الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب:الانتقال من من بناء -القوة- إلى بناء الثقة

أحمد الخمسي

2006 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لو اعتبرنا فترة الأربعة عقود التي خلالها وفوقها امتد عهد الحسن الثاني نموذجية لتشكيل مرحلة تاريخية مكتملة، كمرحلة لإعادة بناء الدولة في المغرب، كضرورة بنيوية ووظيفية لمراكمة أسس التقدم التاريخي لمجتمع وكيان القطر المغربي، لصح اليوم أن ناتي بسيناريو مرحلة تاريخية موالية مشابهة تضاف لمثيلتها السابقة، على أن تساعد المغرب على الاقتراب أكثر من بعدين من بين أبعاده المتعددة: بعده ال>اتي بخصوصياته، وبعده الموضوعي بانصهاره في العالم المعولم الراهن.فإذا اعتبرنا جهد الحسن الثاني تراكما في نفس الاتجاهين المذكورين، فما عساه يكون سيناريو عهد محمد السادس؟

* * *

ربما من سخرية التاريخ أن يجعل رجلا مصنفا في لائحة النخبة السياسية المغربية من الصنف المتواري مع عهد إدريس البصري وكأنه قد انحل وتفتت ككائن سياسي في حزب إداري من الأحزاب التي اعتمدها إدريس البصري لتأثيث جبروته التقنوقراطي تأثيثا حزبيا، أن يضعه التاريخ مرة أخرى في الواجهة، ناهضا من تحت الرماد، وهو مثل إدريس البصري، يكاد لا يضبط صرف ونحو جملة واحدة من اللغة العربية، وهو يمثل أكثر مناطق المغرب تمثلا لقوة التعبير الفصيح العربي عبر تقاليد الحفظ السليم لآلاف الأبيات الشعرية العمودية وصفاء ذهن وقوة ذاكرة لا تكاد تعادلها منطقة أخرى في ذاكرة الفصحى بالمغرب إلا منطقة اغمارة في شمال المغرب. إنه رئيس المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء: خليهن ولد الرشيد.

فمن تابع حديثه مع قناة الجزيرة القطرية، يتعجب من فسحة الخيال السياسي التي اتسعت في تعبيره، وهو يخاطب أكثر خصوم الدولة المغربية إلى الآن: جبهة البوليساريو، ونحن نتذكر غضب الراحل الحسن الثاني في حق بعض قادة الأحزاب المغربية عندما اقتضى تنظيم المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر أواخر الثمانينات، حضور الضيوف المغاربة والبوليساريو في نفس أروقة المؤتمر، في وقت كان الفلسطينيون أواخر الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) في أشد الحاجة إلى التضامن وتحت اشد أنواع الضغط من جانب الأنظمة العربية. اليوم نجد قياديا سابقا في حزب إداري الذي طالما اعتبر التطابق بل الانصياع التام لخطابه مع الخطاب الذي كان إدريس البصري ينهجه بابتزاز الأحزاب التي كانت تحتفظ لنفسها بمسافة عن جبروته، بل عبر مواجهة جبرته بين الفينة والأخرى، ها هو القيادي خليهن ولد الرشيد، يخاطب رئيس جبهة البوليساريو بدسم الخطاب الودي، مع تكرار وملحاحية عبر الفضائية المذكورة: "أخي محمد" متوجها إلى محمد عبد العزيز.

إن تمالك النفس ورفع مستوى الخطاب السياسي في قضية كانت حساسة بالنسبة للمخزن بالدرجة التي بلغت درجة النبذ الشعبي عبر وضع "داك الشي اللي ما يتسماش" على باب كل من تساهل مع حضور البوليساريو، يعني أن ميكانزمات صناعة الرأي العام وإنضاج القرار السياسي، قد تغيرت في عهد محمد السادس، بكيفية تتبنى الترفع عن التنابذ بالألقاب من خلال مناداة محمد عبد العزيز باسمه، مما يقصر مسافة الإقناع لدى الطرف الثاني، والجمهور المحيط به، إضافة إلى الجاذبية التي يتمتع بها نظام الحكم الذاتي الموسع، كأسلوب ديمقراطي، عبر تقسيم السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية ما بين العاصمة المركزية وبين عاصمة الحكم الذاتي الموسع.

