الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة.. الحرب... الدولة، والأخلاق

سميح الصفدي

2006 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


من السهل القول أن "لا أخلاق في الحروب"..... "لا أخلاق في السياسة"، ومن السهل القول أن "القوة.. وموازين القوى هي العامل الحاسم في الصراعات والحروب"، وبالتالي فالقوة العسكرية هي العامل الأهم لبقاء الدولة.
هذا الكلام يعززه ظاهرياً الظلم الذي نستشعره كمقهورين في الأرض... كمظلومين من القوى الكبرى في العالم... من الولايات المتحدة وإسرائيل... وأوروبا ومجلس أمنهم وسياساتهم الظالمة.. وكيلهم بمكيالين.
لكن...
ما هي النتيجة المنطقية لمثل هذا الحكم؟
أليست هي بالضرورة عسكرة الدولة؟؟ وهل يتوافق هذا الحكم مع الدعوة إلى العقلانية والانفتاح والديموقراطية والتعدد؟؟
هذه الأسئلة لا بد تقودنا إلى مراجعة مفهوم الدولة، ومفهوم الدولة هو عنوان لكتاب المفكر الكبير "عبد الله العروي" والصادر عن المركز الثقافي العربي – بيروت عام 1993 والذي نقتبس منه الآتي:
"يتفق كل المفكرين السياسيين، الواقعيين والمثاليين، على المعادلة التالية: الدولة الحق إجتماع وأخلاق، قوة وإقناع، يتفقون جميعاً على القواعد التالية:
- لا نظرية حقيقية بدون تفكير جدي في أخلاقية الدولة.
- إذا لم تجسد الدولة الأخلاق بقيت ضعيفة.
- تحرير الدولة من الأخلاق حكم عليها بالانقراض.

هذا الجانب الأدبي لا يمكن أن تستغني عنه الدولة......
يضيف العروي:
"يستعمل الباحثون اليوم كلمة أدلوجة (أيديولوجيا) لنفس الغرض، يمكن القول انه لا دولة حقيقية بدون أدلوجة دولوية. لا نعني الدعاية الفجة التي تردد في كل حين منجزات النظام، الحقيقية والمزعومة، هذه مفروضة من فوق في حين أن الأدلوجة هي ما يستوعبه المواطن ويترجمه بعد حين إلى ولاء فيعطي بذلك ركيزة معنوية قوية للدولة، الأدلوجة هي الوجه الأدبي للجهاز، تستطيع وسائل الإعلام أن تبلور الأدلوجة، لكن لا يمكن أن تخلقها من لا شيء. لكي تتكون أدلوجة دولوية لا بد من وجود قدر معين من الإجماع العاطفي، الوجداني، الفكري بين المواطنين. وهذا الإجماع هو وليد التاريخ، وفي نفس الوقت تعبير عن مصلحة حالية.
هنا نلمح مجالاً أوسع من الدولة، حيث أن العنصرين المذكورين: التاريخي الموروث والاقتصادي الحالي، يكونان أساس كل مجتمع مهما كان مداره وحجمه، بيد أن النقطة التي تهمنا هي أن الأدلوجة الدولوية عقيدة وجدانية وليست شعاراً فقط، إنها الوجه المعنوي، إن لم نقل الوجه الحقيقي للدولة". (نهاية الاقتباس)
كلما احتاجت الدولة في ضبط أمنها داخلياً إلى القمع والإرهاب - وبعكس ما يشاع عن قوتها وجبروتها- كلما أثبتت أنها ضعيفة أكثر.. إنها بحاجة إلى القوة والقمع لتقيم الولاء والطاعة..
الدولة التي لا تمارس القمع (ونموذجها الحالي الدولة الديموقراطية) تدلل على قوتها بقمع أقل وحرية أكثر.. إنها تحصل على الولاء بفضل الأدلوجة الأخلاقية والانتماء الوجداني. وبالتالي فإنها تحصل على الصدقية داخلياً وخارجياً.
الحرب السادسة كنموذج:
ما معنى الحرب الإعلامية التي واكبت المعارك بين طرفي الحرب؟؟ أليست سعياً من كل طرف نحو انتزاع الشرعية الأخلاقية.. وإسقاطها عن الآخر؟؟
لماذا ينبري أولمرت وبيريز لإلقاء الخطب والبكائيات؟ لماذا يجول المبعوثون في دول العالم لحشد التأييد؟ أليس من أجل كسب المعركة الإعلامية؟ أليست المعركة الإعلامية صراعاً من أجل كسب الحق والأخلاق؟
لماذا لم يفارق الناطقين والناطقات الجميلات باسم خارجية إسرائيل شاشات التلفزة؟
لماذا بكى السنيورة؟ ولماذا خاطب نصر الله العرب والإسلام والعالم هذا الخطاب المدروس والمتزن... والمتواصل؟ هل كان سيكتفي بالكاتيوشا؟
لماذا دخل الفنانون المعركة؟ وساهموا وغنوا وبكوا.. وقدموا العون للمنكوبين.... وقالوا هذه أرضنا... وهذا نحن..
لا معنى لكل هذا إذا كان المدفع فقط هو الحاسم....
يمكن تصحيح المعادلة بالقول أن "موازين القوى" هي العامل الحاسم... لكن ميزان القوى عامل مركب.. كبير ومتنوع.. ويدخل فيه إلى جانب العسكر: الأخلاق والفن والكلمة والسياسة والوجدان والانتماء والعاطفة... والأيديولوجيا...
حتى الآن..، ورغم النصر النسبي الذي تحقق، (بفعل مجموع ميزان القوى لا بفعل الكاتيوشا وحدها)، حتى الآن يمكن القول أن إسرائيل وأدلوجتها الأخلاقية ما زالت منتصرة. وكلامنا هذا لا يعني بالطبع أن اولمرت أو بوش أخلاقيان.. إنما نعني أنهما لا يستطيعان الاستغناء عن الأخلاق.. حتى ولو بالتضليل.
حين يؤيد 70% من الأمريكان إسرائيل لا يمكننا أن نصدق أو نعتقد بأنهم أشرار!! بل علينا أن نصدق بأن إسرائيل استطاعت إقناعهم أولاً بصدقيتها كدولة ديموقراطية، وثانياً بعدالة قضيتها.. وبأنها تخوض حرباً من أجل الأخلاق والإنسانية.. ضد "الإرهاب والظلامية".
وهنا بالطبع حري بنا أن نعمل لدمقرطة دولنا ومجتمعاتنا ولخلق أدلوجتنا الدولوية ونشر وتعزيز أدلوجتنا الأخلاقية وبسطها لإثبات عدالة قضيتنا... وألا ننسى أن لبنان لولا ديموقراطيته النسبية وعقلانية القوى السياسية فيه ومن ضمنها حزب الله لما استطاع أن ينجز شيئاً.
أما أن نستسلم لبساطة التحليل العاطفي ونقول: القوة تتكلم فهذه عدمية محضة. لا قوة بدون أخلاق، لا قوة بدون أدلوجة وانتماء ووجدان.
الجولان المحتل










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين مؤيد ومعارض.. مشرعون أمريكيون يعلقون على قرار بايدن بتجم


.. السويد.. مسيرة حاشدة رفضا لمشاركة إسرائيل في مهرجان غنائي في




.. نائبة بريطانية تدعو حكومة بلادها إلى الضغط على إسرائيل لوقف


.. أخبار الساعة | عمالقة النفط يدعمون حملة ترمب بمليار دولار




.. أخبار الساعة | -بوينغ- تسجل 3 حوادث جديدة خلال 48 ساعة