الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تسقط كرة البسبول الأمريكية الصنع ضمن مجريات حل المعضلة الأوكرانية

فرزند عمر
طبيب قلبية ـ ناقد أدبي ـ باحث في قضايا السلام

(Farzand Omar)

2022 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


اقتربت الحرب/الأزمة الأوكرانية من انهاء شهرها الأول دون أن يكون هناك أي بارقة امل نحو حل واقعي، لكن التساؤل الذي يطفو شيئاً فشيئاً على السطح، هل فعلاً أن الأفق مسدودة تماماً؟
إن تم اختصار النظر ضمن الساحة الأوكرانية، لا بد من الاستخلاص بأن استعصاءً ما تعانيه هذه الحرب/الأزمة، وأن هناك استحالة حل، فكلا الطرفين لا يرضيان بأقل من سحق الطرف الآخر واستسلامه، الأمر الذي لم تشهده تاريخ البشرية عبر كل عصورها إلى الآن، بأن تنتهي الحروب إلى إبادة كاملة لطرف من الأطراف، قد ينهك طرف ما، قد يفقد الكثير من نفوذه، لكن هناك استحالة إلى القضاء التام الساحق الذي يطالب به الطرفان المتصارعان حتى هذه اللحظة.
إمكانية حدوث هذا الشيء بأن يسحق احدهم الآخر نظرياً يبدو ممكناً، ضمن اطار استخدام الأسلحة النووية التي يمكن لها أن تحدث دماراً شاملاً و استئصالاً كاملاً للحياة ضمن بقعة جغرافية ما، لكن استحالة ذلك في هذه الحرب/الأزمة يبدو جلياً على الأقل نظرياً، روسيا الشاسعة لا يوجد الى حد هذه اللحظة من إمكانية لتدميرها عن بكرة أبيها خلال ثواني، بحيث لا يمكنها الرد، كذلك محي الأوكرانيين عن بكرة ابيهم غير ممكنة بعد موجة اللجوء الأكبر في تاريخ أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، و كذلك وجود أوكرانيا في الحضن الروسي.
اذاً نستطيع ان نبعد هذا السيناريو المخيف و المرعب عن المشهد، الذي يبدو مسيطراً او قابعاً في الأذهان بشكل أو بآخر، و هو الذي يجعلنا غير قادرين لرؤية الصورة الكاملة، نتيجة التركيز على أوكرانيا كمساحة جد صغيرة مقارنة باللوحة الكاملة الممتدة جغرافياً لتشمل كل الكوكب، و هي خاصية فيزيولوجية بشرية، ان ركزت النظر في نقطة ما من لوحة ما، لا يمكن رؤية الصورة كاملة، و هنا يقفز الى الذهن هل ما يحدث في أوكرانيا هي حرب تقليدية بين جارين على خلافات مناطقية ضيقة، كما يسوقها لنا كلا الطرفين، الروسي و الأوكراني الى حد هذه اللحظة، فالتصريحات الروسية تقول أن هدف هذه الحرب هو اخذ شبه جزيرة القرم، و ضم دونيتسك و دونباس الى النفوذ الروسي و نزع النازية الأوكرانية، بينما يطالب الطرف الأوكراني بانسحاب فوري للروس على اعقابهم مذلولين مدحورين يجرون اذيال الخيبة، و لا أشك أن كثير من الناس ما زالوا مقتنعين تماماً في هذه اللحظة أن احد هذين المخرجين قد يكون هو الحل الذي شرحت مدى استحالته بل هو غير ممكن على الاطلاق.
ـ اذاً كيف نفهم هذه الحرب/الأزمة؟
ـ مقدمة لا بد منها
الخطوة الأولى لفهم ما يحدث أن نبتعد عن الساحة الأوكرانية و المشهد الأوكراني و بالتالي رؤية اللوحة من بعيد، و هذا ما يؤكده الواقع بشكل أو بآخر، فمنذ قبل بدء هذه المعضلة، روسيا على لسان زعيمها بوتين طالبت بضمانات امنية استراتيجية التي تم استقبالها من الطرف العالمي الغربي بالسخرية و الاستهزاء الذي أدى الى الوقوع في المحظور و بروز المعضلة الأوكرانية على السطح، كذلك تؤكده الوقائع على الأرض التي تقول أن المعضلة الأكرانية تتعدى حدودها، فهذا الاصطفاف العالمي و الفرز الذي يتعمق بين ما كانوا حلفاء في الامس القريب بات مقلقاً لكل المهتمين بالسياسة و شؤون الحرب أن تكون البشرية سائرة باتجاه حرب عالمية، هذا اذا لم نفترض أننا موجودون فعلاً في أتونها.
ربما لم يعد خافياً على أحد أن المعركة هي أكبر من أوكرانيا ومشاكل أوكرانيا البسيطة مقارنة بالذي يحدث على المستوى العالمي كطرف مع جارة اوكرانية النووية روسيا من طرف آخر، أو لنقل كي لا نتهم هنا أننا ننحاز لطرف ضد طرف لنقل على الأقل الصورة تتغير كلما ابتعدنا عن المشهد الأوكراني، ففي الأيام الأولى عندما كان التركيز فيه كله ينصب على أوكرانيا، بحيث كانت كييف العاصمة هي بؤرة المركز، التي كنا من خلالها نستقي المعلومات عن العالم الحاضر/ المستقبل الذي في طريقه للتكون، الذي نجهله تماماً الى حد اللحظة مع أن جزء من ملامحه بدأت تتضح، فنحن الآن كمن ينظر من خلال ثقب صغير جداً خلق فجأة في فضاء معرفته المستندة على الوقائع الموجودة في العالم الماضي/الحاضر، و هنا أنوه كتسهيل للفهم من الآن فصاعداً سوف استبدل مصطلح العالم الماض/الحاضر بمصطلح ماحا، و ذلك بأخذ اول حرفين من كلا كلمتي ماضي و حاضر، بينما سأستبدل مصطلح العالم الحاضر/المستقبل الى حامس.
لنتخيل الآن أن شخصاً ما بدأ يكتشف عالماً جديداً من ذاك الثقب الذي تم شرحه، هذا الشخص سيرى عالماً مغايراً للعالم الذي اسميته ماحا، هذا الشخص يحس ان هذا العالم الجديد فيه شبه كبير جداً مما هو يعيشه الآن، لكن كل التحالفات والسياسات والاقتصادات مختلفة بشكل جذري، هذا الشخص ستبدأ الشكوك تراوده فيما اذا كان هذا العالم الذي يراه من خلال الثقب والذي انكشف في فضاء معرفته بالصدفة، هو نفسه عالم حامس. وهنا كي لا نتوه كثيراً من الآن فصاعداً سأدمج المصطلحين ماحا وحامس الى مصطلح وحيد وهو مامس، مامس يدل على الآن كلحظة متغيرة غير ممكنة التعريف.
اذاً مامس هي الآن المتغير، الغير ثابت، الغير قابل للتعريف إلى الآن، لكن يمكن أن نستشف بعض الملامح التي تقول بأنه ربما يكون مامس هو الرابط بين عالمين يتخالصان بحيث نستطيع فيما بعد أن نسمي كل ما هو قبل مامس الأوكرانية الصنع هو عالم ماضي، و كل ما هو بعد مامس هو عالم الحاضر و المستقبل.
على الواقع هناك تشابه لدرجة التطابق بين مامس والمعضلة الأوكرانية، بل هما وجهين لعملة واحدة، ومن هنا سوف أتخذ مامس كمصطلح يدل بشكل أو بآخرعلى اللحظة الراهنة الغير قابلة للتعريف نتيجة حركيتها السريعة، اللحظة المتخيلة، المحسوسة، الغير مثبة، بينما الأحداث المصاحبة للمعضلة الأوكرانية الواقعة على الأرض ستكون أدلة ممكنة يمكن من خلالها التثبت من ماهية مامس الحقيقية، هذه اللحظة الغير قابلة للتعريف الى الآن.
لنتخيل مامس قليلاً، فلنتخيلها ككرة بيس بول الأمريكية الصنع، مطبق عليها الآن قوى متعددة في اتجاهات مختلفة، قادرة أن تحقق التوازن لهذه الكرة كي تظل معلقة في الهواء، جاء حدث ما وأخل بتوازن القوى، بحيث بدأت تتجه باتجاه القطبية، كل القوى تعلم أن الشرط الوحيد في إنجاح هذه القطبية هو الحفاظ على ضمان استمرار شرط وحيد وهي أن تظل هذه الكرة المصنوعة في أمريكا معلقة في الهواء.
إنجاح القطبية هنا سيكون مرهون بتشكل هذه القطبية قبل سقوط كرة البيس بول الأمريكية الصنع على الأرض، وإلا فما فائدة كل هذه المحاولات لو سقطت كرة البيس بول. وهنا سيبرز السؤال الأهم الذي نحن بصدد توضيح اشكالاته ومآلاته، و الاصطفافات الممكنة والمتخيلة بناء على معطيات مامس الغير قابلة للتعريف في هذه اللحظة الراهنة.

هل تسقط كرة البسبول الأمريكية الصنع ضمن مجريات حل المعضلة الأوكرانية.
أوكرانيا هي كرة البيس بول الأمريكية الصنع، التي يطبق عليها منذ الأزل قوى تآثرية تجعلها قادرة لأن تبدو معلقة في الهواء، و هذه القوى معلقة من طرف كرة البيس بول بقوى قوية جداً يستحيل فكها الا بتقنية النووي، الطرف البعيد يمكن نوعاً ما التحكم بشدة القوة من خلال عمليتي الشد و الرخي، ضمن هذه المعادلة الصعبة الحل تقع تماماً كرة البيس بول الأمريكية الصنع، فهل تقع فتنكسر الى الأبد، أم تظل معلقة في الهواء؟ حسب المعطيات السابقة الذكر يستحيل سقوطها وكسرها، بالطريقة المطروحة للتداول الإعلامي، أي افناء أحدهما الآخر، لكن هناك مرحلة من عدم التوازن الممكن حصوله والتي قد تطول وقد تقصر بحسب مصالح كل قوى على حدا.
سنحاول هنا جاهدين حصر أهم القوى الموجودة حالياً ضمن مساحة الرؤية الحالية الموجودة في لحظة تكون المامس بعيداً عن المعضلة الأوكرانية التي تم توضيحها على أنها كرة البيس بول الأمريكية الصنع.
ـ تصنيف القوى حسب الواقع الجغرافي
أهم القوى واقعيا و عملياً و جغرافياً، هو العالم القديم، أسيا أوربا أفريقيا بمقابل العالم الجديد الأمريكيتين و استراليا، ما قبل مامس كان العالم موجود لفترة لا بأس بها تحت سيطرة قطب وحيد وهو الولايات المتحدة الأمريكية، التي نظمت القوى بطريقة تكاد تكون متقاطعة الى درجة التطابق مع مصالحها هي و ليس مع مصالح العالم، عن طريق مبادئ أثبتت بشكل كبير على أنها صحيحة في عالم ما قبل مامس، لكن نتيجة أخطاء الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التي بدأت مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، باتحاد جدار برلين، الذي نظّر له كثير من الساسة الأمريكان أنه كان خطأ تاريخياً ارتكبته الولايات المتحدة الأمريكية، سوف يؤدي الى ما سيؤديه الى انحسار دور الولايات المتحدة عاجلاً أم آجلاً.
أخطاء الولايات المتحدة الأمريكية جاءت نتيجة التقنية التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تستند في أساسها على تقنية الاستخبارات الأمريكية سي أي أي، بوجوب حرق كل شيء وراءك بعد انتهاء المهمة، هذه التقنية التي فشلت فشلاً زريعاً واوجد مناخاً للخوف بين حلفاء أمريكا بطرح سؤال مفاده، من هو التالي؟ أخطاء أمريكا التي وصلت لدرجة التفكير في حرق إسرائيل، الذي هو الصندوق الأسود الأمريكي في الشرق الأوسط عبر المضي في ابرام اتفاق نووي إيراني دون موافقة إسرائيل.
كذلك جاءت نتيجة الغطرسة الأمريكية الناجمة عن تضخم الثروة الأمريكية على حساب تفقير كل العالم القديم عدا الصين، الى درجة أن أجزاء كبيرة من هذا العالم بات يعاني من جوع مهدد للحياة، نتيجة إصرار الولايات المتحدة على الاستمرار في تنفيذ سياساتها القائمة على الاخضاع بالقوة لما تريده الولايات المتحدة والا التهديد بإشعال الحروب التي تدر على الولايات المتحدة اموالاً ضخمة، وهنا دخل العالم في نفق مظلم وحلقة مفرغة، الناجي الوحيد، أو المستفيد الوحيد هي الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، يأتي بعدها التنين الصيني لكن بصعوبات جمة.
حسب رؤيتي للأحداث أنا أرجح أن هذا التفطن لهذا السيناريو، او تم تبنيه على الأقل من قبل العالم القديم، و على رأسهم الصين و روسيا، جاء مع لحظة الاستيلاء الروسي على جزيرة القرم بالتزامن مع ما كان يحدث في الشرق الأوسط مما سمي بالربيع العربي، الذي تم تفسيره من قبل الصين و الروس على أنه حرق كامل للشرق بعد أن استنفذت الولايات المتحدة كل فرصه هناك و باتت أرض محروقة، لأنه بعد ما سمي بالربيع العربي تم اشعال الجبهة الأوكرانية الروسية، الذي اعقب مجيء زيلنسكي للحكم، الذي يبدو أن لديه حقد على العنصر الروسي، طبعاً تم تفسير كل ذلك ضمن اطار السيناريو السابق الذكر، احرق كل شيء خلفك و ابدأ بفتح مشروع جديد، تستطيع من خلاله أمريكا من السيطرة على القوى التجاذبية التي تؤثر على كرة البيس بول المصنوعة في أمريكا.
في هذه اللحظة تم اتخاذ القرار في الوقوف بوجه المشروع الأمريكي، وتم الاتفاق الصيني الروسي على الدخول الى سوريا بواجهة روسية كاملة، مع دعم صيني بدأ مبكراً جداً في استخدام الفيتو المزدوج الذي كان عصياً على التفسير آن ذاك، فرغم كل ما كان يشاع وقتها من حالة أخلاقية إنسانية بضرورة الاصطفاف مع سوريا، كان يكفيها الصين الحياد، كما تفعل عادة، لماذا اذاً قامت الصين باستخدام الفيتو فوق الفيتو الروسي؟ هذا السؤال كان يراودني دائماً ضمن أحداث المعضلة السورية، ولم أجد له جواباً شافياً آن ذاك، وكنت دائم الانتظار لما قد تفعله الصين لايقاف المهزلة السورية، الصين لم نسمع حتى صوتها في الأزمة السورية.
هذا لا يؤكد ولا ينفي نظرية المؤامرة التي قيلت من قبل أجهزة السلطة السورية، لكن حسب معايشتي للأزمة السورية أستطيع أن أقول إنه كان هناك بشكل أو بآخر ترابط وتزامن بين الأحداث الأولى للمعضلة الأوكرانية وبدايات الأحداث ما سأسميه من الآن فصاعداً بالمعضلة السورية، وكثيرة الكتابات التي تشير الى ذلك حينها، لكن لم تكن الصورة جلية كما هي الآن في لحظة مامس الراهنة.
ما أنا مؤمن به، أن أحداث الربيع العربي تمت بشكل عفوي، و كان الانهيار ينبئ آنذاك أنه يمكن للأحداث أن تتجه نحو مواجهة شاملة غير متكافئة بين الشرق و الغرب، تم التدخل من كل الأطراف و كان الكل يراقب الكل، ظهرت على السطح مشاكل لا حصر لها، جلها من الأخطاء التي ارتكبت او على الأقل تعود المسؤولية الكبرى فيها على القطب الأحادي المستلم لزمام الأمور و هي الولايات المتحدة الأمريكية، كل ذلك أدى الى وقوف الروس و الصين ضد ما تم تفسيره على أنه مخطط امريكي لاحراق الشرق الأوسط وبدء اشعال فتيل حرب أخرى في أوربا، بينما كان تفسيره لدى الولايات المتحدة على أنه جاء بعد تحد صارخ للرغبات الأمريكية، بالتكشير عن أنياب التحدي من خلال الفيتو المزدوج في مجلس الأمن على القرار المتعلق بسوريا.
خلال الثمان سنوات الماضية لم تحاول أمريكا بشكل جدي اصلاح المشاكل التي قامت بها في الشرق الأوسط، بل بالعكس كانت الوقائع تشير بشكل لا لبس فيه أنها توجه الشرق الأوسط باتجاه حرب يمكن أن يؤدي الى حرق الأخضر واليابس، وهنا باتت مخاوف الصين والروس مشروعة أكثر.
ترامب كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ترامب الشعبوي الذي يمثل اقصى اليمين الأمريكي، والذي يمثل تماماً السياسة الأمريكية دون مكياج، والذي تحدى الى آخر لحظة، برفضه تسليم السلطة، ترامب الذي كان ومازال منبهراً بشخصية بوتين، والذي عليه ألف إشارة استفهام أن بوتين كان له يد في توليه السلطة في أمريكا، والتي انا شخصياً لا أهتم بكل تلك الأقاويل التي ان كانت صحيحة أم خاطئة لا تفيد كثيراً في بحثنا اليوم عن الحقيقة الكامنة الآن في لحظة مامس معينة.
مجيء ترامب زاد الشكوك لدى الحلفاء الأمريكيين، بل أصبحوا في لحظة يقينية، أن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية هو حرق لكل شيء، وهنا بدأ من الضروري ـ حسب تحليلي للأحداث ـ ربما اطلاع الشركاء المحتملين لما هو جار على أرض الواقع من اثباتات وأدلة تشير بما ليس فيه لبث أن أمريكا تخطط لحرق كل العالم القديم وراءه والتحول إلى دولة شبح، قابعة وراء المحيطات وتتحكم بالعالم عن طريق أدواتها التقنية الجديدة من داتا وكيفية التحكم بها عن بعد. مثلاً من خلال بعض التصريحات والأحداث هناك شك كبير في أن تكون ألمانيا على دراية مسبقة لما يخطط له الصين وروسيا، والتي سوف نأتي الى ذكرها تفصيلياً فيما بعد، ولكي نفهم كل ذلك كان لابد من بعض التوضيحات، لذلك سنقوم أولا بشرح الدول الفاعلة الأساسية ضمن ساحة الصراع قبل أن نبدأ بسرد تسلسل الأحداث.
ـ الدول المؤثرة في المشهد الأوكراني الآن
هناك الكثير من الدول المؤثرة سنحاول تصنيفها حسب شدة القوة التي تمتلكها من قوة عسكرية ومالية وكل شيء، أي سأحاول أن اصنفها قدر الإمكان بشكل تصوري تخيلي أقرب للواقع، هذا التصور يقول أن الدول الثلاث الآنفة الذكر، أمريكا، الصين وروسيا في هذه اللحظة يجب افتراضها متساوية بعد تجميع محصلات القوى لهذه الأطراف الثلاث، رغم كل التفاوت الواضح شكلياً بينها في هذه اللحظة، لكن كما وسبق و أن أوضحت أن هذه اللحظة من المامس الغير قابلة للتعريف يفرض بشكل أو بآخر هذه الفرضية كبديل وحيد في هذه اللحظة من المامس.
تأتي بعدها في الترتيب كساحة متأثرة بشكل رئيسي كونهما ساحتين للصراع، هما دول الاتحاد الأوربي ودول الشرق الأوسط، المملكة البريطانية في هذه اللحظة تشير الى أنها جزء من القوة الأمريكية وليس لها أي قوة مستقلة الا في حدود تأثير القوة الأمريكية، لذلك ضمن هذا المستوى يبدو لنا كمتفرج أن بريطانيا خارج التصنيف ضمن هذا المستوى.
ـ دول الاتحاد الأوربي
أوربا هي أكثر الساحات مرشحة لدفع الجزء الأكبر من الفاتورة، لعدم إمكانيتها انشاء منظومة حماية استراتيجية تحفظ أمنها بشكل مستقل، أوربا المبنية على أساس النظام العالم ما قبل مامس، او ما قبل الحرب الأوكرانية، لم تستطع تبني الأسلوب الروسي في الحكم، ولم يستطع المجتمع الروسي افراز منظومة حكم تمحي كل مخاوف الاتحاد الأوربي من ألا تكون مجرد فريسة لطموحات قيصر روسيا الجديد بوتين.
هذه المشهدية ربما تشكل الأساس الأهم لفهم المعضلة الأوكرانية، المعضلة الأوكرانية التي فيما يبدو تفاقمت في الثماني السنوات الأخيرة كنتيجة طبيعية لما قام به بوتين عندما قضم جزيرة القرم التي يعتبرها جزء من الأوكران أن جزيرة القرم هي جزء لا يتجزأ من أوكرانيا الأم، بينما يعتبرها قسم كبير من الروس أنها روسية تاريخياً، والقسم الآخر من الروس المعارضين لبوتين يقولون نحن لا نستطيع تصديق هذا ولا تكذيب ذاك، أي أنهم على الحياد.
بهذا الشكل يمكن أن نكون أمام مشهدية تتكون من مشكلة والتي هي أوكرانيا، يتنازع عليها طرفين، روس وأوكران، جزء من الأوكران يريدون فصل أوكرانيا عن روسيا، هذا الجزء هو جزء من أربعين مليون ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون أكثر من ذلك، بينما الطرف الروسي الذي أفترضه أنا، أفترض أن أغلبه على الأقل والذي هو افتراض من قبلي التي يمكن أن يمثل نوعاً ما الحقيقة، هذا الجزء كعدد في هذه الحالة يجب أن يكون أكثر من أربعين مليون.
التصور السابق يوضح هذا التشابك بين روسيا وأوكرانيا، العصي على الفك، إلى درجة استحالته، فان وصلنا إلى قاع النظام العالمي ما قبل الحرب الأوكرانية، الذي تمثله الديمقراطية الأمريكية، نرى أنه سيفشل في حسم هذه المعضلة لصالحه، لأن استخدام أهم الأدوات الديمقراطية وهو التصويت سيفشل هنا، فذلك سيؤدي بالضرورة الى اصطفاف اوكرانية بجانب روسية.
أوربا في هذه المشهدية تصبح هي نفسها في قلب العاصفة، وأن المشكلة الأوكرانية الروسية كما يتم تداولها في الاعلام هي أصغر بكثير مقارنة من المشكلة الأوربية، فأوربا بمقدراتها وامكانياتها وقواها مجتمعة هي أهم من أوكرانيا، وهنا نبدأ الغوص قليلاً ضمن مشهدية تتسع أكثر وتعطينا صورة لأوربا الآن في هذه اللحظة من مامس.
ـ الدول الأوربية واصطفافاتها
أهم الدول التي تظهر في أولى الطبقات المشهدية هي ألمانيا وبولندا، ألمانية باعتبارها أكثر المتضررين وبولندا باعتبار موقعها الجغرافي والتاريخي اللذان يقولان أن بولندا هي جارة لروسيا، و هي من ألد اعدائها عبر التاريخ، بهذا الشكل تصبح أوربا كما تبدو لنا في هذه اللحظة منقسمة بين قطبين، المانيا و التي تجمع معها أغلب المتضررين، و بولندا التي تجمع حولها أكثر الدول القلقة، و هي المجاورة لروسيا التي تكن لروسيا العداوة الواضحة، و هنا يبرز سؤال مفاده إلى أين ستذهب أوربا؟ هل تنجذب إلى القطب الألماني وبالتالي الى القطب الغير متوافق مع المشروع الامريكي، أو تتجه باتجاه القطب البولندي المعادي والمجاور لروسيا، أم ستتجه أوربا إلى الانقسام الصريح شيئاً فشيئاً بحيث نكون امام حلقتين تحيطان بروسيا، الحلقة الأقرب وهي المعادية لروسيا بينما الحلقة الأبعد هي على الحياد وتهتم فقط بمصالحها الاقتصادية، هذا السيناريو الأخير بانشقاق الاتحاد الأوربي أراه في هذه اللحظة هو السيناريو الأكثر احتمالاً.
في الطبقة التالية من الدول بالكاد نلحظ الدورالفرنسي الخجول، ويكاد يكون من المستحيل أن نرى بجانبها الآن أي فريق متكون، يبدو من خلال المشهدية في هذه الطبقة، أن حتى ربما فرنسا باتت مقتنعة أن هناك قطبين أوربيين فقط، عليها اما الانضمام للمعسكر الألماني أو تنطوي تحت جناح بولندا، رأي الشخصي حسب رؤيتي لشخصية ماكرون وشعبويته أقول إنه يمكن لفرنسا أن تتجه نحو القطب الأمريكي، لكن عندما أفكر في التاريخ الفرنسي، أقول حكماً يجب ان يكون مع الصف الألماني.
هذا المشهد قد يؤدي إلى اصطفاف أكثر قطبية بانضمام فرنسا للمحور الألماني وبذلك أتصور أن الاتجاهسيكون أكثر احتمالية نحو بقاء اتحاد أوربي، انما ان اتخذت فرنسا الاصطفاف مع المحور الأمريكي البولندي الاتحاد الأوربي سيتجه نحو التفكك، الى الآن ليس هناك من اتجاه واضح لفرنسا، من ناحية الواقع الأوربي ومصالحها سيكون الاصطفاف مع ألمانيا هو الأفضل.
باقي الدول لا تشكل وزناً مهماً ضمن المعادلة الأوربية، وبذلك يمكن استشفاف أن استقرار أوربا ربما في الدرجة الأولى منوطاً بألمانيا، وهذا الأمر يبدو منطقياً، اذ أن ألمانيا بلا منازع هي القائد الفعلي لأوربا.
ـ ساحة الشرق الأوسط
تبدو الساحة الشرق أوسطية الأكثر تعقيداً و الأكثر صعوبة على الفهم خاصة من قبل الأوربيين، فقد كان الاوربيون طيلة سنوات مشاريع الحرب التي كانت تفتحها أمريكا في الشرق الأوسط مجرد ابواق إعلامية مصدقة لما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية، أو دريئة لتلقي الصدمات الناجمة عن الأخطاء التي كانت ترتكبها أمريكا في الشرق الأوسط، كما حصلت في أمواج الهجرة الى أوربا، كل ذلك ضمن اتفاق من تحت الطاولة بين الولايات المتحدة و اوربا الصناعية أن جزءاً من الثروة المتدفقة من الشرق الأوسط سيمر من خلال أوربا، ذلك بحكم الجغرافية، و نتيجة أن هذه الحروب سوف تخلق لاوربا سوقاً لبيع منتجاتها، كذلك منطقة غنية بثرواتها تضمن الولايات المتحدة الأمريكية أن تصل الطاقة الى أوربا عبر التوازنات الدقيقة التي تتحكم فيها الولايات المتحدة الأمريكية بأقل الأسعار الممكنة.
لكن بالمختصر المفيد يمكن التلخيص بأن كل ذلك التعقيد في الشرق الأوسط صار يتقاطع بشكل أو بآخر مع المصالح الروسية، بعد أن احتلت موسكو سوريا وأصبحت على حدود إسرائيل، أداة الولايات الرئيسي في خلق التوازنات في المنطقة، هذا التعقيد يبدو عصياً على الفهم حتى على أكبر الدارسين للشرق الأوسط.
يمكن ضمن هذا المستوى أن نشاهد عدة دول لا تختلف كثيراً في هذه اللحظة الراهنة عن بعضهم البعض كمحصلة قوى الا بنسبية لا يمكن ذكرها، لذلك سأعتبر التصنيف حسب محصلة القوى أنهم متساوون، و نذكر هنا، إسرائيل و ايران كعدوين محتملين، كذلك تركيا التي تبدو أن تكون احتماليتها كصديق لإسرائيل هي أكبر، ثم نجد سوريا و السعودية و مصر، الصورة ما تزال غامضة، لا يوجد افق لتحالفات محتملة، لكن الكل بدأ يفكر في تقارب سعودي إسرائيلي و بناء سلام حقيقي التي يمكن أن تكون السبب في انضمام ايران فيما بعد نتيجة قد تكون منطقية نتيجة توازنات القوى.
هذا التشابك الصعب و الذي تدركه الولايات المتحدة قبل غيرها أنها عصية على الحل، رغم ذلك اتجه الطرفان الروسي والأمريكي على أمل فتح جبهة حرب كما تريد أمريكا كي تنقل الحرب من أوكرانيا إلى ساحة أخرى تدربت فيها الولايات المتحدة جيداً و تعرف دهاليزها، بالإضافة للاحتفاظ بحلفائها الأوربيين الذين باتوا قاب قوسين أو أدنى من فك الارتباط بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن بشكل عام نستطيع أن نقول أن من مصلحة الولايات المتحدة ان يتم فتح جبهة الجولان بينما الروس يراهنون على فتح جبهة الخليج ان كان و لا بد منه، الا أن روسيا من مصلحتها بشكل عام هي إيقاف أي حرب في الشرق الأوسط كخط دفاع أولي.
بعد انغلاق الأفق في حل المعضلة الأوكرانية بطريقة مرضية للولايات المتحدة، حرب ما في الشرق الأوسط باتت ضرورة وجودية للمصالح الأمريكية، ولذلك ستحاول الولايات المتحدة الأمريكية بذل كل الجهود لاشعال حرب ما في الشرق الأوسط، حتى لو تنازلت عن أي شيء، إمكانية التحرك الأمريكي كما أشاهدها ستكون عبر المحور الإيراني والمحور الكردي الذي يمكن أن يكون محور تحالف قد يكون بإمكانه اشعال حرب ما في الشرق الأوسط
إيران هي الصعوبة الأساسية في إمكانية وجود هذا المحور نتيجة وضع شرط مسبق أنه يجب أن تكون إيران وإسرائيل عدوتان في التحالفات المستقبلية، أو على الأقل أن تكون إسرائيل عدواً للحرس الثوري، هذا الذي لا يمكن من قبلنا تخيله الآن، اذ أنه كيف سوف تستطيع الولايات المتحدة حل هذه العقدة غير واضحة إلى هذه اللحظة، هل يحصل انشقاق ما بين الإدارة السياسية الإيرانية والحرس الثوري على سبيل المثال؟ امر يبدو مستبعداً جداً، لذلك أفترض أن فرصة نشوب حرب في الشرق الأوسط صعبة جداً، كذلك اشعال حرب خليجية في هذه اللحظة سيكون مدمراً لأمريكا وحلفائها أكثر من روسيا نتيجة ارتفاع أسعار النفط الجنونية، وارتفاع مستوى التخوف الأوربي من مشاريع الولايات المتحدة.
ما قد يضيف الى استحالة نشوب حرب في الشرق الأوسط، هي الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط التي اعتمدت فيها تقنية جهاز الاستخبارات الأمريكي كما تم ايضاحه سابقاً بأنه يجب عليك احراق كل شيء ورائك عندما تنوي البدء بمهمة جديدة.
21/3/2022
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال