الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة النقدية في مصر بين التضخم وقياس الفجوة التضخمية

احمد البهائي

2022 / 3 / 24
الادارة و الاقتصاد


يخطئ من يظن ان ارتفاع معدلات التضخم في مصر خلال فبراير(2%على اساس شهري و10%على اساس سنوي ) راجع الى الحرب الروسية الاوكرانية كما يروج البعض ، فتأثير الحرب لم يظهر في حساب التضخم الشهر الماضي فبراير، او ان أسباب هذا الارتفاع راجع إلى زيادة أسعارالسلع المستوردة وحدها ، متأثرة بارتفاع التضخم عالميا، لنصحح ، ان ارتفاع التضخم راجع في المقام الاول الى زيادة أسعار السلع محليا نتيجة زيادة الطلب عليها ، والذي يؤكد ذلك ان ابرز السلع التي ارتفعت اسعارها في شهر فبراير، هى مجموعة الخضروات بنسبة 19.6%، ومجموعة الفواكه بنسبة 5.5%، ومجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 6.1%،ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة2% ، بينما الحبوب والزيوت والخبز زادت فقط بنسبة2.2%، ليثبت أن تأثير تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا ستظهر في قراءة التضخم الشهر المقبل(تضخم شهر مارس ) ، وقتها سيكون للتضخم حسابات اخرى .
فمن يتابع تلك الارقام ، يرى إن ارتفاع معدل التضخم في فبراير، جاء نتيجة عوامل داخلية اكثر منها خارجية، في ظل زيادة الطلب ، اي ان التضخم جاء من جانب الطلب ، نتيجة زيادة حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات في الاقتـصاد اغلبها محليا عـن العـرض الحقيقي منها ، مما تسبب في حدوث ارتفاع في المستوى العام للأسعار، فمن المرجح عند قراءة تضخم شهر مارس سيكون للعامل الخارجي دور في قياس معدلات التضخم نتيجة تداعيات وتوابع الحرب الروسية الاوكرانية ، اي تضخم التكاليف ، حيث ينشأ هذا النوع من التضخم نتيجة الارتفاع في تكاليف عناصر الإنتاج بنسبة تفـوق الزيـادة فـي معـدلات الانتاجية ، اي سيكون تضخم التكلفة بجانب تضخم الطلب دورا وعاملا في ارتفاع المستوى العام للاسعار، اي ان لعامل ارتفاع تكاليف المواد الأولية ، وارتفاع أسعار الواردات، وخاصة الواردات من المواد الخام والسلع الوسيطة المـستوردة الداخلة في العملية الإنتاجية، دورا وسببا في ارتفاع نفقة تكاليف الإنتاج، ومن ثم ارتفاع مـستويات الأسـعار، خاصة إذا علمنا ان مصر تعتمد بشكل اساسي على الواردات لتغطية جزء كبير من احتياجاتها من السلع والخدمات والتجهيـزات المختلفـة، ونتيجة لذلك تكون الأسعار المحلية عرضة للارتفاع مرة اخرى بمجرد ارتفاع أسعار الواردات، مما يشكل ضغطا كبيرا على مستوى الأسعار في الاسواق المصرية .
من يقراء معدلات التضخم ، ويتابع حركة مستوى تغير الاسعار في الاسواق ، يعلم ان معدلات التضخم الحقيقية اعلى من تلك المعلن عنها ، والدليل على ذلك ان القوة الشرائية للدخول في تآكل مستمر، وفي منحنى هبوطي ، لنطرح تساءل على اي رقم قياسي للاسعار تقاس عليه التغيرات التي تطرأ على مستويات الأسعار، وبالتالي التغيرات في نفقات المعيشة ، التي يمكن من خلالها تحديد التغيرات التي تحدث في القوة الشرائية لوحدة النقد ، فبالعودة الى " الرقم القياسي الضمني " حيث يعتبرمن أكثر الأرقام القياسية استخداما، في قياس ظاهرة التضخم تجد فية الاجابة ،حيث تعتمد عليه العديد من الهيئـات والمنظمـات الدوليـة وخاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، فخلال الفترة المالية 16/17- 20/21 م ، وبقسمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية حيث الارقام بالمليار جنيه (3470 و4437.4 و5322.3 و5855 و6341 ) على الناتج المحلي الإجمالي بالأسـعار الثابتـة لنفس السنة(3470 و3654.4 و3857.5 و3995.2 و4128.1 ) مضروبا في مائه ، يتضح ارتفاع الرقم القياسي الضمني خلال سـنوات تلك الفترة ، حيث ارتفع الرقم القياسي من 100 في العام المالي16/17 باعتباره سنة اساس الى(121.42 % و137.97 % و146.55 % و153.60 % )خلال الفترة 17/18 – 20/21 ، ليبين ان الاسعار قد تضاعفت خلال سنوات تلك الفترة ، مما يعكس الاتجاهات التضخمية ومدى ضغوطها على الاقتـصاد المصري ، بما لا يتفق مع ما أوضحته الأرقام القياسية لأسعار المستهلك لاجمالي الجمهورية المعلن عنها من قبل الجهات المختصة خلال نفس الفترة ، والتي كانت تؤكد ان معدل التضخم في مصر لم يجاوز مستهدفات البنك المركزي عند 7% (±2%)، وان الاسعار تحت السيطرة .
من الاخطاء التي وقعت فيها السلطة النقدية في مصر منذ زمن ، تجاهلها عن عمد التطرق الى الفجوة التضخمية وقياسها عند الاعلان عن معدلات التضخم ، لما لها من اهمية في قياس الضغوط على المستوى العام للاسعار، فالارقام الغير دقيقة المقدمة عن معدلات التضخم ، تعمق من الفجوة التضخمية وبالتالي تزيد من الضغوط التضخمية ، فكلما زاد اختلال التوازن بين الطب الكلي على السلع و الخـدمات عن الكميات المعروضة منها وعدم اظهار النسب الحقيقية لهذا الاختلال ، زاد عمق الفجوة التضخمية ، الى ان تصل مرونة الجهاز الانتاجي للدولة الى الصفر، وانعدام القدرة على الاستجابة للتغير في حجم الطلب ،هذه هى الطبقة الاخيرة من عمق الفجوة التضخمية ، اي ان اقتصاد الدولة قد وصل الى مرحلة التشغيل الكامل ولم يعد في الاقتصاد طاقات انتاجية عاطلة يمكن استخدامها ، وهذا هو ما حدث ، نتيجة تجاهل القياس الحقيقي للفجوة التضخمية ، التي يمكن قياسها بدلالة معيار " صافي فائض الطلب "، فبطرح الناتج المحلى الاجمالي بالاسعار الثابته خلال الفترة2018 -2021 الارقام بالمليار جنيه(3654.4 و3857.5 و3995.2 و4128.1 )من اجمالي الانفاق القومي بالاسعار الجارية(4901.3 و5762 و6296.8 و69223 ) نحصل على اجمالي فائض الطلب(1246.9 و1904.5 و2301.6 و2794.9 ) نطرح منه عجز العمليات الجارية (463.9 و439.9 و441.7 و582 )نحصل على صافي فائض الطلب (783 و1464.6 و1859.9 و2212.9 )بقسمته على الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الثابتة ،مضروب في مائة ، تكون نسبة صافي فائض الطلب إلى الناتج المحلـي الإجمالي بالأسعار الثابتة على التوالي (21.42%و37.96%و46.55%و53.60% ) ، بالنظر الى تلك الارقام يتضح ان هناك ارتفاع كبير في نسبة الفجوة التضخمية خلال سنوات الاربع الاخيرة محل الدراسة ،حيث ارتفعت من 21.42% عام 2018 الى 53.60% عام 2021 ، كما بلغ متوسط نسبة الفجـوة التضخمية خلال الفترة نفسها 39.88% ،حيث تعد نسبة مرتفعة، وتبين أن قوى الطلب الكلي على الـسلع والخدمات كانت تزيد في متوسطها خلال الفترة عن الحجم الكلي للسلع والخدمات المنتجة محليا، بالإضـافة إلـى السلع والخدمات المستوردة، مما أدى إلى زيادة الضغوط الناجمة عن الزيادة السنوية في صـافي فـائض الطلـب وبالتالي وساهم بشكل كبير في ارتفاع مستويات الاسعار المحلية .
بالنظر الى نتائج عملية قياس التضخم (الرقم القياس الضمني )وعملية قياس الفجوة التضخمية (معيار صافي فائض الطلب ) ، حيث لو حيدت 100 (التي تشير الى استقرار مستويات الاسعار) من ارقام قياس التضخم ، وتبقى ما فوقها من نسب ، تجد ان هناك تطابق بين الارقام ، والتي تشير الى ان معدل الزيادة في عمق الفجوة التضخمية مماثل تماما لمعدل اتساع قطر الفجوة ، وهنا تكمن الخطورة ، المتمثلة في الارتفاعات المتوالية في مستويات الأسعار المحلية وتدهورا في القوة الشرائية للجنيه في مقابل العملات الأجنبية ،وبالتالي حدوث تدهورا في مستوى معيشة الأفراد واحتدام التمايز بين شرائح المجتمع، وانخفاض حجم المدخرات المحلية، وخروج الاستثمارات ، وارتفاع العجز السنوي في الموازنة العامة واعتماد الحكومة على تمويل العجز من مصادر تضخمية غير حقيقية عن طريق التوسع في حجم الاقتراض الحكومي من الداخل والخارج وتفاقم العجز في ميزان المدفوعات نتيجة الارتفاع في قيمة الواردات وانخفاض حصيلة الصادرات، نظرا لانخفاض القدرة التنافسية للصادرات المصرية في السوق الدولية ،
بعيدا عن القرار الذي اتخذ يوم الاثنين 21 مارس برفع اسعارالفائدة 100 نقطة اساس ، وما صاحبه من قرارات اخرى غير موفقة(خفض قيمة الجنيه) ، هل ستتخذ السلطة النقدية قرار جرئ يوم غد الخميس برفع اسعارالفائدة 100 نقطة اساس جديدة لتصبح مجموع الزيادة قدرها 200 نقطة اساس ،مع عدم المساس مرة اخرى بسعر صرف الجنيه تحت اي مسمى سواء كان تعويم مدار او جزئي ، بالاضافة الى قيام السلطة المالية برفع دولار الموازنة ليعادل 18 جنيه ، قرار البنك المركزي المصري بتثبيت سعر الفائدة والاكتفاء بالرفع الاخير، إذا اتخذ، هو قرار غير موفق في الوقت الحالي،حيث من الاكيد ان قراءة التضخم الشهر القادم ستكون مرتفعة ، فالتضخم مرتفع وأعلى من النسب المعلنة بكثير ، وضغوط الفجوة التضخمية وصل ذروته ، وسعر الفائدة الحقيقي بالسالب ، فالتضخم في مصر كما اشرنا من قبل تضخم مركب، ويجب الان معالجة الطلب ونفقة التكاليف وعوامل الانتاج منه على وجه السرعة، فالحالة التضخمية في المصرية تعدت التضخم العادي والتضخم المكبوت ، لتصبح تضخم مزمن ،وخير دليل ان حالة التضخم التي يعاني منها الاقتصاد المصري تجاوزت في مدتها 6 سنوات وما زالت أسعار السلع والخدمات تواصل إرتفاعها ، والقوة الشرائية للعملة النقدية في انخفاض مستمر ، فزيادة الأسعار تؤدي إلى إرتفاع تكاليف المعيشة بوتيرة متسارعة ، وتزداد المشكلة تفاقما مع ثبات الاجور ، ويكون المتضرر من جراء ذلك أصحاب الدخول الثابتة ومحدودي الدخل واصحاب المعاشات، لأنهم سوف يشترون بدخلهم سلعاً وخدمات أقل من ذي قبل ، وبالتالي سيكون أثر ارتفاع الأسعار على المستهلكين سلبيا، حيث يحصلون على كميات أقل من السلع والخدمات بنفس المبلغ من الدخل النقدي الذي يحصلون عليه ، وبالتالي انخفاض مستمر في مستوى معيشتهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 30 أبريل 2024


.. باريس تأمر الشركات المصنعة بإعطاء الأولوية لإنتاج صواريخ أست




.. اقتصادي ورفيق بالبيئة... فرنسا تعرض الجيل الجديد للقطار فائق


.. الأمير محمد بن سلمان: نمو الاقتصاد الرقمي بالسعودية 3 أضعاف




.. أسعار الذهب تواصل الانخفاض فى مصر والجرام بـ 3070 جنيه