الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبجدية الحزن العربي

فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)

2022 / 3 / 19
سيرة ذاتية


قرئت قديما أن اللغة هي الإنسان ،في الحقيقة ، أنما قرئتها أن الاسلوب هو الرجل ، ولكني عدلت عن ذكر ذلك كي لا أكون في مرمى نيران النسوية ، ولا أصنف ضمن العنصرية الجندرية، غير أني منحازة جدا للعربية،
فبعد أن كنت تواقة لإتقاء شر الناس الذين قضيت اكثر من خمس سنوات في تعلم لغتهم، وعشت بينهم ثمانية عشر عاما ، لم أتوصل خلالها في التمكن من اللغة إلى أكثر من قدرة طالب بمستوى الثانوية ، لكنها مكنتني جيدا من الأشراف على شؤوني بشكل مستقل تماما ، وأيضا ساعدتني في تحسين نوع عروض العمل ، ولكنها لم تأمني شر الحزن والاغتراب ، فالحزن لا يريد لسانا أفرنجيا ، أنه يريد موالا عراقيا بأمتياز ، كي ينفجر دفعة واحدة ، فيسكب في كأس الروح كل هذي الدموع والسنوات التي لا أخال لها معنى ، حتى ولعي بالفرنسية التي أغرمت بها مذ كنت صغيرة في مدرسة أور الابتدائية ، أذ دخلتا فتاتين توأم ، كانتا بهيتا الطلعة ، كأنهم ملائكة هبطوا الأرض في أول مهمة لهم ، كانوا طالبتين جديدتين ، جائتا لمدرستنا بعد عودة
والدهما من فرنسا ، كان يبدو لي أسم فرنسا بعيدا جدا ، حتى وصلتها ذات شتاء مسرف في برودته ، فشعرت أنه لم يكن علي أن أبالغ في عشق مدن لا تعرف الشمس ألا لماما ، كانتا وسن ونغم وهذا أسم الشقراواتين اللواتي حين يغنين بالفرنسية ، يسرقن روحي ، فتسافر مع الكلمات ،إلى بلاد العطر الذي أجتهدت في حفظ أسمه بالفرنسية ، فأكتشفت بعد عمر طويل أن لا أحد في فرنسا وكل اوربا قد سمع به من قبل، خيبة ربما عبر عنها حزن فتاة في معهد اللغة سألتها معلمتنا ، ما الذي تغير في أفكارك بعد أن عشت في أوربا ،قالت يومها گلالة وهي فتاة كردية كانت اقدم مني عمرا في أغترابها ، قالت أن المشكلة الحقيقة أن أحلامنا تذوب ولا نعرف بماذا حلمنا من قبل ، تسرقنا الغربة حتى من أحلامنا ، رغم حزن صوتها الذي لمس قلبي يومها ،وبدت كمن يقاوم رغبة عارمة في البكاء ،إلا أني لم أكن قادرة على تقييم ما عنته ، ولكن يبدو أنه حقيقيا جدا ،لذا وبعد أن أتم أغترابي حولين كاملين ، وبلغ الفطام ، كنت صرت أعرف تماما لما كان صوتها حزينا بهذا الشكل ، فبعد أن يبلغ بك برد المنفى حد العظم ، تصيب روحك هشاشة ، تجعلك تتتبع أي حديث بين عابرين تشعر أن موسيقى المفردات تشبه إلى حد ما ، موسيقى حديث دار في بلادك.
صديقاتي اللواتي أجتمعن هذا المساء ، يتابعن الترقب الشعبي عبر شاشة التلفزيون ، تقطع عليهم الشاشة، عواجل إخبارية تقول أن الرئيس سيخرج يقرء بيان أعتزاله بعد قليل ، كانت صديقتنا الحلبية تتابع مسرحية لهمام الحوت ، عن خمسة مغتربين يراقبون أحداث سقوط بغداد ، خمسة مغتربين مثلنا نحن الخمسة صديقات ، يكثرون الجدل ، ويتابعون أخبار البلاد مثلنا أيضا ، في الوقت الذي أنشغلت بتحضير السمك ، كنوع من التمييز بالضيافة ، فتثني علي صديقتي المغربية وهي تقول بلهجتها ( كتطيبي الحوت ؟ راكي فّنّنه في هذا الشيء ) ، فأرد ساخرة ، حوت يا حبيبة ، حوت ياكلك وياكل اللي علمك العربية يا أمازيغية ، وتحديدا هنا ، أكون كمن رفع صمام الامان عن قنبلة ، فيشتد ويحتد الجدل بين الصديقات حول اللغة ، وصلاحية مفردة دون غيرها ، غير أن السمك لا يحتمل أن أتركه لأكثر من رد جواب ، ولا حتى من أجل رئيس سيصير سابقا بعد وصية أخيرة ، ينتظرها الشارع ، بينما أنتظر سمكتي أن تنضج بالطريقة آلتي أحب .
نور بنت الزقازيق ، تسألني وهي تفتح باب الثلاجة : أين أجد اللبن ، فأرد في الرف العلوي ، فتسأل مندهشة وساخرة ( الله ، أنتو تسمو الزبادي لبن؟ أيمتى تتعلموا العربي يا جوهرة العرب ) ، وهنا يتحول الجدل من بحث عن جذور المفردات ومعاجم اللغة ، إلى الدفاع عن العرقية ويتحولن إلى نسابة يعددن أسلافهن الغابرين والحاضرين والذين لم يكونوا حتى ، حتى تقطع فتاة أم درمان الجدل بقولها : أنا لا شيء في يشبهكم ، لا سحنتي ولا قسمات وجهي ، ولا ذائقتي ، لكني لا أستطيع أن أتحدث غير العربية ، لا أستطيع أن أحلم بلغة غيرها ،حتى في حديثي الداخلي اتحدث بلغة هي دخيلة علي ، وأناجي ربي بها ، واكتب بها أيضا رسائلي الغرامية .
كلام درة السودانية جعل الصمت يخيم على الجميع ، فالحديث عن كيفية وصول العربية إليهم يعني الحديث عن ( فتوحات او غزوات ) أسلامية عربية ، لم يذكر التاريخ بشكل محايد ، هل كان الناس سعيدين حقا بتعلم العربية ، عربية قريش تحديدا ، لذا كان الصمت خيارا جيدا، حتى للجماهير المعتصمة في الشوارع، لذين ينتظرون خطابا باللغة العربية ينهي وجود رجل، لا زمنه ،كانت العواصم العربية حديث الإعلام الغربي ، العواصم التي بدئت تنهار مذ أبتلع وجه بغداد الحوت ، الحوت الذي تقول حبيبة أني بارعة في تحضيره ، لم تنفع معه كل التراتيل ولا النذور ولا قرع الطبول ولا كل هذي الدماء ،لكن درة التي عبرت عن حقدها على العربية بالعربية لم تكن افضل منها المغربية والتي تتحدث الفرنسية بطلاقة وتعيش في اوربا منذ طفولتها، رغم ذلك لم تفلح أن يكون لها مجتمعا فرنسيا ، ولا ساعدت المصرية الأم لطفلتين من أب إيطالي ، أن يصير لديها مجتمع أيطالي صغير ، اللغة أكثر من ثمانية وعشرين حرفا تتبعهن همزة ، غير لمزة ، أنها حبل سري ، يمر بمشيمة الحزن ، فيؤكد أننا نزلنا جميعا من ذات الرحم ،وضعت حبيبة صينية الشاي المقدس المتفق عليه بالإجماع ، وكان صوت انسكاب السائل الاخضر في الفناجين ، يرافق صوت الرئيس وهو يعلن بصوت محتقن يكتم غضبه ،
وبلغة عربية سليمة قال : أيها الشعب العربي أني أعتزل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا