الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض أونيدوس بوديموس في قضية الصحراء

عذري مازغ

2022 / 3 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


موقف إسبانيا من قضية الصحراء المغربية موقف يعبر عن نضج سياسي متميز، هو موقف استراتيجي لا ينزل إلى مستوى الغرائز اليسارية المتمبدئة (أقصد أنها سجينة مباديء لا تقبل الصرف، أقصد ايضا التصريف السياسي) هذا الموقف يعتبره البعض ردة من يساري مغربي في مواجهة اليسار الإسباني المتمبدء من قضية الصحراء في سياق تقرير المصير، هذا الموقف نظري اكثر منه واقعي خصوصا إذا لامسنا ميكانيزماته الواقعية: أغلب الشعب المغربي مع مغربية الصحراء وبحس ما يشعرون ان المغرب منقوص في استقلاله ليس فقط من خلال الجزر والمدينتين التي تحتلهما إسبانيا بل أيضا من الثغور التي تحتلها الجزائر (ما يسمى في المغرب بالصحراء الشرقية وهي مناطق انتزعتها فرنسا من المغرب بعد انهزام المغرب في معركة إيسلي أمام القواة الفرنسية، هناك وثائق فرنسية تبرز بجلاء رفض سكان هذه المناطق المشاركة في استفتاء اجرته فرنسا حول استقلال الجزائر في الستينات من القرن الماضي على اعتبار انهم يشعرون أنهم مغاربة اكثر من انهم جزائريين). لكن لن نناقش أمر "الصحراء الشرقية" مادام الأمر حسم في سنوات حرب الرمال وظهر مشكل الصحراء الجنوبية التي هي عند الجزائر الصحراء الغربية، ولن انساق في هذه الورقة إلى سرد وقائع تاريخية لا جدوى منها من حيث هي لن تغير شيئا في الجغرافية السياسية للمغرب من حيث ان الشرعية السياسية لوجود كيانات مغاربية هي نتيجة فعل الإستعمار في المنطقة: الجزائر كانت مستعمرة من فرنسا واستحوذت على اجزاء من تونس وليبيا ومالي والمغرب قبل أن تتوغل في هذه البلدان كقوة استعمارية (هذا ليس موضوع هذه الورقة).
على مدار خمسة عقود، كان الحزب العمالي الإشتراكي الإسباني يساند جبهة البوليزاريو فما الذي حصل الآن ليغير موقفه؟
يطرح هذا السؤال إشكالية عميقة حول ممارسة اليسار السياسي في أي دولة ديموقراطية، حزب "بوديموس" (نستطيع) الحليف الأساسي للحزب العمالي الإشتراكي في إسبانيا مثلا معروف موقفه من قضية الصحراء، إنه ببساطة يتبنى موقف حق تقرير المصير، لكن في نفس الوقت لديه موقف مضطرب بخصوص استقلال الإقليم الكاتالوني بإسبانيا والحاصل أنه يتبنى موقف غامض تجاه كاتالونيا من خلال طرح فيديرالية إقليمية معينة داخل إسبانيا، أي انه لا يتبنى بوضوح المشكل الكاتالاني كما يطرحه الكاتلانيون القوميون (الاحزاب القومية الكاتالونية)، والسبب ببساطة هو حسابات انتخابية يمكن تأطيرها في السياق العام : "إكراهات سياسية" تفترض التعامل مع المبدا العام: تصريف مبدا تقرير المصير، اقصد آليات تصريف المبدأ من موقع استفادة الحزب منه الذ هو ببساطة ضمان اصوات انتخابية. إن مبدأ تقرير المصير لحزب في دولة معينة تشمل أقاليم وقوميات معينة تنحو إلى الإستقلال التام يفترض ان يكون هذا الحزب قومي (أي إقليمي او جهوي) وليس حزب وطني (الحزب الوطني هو الحزب الذي يتبنى سياسة معينة تشمل جميع الاقاليم التي في سياق بنيوي معين تنتمي إلى وطن موحد، أي انه يتناقض موضوعيا مع مبدا تقرير المصير لإقليم معين .
في اتجاه المغرب، نعم هو مع مبدا تقرير المصير لأن ذلك يجمع له أصوات في الإنتخابات على اعتبار أن اغلب الإسبان مع حق تقرير مصير الشعب الصحراوي، نفس الأطرحة الجزائرية بالنسبة للمغرب: الإعتراف بوجود إقليم ينحو نحو الإستقلال الذاتي لا يعتبر حق تقرير المصير بل باللغة النظامية هو إقليم منشق.
لكن لو افترضنا أن تحالف "أونيدوس بوديموس" (تحلف اليسار الموحد مع بوديموس) هو من يحكم في إسبانيا بدون الحزب العمالي الإشتراكي الإسباني، كيف سيحل مشكل جمود العلاقات مع الجار الجنوبي الذي بالفعل يملك اوراق اقتصادية وجيوسياسية أكثر من اوراق الغاز الجزائري؟ ما موقف الحزبين (تحالف بوديموس أونيدوس) من قضية مليلية وسبتة وقضية جزر الكانارياس: لماذا لا يكون لهم حق تقرير المصير خارج سلطة الدولة الإسبانية باعتبارهم مناطق لا ترتبط جغرافيا بإسبانيا (وهنا لا أطرح كما يفترض ان تكون تحت سيادة المغرب بل فقط أن تكون مستقلة بشكل كامل عن إسبانيا وعن المغرب لأسباب جيوغرافية).
كيف سيحل "اونيدوس بوديموس" مشكل جمود العلاقة مع دولة جارة تصر في علاقتها مع إسبانيا على علاقة متوازنة ومتساوية خالية من الإبتزاز (بغض النظر عن الموقف من نظام هذه الدولة على اعتبار ان نظام الدولة هذه هو مشكل شعب هذه الدولة وليس مشكل أونيدوس بوديموس)؟ هل سيصر هذا التحالف على هذا الجمود ام انه، من موقع ذلك الإيمان القديم الجديد (موقع الإكراه السياسي) سيبحث عن حل لهذا الجمود؟
كيف؟
بتبني نفس موقف الحزب العمالي الإشتراكي الإسباني وهنا الخروج بتصريحات سياسية مناهضة للموقف ليس أكثر من مزايدة سياسية لكسب الكثير من الأصوات.
لم اتناول المسالة من جانبها الجيوستراتيجي وإقحام معادلات التوازن الدولي كما تمارسه الدول القوية: علاقة جيدة مع المغرب أحسن بكثير من القفز عنها لصالح قوى نافذة أخرى، حتى في عمق الازمة حين فتح المغرب ورقة اقتحام مدينة مليلية وسبتة من طرف المهاجرين (المغاربة بالتحديد) استدعت الحكومة الإسبانية قنصل ألمانيا لزيارة المنطقة لإشهاده على تدفق المهاجرين بسبب تراخي المغرب لدعم موقفها، حصل عكس ما توقعته الحكومة الإشتراكية الإسبانية، اعترفت ألمانيا بالطرح المغربي وليس ايدت الحكومة الإسبانية. كان يفترض أن تكون إسبانيا هي من يجب ان يكون لديها هذا العمق الإستراتيجي وليس ألمانيا.
موقف الحياد بالنسبة لتونس وموريتانيا لا يخدم القضية المغاربية (الإتحاد المغاربي)، شعوب المنطقة أحوج بكثير أن تخلق تكاملا فيما بينها وليس تقاطعا بسبب تعنت جهات معينة في قضية مفتعلة تحول دون اتحادنا وتستعملها المنظمات والدول الاوربية لابتزازنا.
جبهة البوليزاريو في تيندوف لا تمثل كل الصحراويين (لا يمكن مقارنتها بمنظمة فتح الفلسطينية لكي تمثل كل شعب الصحراء) هناك إشكال لم يخض فيه المغرب بالشكل المسؤول، بالنسبة للاجئي تيندوف كان على المغرب أن يوفر منطقة عازلة لهؤلاء تشرف عليها الأمم المتحدة داخل نطاق منطقة الصحراء وليس داخل الجزائر، يتعهد المغرب فيها ان لا تكون له أي سلطة له على هؤلاء المحتجزين في تيندوف، منطقة عازلة للسكان المحتجزين في تيندوف يملكون بطاقة جواز أممية باعتبارهم لاجئين في منطقة صحراوية تتمتع باستقلال تام ويتوصلون بالمساعدات الدولية دون مرورها لا على نظام الجزائر ولا على نظام المغرب.
تأييد أونيدوس بوديموس لجبهة البوليزاريو من خلال حق تقرير المصير بعلاته كما بينا أعلاه لا يحل مشكلة المحتجزين في تيندوف: النظام الجزائري طرف في الصراع بدليل أنه هو اول من تاثر بموقف إسبانيا (الطرف المحايد لا يجب عليه ان يتأثر بسيادة دولة ويسحب سفير كما فعلت الجزائر) عموما الطرف المحايد يقبل أي حل وليس يعقده.
موقف اليسار الاوربي بشكل عام حول قضية الصحراء، هو موقف يخدم الآلية الإبتزازية الكولونيالية، يناقض قضية مبدا تقرير المصير في بلدانه ويسقطها على تقسيمات بلدانه الإمبريالية التابعة كولونياليا لبورجوازية بلدانه الإيمبريالية.
الكثير من المزايا الإجتماعية التي يتمتع بها المجتمع الفقير في أوربا، لن تكون له لولا هذه العلاقة الكولونيالية التي تمتص اقتصاديات عالمنا في الدول الخاضعة لشركاتهم.
اليسار الأوربي ليس أكثر من يسار كلبي يتلقف الخبز من المؤسسات الكولونيالية التي لم يقصيها استقلال الشعوب الشكلي: الغرب لا زال يستعمرنا وهذا هو موقف يسار الشعوب المتخلفة .
(في الايام الاخيرة طرح حزب فوكس الإسباني النازي وضع مدينة مليلية وسبتة تحت سلطة الناتو في البرلمان الإسباني، صوتت الأغلبية ضده لسبب بسيط، ليس لاننا قوة نووية مثل روسيا بل لاننا ببساطة يمكننا أن ننسى وجود المدينتين بجغرافيتنا، وعلى كل حال، سكان المدينتين إخوة لنا ماداموا لا يمثلون نازية فوكس)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم