الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلباب الانزياح والزخم الدلالي في (بينَ أصابعي وسرابِك) للشاعرة فيان البغدادي

طالب عمران المعموري

2022 / 3 / 23
الادب والفن


(بينَ أصابعي وسرابِك)..الشعرية، ابتداءً من العتبات القرائية الاولى لمجموعتها عتبة العنوان والمفارقة في فلسفة بنائها ليست فقط على المفارقة في العنوان انما ايضا المفارقة في فلسفة رؤية فيان الشعرية المنتجة لها مجموعة شعرية فيان البغدادي، عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ، بغداد، في طبعتها الاولى ، 2021 .
(بينَ أصابعي وسرابِك)
حضور العنوان بوصفه بنية نصية لها اشتغالها الدلالي في النص وبناءه الدرامي وانزياحه الانفعالي المكثف ودوره في انتاج المعنى لدى الشاعرة التي تعي العالم جمالياً، والتي عبرت عنه بلغة خاصة تختلف كثيرا عن اللغة في النثر العادي وهذا هو الموطن الشعري.
عنونة مباغتة وبمفارقة لفظية ، استغراق شعري في ثنائية جدلية ما بين الملموس والمحسوس ،اصابعي/ سرابك، " الشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنى شاءوا، ويجوز لهم ما لايجوز لغيرهم من أطلاق المعنى وتقيده.."1
تتسم نصوصها الشعرية بجملة من السمات الجمالية وتقنية حيث اللغة المكثفة والمختزلة ، والمشهدية البصرية نرى ذلك جليا في مناصاتها الاخرى في (عتبة الاهداء ) كعنوان استهلالي جاء بأسلوب ودلالات فيها اشارة على أن الشاعرة مهدت لنا مفتاح الدخول لمجموعتها موحية وملمحه لنا وبأسلوب السرد النثري عبر التبئير بتكثيف سرد الاهداء أو ما يسمى حسب النظريات السردية ( الرؤية السردية) لكن السرد جاء كإهداء تعريفي ابتدائي :
لعينيك اللتين تضجّانِ في مداي ..
لعينيّ اللتين تتَّكئان على زجاج الانتظار مثل ساعة متوقفة ..
نلمس من خلال الاهداء المفعم بالعاطفة تلك المفارقة والثنائية بي العينين التي تضجان بالحضور والانتظار الحقيقي الملموس بين الاخر الذي يبدو منشغلا وغير مبالي :
يصلُكَ صوتيَ ولا تسمعُهُ2
وأنت تقودُهُ بحذرٍ إلى قلبِك
غيرُ مكتملٍ عقدُ ودادِكَ
عليكَ بالتريّثِ ص10
وفي نصها:3
العينُ التي تسمّرتْ على خشبةِ الإنتظارِ
كانتْ كتلك التي صُلب عليها المسيح
في جمعةِ الآلآم ؟ ! ص32
احسنت الشاعرة في اختيار واعي للكلمات للعنونة التي تؤدي وظيفة تأثيرية وبلاغية وجمالية بما يحمله من دهشه يثير في نفس المتلقي و يحرك استنهاض ورغبة الفضول ويرسم انطباعاً أوليا عن النص.
اختارت الشاعر عنونة لنصوصها بلغة شعرية تعبيرية مؤثرة تستقطب المتلقي وتدفعه الفضول لقراءتها، متناغم مع نصوصها وبدلالات انزياحية موحية لصورة تجسد الالم والارهاصات النفسية الناجمة :
(قُبل يابسة ، كحلة الغياب، جذور منزلقة، أصابع موغلة في الضباب
ذاكرة الفؤوس، توشّحُ بالعُرْي، مغارة قميص، غزوة الأمنيات، أمرأه من قصب، وجع طري، حنجرة مستعارة، علي وعناقيد الصوت، أنثى مشطوبة الأصابع، جّرة العطش، سحابة شعر)
انفتح النص على هموم الذات الشاعرة ومعاناته من خلال صور شعرية فيها الشفافية والتكثيف يستفز المألوف الشعري بنسق جمالي وفق معاير قصيدة النثر و سماتها في شكلها ومضمونها في اتحاد المتناقضات فيها من السردية وتقنياتها الجمالية:
أرتدي حكايا الشمسِ
أحلمُ بضوءٍ ينيرُ ظُلمتي
ما أكثرَ غيابَ الأحبةِ !
وما أضيقَ قلبي
على إحتواء الأصدقاء !
اتخذت الشاعرة من حياتها ،تفاصيلها ، خيباتها، وآمالها، الفقد، الغياب، مادة للكتابة تحمل خطابات نفسية واجتماعية الا انها ذات مناخ شعري واحد يكاد يهيمن على تجربة قصائدها.
قدرتها على تحويل اللفظة من معناها الوضعي الى معناها الشعري وبلغة انزياحيه خروج عن المألوف والسائد من اللغة ، الذي يزيد من المسافة الجمالية:
أرتدي حكايا الشمسِ / أسكنُ خريفَ عينيه / موجةٍ ترشقُ وجهَ الحلمِ العذب / تحتَ شِفاهِكَ المُتهورة/ يا صلاةَ الحبِّ في محرابِ دموعي / عُروقِ الأمنيات/ مذبحِ الأمنيات / تراوده ذاكرة الفؤوس/ حزن جنوبي طينه المواويل/ يجرُّ مواويلَ الدهشة الى معصمي/
نقلت الشاعرة من خلال ذاتها المتشظية التي هي انعكاساً حقيقياً للعالم الخارجي المتشظي أيضاً ، ذات الشاعرة محبطة ، منكسرة ، قلقة، او ذات متسائلة : ص58
أرمّمُ شقوقَ الصبر
لم أتمكن من إهانةِ رغبتي
كنتُ أسيرُ فقط لأروّضَ الخيبات
وهذا ما يتسم به الضمير الشعري داخل النص وهذا ما يغلب عل الذات الشاعر الحداثي هذا الانسان المتناقض المتوتر ، القلق اللا متوازن الممزق بين واقع يحيياه وممكن يتطلع اليه :
وحدي
كلّما خطوتُ
وحدي أينما كنتُ ..
كيف لي أن افقأَ عينَ الألمِ
ولا أمتلكُ يداً ؟
تمتلك كم باذخ من الانزياحات باعتبارها المورد الاساسي في تغذية النص الشعري وبذلك يرفع النص من خموله الى نص فيه من الحيوية والموسيقى الروحية يبرهن على قدرة الشاعرة ومخيالها الجمالي :
أسكنُ خريفَ عينيه
ارى ربيعاً خجولاً يناديني
كأشرعةٍ لاهثةٍ نحوَ مرافئ الشوق
تعال...
ضعْ رحالَكَ بأحضان كفّي
نشاركُ النوارسَ روعةَ الوصول.
ترتقي بنصوصها صوب الايقاع الداخلي الخفي للغة وعدم ايغالها باللغة المباشرة والسرد القصصي كما في نصها (امرأة من قصب)
‏‎أنا امرأة
‏‎تعرفُ وهجَ الصليب
‏‎تُدرك سرَّ حضورِه
‏‎وتُرتّلُ كلّما قرعت الأجراس ..
‏‎أنا
‏‎امرأةٌ من قَصَبٍ
‏‎كنتُ ناياً
‏‎وشهقة
‏‎أنثى في الجنوب ..
‏‎أمارسُ الصومَ الكبير تقرباً
‏‎من الضوء ..
لذلك نجدها تنتج هذا الزخم الدلالي الكامن في الذاتي المحتجة ، ونزعاتها الجمعية من خلال خطابها الشعري التي تستطيع ان تخلق لها متنفسا داخل جلبابها الانزياحي والدلالي الشعري .
إن لغة الشعر التي تحلّق بها الشاعرة ( فيان ) ومن خلال انزياحاتها اللغوي ، ودلالاتها داخل فضاءاتها الرحبة ، وروحها المتوثبة لخلق قصيدة نثر حداثوية عبر موارد الانزياح والدلالة اللغوية من خلال مخيالها التصوري الخصب نرى ذلك جلياً في نصوصها الوجيزة (قرابين) ص87
1
قطرةُ شعرٍ منكَ كمزنةِ عشقٍ
تُحيي غاباتِ اللهفةِ
في نعومةِ صدري.
2
أيها القاحلُ جداً
ما تلونتْ عيناكَ الا باخضراري
فأنا نبيّةُ مواسمِ القطفِ وإرتعاشِ الربيع .
3-
إنتهكْ ما بيَ من حدودٍ
سأفتحُ لكَ شواطئاً
لم يطأْها قبلك شاعرٌ أو ساحر
كنْ مدّيَ الدائمَ
فالنوارسُ تعشقُ البللا.
4-
لا تعبثْ بقصائدي العارية حتى لو كاشفتك مفاتنَها
ما تخبّؤُهُ فيها لنْ تنجوَ
منهُ أبدا .
5-
عليكَ أنْ تكونَ حذراً
حين تتشبثُ بي وأدورُ حولكَ
كدوامةِ بحرٍ لأنّكَ ستدمنُ الغرق.
6-
تحتاجُ حلماً أكبرَ مما تتصور
لقلبِكَ الأعمى !
أو حلمٌ بضفائرَ ذهبيةٍ مثلي تماماً .
7-
واقفةٌ
مثلُ عمودِ إنارةٍ بإنتظارك
8-
يتغذى بعضُهم على بعضٍ
براغيثُ الشعراء .. ‎
وتبقى دماءُ القصائدِ نقية .
9-
ما قيمةُ أنْ تشتعلَ أمام سذاجةِ الجليد!
10-
الثقةُ العمياءُ سترى خيبةً موجعة‎ .
11-
تكاثرْ بيّ
وكنْ مجراتِ شعرٍ
فالمجراتُ لا يدركها
إلا المحدّقون في السماء .
12-
رائحة ُالخبزِ من تنورِ أمي
تفوحُ كحلمٍ يتيم .
13-
فيكَ من الصدق ما يشطبُ على قلقي
وأنا امتدادُ أفقيُ اللحّظة.
نصوص فيها من الموسيقى الداخلية المتأتية من الكثافة والتوهج والايقاع الداخلي الذي يحدثه مسافة التوتر التي اعتمدتها الشاعرة في تكوينها اللغوي لجملها الشعرية
المصادر
1- القرطاجي، حازم: منهاج البلغاء وسراج الادباء، تح، محمد الحبيب ابن الخوجة، دار المغرب الاسلامي، بيروت ،ط3،ص144 .
2- البغدادي، فيان: بين أصابعي وسرابك،ط1، منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب ،بغداد، 2021 .
3- نفس المصدر، المجموعة الشعرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا