الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فن النوم على المسامير

جعفر المظفر

2022 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


أكثر المجالس والمنتديات الثقافية العراقية والعربية خصصت محاضرة على الأقل لموضوعة الغزو الروسي لأوكرانيا, لكن بعض المحاضرين والمحاورين سرعان ما أغرقوا في قضية التعاطف مع الشعب الأوكراني منددين بالغزو الروسي لأراضيه حتى تحولت المحاضرات وكأنها مجرد جلسات تضامنية مع الشعب الأوكراني وللتنديد بـ (الوحش بوتن) ومآتم للحزن والبكاء والعويل على الشعب الأوكراني المسكين والمُبهذل.
لست ضد التعاطف بطبيعة الحال مع قضية الشعب الأوكراني, ولن أترك لأحدٍ أن يزايدني على مسألة الإيمان بالديمقراطية وحق الشعوب في تقدير مصيرها وإدانة الغزو بكل أشكاله, فأنا إبن العراق وكنت فيه حينما خاض أغلب حروبه الأخيرة وحينما تسبب له صدام الدكتاتور بكثيرٍ من الكوارث.
غير إنني وأنا أستمع لبعض المحاضرين الذين توسمت فيهم سعة الأفق والمعرفة ومهنية البحث والتقصي, متطلعاً إلى معرفة المزيد من عُقد هذه القضية الأخطر على أمن العالم برمته, سرعان ما أُصبت بخيبة الأمل لأن هذه المحاضرات وبعض الحوارات ذهبت إلى التركيز على جوانب التعاطف مع ماساة الشعب الأوكراني وإلى الحد الذي صرنا فيه وكأننا في جلسات تضامنية مع الشعب الأوكراني لا أكثر, وأمام خطب تنديد بالدكتاتور بوتن وإشادة بالديمقراطي زيلنسكي ليس إلا.
لقد نسينا ان الحدث الأوكراني يصلح الآن لكي يكون (اكاديمية علوم سياسية) قائمة بحد ذاتها حيث يمكن من خلالها فهم الصراع العالمي على حقيقته ومآلات تشكيل العالم الجديد, وربما بداية انتقاله من نظام القطب الواحد إلى العالم متعدد الأقطاب وما يرافق ذلك على صعيد التغيرات التي ستحصل على صعيد ترتيب أهمية القوى وطبيعة التحالفات.
وتحت شعارات الإيمان بالديمقرطية والإنحياز لها ضد الدكتاتورية عَوّمْنا, بل وضَيّعنا, الاسباب الحقيقية لحصول هذا الغزو وكأن (بوتن) مجرد مجنون روسي تتحكم به عقدة القياصرة وحلمهم بالوصول إلى مياه الخليج الدافئة, أو يتلبسه وهم إعادة الإتحاد السوفيتي إلى سابق عهده, وهو كان قد استيقض ذات صباح فلبس جبة الجنرال وأمسك بعصا المارشالية وأشار بها إلى حيث تقع أوكرانيا صائحاً أريد زيلينسكي حياً أو ميتاً.
وأجد أنننا ومن خلال عناوين كراهية بوتن والإنتصار للشعب الأوكراني والتغني بقضايا الديمقراطية واللبرالية قد وقعنا في فخ تعويم القضايا ذات الأهميات الإستراتيجية على أمن العالم كله.
نحن العراقيون كأننا صرنا خبراء بالدعوات التي تعوم حق الشعوب تحت لمعان هذه الشعارات, لكن علينا أن نعلم أن تلك الشعارات لا تصلح وليس من الحق ان يجري تحت يافطاتها تنفيذ الحق الذي يراد به باطل. وكنا بالأمس قد خبرنا كيف جرى تحت عنوان إستثمار كراهيتنا للدكاتور صدام تبرير احتلال العراق وتسليمه تحت مسمى الديمقراطية ويافطاتها إلى حفنة من اللصوص والعملاء. وكنا قد أدنا غزو صدام للكويت في أثنائه, لكننا لن ننسى كيف إستثمر الكويتيون والدول التي ساندتهم هذه الكراهية من أجل تضيع حق العراق وإستلاب أراضيه وحقول نفطه وإطلالاته البحرية.
حذارِ حذارِ أيتها الأخوات والأخوة أن يجري تضيع الحقوق الأساسية للشعوب والبلدان وطمس الأسباب الحقيقية للصراعات تحت عناوين إنسانية يجري إستثمارها حتماً لإخفاء الوجوه الحقيقية لهذه الصراعات.
وفي مجالسنا الثقافية نحن نحتاج إلى أكثر من كلمات التضامن أو برقيات الحزن. نحتاج إلى فهم أفضل للعالم من خلال بوابات أزماته الصعبة, خاصة ونحن كنا قد خبرنا مأسي الحروب وأهوالها ومصائب الغزو وكوارثه.
ولن يصير من الحماقة أبداً, أو فِقَر التفكير, لو أننا تفحصنا الكارثة الأوكرانية بمناظير كوارثنا العراقية الفائقة الجودة وفهمنا على صعيد المبادئ العامة, ورغم إختلاف التفاصيل والمشاهد الخاصة, كيف يعلو في أحيانٍ عدة صوت الحق الذي يُراد به باطل.
وربما سنصل إلى بناء حقيقة تقول أن بإمكان الديمقراطي أن يضيع بلده أيضا.
ذلك أن ضياع البلدان ليست من إختصاص الدكتاتور لوحده.
وفي مكان آخر كنت قد كتبت أن أوكرانيا هي واحدة من البلدان التي يجب ان يقودها زعيم سياسي يعرف كيف يتقن فن النوم على فراشٍ من المسامير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال