الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العَلم والسيادة.. بهدوء

عبدالمنعم الاعسم

2006 / 9 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قبل ان تنطّ قضية العَلم العراقي الى واجهة الاخبار كان قد كثر الحديث في المحافل السياسية والصحافية العراقية، وبنبرات ولهجات مختلفة عن “ضياع السيادة” او عن “نعي السيادة” او عن “العمل لاستعادة السيادة” العراقية اشارة الى وجود القوات الاجنبية او الى تزايد التدخل الاقليمي في الشؤون الداخلية العراقية.

بدءاً، وبصرف النظر عن وجاهة، او عدم وجاهة، الخوف على سيادة العراق، فان الموضوعية تلزم اطلاق السؤال المشروع عما اذا كان العراق يحتفظ بسيادة حقيقية في عهد صدام حسين، والمقارنة هنا واردة حين يكون انصار النظام السابق وابواقه يحتلون منصة التعبير عن القلق على السيادة العراقية والقول انها هزمت بهزيمة النظام السابق، على الرغم من ان ثمة حقيقة باتت معروفة بان مكانة سيادة العراق بالنسبة لصدام حسين لم تكن اهم من مكانة كرسي الحكم عنده.

وقد يقول البعض ان عهد صدام حسين قد انتهى ولا موجب لعقد مثل هذه المقارنات بصدد ما آلت اليه سيادة الدولة العراقية، وهي حجة ساذجة، بل ومغرقة بالسذاجة، إن لم تكن تتخبى وراء هدف تزكية ذلك النظام الذي يتحمل مسؤولية ما لحق، وما يلحق بالعراق، من كوارث ليس اقلها التهديد الذي تتعرض له السيادة العراقية من جهة المشروع الاجرامي الارهابي الذي خرج من معطف صدام، اصلا.

قبل هذا، لابد من الحذر ازاء المنطق الذي يعتبر الدولة الفيدرالية العراقية الجديدة عرضة لفقدان السيادة، وهو منطق يسعى الى التقليل من مصادر الخطر الحقيقي على هذه السيادة مما يمكن مناقشته باستفاضة، في موضع لاحق، لكن الاهم هو رصد شكل السيادة التي كان عراق صدام حسين يتمتع بها:

ان النظرية التقليدية عن سيادة الدول تقوم ببساطة على اساس مفتاح (بيت المال) وهي إشارة ليست شكلية إذا ما عرف ان الدولة التي لا تتحكم بمواردها ولا بحقوق توزيع تلك الموارد تكف عن ان تكون صاحبة سيادة، وإن توفرت لها عناصر تمت لشروط السيادة بصلة ما، مثل العضوية في المنظمة الدولية والمنظمات الاقليمية.

على ان الشروط الاخرى، غير التحكم بالموارد، للسيادة ليست من دون قيمة أو أثر فقد تلعب في مرحلة معينة في رسم ملامح السيادة ومصيرها في آن، وباختصار فإن ثمة تلازماً بين مجموعة الشروط التي تكفل سيادة الدولة من دون ان يقلل ذلك من مكانة (المال) في صدارة تلك الشروط.

وما دمنا في التطبيق العراقي لمفهوم السيادة فان دولة صدام (المهزومة في الحرب) والمثقلة بأكثر من ثلاثين قراراً لمجلس الأمن الدولي تجمع على تجريد العراق من حقوق التحكم بموارده وبحق التصرف في جيشه وتسليحه وحجمه ويمنع سلاحه الجوي من التحليق على ثلثي الاراضي ولا يحصل إلا على ثلث ناتجه الاقتصادي ويحرم على رئيسه او كبار مسؤوليه السفر للخارج تحت طائلة الملاحقة الدولية، فهو دولة ناقصة السيادة، فاقدة الاستقلال.. دولة تعيش حالة من التعويم ، وقد قضت سنوات طويلة في حال غيبوبة تامة فيما حدودها منتهكة، او متبرع بها، لاكثر من دولة مجاورة.

وشاء القرار 1441 الذي صدر في 8/11/2002 ان ياتي على ما تبقى من السيادة العراقية، فاحكم طوق العزلة على الدولة وصادر هيبة ووظيفة سلطتها التنفيذية، وحوّل الحكومة الى مرشد لفرق التفتيش الدولية التي صارت صاحبة الامر والنهي في (الحالة الامنية والسيادية) واصبح المسؤولون عن برامج التسلح، من دون استثناء قيد الاعتقال المؤقت، وجرى الحديث عن احتمال نقل بعضهم الى الخارج، وربما الى جزيرة غوانتنامو الكوبية لاستكمال التحقيق معهم بكفالة اساطيل جرارة تمتد على حدود العراق من كل جانب، فيما لا تملك السيادة حتى حق الاحتجاج على هذا الوضع.

إن سيادة الدولة العراقية في ظل حكم الدكتاتورية الغاشمة لم تعد تُرى بالعين المجردة إلا بالنسبة لكومة من الشعارات عن الاقتدار المؤجل لاستعادة السيادة يوما ما.



2-



والآن، لا افهم ما هي المشكلة في طلب الكرد ان يجري وضع علم جديد للعراق كي يرفعوه فوق البنايات الرسمية لاقليم كردستان؟ وما الضير في انهم لايفضلون، الآن، رفع العلم السابق، الموصول بذكريات مفزعة بالنسبة لهم، طالما ان النية تتجه الى تغييره؟ اخذا بالاعتبار انها ليست المرة الاولى التي يعبر فيها الكرد عن رفضهم التعاطي مع عَلم يرتبط في ذاكرتهم بجرائم الابادة التي تعرضوا لها وأتت على مليون منهم بين قتيل ومعوق ومشرد، وعن ضيقهم ازاء التأخر والتسويف في عملية تغيير العَلم السابق.

لاحاجة، طبعا، للقيام بعملية فرز ميدانية على طبيعة ومصادر وخلفيات ردود الفعل، وتعيين حسني الظن من المحتجين على القرار الكردي الذي اعلنه رئيس اقليم كردستان الاستاذ مسعود البارزاني عن سيئ الظن منهم، ذلك لانه في السياسة يستوي هؤلاء باولئك عندما يلقي الجميع بصناراتهم الى الماء العكر، وليس ثمة صفة لماء العراق الآن اكثر تطابقا مع كونه ماء عكراً، ما يلزم نصيحة حسني الظن بالتأني حتى لا تختلط اوراقهم باوراق غيرهم..وللاسف، فان اختلاطا قد حدث، على الاقل بالنسبة لمشاهدي الشاشات الملونة.

ولا اظن بان منطقا حكيما ( ونحن نتحدث في هدوء) يتقبل الضجة التي رافقت الاعلان في اربيل عن (رفع) العَلم القديم، ولا ان يتأمل بدون اكتراث التمارين الصوتية التي اتحفتنا بالخطب الرنانة المبحوحة، وطبول الحرب والتجييش التي استمعنا لها طوال ثلاثة ايام، وقد حاولتُ، من جانبي، البحث في فقه الكرامات عن مبرر هذه الحمية الاستثنائية في الدفاع عن العلم السابق، فلم اجد إلا حساسية لا مبرر لها لدى البعض(ولا اقول البعث) من كلمة (إنزال) علما بان الاكثر استنفارا في هذه (المعركة) هم الاكثر ايغالا في (إنزال) الوطن كله منزلة خرقة مسحٍ، اذ اثخنوا جسده بالبلطات، وفككوا براغيه واحدا بعد آخر، وباعوا اسمه وشبابيكه وابوابه وعرضه وعرق جبينه ودماء اطفاله ونسائه وشيوخه في سوق الخردة.

من زاوية بدت لي، في هذه الازمة، حقيقتان ، الاولى، ان فرسان التجييش ، المتمسكين حتى الموت بـالعَلَم السابق، مبرمجون على مناهضة الحقوق القومية المشروعة للكرد في كل الاحوال، فلم يكونوا بحاجة الى واقعة انزال عَلم ما قبل التغيير ريثما يجري اختيار غيره، لكي يخرجوا برطاناتهم العدوانية الى الشاشات الملونة، والثانية، ان البعض من الشوفينيين ممن انحسرت فرص المناورة من امامهم في المعركة السياسية المفتوحة في العراق وشارفوا على موعد الحساب عن علاقتهم باعمال الارهاب والجريمة المنظمة نطّوا الى الواجهة لتحويل قضية العَلم الى معبر لهم نحو مطمطة الصراع وارجاء حكم التاريخ فيهم.

يبدو لي انه ليس ثمة حكمة ، في مثل هذه الضجة المنفلتة، اكثر من حكمة ضبط ردود الفعل، والسعي الى نقل القضية كلها الى طاولة المناقشة المسؤولة..آنذاك نفتح في المشهد مساحة للعقل وموطئا للعدالة وفرصة للذين يعنيهم حقا اقامة دولة المساواة والمواطنة في العراق، والحاق الهزيمة باصحاب مشروع الفتنة القومية بعد ان اثثوا المدن العراقية الجميلة بقبح الفتنة الطائفية.



ـــــــــــــــــــــــــ

..وكلام مفيد

ــــــــــــــــــــــــ

“ عندما تلجأ الدولة الى العنف فانها تعرض سيادتها الى الخطر.

هيكل









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: اتهامات المدعي العام للجنائية الدولية سخيفة


.. بعد ضغوط أمريكية.. نتنياهو يأمر وزارة الاتصالات بإعادة المعد




.. قراءة في ارتفاع هجمات المقاومة الفلسطينية في عدد من الجبهات


.. مسؤول في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعترف بالفشل في الحرب




.. مصر تحذر من أن المعاهدات لن تمنعها من الحفاظ على أمنها القوم