الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موليير مبدع أدب الكوميديا الراقية اهم مسرحياته

سمير حنا خمورو
(Samir Khamarou)

2022 / 3 / 21
الادب والفن


الجزء لثالث
موليير احد أهم مبدعي الأدب الكوميدي المسرحي، مبتكر لأنواع مختلفة من الكوميديا الراقية ودراما الإثارة، مَثلَ الأدوار الرئيسية في كل مسرحياته، والتي كتبها لموليير الممثل، استثمر واستغل الموارد المتنوعة للكوميديا اللفظية والإيمائية والجسدية والحالة الظرفية . لقد ابتكر شخصيات تتميز بالفرادة، معتمداً على دقة ملاحظته ومراقبته لمجتمعه، واستخدم في تحليل الشخصيات على علم نفس معقد ومركب، وسرعان ما أصبحت مع الزمن نماذج أصيلة . رسم عادات وسلوك معاصريه من رجال الدين، والطبقة الأرستقراطية، وكبار الشخصيات في النظام الملكي، ونقدها وسخر منها أمام جمهوره من عامة الناس في المدينة، وحتى أمام الملك وحاشيته في المسرح الملكي . واستطع عن طريق مسرحياته الكوميدية العظيمة طرح قضايا مهمة للمناقشة، والتشكيك في المبادئ الراسخة فيي المجتمع، منها موقفه من المرأة والدفاع عن حريتها في اختيار الرجل لتتزوجه، ووجه ضربات قوية لرجال الدين الذين كان لهم القوة والمكانة الاجتماعية في ذلك الوقت رغم مكانتهم وقربهم من السلطة السياسية، مما أثار جدالات مدوية وعداء دائم منهم . الحريه الفكريه.

قدم موليير أول مسرحية جديدة بباريس في 18 تشرين الثاني / نوفمبر 1659 ، على مسرح " بيتي-بوربون "، المتحذلقات السخيفات "des Précieuses ridicules"، مثل فيها دور الخادم ماسكاريل. التي تهكم فيها على طائفة من النساء نزحن من الريف الباريسي إلى المدينة، ورحن يقلدن صاحبات الصالونات البورجوازيات، ممن فتحن بيوتهن منتديات يستقبلن فيها مشاهير أهل الشعر والموسيقى والأدب. وأحدثت ثورة كبيرة هزت بسخريتها أوساط المجتمع الفرنسي، وحققت المسرحية نجاحًا مذهلاً. وجاء الجمهور لمشاهدتها من كل أنحاء باريس من اجل الترفيه والنقد اللاذع . وسرعان ما تم تقليدها ونسخ المسرحية وتقديمها، لهذا طبع موليير مسرحيته على عجل لان الفرقْ الأخرى كانت تحاول سرقتها . وفي ذلك العصر لم يكن هناك "حقوق تأليف" وأي فرقة كانت من الممكن أن تأخذ أي نص تريده وتمثله وحتى بدون موافقة صاحبه. وهذه هي المرة الاولى الذي ينشر فيها عمل مسرحي له، وهكذا اصبح مؤلفاً في الوسط الأدبي . ولكن في 11 اكتوبر 1660 وبدون انذار أمر المشرف على المباني الملكية بهدم المسرح واحتج بأن الهدم، لم يكن هناك مفر منه لتوسيع قاعات اللوفر، وكان ذلك بتحريض من السيدة "رامبويليه" لتطرده من باريس. ولكن موليير اتصل بالأمير فيليب كي يساعده فأصدر الملك لوي قراراً بنقل فرقة موليير لقاعة في "القصر الملكي". وريثما يتم أعمال التجديد، قدم عدد من المسرحيات، منها مسرحية كوميدية الديوث الوهمي او سكاناريل "Sganarelle ou le Cocu imaginaire".

افتتحت قاعة رويال باليه Palais-Royal ، التي تم تجديدها بالكامل ، أبوابها في 20 كانون الثاني / يناير 1661. وفي 4 شباط / فبراير ، ولم يك موليير بعد قد تخلى عن رغبته بان يكون ممثلا لأدوار مأساوية، فألف مسرحية جديدة من نوع الكوميديا البطولية، دون كارسيا دي نافاري "Dom Garcie de Navarre"، عرضتها الفرقة على هذا المسرح ، والتي مثل فيها دور البطولة إلى جانب مادلين بيجار. لكن العرض لاقى فشلا كبيرا، وتوقفت بعد سبعة عروض متتالية ، وأدى هذا الإخفاق الذريع ، إلى نهاية آمال "الممثل موليير" في فرض نفسه كممثل تراجيدي - الذي كان يُعتبر المأساة " أعلى نوع مسرحي". وقد اهمل هذا النص لفترة طويلة ومع ذلك يظل العرض لحظة محورية في مسيرة الكاتب المسرحي موليير.

وعاد الى الكوميديا الخالصة بتأليف مسرحية مدرسة الأزواج "L École des maris"، من ثلاثة فصول مكتوبة شعراً، وعرضتها الفرقة في 24 حزيران / يونيو 1661. شخصيات المسرحية أخوان الأول إسمه "سكاناريل" والثاني إسمه "أريست" ومع أنهما شقيقان لكن طباعهما وشخصياتهم كانت متناقضة، سكاناريل طبعه خشن ومغرور ولا يعجبه أي شيء، على عكس أريست الذى كانت أخلاقه حسنة ويتعامل مع كل الناس بما فيهم الضعفاء والسيدات والأطفال بكل تقدير وإحترام مع التقيد بالشرف والأخلاق، وكان يرفض ويكره القهر والإجبار ويفضل إستبدال الخشونة والإكراه بأخلاق عقلانية خيرة ومثل موليير دور سكاناريل وظهرت في المسرحية لأول مرة ممثلة صغيرة كانوا ينادونها بإسم "مينا" .

أثارت هذه المسرحية اهتمامًا لدى الفرق الأخرى، لدرجة أن طبعة مسروقة نُشرت بسرعة ، بإسم مستعار هو "دونو دي فيزي". وكان النجاح كبيرًا، لدرجة أن المشرف المالي "نيكولا فوكيه" كلف موليير بتقديم عرض للمسرحية، في قصره الفخم في "فو-لو-فيكونت"، و دعى الملك وحاشيته في 17 آب / أغسطس لمشاهدتها، وبعد ذلك دعي لعرض المسرحية ابتداءً من أيلول / سبتمبر لتقديمها في القصر الملكي ، فقام بتعديل محتوى مسرحيته، وأضاف مشهداً للصياد المزعج في الفصل الثاني، ولمعرفة موليير بذوق لويس الرابع عشر للباليه، طور العرض، وابتكر نوعًا جديدًا، "الباليه الكوميدي la comédie-balle"، بدمج النص الكوميدي مع الموسيقى والرقص، وتعاون مع الموسيقار "جان باتيست لولي"، و"بيير بوشومب" للرقص، و"جاكومو توريلي" للسينوغرافيا. ولاقى العرض الجديد إقبالاً من جمهور متحمس لهذا النوع من الفن، هذه هي المرة الأولى التي يؤلف فيها موليير مسرحية لبلاط الملك، وكان هذا الموسم من افضل مواسم الفرقة. والف موليير أربعة او خمسة بنفس الأسلوب .

أما مسرحية مدرسة الزوجات L École des femmes باليه كوميدية من خمسة فصول 1662، رابع كوميديا كبيرة لموليير، تم عرضها في 26 كانون الأول / ديسمبر 1662 في المسرح الملكي ، فقد دافع فيها عن حق النساء في الحب وإختيار أزواجهن، على عكس العادات السائدة والراسخة في المجتمع. موضوعها الرئيسي كيف يروض الرجل الفتاة على أن تكون زوجة صالحة وفية . الزوج الغيور "أرنولف" ، الذي لعب موليير دوره ، طاغية من الطراز القديم، يؤمن بأن المرأة المتحررة إمرأة ساقطة ، وأن السبيل الوحيد لضمان وفاء الزوجة هو ترويضها على الخدمة والطاعة ، وعلى فرض الرقابة الصارمة عليها وإغفال تعليمها، عاشت "أنييس" القاصر محاصرة لا يسمح لها بالاختلاط ، التي كان أرنولف وصياً عليها ويريدها عروسه مستقبلاً، حتى انها سألته ببراءة " هل يولد الأطفال من الأذن ؟ "، ولانها لم تكن تعرف شيئا عن الحب، وما أن تودد الشاب "هوراس" اليها، حتى عرف طريقه الى قلبها وأحبته.

هذا النجاح الباهر كرس موليير كمؤلف عظيم. ولكنها تسببت المسرحية عند عرضها في إثارة الكثير من الضجة والإحتجاج من قبل الكنيسة والجمهور المتدين والأوساط المحافظة، وبسبب الإقبال الكبير عرضت المسرحية 30 مرة، توقفت لمدة قصيرة، وبسبب مطالبة الناس ، أعيد عرضها مرة أخرى 32 مرة، غير عروضها الخاصة في قصور النبلاء. واعتبرها كبار النقاد من أفضل مسرحياته، وتنتمي لـ " الكوميديا الرفيعة ". وقد آثار هذا النجاح الغيرة لدى الفرق المنافسة والكتاب، ونشروا اشاعات أن موليير ليس عنده شئ مقدس، وقد إدعى أعداءه بأن مسرحية "مدرسة الزوجات" غير أخلاقية وأنه قد سرقها من كاتبٍ آخر، وسخروا حتى من حياته الخاصة فقد تزوج رسميا في 23 كانون الثاني / يناير 1662 ، منأرماند بيجار ، ابنة عشيقته السابقة . في البداية اعتبرها نوعاً من الدعاية للمسرحية، ولكنه في النهاية لم يستطع ان يتحمل ذلك بعد ان طال النقد حياته الشخصية ، وقرر ان يرد على منتقديه للمرة الأولى بتأليف مسرحية من فصل واحد واطلق عليها نقد "مدرسة الزوجات La Critique de l École des femmes"، تضمنت نقاشا حول دور النقد والنقاد وعرضها في القصر الملكي في حزيران/ يونيو 1663، يؤكد فيها على "مزاياه كمؤلف ومخترع لعلم النفس الهزلي"، وأظهر أن فن الكوميديا يتطلب مهارة أكثر من فن التراجيديا. ولقد استمدت من مدرسة الزوجات رؤية موسيقة درامية بعنوان "لدغة الحب" قدمت في برودوي عام 1964.

وقد اثار زواجه من أرماند بيجار ، "البالغة من العمر عشرين عاما" ، في 23 كانون الثاني / يناير 1662، الكثير من اللغط والانتقاد والسخرية، بينما كان عمره ضعف عمر الفتاة، وقد استغل رجال الدين والفرق المسرحية المنافسة، المناسبة للتشهير به على أساس ان الفتاة هي ابنته من عشيقته مادلين بيجار ولانهم شاهدوها مع الفرقة منذ ان كانت طفلة صغيرة، والحقيقة هي غير ذلك، وقد تزوجها رسميا في الكنيسة في 20 شُباط/ فبراير.

ولهذا كتب موليير شكلاً مسرحياً جديداً، مسرحية داخل المسرحية "ارتجالية فرساي L Impromptu de Versailles" عام 1663، التي تَعدُّ بمثابة الرد الواضح ضد خصومه، وتجري أحداث المسرحية في قاعة الكوميديا في قصر فرساي وامام الملك. ونلاحظ مكر ومهارة موليير في استخدام اسم القصر الملكي في عنوانها لإسكات وإخافة خصومه. تبدأ المسرحية حين ينادي موليير المخرج على ممثلي الفرقة الواحد بعد الآخر ويدعوهم للبدء في التداريب. وعندما يجدهم غير متحمسين ومتذرعين بعدم معرفة أدوارهم وصعوبة تذكر حواراتهم، عبر عن تخوفه من الفشل، وينعتهم ب" الحيوانات الغريبة ". وتعاتبه مادلين "مادام ذلك يخيفكَ، فقد كان عليكَ أن تأخذ احتياطاتكَ بشكلٍ جيد، وألا تلتزم  بثمانية أيام فقط كي تَقوم بما قمتَ به."، ويقول موليير "إنها وَسيلة للدفاع عن نفسي لاسيما وأن ملكاً أمرني بذلك". وكأنه لم يكن أمامه غير الامتثال لأوامر الملك في تأليف مسرحيته ، ثم ان الحوار ليس شعراً فهو يراهن على قدرة الممثلين على الارتجال اعتماداً على ذكائهم. كما أن الموضوع معروف لهم ويتعلق بالنقد الذي وجه له ولمسرحياته وفرقته.
ويشرح لهم الطريقة التي ينبغي أن تؤدى بها بعض الحوارات والمشاهد منتقداً أداء ممثلي "فندق بوركوني"، وتِبيان رأيه في كيفية تجسيد بعض الأدوار الكوميدية. ويكشف عن معاناته مع خصومه، وكيف يمكن ان تتحول مختلف الموضوعات الاجتماعية إلى موضوعات كوميدية. ويتم استحضار المسرحية التي كُتِبتْ ضد موليير بعنوان "صورة الرسام Le Portrait du Peintre" ويرد على منتقديه ويسخر منهم. وجعل من مسرحيتة وسيلة لنقد تصورات خصومه في الفرق الأخرى حول فن الممثل وطرق التشخيص والأداء، إن أسلوب كتابة المسرحية جديد بالنسبة الى كتابات موليير، ويضعنا أمام مسرحية يمكن تسميتها بكوميديا الممثلين "Comédie des comédiens" أو "مسرحية داخل المسرحية". وفي الارتجالية يقدم موليير نفسه كرجل مسرح متكامل وصاحب نظرية، الذي يمارس الكتابة والإخراج والتمثيل.

في 29 كانون الثاني / يناير 1664 ، في صالون الملكة الأم آن دي دوتريش (النمسا) في اللوفر ، قدم موليير عرضًا للعائلة المالكة ، كوميديا باليه، الزواج القسري Le Mariage forcé، من فصل واحد مع موسيقى من تأليف "لولي" حيث استأنف شخصيته سكاناريل التي نجدها في عدد من أعماله ولكن هنا فهو رجل ثري وكبير في السن ويريد الزواج من "دوريمين" الشابة الجميلة. ينصحها صديقها "جيرونيمو" بعدم الموافقة على هذا الزواج. ولكنها لا تتردد في إخباره ان لديها عشيق "ليكاست"، دون أن تعرف أن سكاناريل يسمعها، وأنها تتزوج فقط من أجل المال وتتوقع أن تصبح أرملة في غضون ستة أشهر. وقد رقص الملك لويس الرابع عشر، مرتديًا ملابسه مصرية بعد العرض.

وأصبح موليير اكثر جرأة، بعد ان اصبح الممثل المفضل لدى الملك، وكتب مسرحية تارتوف (طرطوف) او المنافق "Le Tartuffe ou l Hypocrite"، في خمسة فصول، تدور ثيمة النص حول الشخصية الرئيسية “طرطوف”، الرجل المحتال والمنافق الذي يستخدم الدين لمأربه ولخداع البسطاء، وعامة الشعب يعالج النص أولئك الذين يتظاهرون بالتقوى والفضيلة، والتشدد والتعصب، وفيها أدان ايضا إزدواجية بعض رجال الدين الذين يُظهرون الورع والتقوى ويخفون عكس ذلك، لإستدرار عطف الناس وإحترامهم لنيل العطايا والأموال، بينما يثني على الأتقياء الحقيقين الذين لا يريد لهم التفاخر بتدينهم وتقواهم فمثلا ان "كليانت" و "فلير" يذهبان إلى الكنيسة ليؤديا ما عليهما من فريضة التعبد، فهما لا يقومان بذلك لكي يراهما الناس. وينتقد تدخل رجال الدين في الحياة المدنية. وشعر الكهنة والمطارنة والمتدينين الذين تعرضوا للنقد الشديد بخطورة المسرحية، واشتكوا لدى الملك واعتبروها فضيحة، وطالبوا بحرقه حيا ولكن لويس الرابع عشر عمل على حمايته. واستمر موليير في فضح والسخرية من نفاق المجتمع الارستقراطي. ولكن اضطر موليير الى إيقاف عرضها في النهاية بعد ان أشتد الهجوم عليه .

في مهرجان ملذات الجزيرة المسحورة "Plaisirs de l île enchantée" ، للاحتفال بافتتاح "حدائق قصر فرساي" التي تبدء من 30 نيسان / أبريل إلى 14 حزيران / مايو 1664. دعى الملك لويس الرابع عشر موليير وفرقته لتقديم مسرحياته الكوميدية للترفيه عن الضيوف الذين حضروا بهذه المناسبة. ساهمت الفرقة كثيرًا في احتفالات الأيام الثلاثة الأولى. وقدمت مسرحية أميرة دي إليد La Princesse d Élide ، وهي كوميديا عن العشق، ممزوجة بالموسيقى والباليه والتي لم يستطع موليير تقديمها كاملة، بسبب ضيق الوقت، وعرض منها فقط الفصل الأول ومشهداً من الفصل الثاني . وفي مساء يوم 12 حزيران، قدمت الفرقة كوميديا (طرطوف). والتي قام بإعادة كتابتها في ثلاثة فصول وعدل فيها وخفف من النقد المباشر لأن النسخة الاولى اثارت سخط وغضب رجال الدين والمتدينين، بعد أن كانت من خمسة فصول، وقد أشاد الملك وضيوفه بحرارة بهذه النسخة المعدلة، ووجدها مسلية، ولكن في اليوم التالي، حضر رئيس أساقفة باريس الجديد هاردوان دي بييرفيكس "Hardouin de Péréfixe" لمقابلة الملك، وأقنعه بحظر العروض العامة للمسرحية، وقد اضطر الملك إلى إيقاف تمثيلها لكي يخفف من غضبهم، ويدفع عن نفسه انه يوافق موليير آرائه، وأمر بمنع الفرقة من تأديتها لخمسة أعوام متتالية.
وفي هذا النص يتخذ موليير موقفًا حاسماً من مسألة سياسية مهمة، وهي مسألة الفصل بين الكنيسة والدولة، وطرح مشكلة خاصة بالمجتمع الكاثوليكي متفق عليها، احترام الحدود بين الكهنوت والعلمانيون ، بين الأخلاق الدينية والأخلاق المدنية ، بين الفضاء المقدس والفضاء العام العلماني. ومع ذلك طلب الملك مشاهدتها مرة أخرى بعد أربعة أشهر على انفراد مع جزء من حاشيته ، في قصر فيلير كوتريه (Villers-Cotterêts)، مقر إقامة شقيقه "فيليب دو اورليان"، بعيداً عن أنظار رجال الدين .
واستمر موليير في فضح والسخرية من نفاق المجتمع الارستقراطي. فكتب كوميديا عدو البشر "Le Misanthrope" من خمسة فصول شعراً ، وعرضها لأول مرة في 4 حزيران /يونيو 1666 على مسرح القصر الملكي، وتناقش العيوب الأخلاقية التي يمتلكها بعض الناس، من خلال شخصيات رئيسية في المسرحية "ألسيست" رجل نبيل وصريح إلى الحدِ الذي يرهق أصدقاءه بسبب صراحته المطلقة وإطلاق آرائه دون الاهتمام لقواعد الأدب والمجاملة، ومع هذا كانت الشابات تراه جذاباً، وكانت هناك اكثر من واحدة تحاول التقرب منه، مثل "أرسينوي" الجميلة المتصنعة للفضيلة و "إليانت" الطيبة والذكية، ولكنه احب "سيليمن" الشابة الجميلة الطائشة واللعوب، ويقع في غرامها، شخصيتها على النقيض منه، تحب الحياة المرحة وتغازل الرجال وترسل رسائل حب لهم، ولا تريد التخلي عنها، في حين أنه يرغب أن يعيش حياة بسيطة وهادئة بعيدًا عن المجتمع، وعندما ينتقد بشدة قصيدة غزلية للماركيز "أورونت"، يتم دعوته للمحكمة يرفض التراجع عن رأيه الحاد ويرى في استدعائه لهذا السبب أمراً مهيناً ويقرر التخلي عن الحياة الاجتماعية والسفر بعيداً. وبالرغم من أن المسرحية  لم تحقق نجاحاً تجارياً حين عرضها، ومع ذلك يعتبرها النقاد مسرحية جيدة.

بعد ستة أشهر ، من محاولاته عبثًا لجعل الملك يعيد النظر في قراره، وتعهد له بإعادة هيكلة طرطوف، لكن الضغوط كانت كبيرة على الملك، حيث هوجم موليير بعنف غير مسبوق، كانت تنشر مقالات ورسائل وقصائد باسماء وهمية او بلا اسماء، كلها تطالب بمعاقبتة، لكن موليير رد برسالة موجهة للملك يوضح فيها، " أن واجب الكوميديا تصحيح الرجال من خلال الترفيه."

أقتبس موليير مسرحيته التالية دون جوان أو وليمة الحجر "Dom Juan ou le Festin de pierre" والتي كتبها نثرا في خمسة فصول من أسطورة معروفة في الفولكلور الإسباني، وتنسب أبتكار هذه الشخصية للكاتب والشاعر الباروكي "تيرسو دي مولينا" ، في رواية "محتال أو ماجن إشبيليا"، اي قبل 35 سنة من مسرحية موليير، وهي الإعداد الثالث لأسطورة دون خوان تينوريو. وكانت هذه الأسطورة والرواية قد انتقلت قبل ذلك الى إيطاليا وقام بإعدادها مسرحيا الشاعر والدراماتورج "جياجينتو أندريا جيكونيني"، وسبق وان شاهد الجمهور الباريسي مسرحيتين كتبتا شعرا تحملان هذا العنوان، الاولى كوميديا مأساوية "لنيكولا دروين" Nicolas Drouin ، قدمتها فرقة الملك الإيطالية على مسرح "بيتي بوربون" في باريس، نهاية عام 1657، و الثانية كتبها كلود ديشامب "Claude Deschamps"، رئيس فرقة "كراند مادموزيل"، التي تأسست في مدينة ليون في كانون الأول / ديسمبر 1658.

تقول الأسطورة إن دون جوان كان زير نساء وعاشقا شهيرا. أغوى مئات من الشابات بسهولة ، لكنه عندما حاول استمالة فتاة أرستقراطية جميلة تدعى "دونا آنا"، يكتشف والدها، قائد الجيش، الامر فيدعوه للمبارزة. وعند المنازلة، يتمكن دون جوان من قتل والدها والهرب مما يدفع "دونا آنا" مع خطيبها "دون أوتافيو" للإيقاع به دون جدوى. ويمر دون جوان بضريح قائد عسكري ، فيسمع صوتا من تمثاله المنتصب فوق الضريح يحذره من عواقب أفعاله مع بنات الناس، وينذره بالعقاب. لكن دون جوان يسخر من التمثال داعيا إياه لتناول العشاء معه، تهب عاصفة شديدة ويسقط ذراع التمثال الحجري ويقتله .
ويتناول النص آخر ستة وثلاثين ساعة من حياة دون جوان، يعتمد النص على شخصيتين رئيسيتين متلازمتين ومتناقضتين، "دون جوان" و "سكاناريل" خادمه. فبينما يمثل دون جوان نموذج الإنسان المتهتك الخليع رغم المجد الذي ورثه عن آبائه، بينما خادمه لا يؤمن بأفكاره التي تتنكر لقوانين السماء التي تنظم سلوك الناس بحسب المفاهيم الدينية. أبدى الجمهور الباريسي اعجابه بالعرض الذي احتوى على السخرية والكوميديا والمأساة ، لكنه تعرض لهجوم عنيف في الأسابيع التي تلت العروض. واتهم موليير بانه يحتفل بحياة متحررة، وعدم احترام العقيدة الرسمية للكنيسة الكاثوليكية، وضد السلطة الملكية المطلقة، منها ما كتبه ريشمون محامي البرلمان "ان موليير يتهكم على الدين و يروج للإباحيه الفكريه"، و أمير كونتي تسأل : " هل هناك مدرسه الحادية أوضح من هذه ؟ ". بعد خمسة عشر عرضًا للمسرحية، في أوائل عام 1665 ، أوقفت السلطة الملكية عروض "دون جوان"، وقد أجبرت رقابة الدولة والكنيسة موليير على حذف المشاهد ( التي تحرض على تخريب المجتمع والحوار غير الديني ؟!) ، وتحديداً المشهد الذي يواجه فيه سكاناريل ودون جوان الفقير في الغابة ، في الفصل الثالث. ولن يتم تقديمها مرة أخرى خلال حياة موليير ولن يُطبع النص إلا بعد عشر سنوات من وفاته. ولم تقدم حتى عام 1947 . تعتبر مسرحية دون جوان اليوم واحدة من روائع موليير والدراما الفرنسية الكلاسيكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي