعنية.
بعض المُنَاضِلين، أو بعض القِـوَى التـقدمية، يقولون: «نحن نُعارض توحيد العمل النِضَالي، ونرفض خَوْض النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك، المُقترح في السّاحة، وذلك لأننا نختلف مع تلك القِـوَى اليَسَارِية أو الثورية حول الكثير من القضايا التّكتيكية، أو الاستراتيجية». وهذا مَنْهَج غير سليم في التـفكير. لأن خَوْض نِضَال جَمَاهِيري، مُشْتَرَك، وملموس، ومحدّد، لا يتطلّب الاتـفاق على كلّ القضايا التكتيكية المتوسّطة المدى، ولا على القضايا الاستراتيجية البعيدة المدى. وإنما يستوجب فقط الاتـفاق على الحيثيّات الملموسة لهذا ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، المُقترح على مَدَى قصير. وأبرز هذه الحيثيات هي: أهداف هذا النِضَال، أو أشكال تَنْظِيمه، أو تَدْبِيره، وَطُرُق إنجاحه.
بعض المُنَاضِلين، أو بعض القِـوَى التـقدمية، يقولون: «نحن نعارض توحيد العمل النِضَالي، ونرفض خَوْض النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك، لأننا لا نرضى بالعمل مع قِـوَى يَسَارِية هي أصغر حجمًا منّا، أو أقلّ قِدَمًا منّا، أو أقلّ شَرْعِيّةً منَّا». وهذا منطق غير سليم. لأن إنجاح نِضَالات الجَمَاهِير، ضدّ خصومهم الرأسماليين، يستوجب توحيد كلّ الطّاقات المكافحة، المَوْجُودة في المُجْتَمَع، سواءً كانت صغيرة أم كبيرة، قديمة أم حديثة. وإلّا، فحتّى القِـوَى السياسية التـقدمية الكبيرة، ستتحوّل إلى قِـوَى معزولة، أو ضعيفة، أو عاجزة، أو فاشلة.
9- بعض السياسيين، أو بعض القِـوَى التـقدمية المُتَذَبْذِبَة (مثل ”حِزْب الاتحاد الاشتراكي“، أو ”حِزْب التـقدم والاشتراكية“)، يضعون شُرُوطا تعجيزية، أو إقصائية، بهدف تَلَافِي أيّ عمل موحّد، أو نِضَال مُشْتَرَك، مع القِـوَى اليَسَارِية، أو الثورية. ثم يتسابقون نحو العمل المُشْتَرَك مع القِـوَى الرأسمالية، ولو كانت يمينية، أو رجعية، أو خاضعة للقصر الملكي. بل يقبلون خدمة تلك القِـوَى الرأسمالية، والخضوع لها، حتّى ولو كانت شُرُوطها تـَقْضِي على استـقلالهم.
14) ما هي واجبات القِـوَى العُضْوَة في الجَبْهَة
من بين الواجبات الخاصّة، التي ينبغي على كلّ القِـوَى المُشَاركة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، أو في التَحَالف المُنَظِّم ”للنِضَال الجَمَاهِير المُشْتَرَك“، أن تلتزم بها، نذكر على الخصوص الواجبات التالية:
1- الصّدق في المشاورات، والنزاهة في الالتزامات.
2- التمسّك بمشروعية تَعَدُّد آراء وأفكار القِـوَى المُشَاركة في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“؛ وفي نـفس الوقت، الحِرْص على التزام مُجْمَل هذه القِـوَى، بالوحدة النِضَالية، في إطار تنـفيذ ”النِضَالات الجَمَاهِيرية المُشْتَرَكة“.
3- تَلَافِي عقد الاتـفاقات الجُزْئِية، بين قِـوَى تـقدّمية قليلة، وإعطاء الأسبقية للتَنْسِيق المُوسَّع، وللتشاور المُعمّق، والتآزر الشّامل، مع أكثر ما يمكن من القِـوَى التـقدّمية، والثورية، واليَسَارِية.
4- الالتزام المُتَوَاصِل بِـ : التواضع، والتَنْسِيق، والتَـعَاوُن، والتَـكَامُل، والاحترام المُتَبَادَل.
5- الحِرْص دائما على الانطلاق من الرغبة في الدّفاع عن المصالح الاقتصادية والسياسية الملموسة للجَمَاهِير الكادحة، وليس الانطلاق من نـقط الخلاف النظرية، أو السياسية، أو الاستراتيجية، الموُجُودة فيما بين قِـوَى اليسار.
6- الخصال التي يجب العمل على توفيرها في ”جَبْهَة قِـوَى اليسار“، هي أن تكون هذه ”الجَبْهَة“: وَاسِعَة (بمَعْنَى أن تشمل أكثر ما يمكن من القِـوَى التـقدّمية، والديمقراطية، والثورية)؛ ومَرِنَة (بمَعْنَى قابلة للتّكيّف مع الخلافات والصعوبات)؛ وكُفْئَة (بمَعْنَى أن يكون كَوَادِرُهَا عُلَمَاء، أو خُبراء، في أكثر ما يمكن من المجالات)؛ ومُبْدِعَة (بمَعْنَى قادرة على ابتكار أشكال وأساليب جديدة في مجال النِضَال).
7- التعوّد على ممارسة النـقد، والنـقد الذاتي، كسبيل أساسي لتشخيص الأخطاء، وتصحيحها.
8- الحِرْص على الانضباط التّام للقرارات المُشْتَرَكة (المُتَّـفَق عليها).
9- الدقّة في تنـفيذ القرارات المُشْتَرَكة، وإتـقان الجودة في إنجاز المهام.
10- السرعة في اتخاذ المبادرات، وفي تبديل الأشكال التَنْظِيمية، والأساليب النِضَالية، وذلك في ارتباط بِتَـغَيُّر الأوضاع القائمة.
11- حِرْص التَحَالف، أو الجَبْهَة، على الرّبط المستمر بين تعبئة الجَمَاهِير، وتَنْظِيمها، وتوعيّتها، وتثـقيفها، وإشراكها في النِضَالات الجارية.
12- عندما يتـقوّى النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك، وعندما تتـقوّى وحدة القِـوَى الثورية، يُستحسن التحلّي بالجرأة على الانتـقال، من الدّفاع، إلى الهجوم، في النِضَالات المُوجّهة ضدّ القِـوَى الرأسمالية.
13- تنمية ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، عبر منح الأولوية للتَنْسِيقات المحلية، وللاِتـفاقات المحلية، من طرف التَنْظِيمات المحلية، وخَوْض نِضَالات محلية.
14- ضرورة نـقد وفضح كل من يقوم بتخريب ”النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك“، سواءً تعلّق الأمر بأشخاص، أم بتَنْظِيمات، مع الحِرْص في هذا الفضح على صيّانة استمرارية وحدة النِضَال الجَمَاهِيري المُشْتَرَك.
15- من مهام جَبْهَة القِـوَى اليَسَارِية، أو الثورية، أن تشرح للجَمَاهِير الكادحة، لماذا يجب الحَذَر من الأحزاب الدّينية، والابتعاد عن الأحزاب الإسلامية الأصولية. لأن هذه الأحزاب الإسلامية تناصر الرأسمالية، بل يمكن أن تتحوّل إلى قُـوَّة رجعية، أو فاشية (fasciste)، وأن تـقاتل ضدّ القِـوَى الثورية. وقد تحاول الأحزاب الإسلامية الأصولية تـغليط الجَمَاهِير، وهي تـقول: «نحن حِزْب من نوع جديد، أو استثنائي، وحِزْبنا ليس لا يمينيا، ولا يَسَارِيا». وهذه مغالطة ضخمة. لأن كل حِزْب كَيْفما كان نوعه، يندرج حتمًا إمّا ضمن أحزاب اليمين، أو الوسط، أو اليسار. وحتى أحزاب الوسط لا تـقدر على الاستـقرار طويلًا في موقع وسط، بل تميل، في جلّ الحالات، نحو اليمين. والأحزاب الإسلامية هي في جوهرها، أحزاب رأسمالية، ويمينية، ومحافظة. بل يمكنها في ظروف خاصّة أن تتحوّل إلى أحزاب رجعية، أو فاشية. لأنها تستـغلّ الدّين في السياسة، وتحمل فكرا استبداديا، أو تكفيريا، أو إقصائيا، أو مطلقًا. وتعادي الحداثة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان. والحل الوحيد للتعايش مع هذه الأحزاب التي تستـغلّ الدّين في السياسة، هو تشريع فصل الدّين عن السياسة، وفصل الدّين عن الدولة، والتزام جميع مكوّنات المُجتمع بهذا التشريع.
16- عندما نلتـقي بِمُمَثِّـلِـي أحزاب ثورية من بلدان أخرى، معروفة بنجاحها في بناء ”جَبْهَة“ يَسَارِية، أو ثورية، أو ديمقراطية، في بلدان مثل تونس، أو فرنسا، أو تركيا، أو اليونان، أو إسبانيا، وعندما نسألها عن ”السِرّ“ في نجاحها في بناء «جَبْهَة قِـوَى اليسار»، يُجيبنا عادة هؤلاء الممثلين، أن هذا ”السرّ“ يكمن في التزام الأحزاب والمُنَاضِلين، المُنخرطين في ”الجَبْهَة“، بالمبادئ التالية:
أ) أن لا تَشْتَرِطَ النَّـقَاوَة الأيديولوجية، أو الاتـفاق الفكري الشَّامل على كلّ شيء.
ب) أن لا ترغب في أن تصبح ”طليعة“ للجَبْهَة، أو ”قيادة“ للحركات الجَمَاهِيرية.
ت) أن تعطي دائما الأسبقية إلى مصالح الشعب، وليس إلى مصالح حِزْبك الخاصة.
ث) أن تَتَلَافَى الوُصول إلى وضعية فيها منتصرين ومنهزمين.
ج) أن تتذكّر دائما أن ”الجَبْهَة“ ليست حِزْبا طاهرًا، وإنما هي مجرّد وعاء تَنْظِيمي، مؤقّت، ومَرِن، يهدف إلى تسهيل ”نِضَالات جَمَاهِيرية مُشْتَرَكة“، على مدى قصير، أو متوسّط.
ونتمنّى لِمُجْمَل المُنَاضِلين، قيادات وأفراد، في قِـوَى اليسار ، أن يرقوا إلى مستوى التَحَلِّـي بهذا ”المَنْهَج الجَبْهَوي“.
رحمان النوضة
(حُرّرت الصّيغة الأولى لهذا النصّ في 20 ماي 2017. وقُدّم مَضْمُون هذا النَصّ كَمُدَاخَلَة لرحمان النوضة، خلال ندوة تحت عنوان: العمل الجَبْهَوي الموحّد، واليسار الديمقراطي بالمغرب . وعُقدت هذه النّدوة في مدينة مكناس، في 21 ماي 2017. وكانت منظّمة من طرف حِزْب النهج الديمقراطي . وشارك في هذه الندوة، بالإضافة إلى رحمان النوضة، المُنَاضِلان مصطفى الشافعي، وعلي بلمزيان).
الـــــهَـــــوَامِــــــش
(1) لتنبيه القارئ إلى المفاهيم الأساسية الموُجُودة داخل الوثيـقة الحالية، أضع هذه المفاهيم بين قوسين، هكذا: ”...“.
(2) مثلًا فيما يَخُص ”حِزْب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي“، نَشَر بيانًا في يوم 7 أكتوبر 2017، دعت فيه لجنته المركزية «جميعَ القِـوَى المُنَاضِلة ... إلى توحيد طاقاتها في مواجهة الهجوم المخزني». وقالت: «وإذ نُـنَـوِّهُ بالجهود التي تبذلها فدرالية اليسار الديمقراطي... نُجدّد دَعْوَة الحِزْب لتكوين جَبْهَة شعبية ديمقراطية لِلنِضَال من أجل الانتـقال إلى الدولة الوطنية الديمقراطية بمقوماتها الدستورية والقانونية».
(3) أنظر وثيقة وثيقة نـقد التعامل مع النظرية الماركسية ، رحمان النوضة. ويمكن الوصول إليها في مدوّنة الكاتب: (http://LivresChauds.Wordpress.Com).
(4) إِبَّان التحضير لتنظيم مَسِيرَة لِلمُطالبة بإطلاق سَراح مُعتـقلي حِرَاك منطقة الرِّيق، في يوم الأحد 8 أكتوبر 2017 بالدار البيضاء، رفضت "شبيبة فِيدِيرَالِيَة اليسار" «أيّ تَنْسِيق مع "جماعة العدل والاحسان" الإسلامية، أو مع شبيبتها، حول الأشكال النِضَالية المزمع اتخاذها من أجل دعم معتـقلي حِرَاك منطقة الرِّيف». وأقدمت "شبيبة فِيدِيرَالِيَة اليسار" على «طرد أعضاء من "شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي" الذين كانوا يحضرون اجتماعا تَنْسِيقيا حول الإعداد لمسيرة وطنية دَعْمًا لِمُعتـقلي حِرَاك منطقة الرِّيف»… بمُبَرِّر أن «حِزْبهم كان من ضمن الأحزاب التي هاجمت حِرَاك الرِّيف، وَخَوَّنَت نُشطاء هذا الأخير». (المصدر: مقال نشره هشام العمراني، منشور على مَوْقِع الإِنْتِرْنِيت بَدِيل أَنْـفُو ، في يوم 27 سبتمبر 2017).
(5) إِبَّان التحضير لتنظيم مَسِيرَة لِلمُطالبة بإطلاق سَراح مُعتـقلي حِرَاك منطقة الرِّيق، في يوم الأحد 8 أكتوبر 2017 بالدار البيضاء، رفضت "شبيبة فِيدِيرَالِيَة اليسار" «أيّ تَنْسِيق مع "جماعة العدل والاحسان" الإسلامية، أو مع شبيبتها، حول الأشكال النِضَالية المزمع اتخاذها من أجل دعم معتـقلي حِرَاك منطقة الرِّيف». وأقدمت "شبيبة فِيدِيرَالِيَة اليسار" على «طرد أعضاء من "شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي" الذين كانوا يحضرون اجتماعا تَنْسِيقيا حول الإعداد لمسيرة وطنية دَعْمًا لِمُعتـقلي حِرَاك منطقة الرِّيف»… بمُبَرِّر أن «حِزْبهم كان من ضمن الأحزاب التي هاجمت حِرَاك الرِّيف، وَخَوَّنَت نُشطاء هذا الأخير». (المصدر: مقال نشره هشام العمراني، منشور على مَوْقِع الإِنْتِرْنِيت بَدِيل أَنْـفُو ، في يوم 27 سبتمبر 2017).
(6) Voir Georgi Dimitrov, The fascist Offensive and the Tasks of the Communist International in the Struggle of the Working Class against Fascism, on the site: https://www.marxists.org/reference/archive/dimitrov/words/1935/o8_o2.htm#s6.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة
.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا
.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط
.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم
.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة