الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر ودوامة الاقتراض

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2022 / 3 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تأتى هذه الكلمة، مواصلة لمجهوداتنا الغير مساومة (uncompromising) وتصميمنا على السباحة ضد تيار الموالين للليبرالية الجديدة، حول الضرر البليغ الذي تسببه سياسة تطبيق السياسات الاقتصادية والمالية والاعتماد على القروض المشروطة التي تقدمها مؤسسات التمويل الدولية (مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي). وفى عرض موجز، عبارة عن نقاط نريد منها استثارة الاهتمام ولفت النظر الى الأعباء المُثْقِلة التي تفرضها سياسة الاعتماد على القروض على الاقتصاد والمواطن في الجارة مصر التي يشاركها السودان أوجه التشابه في وضع الدولة التابعة التي تسير على نفس خطى السياسة الاقتصادية. ومنطلقنا هو التعويم الثاني للجنيه المصري في هذا الشهر.

الإشارة لحدوث التعويم الثاني للجنيه المصري الذي قررته السلطات المصرية (البنك المركزي) في 20 مارس، جاءت من بنك جي مورغان تشيس (JP Morgan Chase) حيث نشر محللون يتبعون له (ورقة) في بداية شهر مارس جاء فيها ان الجنيه المصري اعلى من قيمته (overvalued) وطرحت عدة سيناريوهات لمواجهة الوضع المترتب على ذلك، مثل الاختلالات الخارجية، من بينها تخفيض قيمته (تعويم ثاني). كما رجح المحللون أن مصر قد تحتاج لمساعدات مالية إضافية من صندوق النقد الدولي. وطبعا أولئك المحللون يدركون جيدا ان اللجوء للاقتراض من صندوق النقد يأتي متضمنا شرط تحريك سعر الصرف.

ان قرار التعويم الأخير تم اتخاذه وفق سياسة التعويم الموجه أو المدار (managed currency float) التي سارت عليها مصر منذ 2016. والأسباب التي ذكرها البنك المصري التي قادت لهذا الاجراء، الذي أدى لتنخفض قيمة الجنيه بواقع 14%، تمثلت في الضغوط التضخمية في مصر وزيادة الضغط على الميزان الخارجي نتيجة للارتفاع في الأسعار العالمية للسلع الأساسية. كما أعلن البنك المركزي المصري ان الاجراء عبارة عن تصحيح لسعر الجنيه ليواكب التطورات العالمية ما سوف يعزز قدرة الاقتصاد التنافسية.

لكن من المتوقع أن يفاقم التعويم الأخير الأزمات التي جرها القرار الأول لتعويم الجنيه في 2016 عندما ارتفعت أسعار السلع بنحو 150% وتضررت الصناعات التي يمثل المكون الأجنبي فيها نسبة كبيرة من مدخلات الإنتاج. كذلك أدى ارتفاع السلع والخدمات والمحروقات الى تآكل مداخيل كل المواطنين العاملين في القطاع الخاص والاعمال الحرة والانخفاض الكبير في رواتب أصحاب الدخول الثابتة. وارتفاع الأسعار لا يصعب فهمه باعتبار ان مصر تستورد حوالي 70% من السلع الأساسية مثل اللحوم، وما يقارب 90% زيوت الطعام.

ورغم شح الاحصاءات حول الصادرات المصرية، التي يهدف التخفيض الى تعظيم حجمها، وتضارب تصريحات المسئولين حول حجمها، لم يلاحظ أي تضخم يذكر في حجمها؛ فالمتوفر من المعلومات حولها يعكس زيادة طفيفة في العام 2021. ويرجع بعض الاقتصاديين تلك الزيادة في الصادرات الى القيود التي فرضتها جائحة كورونا، كتحجيم التصدير في بعض الدول كالصين بالإضافة لارتفاع تكاليف الشحن منها؛ فهذا الوضع أتاح الفرصة للدولة لزيادة صادراتها الخارجية الى الدول المجاورة. لكن العجز الذي ظل يسجله الميزان التجاري خلال الخمس سنوات الماضية يعكس ضعف الإنتاج المحلى؛ كما أن الزيادة الطفيفة التي لاحظناها في ميزان المدفوعات خلال العام 2021 تؤكد ان الإنتاج نسبة لضعفه المذكور لا علاقة له بها. فالزيادة ما هي الا عبارة عن زيادة في القروض والمنح المقدمة لمصر.

كما تدور شكوك حول تحقق أحد اهم اهداف التعويم الأخير وهو جذب المستثمرين الأجانب. فقرار تخفيض الجنيه المصري واكبه تخفيض أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض الذي قام به البنك المصري قبل ساعات من تخفيض سعر صرف الجنيه المصري؛ وعليه توقعت السلطات المصرية أن يقل اقبال المستثمرين المصريين على الدولار للاستفادة من سعر الفائدة المرتفع وان تزداد تدفقات العملات الصعبة، ولكن كما ذكر أحد الاقتصاديين المصريين "لا أحد يعرف ما إذا كان ذلك كافيا أم ستكون هناك حاجة للقيام بالمزيد لجذب المستثمرين." وأضاف انه " إذا ارتفع سعر العملة الصعبة عن نسب سعر الفائدة، فذلك يعني الاتجاه إلى المتاجرة في الدولار من جانب بعض المواطنين"؛ فالمقصود من حديث الاقتصادي هو انه في هذه الحالة فان المضاربين في العملات سيتمكنون من احتكار التحكم في سعر الدولار ويفرضونه على السوق. والنتيجة صعود قيمة الدولار وتضخم أسعار السلع.

ان مصر ضربت رقما قياسيا في الارتهان لمؤسسات التمويل الدولية اذ بلغت مديونتها الخارجية 137.4 مليار دولار (بجانب مليارات الدولارات في شكل اعانات من دول الخليج) أي أكثر من 100% من الناتج المحلى الإجمالي (رغم استبعاد الدين المحلى) بعد ان كان الدين الخارجي وقت استلام الجنرال السيسي للحكم يساوى 46 مليار دولار، تمثل 15.4% من الناتج المحلي الإجمالي.

لسداد ديونه المتفاقمة، يلجأ النظام المصري لبيع كل ما يمكن بيعه من أصول مملوكة للدولة كتصفية شركة الحديد والصلب (2021) وهي مؤسسة إنتاجية عملاقة عبارة عن مجمع كامل للحديد والصلب في مدينة حلوان؛ وبيع حصص مملوكة للدولة في بعض الشركات والمصارف لجهات أجنبية، مثل ما يجرى حاليا من محادثات لبيع أصول مصرية للإمارات في البنك التجاري الدولي (Commercial International Bank) تقدر قيمتها باثنين مليار دولار. هذا بالإضافة لتلميحات النظام المصري عن نيته تسريح آلاف العاملين المصريين العاملين بقطاعات الدولة المختلفة.

نختتم بالقول في حين أنه من نافلة القول إن عبء ايجاد حل لخروج مصر من مستنقع الاستدامة يقع على عاتق الشعب المصري، فانه من الضروري إدراك أن تجربة مصر القاسية (ordeal) فيما يتعلق بمصادر تمويل التنمية الاقتصادية تلقى مزيدا من التأكيد على أن الفيل في غرفة معظم الدول الفقيرة، الواقعة تحت نير الهيمنة الأجنبية، هو سياسة الاعتماد الكامل على القروض (المشروطة) بديلا عن الاعتماد على النفس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية


.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت




.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام