الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاجة الى البكاء

وائل سعدي

2022 / 3 / 25
الادب والفن


الحاجة للبكاء.
من أكثر الأشياء حكمة عند الطفل الصغير أنه لا يشعر بالخجل على الإطلاق من جراء البكاء، ربما لأن لديهم احساسا أكثر دقة واقل كبرياءً بمكانهم في العالم: فهم يعرفون أنهم كائنات صغيرة جدًا في عالمٍ عدائي ولا يمكن التنبؤ به، وأنهم لا يستطيعون السيطرة على الكثير مما يحدث حولهم، وأن قدراتهم على الفهم محدودة وأن هناك قدرًا كبيرًا من الشعور بالأسى والحزن والارتباك. فلماذا لا تنهار، بحد اعتيادي مقبول الى حد ما، وأحيانًا لبضع لحظات فقط في كل مرة، انهيار على شكل بعض التشهقات الصحية للغاية على مآسي الحياة.

لسوء الحظ، تميل هذه الحكمة إلى الضياع مع تقدمنا في العمر. نحن نتعلم كيف نتجنب، مهما كلف الأمر، أن نكون تلك الكائنات البغيضة على ما يبدو (ومع ذلك فلسفية للغاية): الطفل الباكي. نبدأ بربط النضج مع الحصانة والكفاءة. نتخيل أنه قد يكون من المنطقي الإشارة إلى أننا أقوياء بلا كلل ونسيطر دائمًا على ما يجري.

لكن هذا بطبيعة الحال، هو ارتفاع الخطر والبجاحة. إدراك أنه لم يعد بوسع المرء أن يتأقلم يعد جزءًا لا يتجزأ من التحمل والثبات الحقيقي. نحن في جوهرنا ويجب أن نسعى دائمًا لأن نكون كالطفل الباكي، أي الأشخاص الذين يتذكرون عن كثب قابليتهم للإيذاء والحزن. لحظات فقدان الشجاعة تنتمي إلى حياة شجاعة. إذا لم نسمح لأنفسنا بالإنحناء بشكل متكرر، فسنتعرض لخطر الانكسار بشكل مصيري في يوم ما.

عندما نشعر برغبة شديدة للبكاء، يجب أن نكون بالغين بما يكفي للنظر في التنازل والخضوع له كما عرفنا في حكمة سنواتنا الرابعة أو الخامسة. قد نجهز غرفة هادئة، ونضع اللحاف فوق رؤوسنا ونفسح المجال أمام السيول غير المقيدة على فظاعة كل ذلك. ننسى بسهولة مقدار الطاقة التي نمتلكها عادة لتفادي اليأس؛ الآن في النهاية يمكننا أن نسمح لليأس أن يشق طريقه. يمكن للأفكار السوداوية أن تأخذ مجراها: من الواضح أننا لسنا صالحين. من الواضح أن كل شخص لئيم للغاية. إنه مايحدث كثير جدًا ولا يمكن تحمله. إذا كانت للجلسة أن تعمل، نحتاج أن نلمس القاع ونجعل أنفسنا مرتاحين هناك كأننا في المنزل؛ علينا أن نعطي إحساسنا بالكارثة أكبر مطالبها.

ثم إذا قمنا بعملنا بشكل صحيح، في مرحلةٍ من البؤس، فإن فكرة ما ستدخل ببساطة في أذهاننا في النهاية وتثير تساؤل مبدئي للجانب الآخر: سنتذكر أنه سيكون لطيفًا جدًا أن نسترخي في حمام ساخن، أن شخصا ما كان يمسح على شعرنا بلطف، وأن لدينا صديق ونصف جيدين على هذا الكوكب وكتاب مثير للاهتمام لم ننتهي منه بعد - وسنعلم أن أسوأ مرحلة في العاصفة قد انتهت.

مجتمعاتنا تظلمنا بشكل متكرر في تعزيز البهجة العاطفية أو الذعر الصريح. ما تتطلبه الحياة في الواقع هو مزيج حكيم من الرزانة والصبر، وروح الدعابة، والكثير من النحيب. على الرغم من قوى البلوغ العقلانية لدينا، فإن احتياجات الطفولة تعزف باستمرار بداخلنا. نحن لسنا بعيدين أبدًا من الرغبة في أن نكون مطمئنين، كما قد يكون قبل عقود من قِبل شخص بالغ متعاطف، على الأرجح أحد الوالدين، الذي جعلنا نشعر بالحماية الجسدية الدافئة، وقبل جبيننا، ونظر إلينا بإحسان وحنان وربما قال ببساطة وبهدوء شديد "بالطبع". أن تكون في حاجة لأمك (كما كنت في السابق) هي مخاطرة بأن تكون مثيرا للسخرية، خاصة عندما نكون بطول مترين وفي موقع مسؤولية. ومع ذلك، فإن فهم وقبول الرغبات الطفولية ينتمي في الواقع إلى جوهر الرشد الحقيقي. في الحقيقة، لا يوجد نضج بلا تفاوض كاف مع الطفل الداخلي، ولا يوجد أناس كبار وعاقلون لا يتوقون للشعور بالراحة والاستلطاف كالطفل الصغير.

في منازلنا، يجب أن يكون لدينا جميعًا لوحات، مثل التي في الفنادق، يمكننا أن نعلقها على أبوابنا ونعلن للمارة أننا نقضي بضع دقائق في الداخل نفعل شيئًا أساسيًا لإنسانيتنا ومتصلًا بطبيعته قدرتنا على العيش مثل الكبار: نبكي كطفل مفقود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا