الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يستطيع الرئيس الروسي أن يربح هذه الحرب؟

فارس إيغو

2022 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


في أحد جولات حرب الاتصالات والدعاية المكشوفة، الحشد الكبير الذي جُمع بالآلاف في أحد ملاعب العاصمة موسكو يوم الجمعة الموافق 18/03/2922 ليستمع إلى خطاب الرئيس الروسي، والمُوجه أساساً للشعب الروسي من أجل تجييشه مع هذه الحملة، وكانت أهم لحظات هذا الخطاب قول بوتين: ((هذه الحرب ستستمر، وسنربحها)).
لكن، هل من الممكن للرئيس الروسي أن يربح هذه الحرب؟
هذا السؤال، يحيلنا إلى أسئلة أخرى الإجابة عليها ستمكننا من الإجابة على السؤال الأساسي الذي طرحناه، من هذه الأسئلة: ما هي الأهداف الحقيقية للرئيس الروسي والتي تسمح له بالقول لقد ربحنا الحرب؟ وهل هذه الأهداف ثابتة أو متحركة مع بطء حركة المدرعات الروسية في أرض المعركة؟ وهل يمكن تصوّر استسلام الجيش الأوكراني والسلùة الأوكرانية على المدى القصير (عدة أسابيع)، أو المدى المتوسط (عدة أشهر)؟
يمكننا استطلاع الأهداف الحقيقية للحملة الروسية أيديولوجياً لدى الفيلسوف القومي الروسي وعقل بوتين الأيديولوجي ألكسندر دوغين في الحوار الذي أجراه مع الإعلامي الكبير علي الظفيري على قناة الجزيرة بتاريخ (14/10/2021)، يقول دوغين بخصوص أوكرانيا: ((أوكرانيا يجب أن تنقسم إلى قسمين، الشرقية معنا، والغربية مع الغرب)) (1 و2)، وما يعنيه من سيطرة روسيا على المدن الجنوبية ( ماريوبول وأوديسا) المطلة على بحر قزوين وحرمان أوكرانيا من أي إطلالة بحرية.
إن البوتينيّة هي المرحلة التي أسست دعائم القيصرية الجديدة في روسيا، أو يمكننا القول السوفياتية من دون الأيديولوجية الشيوعية، ولا ننسى أن الضابط الشاب بوتين الذي يعمل مع ك. ج. ب، كان يوم انهيار جدار برلين يخدم الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي في إحدى القواعد الأمنية ـ العسكرية في ألمانيا الديموقراطية. وقد قال فيما بعد قولته الشهيرة:
((لقد شكل انهيار الاتحاد السوفياتي أسوأ كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، ومن لم يأسف على هذا الانهيار لا يملك قلباً، أما من يريد إعادة إحياء الاتحاد السوفياتي السابق فليس لديه عقل)).
فالسوفياتية الشيوعية لم تكن الأيديولوجية المناسبة للقضاء على الحلم الإمبراطوري القيصري لروسيا، ولا على حلم روسيا الكبرى التي تضم بالإضافة لروسيا، أوكرانيا (التي تشكل المهد أو الأم لروسيا) وروسيا البيضاء (أو بيلاروسيا). لذلك، كان انهيار الاتحاد السوفياتي السابق الجسر نحو العبور إلى القيصرية المحدثنة على الأنموذج البوتيني، وبالخصوص بعد الخراب الواسع الذي أصاب الدولة ومؤسساتها مع فترة الانفتاح الفوضوية والفساد المعمم الذي ساد في العشرية اليلتسينية 1991 ـ 2000.
ولقد قال الرئيس منذ عدة أيام في مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون (الأحد 06/03/2022): سنحقق أهدافنا بالمفاوضات أو بالحرب.
فما هي هذه الأهداف.
الأهداف المعلنة، قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه المتلفز مساء الأربعاء (23/02/2022)، معلنا عن ((عملية عسكرية خاصة لحماية الأشخاص الذين تعرضوا من قبل نظام كييف لعمليات إبادة اجماعية لمدة ثماني سنوات)). ويضيف الرئيس الروسي في النهاية: ((سنسعى جاهدين لنزع سلاح أوكرانيا وتخليصها من العناصر النازية، وكذلك تقديم أولئك الذين ارتكبوا العديد من الجرائم الدموية ضد المدنيين في الدونباس إلى العدالة)). مما يعني احتلال العاصمة كييف وتقديم المسؤولين إلى المحاكمة في روسيا، ووضع حكومة خاضعة لأوامر موسكو في كييف. ولكن، هذا السيناريو الأولي فشل مع صلابة المقاومة الأوكرانية، فالجيش الروسي لم يستقبل بالورود حتى في المدن في المنطقة الشرقية التي تسكنها غالبية من الناطقين باللغة الروسية، فالقومية الأوكرانية ترسخت مع الحريات السياسية والديموقراطية، وزادت رسوخاً مع الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا، فالأوكرانيون بكافة مكوناتهم لا يرغبون الخضوع لحكومة لا شرعية ولا سيادة لها، وتخضع لأوامر روسية.
فشل سيناريو إخضاع أوكرانيا بالكامل تحوّل في الأهداف الروسية إلى محاولة اقتطاع النصف الشرقي لأوكرانيا كما نظّر لذلك الفيلسوف القومي ألكسندر دوغين، وضمه بالكامل إلى روسيا، أي يعني انتهاك سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وهو المطلب الذي لا يمكن للقيادة الأوكرانية، ولا الغرب الموافقة عليه في أي مفاوضات مقبلة. ولذلك، من المتوقع أن تطول الأزمة الأوكرانية أشهر بل سنوات قبل أن تجد لها حلاً، هذا إذا وجد هذا الحل.
يقول توماس فريدمان في إحدى مقابلاته مع قناة الجزيرة في بداية الحرب الروسية على أوكرانيا: هذه الحرب هي حرب الرئيس بوتين نفسه، وهي خطأ جيو استراتيجي جسيم ارتكبه الرئيس الروسي، وهناك طريقان له للخروج، إما الطريق الباكر الذي يجنب روسيا الكوارث، وذلك بوقف إطلاق النار والجلوس بسرعة إلى طاولة المفاوضات وتطبيق اتفاقيات مينسك، وضمان حيادية أوكرانيا بالنسبة للحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وهو ما يحقق المطالب الروسية الأساسية، ويشكل مخرجاً مشرفاً للرئيس الروسي؛ أو أن يستمر الرئيس الروسي في خياراته العسكرية، وعندها نحن في السيناريو الأسوأ الذي لا يمكن التكهن بمآلاته ونتائجه. ربما الخيار الأول فات الوقت عليه بعد شهر تقريباً على بداية المعارك، وبالتالي، نحن ذاهبين إلى سيناريو مشابه للسيناريو السوري، حيث الوسيط التركي ومحادثات وقف إطلاق النار، والاتفاق على ممرات إنسانية تسمح بتفريغ المناطق الشرقية من سكانها الأوكرانيين، ومن ثم انتهاك هذه الاتفاقات، والبدء بقضم بعض الأراضي، إلى حين الوصول إلى السيطرة على معظم أراضي أوكرانيا الشرقية، عندها ستصبح الأزمة الأوكرانية مسألة أو قضية مزمنة كالمسألة والقضية السورية.
ولكن، أوكرانيا ليست سورية، فلن يسمع الغرب بسحق المقاومة الأوكرانية، فالمقاومة سوف تستمر في ضرب الوحدات العسكرية في أوكرانيا الشرقية، مع استمرار تدفق الأسلحة الصاروخية المحمولة والفعالة ضد المدرعات والطائرات التي تطير على علو منخفض، مع استمرار المساعدات الإنسانية للداخل الأوكراني، واستمرار العقوبات التي سماها الصحافي توماس فريدما بأنها بمثابة ((قنبلة نووية اقتصادية ومالية))، كل هذه العوامل سوف تدفع في الأخير إلى الدفع ربما لإزاحة الرئيس بوتين السبب الأول والأخير لهذه الحرب عن السلطة، مما يفتح الباب لحل سريع للأزمة الأوكرانية بالرجوع إلى تطبيق اتفاقات مينسك مع الاعتراف بشرعية ضم روسيا لجزيرة القرم، وربما يكون هذا التغيير في أعلى رأس الهرم في روسيا انهيار للتحالف الروسي الإيراني في سورية، مع إضعاف إيران، وفتح الباب لتغيرات قد تكون كبيرة في منطقة الشرق الأوسط.
الخاتمة
إنّ روسيا التي انغلقت على نفسها مع الرئيس بوتين مستبدلة الأيديولوجية الشيوعية العالمية بالتفسيرات الرجعيّة التآمرية للنزعة القومية الروسية الشوفينية المتشددة التي تعود في أصولها إلى القرن التاسع عشر، روسيا هذه لا يمكن لها أن تكون مشاركة في السلام في العالم كقطب كبير، بل ستكون على الدوام عقبة أمام السلام العالمي. إنّ هذه النظريات التي يمكن الإطّلاع عليها لدى العديد من المنظرين الروس الجدد، وأهمهم أ. دوغين، لا يمكن أن تتلاءم مع وقائع ومعطيات العصر الحالي (3).
سياسيا واقتصاديا وإعلامياً، لقد خسر الرئيس الروسي هذه الحرب، فهل يمكن أن يعوّض تلك الخسائر على أرض المعركة بتطبيق سياسات إرهاب المدنيين لتهجيرهم، ودفع المسؤولين الأوكران على الاستسلام؟ ليس الأمر بالسهل، فهذه الحرب من الطرف الآخر، الطرف الأوكراني وخلفه أوروبا وقد توحدت، والولايات المتحدة الأمريكية، هذه الحرب لا يمكن السماح للرئيس الروسي أن يربحها عسكرياً أو يستثمر أي نصر عسكري في السياسة، فقط هناك أمام الرئيس الروسي إمكانية لخروج ممكن من هذه الورطة (حتى لو كان متأخراً)، وذلك عن طريق وقف هذه الحرب المدمرة، والبدء بمفاوضات سلام تضع أسس جديدة لنظام عالمي متعدد الأقطاب، تكون روسيا جزءاً أساسياً منه.
إن البحث عن السلام بسرعة وعلى عجل هو وقوع في الفخ الذي يريده الرئيس الروسي، هي حرب عض للأصابع طويلة، فلا يمكن السماح للرئيس الروسي بأن يكسب هذه الحرب التي أطلقها عبثا على أوكرانيا، وإلا فإنها لن تكون الجولة الأخيرة مع استمرار الرئيس فلاديمير بوتين على رأس السلطة في روسيا.
وأخيراً نحذر من بعض الأصوات ـ النادرة والحمد لله ـ التي تطالب بالتدخل العسكري المباشر في أوكرانيا بأشكال متعددة، ومنها الحظر الجوي للطيران الروسي في السماء الأوكرانية، مما يعني إعلان الحرب مع روسيا، وما يمكن أن تجره من حرب عالمية ثالثة مع احتمال كبير في اللجوء إلى الأسلحة النووية. إنّ على الغرب أن يبقى في مستوى الرد الحالي على الاعتداء الروسي على أوكرانيا، أي العقوبات الاقتصادية والمالية وتزويد الجيش والمقاومة الأوكرانية بالأسلحة المحمولة ضد المدرعات والطيران على علو منخفض، في انتظار اللحظة التي تدرك فيها القيادة الروسية بأن المغامرة العسكرية في أوكرانيا ليست بالعملية السهلة، وبالتالي، انفتاح أفق المفاوضات والوصول إلى حل يشكل مخرجاً مقبولاً لروسيا من دون التنازل عن وحدة الأراضي الأوكرانية قبل الرابع والعشرين من شهر فبراير/شباط 2022، مما يعني ضرورة اعتراف أوكرانيا والغرب بأن جزيرة القرم هي جزء لا يتجزأ من الفيدرالية الروسية.
مستقبل أوروبا والعالم على المدى المتوسط والبعيد، سوف يكون في حكمة الغرب في إدارة هذه الأزمة الكبرى، بمعنى آخر، في محاولة تهدئة الهيجان القومي الروسي المترافق بسياسات عسكرتارية مفرطة انتهجتها روسيا منذ 20 عاما، وفي نفس الوقت احتفاظ الغرب بالهدوء الكامل للوصول إلى مؤتمر سلام في أوروبا يعيد روسيا إلى الحديقة الأوروبية، من دون الإصرر على محاولة إبعادها عن الصين، وهو ما يؤدي إلى محاصرة الأفكار المدمرة للقومية الروسية الشوفينية، والذي يمثل ألكسندر دوغين أحد أكبر رموزها في روسيا.
الهوامش
(1) المقابلة، تأثير نظريات المفكر الروسي ألكسندر دوغين على سياسات بوتين في الحكم - الجزء الأول، مع الإعلامي علي الظفيري، الجزيرة في 14/10/2021.
(2) المقابلة، تأثير نظريات المفكر الروسي ألكسندر دوغين على سياسات بوتين في الحكم - الجزء الثاني، مع الإعلامي علي الظفيري، الجزيرة في 14/10/2021.
(3) انظر المقابلة التي أعطاها أ. دوغين لقناة الجزيرة بعد 24 يوماً من الحرب على أوكرانيا والتفسيرات اللامعقولة والجنونية التي يعطيها لتبرير هذه الحرب، وللانتصار المزعوم على الغرب.
قناة الجزيرة، ألكسندر دوغين: إما أن تنتصر روسيا أو يزول العالم بالسلاح النووي.
https://youtu.be/RyTbgtRNvB8
تاريخ 19/03/2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار