الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان وحاجته لمعنى الحياة في -فكر عبد الجبار الرفاعي- قراءة في الدين والكرامة الإنسانية .

حسنين جابر الحلو

2022 / 3 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لاشك في أن الإنسان بحاجة إلى أن يفهم نفسه في كل مرحلة من مراحل حياته ، وهو يغوص في تجارب مختلفة ، تغير من وضعه كإنسان يبحث عن معنى ، إلى إنسان غائب عن المعنى ، أو متماهي فيه .
وبما أن " الرفاعي " غاص في لجج معنى الحياة ، والحاجة للكرامة والمساواة والحرية ، من خلال إعادة تعريف الانسان ، وإيجاد نقاط التقاء في هذه الثلاثية ، هناك مايشده من جهة ، ويبعده عن أخرى، في جدلية الرفض والقبول ، كأنه مقيد عند بعضهم ، ومسيرا لحالة في بعض آخر.
لذلك عكف الكاتب في ضوء فهم للانسان يتحدث عن حاجته العميقة للدين ، بعٍده مكونا عميقا لماضينا وحاضرنا ، و المكون الأساس في الهوية ، والبنية اللاواعية في ذهن الفرد وثقافة المجتمع .
فبين تبيان أثر الدين في تكوين الانسان ، وبين إخفاق للمشاريع ، كان لابد من ثمة ربط جعله " الرفاعي " هو الطريق الصحيح في دراسة التراث دراسة علمية معمقة ، والتوتر في بنيته التحتية ورؤيته للعالم ، هذه الرؤية التي تكتشف الانسان ، وتتعرف على حاجته المزمنة للدين بمقولة "الانسان هو غاية الدين" .
يبدأ " الرفاعي " كتابه هذا بعّد مقدمة عالية المستوى في الاستقصاء ، والدخول في مستويين ، الأول : ضمن إطار الانسان ، والثاني : ضمن وجود الانسان في إطار الدين ، حتى يصل إلى الإيمان عندما يتكلم لغة واحدة ، بمقولة "وجود الانسان مرآة وجود الله" ، ضمن نقطة الإيمان : هو النور الذي يكشف للانسان وجوده ، بطريق قلبي أفضل وأسهل واجمل الطرق إلى الله ، و الناس تحتاج إلى التعلم والاستماع إلى نداء قلوبهم ، " القلب هو الطريق إلى الله " ، على الرغم من أن الانسان كائن غريب في العالم جعل من الحياة لغزا ، يتلوها الموت وطبيعة الانسان من خلال التأكيد على خلقه ضعيفا هشا ، جعله يستحق الشفقة والعطف والرعاية ، على الرغم من غروره وغفلته وجهله ، وعدم سعيه لكشف قدراته .
بعدها ينطلق " الرفاعي" في غمار الأسئلة الفلسفية ، ولاسيما السؤال الميتافيزيقي والفلسفي ، وعرضه لمقطوعة " من لا يعرف الانسان لا يعرف الله " ، وبتنكر بعض المثقفين للميتافيزيقا من غير معرفة ، الذين نفوا من خلالها وجود الله ، لأنهم لم يصلوا إليه بأدوات العلم التجريبي التي يثقوا بها فقط ! مما اوجد عدة تساؤلات في هذا المعنى ! مبينا بعدها لآراء بعض المثقفين والعلماء والفلاسفة ، ممن تناول العقل أو المتخيل "الاسطورة " ،وصولا إلى الاعتقاد بشقيه العقلي واللاعقلي .
اما وقفته مع الانسان بعّده "كائن استثنائي في وجوده" ، لايتماثل معه اي كائن آخر، الوحيد الذي تجلت فيه اجمل صورة لله في العالم ، وهو كائن ذي دلالة وليس سلعة ، كانت وقفة متفحص لواقع الانسان المنماث في جدليات الوجود .
وهذا مما دعاه إلى الحديث عن انه الكائن الوحيد الذي لا يكتفي بوجوده الخاص ، بل يعمل على تكثيف هذا الوجود كيفيا ، مما جعل الحاجة للدين وجودية بوصفها حاجة لكينونة الكائن البشري ، وهو اي "الدين" كائن حي يطلب مايمده بالحياة ، والعبادة مكون أساس في ماهية كل دين ، فلا طريقة بلا شريعة ، ولا حقيقة بلا طريقة ، الشريعة غطاء الطريقة ، والطريقة غطاء الحقيقة .
بعدها ينقلنا إلى مفصلية مهمة أخرى ضمن الحب والاضداد في الطبيعة الإنسانية ، لان نفس الانسان غامضة حتى لنفسه ، فيصل إلى اكتشاف في حياته هو اكتشافه لعجزه عن فهم نفسه ، لتعذره معرفة كل شيء في أعماق الشخصية الإنسانية ومايكتنفها من غموض وخفاء .
هناك تناقضات في الكائن البشري من ضعف وقوة ، وكراهية وحب ، وقسوة ورحمة ، تقوده إلى الفشل والنجاح بحسب قراراته في مشاعره وانفعالاته ، لان هناك تفاعل وتداخل من عناصر متباينة في تكوين الانسان لا تنتمي إلى جنس واحد .
لا يخفى على القاريء الكريم ان " الرفاعي " في مشروعه هذا ، واصل سر الحب الذي لا يتحقق إلا بالحب، لأنه الضوء الذي يكشف كل شيء ، في مراتب وقوة ، من باب " الكل يريد أن يحبه الكل " ، ومن باب آخر يضمنه الحياة في أفق المعنى ، يحدد المسار في نقطية لا ايمان بلا شكل من أشكال الدين ، ولا دين بلا شكل من أشكال التدين ، لأن الدين هو الحاجة المستودعة في أعماق الكينونة الوجودية للكائن البشري ، موضحا الفصل بينه وبين الايدلوجيا ، مبينا التداخلات في رؤية التدين العقلاني الاخلاقي ، وصولا إلى التدين الرحماني ، والبريء الشعبي ، والجماعي الشعبوي ، والشعبوي المتقدم " الشكلي " ، والمرضي النفسي ، والاستغلالي السياسي .
متنقلا في جوهر إنسانية الدين بعده كرامة ، ظهرت النزعة أوربيا كرد فعل على تأميم الدين ومؤسساته للفهم البشري بداية وولادة ، حتى لحظة إيقاظ العقل ، ليعرف الانسان من جديد ، فاعلا للخير في ضوء الإنسانية الإيمانية ، والتصورات المنبثقة من مركزية الله في الوجود ، ومركزية الانسان في الأرض.ولا جدال بعد ما عرضه الكاتب في مشروعه من صور الانسان في داخل القالب الديني الإسلامي ، والانشغال بالتحديات العالمية ، جعلت انهيار الحدود زمكانيا انكماشيا، و المنظومة الأخلاقية لم تعد كافية في فضاء التحديات العالمية المشتركة ، فما بين حصر الدين في قالب واحد أدى إلى ضعف حتى في مجال المقولة ، أنتج من خلالها أحكاما هدرت كرامة الكائن البشري ، أضف إليها قائمة الاستعباد فهو واحد كما للكرامة معنى واحد .
وحتى يصل الانسان الى وعي كامل بالحرية ، لابد أن تكون الكرامة هي القيمة المركزية في تشكلات الفرد وإن حصل الاختلاف ، وأن كثرت الأقدار الحتمية في مجتمعاتنا.
لا اخفي قولي بأن مشروع " الرفاعي " ، لا يمكن أن تحده مقالة استعراضية لبعض ماجاء في الكتاب ، لأنه بحاجة إلى الرصد المتأني لكل ورقة وسطر ، لما فيه من أبعاد تحاكي كرامة الإنسان في جدلية القبول والاختلاف فكريا ودينيا، ملتمسا عذر القاريء في الخوض في بعض الوقفات المهمة ، داعيا القاريء في الوقت نفسه ، ان يقرأ هذا المشروع بأكثر من زاوية ، لأنه محاولة لفتح بعض الابواب التي تحتاج إلى توغل عميق ......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