إن بناء القوة طريق "هارد" لبناء الثقة الذاتية. لكن بناء الثقة طريق "سوفت" لبناء القوة المتوازنة. ففي عهد الحسن الثاني، كانت التراكمات السياسية تترسخ بسياسة منفردة مغلقة، خصوصا في قضية الصحراء. واليوم، وقد تبدل الخطاب المرسل عبر الفضائية الأكثر تأثيرا في العالم العربي (الجزيرة)، عبر منهجية تفكك الخطاب وتفصل فيه جوهر القضية عن بيداغوجية التواصل، مما يرفع مستوى المردودية في الإقناع والإقتناع، عبر كيمياء واقعية تعترف بالصعوبات الموضوعية وتتعامل معها كما هي قبل طرح الموقف الذاتي بما فيه من توابث ومن قوة إرادة وبيداغوجية التواصل، مما يرفع مستوى المردودية في الإقناع والإقتناع، عبر كيمياء واقعية تعترف بالصعوبات الموضوعية وتتعامل معها كما هي قبل طرح الموقف الذاتي بما فيه من توابث ومن قوة إرادة وإصرار.

إذ يصبح الخطاب المركزي الذي ترسله الدولة عبر رئيس المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء، دائرة ثانية بعد خطاب الدولة في شخص الملك والحكومة، أداة سياسية لإرسال صياغة أخرى لمشروع الحكم الذاتي في الصحراء أو قل صياغة مطابقة لمضمون آخر لمصطلح السيادة. إذ غالبا ما ترك خطاب العهد السابق رنة التشدد والتصلب والانغلاق بصدد موقف الدولة تجاه ما يتعلق بالسيادة. وكأن الحديث عن السيادة يضع الدولة مباشرة في دائرة التشنج والضعف. والحال أن الدول الأوربية، وهي تمتلك الوسائل البنيوية واللياقة البدنية، في المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية، تعتبر الشفافية والمناعة المبنية على الحرية أفضل وسيلة للحفاظ على مؤسسات السيادة ورموزها في العمق.

* * *

فلو اعتبرنا الركيزة الأساسية لتجديد شرعية الدولة في علاقتها مع المجتمع في عهد محمد السادس، تنبني على إعادة بناء الجسور الاستراتيجية بين الدولة والمجتمع، لكان الرأي العام، أكثر الجسور المعتمدة لإنجاز هذه المهمة البنيوية/الوظيفية.

فالحديث الجاري حول الإنصاف والمصالحة ترميم لجسور قائمة، هدمت الدولة أجزاء منها في الماضي، أفقدت الطرفين الكم الكافي من الثقة لبناء مشروع استراتيجي بحجم الحداثة والديمقراطية، في الحاضر والمستقبل.

أما إعادة تشكيل العلاقة التواصلية بين الدولة والمجتمع على أساس الشفافية، كسلطة رابعة، أو كسلطة مضادة للسلط الثلاث المعتمدة سابقا، فهو بناء ممتد على مساحة جديدة، من شأنه المساعدة على إعادة تصميم العلاقة القائمة بين تلك السلط الثلاث، ما دام الحجم المطلق للدولة قد أخذ في استعادة نسبيته الدنيوية الوضعية، عبر إخضاع التدبير اليومي للبنيات التحتية المكونة للمؤسسة العليا في الدولة لمتابعة أوضاعها من طرف الرأي العام، من خلال الكشف عن مكامن الخلل في تسيير القصور الملكية، وتسليط الضوء على محيط الملك، سواء تعلق الأمر بما قد ينجم عن الدور الأمني الوظيفي من شطط في السلطة التقديرية للعمل اليومي، أو كل ما قد يساهم في تقليص القدرات الوظيفية للمؤسسة الملكية.

إن ملء الحيز الصحافي الدوري بموضوع المؤسسة الملكية سلاح ذو حدين. فإن هو اشتغل وفق المنهجية العقلانية اقتضى التراكم الكمي تحويله إلى وسيلة لبيداغوجيا ديمقراطية. وإن هو شغل الناس عن ميكانزمات القضايا المطروحة في جدول الأعمال الأكثر تأثيرا على المدى الطويل، أصبح ستارا تكتيكيا مضللا ومخلا بمهام الشفافية.

إن المحتوى النسبي للدولة في أذهان الناس، جزء من المفهوم الديمقراطي للعلاقة بين الدولة والمجتمع المغربي. إذ من شأنه أن ينقل المسؤولية من كاهل الدولة إلى المجتمع على مستوى الوعي. ومن شأن هذا التحول في حركية الوعي أن يملأ اليومي في حياة الناس بمضمون المواطنة المسؤولة. فالشفافية الإعلامية في العلاقة بين الدولة والمجتمع بكيفية متبادلة ومتوازنة، عملية نشطة مستمرة في تهيئة أرضية الوعي بالمسؤولية. مما يساعد المجتمع، ذاتيا،على التحول المستمر من المجتمع الأهلي الخام، ككتلة من الرعايا والخدام والعبدة، إلى مجتمع مدني منظم واع بما يلقى على كاهله من مسؤوليات، مقابل ما تتحمله الدولة من مراقبة بالتقسيط، عبر التعرض لما يجري في مختلف أجهزتها ومؤسساتها، باستمرار.

إن ثقة الناس بقوة الجسور الديمقراطية الرابطة بين الدولة والمجتمع، أسمنت مسلح معتمد أساسا قويا، تقف عليه العلاقة الاستراتيجية بين الدولة والمجتمع. مما ينقلنا من المعادلة السابقة بين الدولة والمجتمع، المتسائلة عما إذا كان المطلوب إقرار دولة المجتمع أم إقامة مجتمع الدولة- هذه العبارة المعادلة كانت الحيز الأساس في اشتغال العقل السياسي للراحل الفقيه البصري- إلى الحيز النسبي، العقلاني، البنيوي، الدنيوي، الوظيفي، للعلاقة بين الطرفين. والذي من شأنه مساعدة كل الايديولوجيات على تشكيل حيز اجتماعي معترف لها به، في سياق الاعتراف العملي والتراكم الملموس.

وبذلك، يوضع الهدف المشترك للدولة والمجتمع على سكة الفعل التاريخي والاعتراف اليومي في نفس الآن، وهو الانتقال بالمفهوم المشترك عن الدولة، من المحتوى الشرقي، المنبني على تضخيم الدولة وتقزيم المجتمع، إلى المحتوى الحديث القائم على التوازن في حجم كل من المجتمع والدولة. وعلى طريق، أنسنة أدوار كل المكونات البشرية في المغرب، وعلى طريق تحديث العلاقات وعقلنة الأدوار، من الطبيعي أن تكون النتيجة التوصل إلى تأمين استمرارية كل المكونات الأصلية في الذات السياسية المغربية، لا بمضمون محافظ رجعي، ولكن بتفعيل ديناميكي لكل الخصوصيات التي من شأنها إغناء الحضور المغربي في المجموعات الإقليمية والعالمية. وبالتالي إضفاء القيمة المضافة للحضور المغربي في الساحة الخارجية بناء على تناسل منتج للمستقبل فيه التكامل بين الخاص المغربي والعام العالمي، ف"من لا بر له، لا بحر له" على حد قول محمود درويش. وخصوصياتنا بر لنا قبل أن نخرج إلى العام العالمي. لكن تحويل الخصوصيات إلى سلاسل وقيود تتناقض مع الحرية كقوة دفع حيوية لكل فعل، يحرمنا من الاستفادة من فوائد الخاص والعام سواء بسواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مين اعترف بالحب قبل.. بيسان أو محمود؟ ????


.. العراق.. اهتمام شعبي لافت بالجرحى الفلسطينيين القادمين من غز




.. الانتخابات الأوروبية: انتكاسة مريرة للخضر بعد معجزة 2019.. م


.. أغذية فاسدة أو ملوثة، سلع مستوردة مجهولة المصدر.. كيف نضمن ج




.. هنا تم احتجازهم وهكذا تم تحريرهم.. مراسل سكاي نيوز عربية من